الاثنين، 30 ديسمبر 2013

حرية التعبير

 :

حق التعبير من الحقوق التي يقاس عليها تقدم الدول على بعضها ، و تعتبر من المعايير العالية جداً عالمياً ، والتي قد لا تتوفر في أي دولة مهما كانت حقوقية من النواحي الثانية ، وقد يسمى " الحق في النقاش " أو " حق إبداء الرأي " ، وهو باختصار : حق المواطن في الدول الحرة ، أن يقول ، أو يكتب ، أو ينشر ، أو يطبع ما يود التعبير عنه ، مع العلم ، بأن هذا الحق لا يخلي مسؤوليته عند الإضرار بالآخرين ، في مسائل القذف الصريح ، أو تشويه السمعة بلا مستند حقيقي .

وهذا الحق يعادل في المقاييس الأخرى الكمال الحقوقي ، فليس بعده من حقوق تذكر عند المجتمعات الطبيعية ، وكل ما عداه قد يتعارض بشكل من الأشكال مع بعض الحقوق الأولية ، كحق تغيير الجنس مثلاً أو حق الإجهاض .
بعد الثورات العربية ولقلة التجربة ، برز هذا الحق كمطلب أولي ، ولعدم معرفة الناس لحقيقة أن يكونوا أحراراً ، رأينا العجب في طرق استخدام هذا الحق في بعض الدول حديثة عهد بالاستبداد ، فكان التهجم والتأليب الصريح ، فضلاً عن القذف العلني والتخوين ، حتى حدث ما حدث في مصر المحروسة مثلاً ، ويحاول البعض تمريره إلى تونس بأساليب قد تختلف .
المجتمع المصري حين تعلق بهذا الحق ، كان كمن لا يملك أي لياقة بدنية تذكر ، ثم أدخل في سباق المئة متر ، فجاء متخلفاً في ركضه ، بل لم يستطع الانتهاء من السباق أصلاً ، ورجع إلى بداية النقطة الأولى ، يمارس الإحماء على المضمار ، ويأخذ حصص لياقة .
إن هناك مستويات من الحقوق كما يقسمها الفقيه القانوني الإنجليزي "بلاكستون" حقوق مطلقة وحقوق نسبية ، ثم زاد فقهاء القوانين ، حقوقاً ثانوية لا يصار إليها إلا بعد الانتهاء من الحقوق المطلقة والنسبية .
وهذا ما فات الناس والمثقفين في بلادنا العربية ، فمن أول أيام الثورة ، قفزوا إلى حق التعبير ، وحرية الكلام ، وجاءت كما هي طبيعة الفوضى التي تركها الاستبداد ، مجردة من أي قيمة أو مسئولية ، بل جاءت كما يريد أساطين الدولة العميقة ، أو ما اصطلح على تسميتهم بالفلول .
لست هنا في مقام الناقد ، بل في مقام المتابع ، فالمربع الأول حين ترجع إليه في ثورة عظيمة كثورة مصر ، مؤلم للجميع ، حتى للمتابعين ممن لا يمسهم الوضع الداخلي المصري بشكل مباشر ، ولكن يقيناً أن مصر قبلة العرب ، وحين تعبر القنطرة سيعبرها الجميع معها .
حق التجمع والتظاهر كافي كخطوة أولى يجب رفض التنازل عنها مهما حصل ، فهي إن سلبت لن تعود ..

الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

نسبية المفاهيم والمرجعية


المفهوم هو تصور ذهني عام ومجرد عن الأشياء الواقعية ، وقد يكون تصوراً ذهنياً محضاً بلا وجود حقيقي في الواقع ، ولارتباطه القوي بإشكاليات المعنى والدلالة والإحالة ، تختلف التفاسير في المفهوم الواحد ، مما يصنع انطباعاً حقيقياً بنسبية المفهوم أصلاً .
وهذا ما يلاحظ حالياً ، بعد الربيع العربي ، فهناك الكثير من المفاهيم المتفق عليها كألفاظ ، من قبيل  ( حقوق الإنسان ، وحرية التعبير ، وحرية التجمع ) وما إلى ذلك من المفاهيم الطارئة حديثاً كتطبيقات ، وإن كانت موجودة في الأساس كألفاظ تعريفية لا أكثر ولا أقل ، وذلك راجع لحالة الدول العربية الاستبدادية الرافضة لأي فكرة ، أو مفهوم يأتي من خارج المؤسسة الحاكمة ، فيصل الحد إلى التجريم الحقيقي لصاحب الفكرة أو المفهوم ، عبر وسائل الدولة الاستبدادية المعروفة من قضاء وإعلام وغيره .
بعد الحالة الجديدة برزت هذه المفاهيم بقوة على السطح ، ولكون المجتمع لم يتعود عليها ، تم استخدامها كشعارات تأخذ أحكام النتائج والغايات ، متجاوزين بها حكمها الحقيقي ، أنها مجرد وسائل يفترض وجودها العيش الكريم لأفراد المجتمع ، فالمفاهيم المذكوره أعلاه وغيرها ، ليست غايات لذاتها ، بل وسائل لحفظ كرامة الإنسان وضمان الحياة الكريمة له .
كل هذه الفوضى في تحديد المفهوم بشكل مقبول يقودنا إلى المربع الأول غير المشاهد ، وهو المرجعية ، وهو ما يسميه حجة الإسلام الغزالي رحمه الله بالميزان أو القانون المتفق عليه في معرض حديثه عن استخراج الجزئيات من الكليات ، يقول رحمه الله :
" وليكن للبرهان قانون متفق عليه يعترف به كلهم ، فإنهم إذا لم يتفقوا في الميزان لم يمكن رفع الخلاف بالوزن " .
 ولاختلاف الناس أساساً في المرجعية لمن تكون ، فمن قائل بوجوب الرجوع للفقه الإسلامي في تحديد الأحكام ، إلى قائل بالرجوع للمقاصد الكلية من الشريعة ، إلى رافضٍ أصلاً فكرة التراث الإسلامي العربي محيلاً على الموروث الغربي في القضايا الجزئية ، والناس في ذلك مشارب وأهواء ، لا يمكن حصرها في مجال معين أو مرجعية معينة ، حتى الفريق المتفق على مرجعية بعينها ، كالشريعة أو الفقه أو الموروث الغربي ، تجدهم يختلفون في ما الفقه المقصود هل هو المالكي أم الشافعي أم الحنبلي أم ، أم ، وكذلك غيرهم .
المحصلة النهائية لهذا الموضوع أن الاتفاق يجب أن يكون في البداية على مرجعية متفق عليها ، قبل الخوض في التفاصيل التي لن تنتهِ ، ما دام الإنسان في علاقة مع غيره ، المرحلة الماضية كانت مرة جداً على الوطن العربي ، ولكنها كانت مليئة بالدروس المستفادة ، وأظن أن فوات التفكير في المرجعية من الأساس صنع هذه الفوضى في أكثر من بلد عربي .

نشر في جريدة الشرق القطرية يوم ٢٧
نوفمبر ٢٠١٣ 

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

السعودية وإسرائيل تقاطع مصالح دائم !!!

‏التصريحات التي خرجت قبل أيام عن أن المصالح السعودية الإسرائيلية لأول مره تتقاطع !! هي تهيئة لعلاقات معلنة حقيقية ورسمية  ، لأن المتابع لمسلسل المصالح المزعوم يرى أنها تتقاطع دائماً ، فمثلاً أحداث ١١ سبتمبر تقاطعت في اجتثاث الإرهاب ، وإسقاط حكومة طالبان الوليده ( الأمل السني في إنشاء دولة لا تخضع لمقاييس خارج دائرة رؤية علماء الشريعة ) وفي غزو العراق تقاطعت ذات المصالح في إسقاط حكومة صدام حسين ، وهي نفس المصالح والتقاطعات في ثورات الربيع العربي المجيدة ، ولا أدل على ذلك من الإنقلاب الإجرامي في مصر المحروسة والموقف المخزي من الثوار السوريين ..

ولا يوجد موقف واحد تعارضت فيه هذه المصالح ، إذا استثنينا الداخل الفلسطيني والذي ترك لطغمة فاسدة وضعيفة أن تفاوض فيه ، في تملص حقيقي من المسؤولية الشرعية والأدبية والقومية من قضية الأمة الأولى ، وهو موقف تتشارك فيه كل الطغمة الحاكمة في البلاد العربية بلا استثناء ، لا أحد يفضل أحداً فيه إلا بزيادة الوقاحة والصفاقة .

وبعد الاتفاق الأخير بين الدول العظمى الغربية وبين إيران ، ظهرت نبرة تقاطع المصالح بوضوح ، وقيلت علناً في كلا الفريقين ، وهي مرادة لغيرها ، فالتطبيع المعلن والصريح سيكون واضحاً للعيان وباتفاقات حقيقية هذه المرة ..

ولو عدنا بالذاكرة للوراء لتذكرنا الحديث الصحفي للملك عبدالله قبل توليه العرش في السعودية ، مع توماس فريدمان الرئيس السابق لقسم الشرق الأوسط في الواشنطن بوست ، والذي ذكر فيه مبادرة المملكة للإعتراف بإسرائيل ، وتبادل العلاقات الدبلوماسية وتطبيع العلاقات معها بشرط انسحابها إلى حدود عام ٦٧ ، وهي المبادرة التي تم إقرارها في قمة بيروت عام ٢٠٠٢م ، وللفائدة فهذا اللقاء هندس له سفير السعودية في واشنطن الحالي عادل الجبير !!! .

هذا الملف يرى البعض أنه المسمار الأخير في نعش العقد الداخلي الذي سبق أن أشرت إليه في تدوينا سابقة ( الثالثوث المقدس ) ، فالمملكة هنا ستكون عاريةً من كل ساتر حقيقي في مواجهة المؤسسة الدينية ، صاحبة الإمتياز التشريعي المعلن في البلد .
مع أن الظن يغلب أنه سيظهر من يرى هذا الإتفاق إن وقع نصر للإسلام والمسلمين كما في كل مرة ، وأن الخطر الحقيقي على الإسلام هم الشيعة ممثلين في إيران ، وهذا أمر غير مستبعد بل هو الراجح والمتيقن ..
السؤال الحقيقي من كل ما سبق هل يعي الساسة الجدد من فئة الأمراء الشباب ما يقومون بفعله في البلد داخلياً وخارجياً ؟ أم أن الأمر تعدى مرحلة الوعي ودخل في مرحلة الانعتاق من كل قيمة شرعية مؤسسة لهذا الكيان ؟
الأيام كفيلة بالجواب عن هذا السؤال وعن غيره .

دمتم بودٍ وتقدير ..

الخميس، 14 نوفمبر 2013

مع عبدالرحمن




ترأيت له وأنا القادم من الماضي كإسطورة من متحف الحضارة سمح للزوار برؤيته .
لم يستطع التعبير بالكلمات لعدم قدرته على تجاوز المفردات الثلاث التي استقبلتني بها عيناه قبل أن يبوح بها لسانه .
أنت تركي ؟
متى طلعت من السجن ؟
أنا أحبك !
أختزل كل تساؤلاته وإنطباعاته بهذه الأسئلة والإفادات ، لم يشأ أن يفارقني لحظة وهو الصغير المنهك من أول النهار ، لعب مع الكبار لعبة السهر فخسرها بينهم ، وربحها معي ، نام بجانبي وهو يدعي القدرة على مقاومة احتياجه للنوم ، لم يميز أحداً غيري فلم يعر الرجل الذي أعطاه ظهره وهو في عمر أحفاده أي إهتمام ، ولم يعلم أن ذاك الكهل لم يلاحظ وجوده أصلاً ، فقد تعود على تجاوز مخالفات الصغار للعادات والتقاليد تحبيباً لهم بمجالس الكبار .
أردت ترك إنطباعٍ في نفسيته عني ، وأن يوافق ما سمعه ما رآه ، فالصغار قد صنعوا في خياله شيئاً عظيماً إسمه تركي .
صادقته في يوم وليلة وأصبحت الصديق الدائم والوحيد ، أتجاذب معه أطراف الحديث القصير ، وأعطيه من الأسئلة ما يستطيع إجابته بنعم ولا ، كي لا تتزاحم الكلمات القليلة في قاموسه مع عدم الادراك ، وليكون الصديق الفاهم الناضج :
هل تريد أن نذهب إلى مشار يا عبدالرحمن ؟
هل تريد أن نرى السد يا عبدالرحمن ؟
وعندما رأى طريقاً صعباً يوصل السائرين خلفه إلى حيث لا يرى .
قال بلغة الصديق الواثق :
رح مناك !
خنقتني العبرة من فرحتي  بطلبه وسأقول أمره ، فقد رأيتها في عينيه ساعة إطلاقه شخصية الصديق المخلص الوفي .
يالله جاء إلى الحياة ولم أره ، وقابلته وهو طفل يدرس في المدرسة ، ولم يعرفني إلا من حكايات والدته والصغار أقرانه ، ممن يذكرني أو زارني .
قصة لقائي بعبدالرحمن سأنساها يوماً ما ، أو ربما نسيتها الآن وأنا أكتبها ، لكن ذاكرة الأطفال ستحتفظ ببعض التفاصيل ، وسيحفظ عبدالرحمن شيئا من لقاءه بي ، كما حفظت أنا شكل الجبل المطل على مشار واستجلبته من الذاكرة بعد ثلاثين سنة من رؤيتي له ..
حايل _ قرية القاعد .
الثلاثاء ٨ من شهر الله المحرم ١٤٣٥ من هجرة المصطفى .
١٢ نوفمبر ٢٠١٣ م .

الصغير هو عبدالرحمن بن عبدالله المجحدي إبن خالتي ..

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

النقد المرفوض

قصة حمزة كاشغري تعطي درساً لغيره من رافعي شعار النقد لكل شيء بدعوى الحرية الفكرية ، فهم سيقعون بين سندان المجتمع الذي لا يرحم المساس بالمقدس ومطرقة الدولة المحبه لهذا النوع من القضايا ، لخدمتها الركيزة الأساسية المعروفة ( حماية السنة ) وإحجام المهتمين عن التعرض لملفاتهم حذراً من الوصمة ، والدفاع الوحيد سيكون في سير المحاكمة والمطالبة بعرض القضايا على المحاكم العامة وعدم إخضاعها لأي نوع من المحاكم السياسية .
الشباب المتعرض للمسلمات المقدسة دينياً يرتكب المخاطرات ( اسميها مخاطرة حقيقيةً ) تضع الحراك الإجتماعي في موقف سيء عند المجتمع ، لقدرة الأجهزة الحكومية ومن خلفها الآلة الإعلامية الضخمة ( صحافة وخطباء ) على تجميع الحركيين في فريق واحد لا يقيم للمقدسات أي اعتبار .
هنا أصبح التعرض المماثل لقصة حمزة كاشغري السابقة والأخيرة إن شاء الله ، شأناً ثقافياً عاماً ، فهذا الفعل يعرض المهتمين جميعاً للحرج ، ويجعلهم عرضةً للدفاع عن أنفسهم بعدم حملهم لهذه الأفكار ، وطريقة المجتمع في النقد معروفة ، فهي تساؤلية هجومية تفترض الشيء ثم تبحث عن أدلته .
الوعي بالمجتمع جزء مهم في التعرض لقضاياه المهمه ، فقصر عمر الحراك ، ولين عوده ، وإقحام أصحاب الميول بالشهرة لهذا المجال ، يجعل المرحلة حساسة ، وبالرجوع لأي قضية عامة ، وقراءتها بموضوعية سيفيد المتابع فضلاً عن المهتم .
لسنا في شك من ديننا ولا في شك من رسولنا ، ولا نحمل تفكيراً متعارضاً مع ثقافتنا وهويتنا ، نحن نبحث عن حياة تشاركية ترفعنا لمصاف الأمم الكريمة .
هناك ملفات تستحق النقد والصبر على الأذى فيها ولن يجد مقتحمها نفرةً من الناس الأسوياء ، أما المهاجمون عادةً لكل نقد فهم غير مهمين .
ملفات المرأة والطفل ، ملف الأراضي ، ملف التقنين ، ملف المعتقلين وغيرها من ملفات تستحق الإهتمام بها .

الاثنين، 28 أكتوبر 2013

الرواية العربية القديمة

فن الرواية قديم عند العرب ولكنه لم يستمر لأسباب كثيرة لعل أبرزها أن العرب محبون للشعر والنثر أكثر من فن الرواية سابقاً ، وإن جاز إعتبار المقامات فناً روائياً ، فإن الروايات الأربع المسماة بحي بن يقظان لا تعدو أن تكون فناً روائياً حقيقاً .
الأؤلى كتبها الفيلسوف والطبيب ابن سينا أثناء سجنه .
والثانية كتبها شهاب الدين السهروردي الصوفي الشهير .
والثالثة كتبها الفيلسوف الأندلسي ابن طفيل وهي الأشهر .
والرابعة والأخيرة كتبها ابن النفيس الطبيب المعروف .
فكرة هذه الرواية عند الأربعة السالف ذكرهم فلسفية بحته ، جميعهم بناها على ما يؤمن به .
ولعل رواج رواية ابن الطفيل أنها جاءت في قالب عدم تعارض العقل مع النقل أو العقل مع الشريعة .
ويذكر لي بدر الراشد الصحفي في جريدة الحياة ، أنه قرأ نصاً يفيد برواية كتبها الجاحظ ولكنها مفقودة ، لم أستطع التأكد من المعلومة أكثر من ذلك ..
وبالنسبة للرواية الشعبية فهي قديمه جداً ، مثل قصة أبي زيد الهلالي وعلياء وقصة الضياغم ، وقصة الأمير حسن وما إلى ذلك ، وأقدم ذكر لها في المرويات الشعبية كانت عند الأمير والشاعر رميزان بن غشام التميمي ١٠٧٩ هجري .
مع أن هناك جوانب أدبية أخرى لعل الوقت يسفعنا في إيرادها أو أن يأتي لها مجال .


كل الشكر والتقدير . 

السبت، 26 أكتوبر 2013

قيادة المرأة والقرود الخمسة

تُتداول قصة عن تجربة في علم الإدارة والاجتماع ، لا أعلم عن صحتها وحقيقة وقوعها ، ولكن نتيجتها ملفتة للانتباه ، حتى لو كانت من وحي الخيال .
تدور القصة حول مجموعة من خمسة قرود وضعت في قفص ، وفي سقف القفص وضعت سلة فواكه تحتها سلم يوصل إليها ، عند دخول القرود للقفص وبعد هدوئها ، بدأ واحد منها في محاولة للوصول للفاكهة ، فما كان من صاحب التجربة ، إلا أن رش القرود الباقية بالماء البارد ، وعندما حاول قرد آخر الوصول لسلة الفواكة ، قام صاحب التجربة مرةً أخرى برش الباقين بالماء البارد ، حتى فهمت القرود أن اقتراب أحدها من الفاكهة ، يعني عقاب الباقين بالماء البارد ، فلم تعد تقترب من سلة الفاكهة .
قام صاحب التجربة بعدها بإخراج قرد من الخمسة ، وإدخال قرد جديد بدلاً عنه ، عندما رأى السلة قفز للحصول على الغنيمة ، لاحظ صاحب التجربة أن القرود حاولت منع القرد ، ولما لم يستجب قامت بضربه وتأديبه ، استجاب القرد الجديد للوضع العام بكل احترام وتطبيق كامل ، رغم أنه لم يرَ الماء البارد أصلاً ، ولا يعلم ما السبب ، فكل ما يعلمه أن الوصول لسلة الفاكهة ، يعني عقاب جماعي من قِبل بقية القرود ، أخرج قرداً آخر وأدخل بداله قرداً جديداً ، فحاول الجديد الوصول لسلة الفاكهة ، فما كان من الباقيين الذين عاصروا الماء البارد ومعهم القرد الجديد ، إلا أن ضربوه ، والغريب أن الجديد هو أشدها تطبيقاً للنظام العقابي ، ثم قام بإخراج قرد قديم وإدخال جديد ، حتى تغيرت المجموعة بالكامل ، وصار المجموع في القفص لم يشاهد الماء البارد رغم أنه يطبق نظام العقوبات الخاص بالوصول لسلة الفواكه ، فقام بتبديل المجموعة واحداً تلو آخر ، وكل قردٍ جديد يدخل القفص ، يحاول الوصول لسلة الفاكهة تقوم باقي المجموعة بمعاقبته ، كما ينبغي .
استخلص العلماء أن البيروقراطية والروتين عندما تنشب في إدارة ما ، يتحول لنظام يصعب تجاوزه بل يستحيل ، حتى لو كانت الممارسة سخيفة أو غير مفيدة ، مثل الملف العلاق عندنا ، والمعروض .
أذكر عندما كنت أعمل في إحدى الوزارات ، أني أصوغ القرار ، ثم أطبعه ، ثم أرفعه لمديري المباشر مع التأشيرة ، ومنه لمدير الإدارة ، للوكيل المساعد ، للوكيل ، لنائب الوزير لمدير مكتب الوزير للوزير ، وكلهم يعدل ويؤشر ، ما عدا مدير مكتب الوزير الذي يعطل المعاملة في اتباع البروتكولات الوزارية ، فهو في تجربة القرود يذكرني بالقرد الجديد ، الذي لم يرَ الماء البارد وهو أشد القرود تطبيقاً للنظام العقابي .

قس على ذلك الكثير من الممارسات الاجتماعية غير المفهومة ، والتي لا يوجد نص صريح في منعها أو السماح بها ، ومع ذلك تُمارس ، والجميع يعتبرها قانوناً يجرم عرفاً كل من يتجاوزه ، بدعاوى مخالفة العادات والتقاليد ، وتعكير الجو العام وهلم جرا ، في ممارسة يستحيل إغفال الجانب السياسي ورجاله منها ، فهو الأكثر انتفاعاً من بقاء مثل هذه القواعد الجامدة ، ولا أدل على قيادة المرأة للسيارة الحدث الأبرز حالياً ، فلا يوجد قانون ينص على منعها ، ومع ذلك تعاقب كل من تقود السيارة اجتماعياً ، وقد تحاكم في المحكمة العامة بنفس التهم آنفة الذكر ، ولن تجد من يرحمها من المجتمع ، لكونها رغبت في الوصول لسلة الفاكهة .

الجمعة، 25 أكتوبر 2013

الإحتباس الحراري

ورد خبر قبل قليل في قناة BBC عن أن روسيا تعيد تشغيل خط القطارات مع كوريا الشمالية ، وتحاول الضغط على الكوريتين لربط شبكتي النقل الحديدي بينهما ، مما سيؤثر سلباً على حصة قناة  السويس في سوق نقل البضائع العالمي .
هذا الموضوع ليس جديداً ، فمنذ بدأ الحديث عن ظاهرة الاحتباس الحراري والعالم الغربي يتلمس الفوائد من ذلك ، الظاهرة باختصار عبارة عن ارتفاع في معدلات درجة حرارة الكرة الأرضية بسبب الغازات المندفعة ، وهي معروفة ، ويمكن الرجوع لها في الويكيبيديا لمعرفتها ،  أو في المراجع المختصة .
الحديث هنا عن تبعات هذا الارتفاع والمتمثلة في ذوبان الجليد في القطبين ، ومن قمم الجبال ، وارتفاع معدل مستوى البحر ، مما يهدد دول كثيرة كالمالديف مثلاً بالاختفاء للأبد ( نسبة ارتفاعها نص متر عن سطح البحر ) ومع الإشكاليات الكبيرة للنقل الملاحي العالمي عبر قناة السويس ، أحد أهم المضائق عالمياً ، بسبب القرصنة في المحيط الهندي وبحر العرب ( سأحاول أن أكتب في القريب عن ظاهرة القرصنة وأسبابها ونتائجها ) والاضطراب الملاحظ في المنطقة بسبب موجة الربيع العربي ، ورغبة أمريكا في التخلي عن المنطقة ، كبعد استراتيجي ، بسبب الاكتشافات الأخيرة للنفط والغاز والتي ستجعل الولايات المتحدة الأمريكية أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم في غضون سنوات قليلة ، وعلى أقل تقدير ستصل إلى الاكتفاء الذاتي .
حجم التجارة العالمي بين دول الشرق الأقصى والغرب هو الأعلى على مستوى العالم ، ولمعرفة مستوى منطقة الشرق الأوسط من التجارة العالمية ، يكفي أن تعلم أنها في المرتبة التاسعة من حيث حجم التبادل التجاري مع الصين مثلاً .
كل ما سبق يضع علامة استفاهم كبيرة حول مستقبل المنطقة ، فالمنطقة أهميتها كانت تجارية استرتيجية ، وبدأت تفقد بريقها ، وستكون في المدى المتوسط منطقة شبه منسيه عالمياً ، لا يعيرها العالم أي اهتمام ، ولولا وجود إسرائيل لكانت منسية الآن ، ولا أحد يهتم لمشاكلها .
عند الرجوع للتاريخ ، نجد أن بعض المواقف العظيمة في وقتها ، سجلت نكسات للمنطقة تعاني منها إلى الآن ، فمثلاً عطل السلطان سليمان القانوني طريق الحرير بدعوى التفرد والسلطة على العالم ، فبحث العالم عن طرق أخرى زاد هذا البحث رغبة الإسبان والبرتغاليين في الإستعمار والبحث عن الذهب ، فإكتشفوا رأس الرجاء الصالح بمساعدة البحار العربي بن ماجد .

روسيا الآن تعيد تأهيل طريق الحرير القديم ، للنقل التجاري بين شرق آسيا وأوروبا عبر أراضيها ، مستفيدةً من ضياع البوصلة الاسترتيجية للدول الإسلامية والعربية ، ومن ظروف الاحتباس الحراري التي ستجعل من الشتاء الروسي أقل حدةً ، وسنرى إن جرى الماء في مضيق برينغ طوال العام كيف ستنهار خطوط الملاحة الحالية .

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

المستفيد الوحيد

الحديث الدارج هذه الأيام بين أطياف المجتمع ، هو موضوع قيادة المرأة للسيارة وحملة ٢٦ أكتوبر ، وما سبقها من تفاصيل مهة جداً ، بعضها علاقته ملاحظة ، وبعضها قد لا ينتبه له .
في أحد المقالات السابقة تحدثت عن الثالوث المقدس ، وأوضحت فهمي لحقيقة الركائز الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي في المملكة العربية السعودية ، وهي باختصار كرسي الحكم والعقد الداخلي والعقد الخارجي ، وأنصح بقراءة المقال المذكور لتتضح الصورة بشكل أكبر .
قبل أن أفصل المواقف والنتائج ، أحب أن أوضح موقفي من قيادة المرأة للسيارة ، هي عندي ليست حراما ولا فرضاً ، وليست قرار سياسي أو شرعي هي حق اجتماعي ( عرف ) ، المخول الوحيد في منحها هو المجتمع بتقبل الفكرة من عدم التقبل ، لن أستفتي عالماً ، ولن أقبل قرار سياسي في مثل هذه الأعراف الاجتماعية ، ويكفينا من إدخال الفتوى في الأعراف باب الحرز والديات وما داخله من إشكاليات كبيرة .
المعارضين لقيادة المرأة للسيارة ، وسائلهم معروفة و متبعة من لدن قيام الدولة الحديثة إلى تاريخه ، إجتماع لكبار المشائخ والمحتسبين وطلبة العلم ، ثم التوجه لولي الأمر ( الملك أو نائبه ) للاعتراض على المشهد ، بالأسلوب القديم ، في رسالة مفادها أننا نحن الطرف الثاني في العقد الداخلي ( عقد الدعوة الوهابية ) وحضورنا لولي الأمر اعتراف كامل بالركيزة الأهم ( كرسي الحكم ) .
المطالبين لقيادة المرأة للسيارة لا يفضلون هذا الأسلوب ، ليس كرهاً فيه ، بل لعدة أسباب مهمة ، أن الحاكم إلى فترة قريبة كان لا يدخلهم في مجالسه الرسمية ، وكلنا يذكر كيف ضاق الشارع من تعيين الأستاذ تركي الحمد في منصب مستشار ولي العهد ، وما زال هذا التصرف ماثلاً للعيان وإن كان بدرجة أخف ، ولأجل ذلك منح المطالبين وسائل للتعبير وإيصال الفكرة منها الصحف والقنوات الفضائية ، التي لا يتمتع بها المخالفون .
المستفيد الأكبر من هذا الموضوع برمته هو النظام السياسي في البلد ، فإن صدر القرار بمنع المرأة من قيادة المرأة للسيارة ، فهذا يعني أن العقد الداخلي معمول به ، وأن الطرف الثاني فيه مازال ذا إعتبار عند الحاكم .
وأن صدر القرار بقيادة المرأة للسيارة فهو المستفيد أيضاً ، خصوصاً أن السياسة الخارجية والضغوطات التي تعاني منها المملكة في ملف حقوق الإنسان والمرأة والطفل ، والانتقادات التي واجتها من منظمة العفو الدولية حول هذه الملفات والإنتهاكات الصريحة فيها ، ستجعل مثل هذا القرار إضافة جديدة في سجل تلميع صورة المملكة في ملفات حساسة خارجية .

أحب التذكير فقط بأن المعترضين كالمطالبين ، لن يتم اتخاذ أي إجراء سواءً منع القرار أو سمح ، بل سيعودون لمعركتهم من جديد في ملفات أخرى ، وللتذكير ! استحضر دمج تعليم البنات بالبنين لتعلم ما أقول ...

الأحد، 20 أكتوبر 2013

قيادة المرأة

قيادة المرأة للسيارة ستفتح مجالاً جديداً على المجتمع ( تبادل الأدوار ) وظني بأن الرجل السعودي على إهماله وتسيبه في الاستراحات والمقاهي ، سيكون على المدى القريب والمتوسط مجرد تيس للتلقيح فقط .

قيادة المرأة ليست حراماً كما أنها ليست فرضا ، وليست ضرورةً ولا ترفاً ، هي شأن من قبيل العادات الإجتماعية أو لنقل الممارسات العادية ، وهي نقطة غير منضبطة تطرح بلا وعي في ظل غياب حقيقي لمؤسسات المجتمع المدني وعدم وجود منظومة  لقوانين الأسرة ، فضلاً عن تهالك القضاء إن لم يكن وفاته السريرية ، المشهد الإجتماعي المعقد ، سيزداد تعقيداً ، بإضافة بند تبادل الأدوار .

المرأة غير جاهزه والمجتمع غير صالح والرجل بطبعه اتكالي على المرأة ، في ثقافة ترى أن مسؤوليات البيت كلها على عاتق المرأة ، من تربية الأولاد ، والإهتمام بهم من الألف إلى الياء ،  وإدارة المنزل ورعاية الزوج ، هذا على إعتبار أن الكثير من الأسر تعجز عن إضافة خانة جديدة في فواتير المصاريف للخادمة المنزلية .
والمناصرون لقيادة المرأة للسيارة أقسام منهم :
١) من مل من طرح هذا الملف ، ويريد الإنتهاء منه ، فعمره طويل جداً ( من أزمة الخليج الثانية ، حين قامت مظاهرة النساء الشهيرة ) .
٢) من يرى أن هذا المشروع سيحلحل القبضة السياسية على البلد ، عبر سن قانون جاء بضغط شعبي ، في محاولة حقيقية لمأسسة المجتمع .
٣) من يرى أن هذا المشروع نصر مؤزر على قوى الرجعية والتخلف ( بناءً على رأيهم أن من يقف بوجه التحديث والتطوير هم المحافظون ) .
القسم الأول والثاني يجب عليهم التفكير بجدية ، وبنظرة استراتيجية للقضايا وحلولها ، وقياس النتائج بإفتراضية مقبولة تسمح بترتيب الأولويات عبر وسائل الضغط المتاحة وعدم التصادم مع المخالفين للقيادة وهم السواد الأعظم إن صحت تقديراتي .
نحتاج لإنفتاح حقيقي على الفريق الأخر ، والجلوس بهدوء معهم ، وإيضاح أن النقاط المتفق عليها أكثر من المختلف فيها ، وأن الرؤيا بعمومها متوافقة بين الطرفين ، ولا تحتاج إلا لتسوية أزمة المصطلحات ، وترتيب الأولويات فقط .
أما القسم الثالث فيحتاج لجلوس مع نفسه ، وعدم إحتساب الموقف السياسي على سواد المعارضين لموقفه من القضايا الشائكة ، فهم مثله تماماً مجرد فريق في لعبةٍ ، لا يمتلكون توقيتها ومكان إقامتها ، فضلاً عن معرفة نتيجتها .
النظام عندنا شمولي بإمتياز ولا يحتاج لإيضاحات ، كما لا يحتاج لمزايدات مثالية لا تمت للواقع بصلة ، نحتاج في بناء مجتمع مسئول يقوده الواعون بحقائق الأمور وملابساتها .

الاثنين، 14 أكتوبر 2013

العرق والبلوت ( ثنائية أرامكو )

تأثير شركة أرامكو على الشأن الداخلي يتجاوز العمل في مجال إستخراج النفط ، ودعم الإقتصاد بالمصدر الأساسي للناتج القومي للمملكة ، في هذه المقالة سأحاول التلميح لبعض التغييرات التي جاءت بها الشركة للبلد .
على نطاق العمل السياسي قام موظفوا الشركة بإضرابات وإحتجاجات في عام ١٩٥٣م و ١٩٥٦م و ١٩٧٠م و١٩٧٩م ، تعتبر الأقوى على طول تاريخ الدولة الحديثة والتي جوبهت بفصل طبقي ، لموظفي الشركة عبر ، تحسين الوضع الإقتصادي للموظفين ، وتمييز الموظفين بمميزات لا توجد عند غيرهم ، كونهم يمثلون الطبقة المثقفة في البلد في تلك الفترة ، ولحملهم شعارات لا يحبذ أي سياسي في بلد متخلف سياسياً أن ترفع في وجهه .
وفي الحديث عن ثقافة موظفي أرامكو ومدى خوف السياسي من هذا القطاع المهم جداً ، ليس لطبيعة موظفيه ، بل لطبيعة تأثيره ( مصدر الدخل الأساسي ) الجميع يتذكر قبل عقد من الزمن تقديباً ، عندما إنتشر إستخدام البالتوك بين أوساط السعوديين كوسيلة تواصل ، كيف كانت مشاركات موظفي الشركة في غرف المعارضة السياسية ، كغرفة الإصلاح وغرفة التجديد ، مميزة عن الكثير من المشاركات ، وتدل على وعي حقيقي عند موظفي الشركة الذين يفترض السياسي أن أفواههم خرست للأبد ، فقامت ( الشركة ) بتصرفٍ الجميع يتذكره ، بمنع البالتوك في شبكتها ( الشركة تقدم خدمة الإنترنت لموظفيها مجاناً ) ولا أبالغ أن البالتوك خبى نوره بعد هذا المنع ، فلم يعد برنامجاً يستحق المتابعة للمهتمين بالشأن الداخلي عموماً ، وأصبح مجرد وسيلة تواصل للمواضيع المألوفة ( كالنقاش البيزنطي بين السنة والشيعة ) .
على صعيد العلاقات الإجتماعية ونوعيتها ، قدمت الشركة عبر موظفيها الأجانب وسيلتين للترفيه ، ما لبثت أن إنتشرت بين المواطنين في عموم البلاد ، الأولى لعبة البلوت الشهيرة والتي يندر أن تجد مجلساً في السبعينات أو الثمانينات أو التسعينات لا تلعب فيه ، مكونةً نموذجاً للجلسات الشبابية أو الديوانيات يتكرر في كل بلدة أو مدينة ، مرسخةً إمتزاجاً في الترفيه بين الجميع .
الوسيلة الأخرى وقد تستغرب كثيراً ، هي ما يسمى بالعرق ( الخمر الوطني ) فبعد حادثة مقتل القنصل البريطاني تم حظر إستيراد الخمور وبيعها لغير المسلمين عام ١٩٥٢م ، مما حدا موظفي الشركة الأجانب إلى إبتكار هذه الطريقة ، ولا يوجد مصدر حقيقي يؤكد هذه المعلومة ، بل إن أول إشارة لهذا المشروب وردت في رواية الأستاذ تركي الحمد ( أطياف الأزقة المظلمة ) والذي أظهرت أنه كان معروفاً في الستينات الميلادية ، وبالنظر لطريقة تحضيره المتشابهة ، والمعتمدة على أسلوب واحد يتمثل في تقطير الفواكه ، يوحي بأن مصدر طريقة التصنيع واحد ، كما أن إنتشاره في جميع مناطق المملكة يضع علامة إستفهام حقيقية على أرامكو كونها المكان الوحيد في تلك الفترة الذي يجتمع فيه جميع أبناء الوطن ، فتجد الجنوبي والشمالي والنجدي والحجازي ومن كل مكان تقريباً .

هل تستمر أرامكوا ذات تأثير سياسي وإجتماعي على الداخل أم أن التاريخ تجاوزها فأصبحت إحدى مراحله المهمه والمؤثرة ، الأيام كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال .

السبت، 12 أكتوبر 2013

تاريخ الحراك السياسي

الحراك السياسي الإجتماعي في المملكة العربية السعودية ليس وليد هذه الأيام بل هو قديم قدم تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله ، ولعل أبرز أزمة داخلية واجهت المؤسس هي المعارضة المسلحة من قبل جماعة الإخوان التي إنتهت للأبد في معركة السبلة الشهيرة .
إلى هذا الحدث ، يتم الحديث عن الإشكاليات الداخلية في تسويق غريب للإتجاه الواحد في البلد رغم التاريخ والجغرافيا ، مع إغفال جميع أنواع الحراك المسلح والسلمي ، في هذه الأسطر سأذكر بعض المواقف التي تستحق أن يطلق عليها إسم حراك سياسي معارض .
أول حراك سلمي تمثل في إضراب لسكان المنطقة الشرقية عام ١٩٥٣م وهو حراك خاص بالطائفة الشيعية ، مع إضراب ١٩٥٦م و١٩٧٠م و ١٩٧٩م ، كانت إضرابات وإضطرابات سلمية نوعاً ما ، أستغلت الإضرابات من المعارضين السياسيين ( إن جازت التسمية ) للمطالبة بإصلاحات سياسية محددة ، جاعلين من العدل الإجتماعي مدخلاً للتغيير ، فالمعاملة السيئة التي كانت تقوم بها أرامكو ضد موظفيها السعوديين ، مجحفة بكل المقاييس ، وعماد تلك المعارضات هم عمال أرامكو النخبة الفكرية في ذلك الزمن .
أفرزت هذه الإضرابات تشديداً ومعاملة قاسية من قبل الحكومة ضد الشيعة تمثلت في إنتهاك حقيقي لحقوقهم الدينية ، والتعامل معهم على أساس أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ، مع إبعاد موظفي أرامكو عن المواطنين بالطرق الملاحظه الآن للجميع .
مع دخول العراق لدولة الكويت ، برزت إشكالية كبيرة جداً في الموقف الداخلي ، حيث ظهر للعلن ، إنفصال الموقف السياسي الخارجي عن الرأي العام ، تمثل ذلك في ظهور معارضين ينتهجون عملاً مؤسساً على مطالب مشروعة ، ومقبولة للجميع ، لم يتم التعارض مع أي مسلمة للمجتمع السعودي المحافظ والمرتاب من التغيير .
برزت مذكرة المصالح وخطاب المطالب المقدمة للملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله كأبرز معارضة دينية حقيقية تلك الأيام ، إرتكزت على أساسيات مهمه جداً ، منها أن مقدميها كانوا رجال دين وخطباء وقضاة ، ونوعية تعتبر متدينة بمقاييس الشعب السعودي نفسه ، وكانت بكل المقاييس مطالب مقبولة للجميع ومحبذه ، جوبهت بحملة غير مسبوقة وتجييش الرأي العام ضدها .
لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية والتي تأسست في ٣/مايو/١٩٩٣ هي الأعلى سقفاً من بين حركات المعارضة السياسية ( إن جازت التسمية ) كونها جاءت على شكل مؤسسة منظمة ، وهذا لم يعجب الرأي الرسمي للحكومة فجوبهت كأي معارضة بحملة شرسة تبناها العلماء كواجهة ، وتم إعتقال جميع الأصوات المعارضة تلك الفترة من داخل اللجنة ومن خارجها في محاولة حثيثة لقتل الفكرة في مهدها .
العلامة الفارقة في الحراك السياسي والإجتماعي والحقوقي عندنا من بعد أزمة الخليج هو الدكتور عبدالله الحامد ، الذي لم يفتأ ، يعلن ويصرح بوجوب الإصلاح الحقيقي في البلد متحملاً في ذلك كل ما يمكن أن تجود به عقلية السياسي من عقوبات ، متعاطياً مع الجميع بلا تفريق على أساس إنتماء أو تفكير إن كانت المحصلة في الأخير البحث عن إصلاح حقيقي توافقي بين مكونات المجتمع .

نشكر الشرفاء على صبرهم .

الخميس، 10 أكتوبر 2013

مصير مشترك يفرض حلاً مشتركاً

الشعور التشاركي العربي عميق الجذور ، الذي أنتج فكرتي الوحدة العربية والقومية العربية فاقدتي المصداقية ، فالأولى ؛ فشلت في استرداد فلسطين ، والثانية ؛ أنجبت أشد الدكتاتوريات في المنطقة ( البعثيين ، كحافط الأسد ، و صدام حسين ) و الكثير من الأمور المشتركة في الأقطار العربية ، من قبيل سلب الإرادة الشعبية ، و تسلط الاستبداد بطرق و أشكال مختلفة ، و غياب المسئولية ، و المساءلة ، و الشفافية ، و نهب الثروات .
في الأزمات يظهر مثل هذا الشعور واضحاً و جلياً ، بعيداً عن تنظير المستبدين ، و المستفيد الأول من حالة الشرذمة و التفكك في الاستفراد ، بجزء صغير من الوطن الكبير الممتد عبر الجغرافيا والتاريخ ، في ١٩٤٨ ظهر الشعور وفي ٦٧ وفي ٧٣ وفي غيرها كثير ، بل ظهر الشعور في قضايا لا تخص العرب لوحدهم كقضايا الرسوم ، مثلاً والي استنكرت في الأقطار الإسلامية عموماً .
ونحن الآن نمر بأزمة مشتركة يظهر هذا الشعور فيها جلياً و واضحاً ، ففي عصر ما يسمى بالربيع العربي ، رفعت الشعارات المشتركة ، والحراك كان مستنسخاً بنفس الوتيرة في كل قطر تقريباً ، البداية سلمية دائماً ، إلا في حالة ليبيا والتي فرضت نوعاً مختلفاً من الثورة من بدايتها نظراً لهمجية الجهاز الاستبدادي وغباءه المفرط .
محاولات إجهاض الثورات في جميع البلدان التي قامت فيها ، كمصر واليمن وسورياً حالياً ، على يد أنظمة تعتبر لفترة قريبة جداً ، عدوةً لأنظمة تلك البلدان التي قامت فيها الثورات ، مما يرسخ مفهوماً جلياً وواضحاً مفاده ، أن الأنظمة القابعة على صدور العرب كلها عدوة لهم وإن صلت وصامت .
عاش العرب لفترات في ظل استبداد منقطع النظير ، تعلق بمناظر غير مهمة للمواطن العربي البسيط ، و تكلم مع المواطن العربي البسيط بلغة غير مفهومة ، أو بالأحرى مؤذية من قبيل لغة البائد " علي زين العابدين " في تونس من ضرب أسس ومسلمات في العرف العربي والإسلامي ، وأصبحت تقليعات الحكام مثار اشمئزاز كبير عند الجميع ، جعل العقل الباطن ينظر لهؤلاء ، وإن لم يتحدث صراحةً أنهم ليسوا على نفس دينه ، بل هم أعداء للدين والرسول والعرب على حدٍ سواء .
وحين قامت الثورات ظهر المخفي سريعاً وعادت الروح الإسلامية تسري في الوطن العربي كنارٍ في هشيم ، وأصبحت مفاهيم الشهيد والجهاد تطلق على الحراك السلمي وقتلى الاحتجاجات ، وأصبح الإسلام كحل متفق عليه مع اختلاف في التصور بين الفرقاء .

كل ما حدث يجعل من تطوير نظرية الإسلام السياسي عبر العوامل المشتركة بين المستضعفين في الأرض مجالاً خصباً وحل سائغاً للخروج من المعمعه الحالية .

السبت، 5 أكتوبر 2013

تقرير حقوق الإنسان

التقرير المقدم من المملكة العربية السعودية لمجلس حقوق الإنسان في جنيف لإستعادة العضوية ، لا يمكن إلا أن يقبل ، فهو صادق وشفاف وواضح ، وجميع كلمات المديح تكال له ، لغياب الرقيب أصلاً ، وعدم وجود إستقلالية لأي شيء عندنا ، فالجميع في إتجاه واحد وعلى نسق واحد .
من سيكذب التقرير ؟؟
 لجنة حقوق الإنسان الأهلية التي لا تمتلك أي قوة حقيقة ضد الممارسات المتعارضة مع ميثاق هيئة الأمم لحقوق الإنسان ، وكل ما تستطيع التعامل معه ، تعنيف طفل أو خادمة ، مع الأيمان أن هذه القضايا مهمه وحساسه ، لكنها تقع في مرتبة متأخرة مع القضايا الأكثر تعقيداً وإنتهاكاً لحقوق الإنسان كالسجون السياسية مثلاً .
هل ستقوم مراكز البحث وقنوات التلفزيون بتكذيب الخبر ، وهي التي تعرف سطوة الحكومة السعودية وقوة تأثيرها إعلامياً ، فالأصوات الإعلامية جميعها تساند التوجه الحكومي السعودي ، وأقوى القنوات العربية بإستثناء الجزيرة لا تستطيع تحمل لفت نظر من الحكومة السعودية فضلاً عن تكذيب هذا التقرير .
أضف إلى ذلك أن الدول الغربية الكبرى مثل أمريكا وبريطانيا ، وضعت طريقاً معبداً لغياب هذه الإنتهاكات الممنهجة عن دوائر الإعلام الغربي ، فقد خففت هذه الدول نشاطها الإستخباراتي من سنوات طويلة ، حرصاً على المصالح الإقتصادية في المنطقة ، ولعلمها بأن أفضل دولة ترعى المصالح الغربية في المنطقة هي المملكة العربية السعودية ، فلا يوجد معلومة تستطيع أن تغالط هذا التقرير ، وما يمكن أن يثيره الغرب كقضايا الحجاب والزواج ، تستطيع الحكومة السعودية الرد عليه بسهولة ، عبر الإتكاء على التشريع الإسلامي .
ويضاف للنقطة السابقة أن الشعب أصلاً ينظر بإرتياب لمن يفتح قناة مباشرة مع الدول الغربية وهو لا يحمل صفة رسمية ، تجد هذه النظرة عند المهتمين في الشأن الحقوقي قبل الأخرين ، فالنظرة المرتابة موجودة ومتغلغلة في التفكير النمطي للجميع ، وهذا عامل مهم يفيد الحكومة في تصديق هذا التقرير وعدم الإعتراض عليه .
ثم لا تجد صوتاً مستقلاً في الداخل يستطيع الوصول للخارج ، فالمنع من السفر وسيلة مهمه وناجعة في الإبقاء على الأصوات المنادية بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في الداخل أو في السجون عبر التهم الجاهزة والمعلبة من قبيل الإفتيات على ولي الأمر أو مخالفة الفتوى أو تأليب الرأي العام .
المهتمون أو المثقفون مورس عليهم عمليتين مهمتين أدت لأن يكون هذا التقرير صادقاً وموضوعياً ، العملية الأولى هي إستئصال غدة الحياء ، فأصبح المثقف النابغ هو من يتكلم عن قيادة المرأة ويتشدق بذلك كأنها آس القضايا وجوهرها ، والعملية الثانية هي الإخصاء ( أعتذر عن المصطلح ولكن لم أجد أفضل منه للتوصيف ) فلا يستطيع أن يتكلم إلا بالمسموح والمقبول .

في الختام هذا تقرير لن يكذب وسيكون تقريراً موضوعياً حائزاً على أعلى درجات الشفافية والوضوح .. 

الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

تسويق المركزية الأوربية

المركزية الأوربية تعني الإحتكام الدائم في شؤون الثقافة والقيم للثقافة الأوربية الغربية ومعها أمريكا ، أو هي بمعنى آخر جعل قيم أوربا هي المحك على كل ممارسة ثقافية معينة ، سواءً بوعي أو بدون وعي ، فالغرب يمارس المركزية الأوربية بوعي وإدراك في جميع علاقاته مع الأخرين خارج منظومة الدول الغربية ، فأول من صعد إلى قمة إفريست مثلاً غربي ، ونهر النيل ينبع من بحيرة ذات إسم غربي ، والمناطق تسمى بالنسبة لموقعها من أوروبا الغربية ، والتاريخ يُقسم بناءاً على رؤية أوروبا له ، فمسمى القرون الوسطى يعادل عندنا عصور النور والسيطرة العالمية .
والغرب عموماً لا يمكن أن يتخلى عن هذه الفكرة ، مهما إدعى من التسامح وتقبل الآخر ، فالسياسات الغربية يضعها الساسة وأصحاب النفوذ المالي ، لا الحكماء والمتسامحين من الفلاسفة ، وما صراع الحضارات ونهاية التاريخ وتمرير القوانين في المحاكم الفرنسية الممجدة للإستعمار إلا صور بسيطة وأمثلة واضحة عن تغلغل هذه الفكرة في الوعي الغربي حد المسلمات .
هذا موقف أوروبا وطريقة تعاملها مع الأمر عموماً ، ومستوى ترسخ هذه المركزية في الوعي الإنساني العالمي عن طريق الإعلام والتأثير على التعليم ومحاكاة الأقوى ، تجعل من التعديل الكلي أمراً صعباً يصل إلى حد الإستحالة عند البعض ، لكن ذلك لا يعفي المثقف والمهتم من تبعات هذا التعديل خصوصاً في النقاشات الفكرية بين العرب أنفسهم أو بين العرب والأخرين .
فخطورة مثل هذه المركزية على المتلقي عندما تمرر دائماً بأقلام رصينة ومتزنة أخطر من تمريرها عليه بأقلام قد يشك في صدقها معه ، فمثلاً في باب الثقافة يطرح سن الزواج للنساء وفق المركزية الأوربية التي تحدد سن الطفل بثمانية عشر عام ، وفي باب القيم تطرح علاقة الرجل بالمرأة وفق هذه المركزية ، وكأن الثقافة العربية الإسلامية بحاجة أصلاً لمنظومة من الأخلاق أو السلوك ، بل إنها من الخطر بمكان أنها تجعل الموقف العربي والشرقي عموماً في مكان الدفاع دائماً لتبرير قيمه وثقافته وأنها متسقه مع القيم والثقافة الأوروبية !!
ومن التسويق غير الواعي للمركزية الأوروبية عند فئة من المثقفين قد لا تكون كبيرة ، ولكنها مؤثره ، استسقاء الأفكار من فلاسفة الغرب فقط وتنزيههم عن الخطأ ، وعند طرح إسم شرقي إسلامي يتم التهكم بالطارح ، من قبيل أن الشرق لم ينجب من يستحق أن يؤخذ بكلامه في الفكر والثقافة عموماً ، ولو رجع هذا المثقف لنفسه قليلاً ، وقرأ في أي علم تقريباً لوجد من العلماء الشرقيين من يصادم بأفكاره جهابذة الفكر الأوروبي ، ولا يعذر صاحب قلمٍ إن عذرنا القارئ .

إن أردنا حواراً حقيقاً مع الغرب فيجب أن نتفق على مجالات الحوار وأسسه ، لا أن ننساق وراء الرؤية الغربية والقيم الأوروبية ونجعلها المتحكم والثابت وغيرها هو المتحول سواءً في نقاشاتنا البينية أو نقاشاتنا مع الآخرين . 

الاثنين، 16 سبتمبر 2013

الثالوث المقدس


تتركز السياسة السعودية على ثلاثة ركائز أساسية ، أهمها كرسي الحكم والآخران عقدان أبرما مع بداية تأسيس الدولة الحديثة ، الأول العقد الداخلي وأساسه الإتفاق الشهير بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب وهو النواة الفكرية للدولة الحديثة ، والعقد الثاني خارجي بين الملك عبدالعزيز وروزفلت وهو اتفاق حمايةٍ مقابل ضمان المصالح ، ما عدا ذلك هي مجرد مؤثرات وليست ركائز بمعنى أنها تتغير بتغير الظروف الداخلية والخارجية .
المهم في كل ذلك العقد الداخلي ، ففكرة الحركة الوهابية عن الدولة ، تعتبر فكرة سطحية ، لخوائها المعرفي والسياسي ، فلا تجد من الدارسين في كل الكليات الشرعية من استفاد من الحركة كمعرفة ، بل كل ما يتم تعليمه يأتي من الخارج ، فمثلاً كلية الشريعة في الرياض ، درست فيها البكالوريوس ولم يفرض كتاب واحد من علماء الدعوة إلا ما كان عن مادة الفرائض للشيخ صالح الفوزان حفظه الله ، والباقي خارج الدعوة ، بل قبل تأسيسها ، حتى العقيدة ، تجدها الطحاوية والتدمرية ، فكتاب التوحيد أساس الحركة النجدية لا يدرس .
إلى هنا والأمر واضح وسهل ، وتتمثل الرؤية السياسية متماهيةً مع الدينية بلا خلل كبير أو إختلال علاقة ، فالديني يعي الركيزة الأولى ويعلم أن العقدين الأخرين ضروريين معه ، لا يمكن تجاوز أحدهما ، أو إسقاطها ، وللمعلومية فالسياسي يسمح ببعض الحرية النقدية داخل هذا الثالوث ، فتجد التنفيس في بعض قصص الإحتساب هنا أو هناك ، ثم اعتقال المحتسب وتسويق الإعتقال إعلامياً ، ومن ثم إطلاق سراحه ، كرسالة من السياسي للمجتمع أن العقد الداخلي محترم ومقدس عنده ، والإطالة في هذا الباب لا داعي لها ، كونها من المعلومات الأولية ولا تحتاج لتأملٍ كبير .
وكل الجماعات التي ظهرت لتقويض هذا الثالوث ، قتلت في مهدها ، فمن جماعة جيهمان ، إلى تنظيم القاعدة ، إلى دعوات الإصلاح الديني والسياسي ضعيفة البنية والتركيب ، والتي كانت العدو المفضل للسياسي ، فهي ضعيفه ولا تمتلك حاضنة إجتماعية حقيقية يعول عليها في أي صراع .
جماعة الإخوان المسلمين خالفت كل الأعداء المفترضين أو الذين فرضوا كأعداء ، فمن جانبٍ هي جماعة منظمة تتبع تسلسلاً هرمياً ، ولها بعد اجتماعي كبير وملاحظ ، وهي غنية معرفياً بالمقارنة مع الحركة النجدية ، بل تتميز عليها بطرح مشاريع سياسية حقيقية ، ذات بعد إسلامي مؤصل بشكل من الأشكال .
مثل هذه الجماعة الأصولية ، قبل أن تكون عدواً محتملاً للأنظمة الحاكمة في المنطقة ، هي عدو حقيقي للغرب ، الذي يعي ويعلم مدى خطورة تحديث الأصولية وهو ما تطرقت له سابقاً في موضوع الأصولية المحرمة ، ولن تترك هذه الجماعة في أي مكان تطاله يد الأنظمة الحاكمة ، التي تستمد قوتها من تماهي المصالح مع الغرب .
للفائدة والإطلاع موضعين كتبتهما الأول عن الأصولية المحرمة والثاني عن علاقة الإخوان بالمملكة .

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

قانون الدجاج


لاحظ علماء النفس أن الدجاج الذي يعيش في مجموعة ، توجد بينه دجاجة تنقر جميع الدجاجات الأخريات ، ولكنها لا تُنقر من أي دجاجة أخرى ، وفي المقابل هناك دجاجة تنقرها جميع الدجاجات ، ولا تَنقر أي دجاجة أخرى ، وجميع الدجاج يعيش في تسلسل هرمي يبدأ من الثانية من أسفل الهرم التي لا تَنقر إلا دجاجة واحدة ، إلى أعلى الهرم حيث الدجاجة التي لا ينقرها إلا الدجاجة الزعيمة ، وفق هذه الملاحظة خلص علماء النفس إلى وجود قانون في كل مجموعة يحدد أهمية الفرد داخل المجموعة ، واتفقوا على تسميته ( قانون النقر ) .
العادة أن مثل هذا القانون في حياة الأفراد داخل المجموعات لا يكون مكتوباً ، بل مفهوماً ومعروفاً سلفاً ، ومحترماً ، كحال الدجاجات ، وأي تجاوز لهذه التراتبية غير المعلنة يعرض صاحبها للعقاب .
قبل أيام ظهر خبر في تويتر ، أن وزارة العدل ستقوم بمراقبة تغريدات المحامين ، وقبلها بفترة تمت محاكمة أحد القضاة بسبب تغريدات كتبها في تويتر ، إلى هنا والأمر معروف لدى الجميع ، لكن ما يدعو للتساؤل هو استنكار الناس قيام وزارة من الطبقة الثانية أو الثالثة بين الوزارات بالرقابة ، متناسين أن الرقابة والمراقبة أصل من أصول المجتمع عندنا ، تمارسها الوزارات والأجهزة الحكومية على بعضها وعلى المواطن ، فالدجاجة أعلى الهرم هي وزارة الداخلية بجهازها سيء الصيت ( المباحث العامة ) والذي يراقب كل شيء حتى منسوبيه ، فلا أحد فوق الرقابة والجميع متهم ، ونزولاً للوزارت من الصف الثاني ، نجد وزارة المالية تراقب الحسابات ، ووزارة الشؤون القروية والبلدية تراقب بناة الملاحق في السطوح ليُسكن فيها أحد أبناءه .
لماذا يُستنكر على وزارة العدل وهي ترى نفسها حامية النظام والقانون ، أن تقوم بما تقوم به وزارات أقل شأناً منها ، ألا يحق لوزارة العدل أن تمارس الرقابة على المحامين والقضاة ، فالرقابة أصلاً مقبولةٌ ضمناً ، وتشكل قانوناً صامتاً متعارفاً عليه ، لم ينكره أحد على غيرها ، فلماذا ينكر عليها هي ، لم تخرق السلم الاجتماعي ولم تأتِ ببدعة جديدة للبلد ، كل ما فعلته أنها تريد الترقي في السلم الهرمي للدجاجات ، لتصل لمستوى الدجاجة التي لا ينقرها إلا وزارة الداخلية ( الدجاجة الرئيسة ) .
بقي أن أنوه هنا ، أن الدجاجة أسفل الهرم التسلسلي هو المواطن ، فجميع القوانين الثقافية تمارس عليه بحذافيرها ، وهو الأضعف والأقل شأناً داخل المجموعة ، وعليه تقبل نقر الدجاجات كلها ، فمن وزارة الداخلية إلى التاجر إلى من يملك شقتين يؤجر إحداهما ويسكن زوجته الثانية في الأخرى ، الجميع يحق له نقر المواطن في جميع أجزاء جسمه ، والجميع يحق لهم نتف ريش المواطن ، وعمل مخدات للدجاج الأعلى مستوى في السلم الهرمي الدجاجي ..

الخميس، 5 سبتمبر 2013

تسطيح النقد


يحتل النقد كفن من الفنون المكانة العالية عند المهتمين و المختصين ، و هو حين يتناول الأدب أو الفن أو المسرح ، أو أحد المجالات ذات الإبداع الفني ، يجد له مكانة محترمة و مقدرة عند أصحاب الفن نفسه ، أو من قبل متابعيه و محبيه ، إلا أنه حين يتناول الجوانب الإجتماعية ، و السياسية ، و الإقتصادية الكلية ، تجد فيه تسطيحًا غريبًا ، و محاولات غير مفهومة لتحليل الإشكاليات ، و حصر الخلل في نقطة واحدة ، مغفلاً باقي النقاط التي قد لا تقل أهمية عنها .
فمثلاً موضوع تخلف العرب حالياً تجد ثلاثة أصناف من نقاد التسطيح ، و هم كالتالي :
الصنف الأول : من يرجعون التخلف إلى العقل العربي نفسه ، و يكتب و يطيل الحديث عن مراحل تكوينه ، عناصر تركيبه ، وا المفاصل المؤثرة ، و هكذا دواليك ، ثم يصل إلى نتيجة يدعمها بكلام بن خلدون في المقدمة ، من أن العرب ليسوا أهل حضارة ، و أي بلدٍ ملكوه أسرع له الخراب !.
الصنف الثاني : متطرفوا الليبرالية المسخ ، الذين يُرجعون كل التخلف للدين الإسلامي وحده ، وكل ما عداه متعلق فيه .
الصنف الثالث : متطرفوا الوعظ ، و هم من يرجعون التخلف كله إلى فسق الناس و معاصيهم ، و ما إلى ذلك من الخطاب الطوبائي ( المثالي ) الوعظي المعروف .
والحق يقال أن الأصناف الثلاثة لا يستخدمون سوى الاستنباط عند البحث عن الحلول ، على طريقة الإغريق ، و منهج أرسطو ، وإن ادعوا غير ذلك .
الشأن الإجتماعي ليس مجالاً محدداً بحقل واحد فقط لا يمكن تجاوزه ، بل هو مجموعة من المؤثرات تتظافر بعضها مع بعض ، ثم تحدث التغيير الاجتماعي الملحوظ للناقد ، و بالرجوع للمثال ؛ نقول أن التخلف العربي ليس وليد العقل العربي لوحده كما قال أهل الصنف الأول ، ذلك ( العقل ) الذي كانت عاصمته دمشق وحدود دولته جبال البرانس والصين في أعظم إمبراطورية في تلك الأيام ، وحملهم لكلام بن خلدون في جانب الذم ، مع إغفال جانب المدح ، حمل تعسفي لا يليق ، فابن خلدون لم يكن سوى راصد بالإستقراء فقط ، فلم يضع نفسه ناقداً للعرب في مقدمته ، بل كان باحثاً عن كيفية حياة المجتمعات البشرية بالملاحظة والإستقراء .
والصنف الثاني ، إن أردنا أن نبرر لهم الخطأ بحمله على محمل حسن النية ، نقول أن المبادئ ليست بتطبيقات أفرادها تنقد ، فالخطأ الذي يقع فيه المسلمون من فهمهم للدين ليس هو ذات الدين ، على أن حسن النية معهم ، قد يحمل عند البعض على الغفلة والجهالة .
والصنف الثالث ، من جعلوا سبب التخلف هو ترك الأعمال الصالحة ، فيقال لهم قد حجرتم واسعاً ، فجانب الأعمال الصالحة ليس في السلوكيات فقط والعبادات المحضة ، فقد دخل رجل الجنة بسبب كلبٍ سقاه الماء ، والحصر بهذه الطريقة هو جانب مأخوذ من التصوف الذي تدعمه الملوك وتحبه ، إن لم يكن هو الإرجاء المعروف .

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

مستويات الثقافة


تعرف الثقافة بأنها مجموعة من الاتجاهات المشتركة ، والقيم والأهداف والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما .
هذا التعريف المختار من عدة تعاريف لمصطلح الثقافة ، وهي بهذا التعريف تعادل ما يسمى الشق الروحي عند البعض للثقافة ، بما أن الحضارة هي الشق المادي ، ولا خلاف في التقسيمات إن كان المراد واحداً .
وللثقافة من هذا التعريف ثلاث مستويات مهمة جداً :
أـ أولي أو بدائي ( وهو ما يتحدد بالدين أو العرق أو اللغة ) بدرجات متفاوتة قد يطغى بعضها على بعض .
ب ـ التعايشي أو المشترك أو العرف السائد وهو ما يؤلف من المستوى الأول في الأعم الأغلب ينتج بالتواطؤ الضمني بين أفراد الثقافات .
ج ـ الوجه الثقافي الرسمي وهي الصبغة الغالبة ظاهرياً ، وتتمثل بتوجه الفئة الغالبة وهي رغم طغيانها لا تعتبر قوية ومتماسكة عند أي محك حقيقي .
بضرب المثال يتضح المقال :
في أزمة الخليج الثانية إبان غزو العراق للكويت ، مدينة الرياض كعاصمة أصبحت خاوية على عروشها ، و بيع العقار بأسعار متدنية جداً ، وارتفع الإقبال للسكن في القرى مسقط الرأس للعوائل والأسر ، حتى اكتظت بهم ، وزادت مناطق بأهلها الراجعين لها من بعد الغياب ، إن كانوا سعوديين أو كويتين .
لم يدعم الناس توجه الحكومة بأن الرياض هي العاصمة ، وأنها قلب البلد النابض والإنتماء لها ، بل ظهر المستوى الأولي وطغى رغم اختفائه ظاهرياً أو شكلياً في القنوات الرسمية من التعبير ، فالجميع في وطن واحد عاصمته الرياض ، فأصبح الجميع كلٌ في منطقته وقبيلته وهكذا .
وهذا الوجه الثقافي الرسمي ما يسميه هربرت ماركوز مجازاً بالمجتمع أحادي البُعد ، ويعزو ذلك لرفض هذا المجتمع أي محاولة لمناهضته ، بتلبية حاجات الناس ورفع مستوى حياتهم .
في الثورات العربية ، عندما اختفت الأنظمة الحاكمة من تمثيل الوجه الرسمي ، وظهرت بغيابها ثقافات المستوى الأولي ، والتي ما زالت تتطغى ، يظهر تغولها من خلال عدم قدرتها على التعايش ( المستوى الثاني ) الذي فرض الإنضباط بقوة الدولة ، ذات الثقافة الممقوتة أصلاً من شعوبها .
ما يجب الإنتباه له دائماً ، أن الثقافة الرسمية ظهرت من مستوى أولى ، وطغت على باقي الثقافات حتى سيطرت عليها ، وأصبحت هي الواجهة الرسمية ، فلا يوجد ثقافة رسمية جاءت من فراغ ، وهو ما يحاول الكثير من المثقفين تحييده مع الأسف ، فتجده يرفض مبدأ عصبية الدولة الخلدونية بناءاً على فهم خاطئ لمصطلح هذه العصبية وربطه فقط بالقبيلة دون غيرها ، ولا يعلم أن العصبية هي الرابط الثقافي المتفق عليه بين أقوى الفئات حتى فرضت رأيها على الباقين .

الأحد، 1 سبتمبر 2013

الردع الاجتماعي


بعض الطلاب المغتربين في ألمانيا الإتحادية ، ساقتهم الصدفة لمجاورة عجوز ألمانية يبدو عليها العوز والحاجة ، فبروها بلطفهم وعاملوها معاملة الصديق المحتاج أو الجار للجار ، ومن النظام المعهود في تلك المدينة ، أن حاويات القمامة يتم وضعها بطريقة مرتبة للمخلفات ، فعلب الألمنيوم في حاوية ، وعلب البلاستيك في حاوية ، وما يمكن الاستفادة منها في حاوية وهكذا ، في أحد الأيام خرج أحدهم بالقمامة ووضعها كلها بلا عزل في حاوية واحدة ، إلى هنا والقصة طبيعية نوعاً ما ..
تفاجأ المبتعثون بالشرطة المحلية تطرق عليهم الباب وتستجوبهم ، ثم تعطيهم موعداً للمحكمة لعرض قضيتهم على القاضي والمتمثلة في وضعهم القمامة في حاوية واحدة ، تساءل الطلاب عن من أبلغ عنهم فأخبرتهم الشرطة أن العجوز الألمانية قامت برفع دعوى عليهم ..
سألوها بعد أن انتهوا من قضيتهم ما السبب الداعي للشكوى ، ونحن نعتبر أنفسنا محسنين لك ، وفي أقل الأحوال من الأصدقاء المخلصين ..
فقالت لهم لا أنكر حقيقة حبي لكم لإحسانكم لي ولكني أحب ألمانيا أكثر منكم لأنها أكثر من أحسن لي !!!
هذا ما يمكن تسميته بالردع الإجتماعي ، فالمجتمع يفرض تطبيق قوانينه على الجميع ، والرقابة حقوقية ذاتية قائمة من حق الجميع بتطبيق القانون المفروض على الجميع بلا استثناء .
مثل هذا المفهوم كان موجوداً عندنا وقد لا يكون على مستوى تطبيق القوانين لغياب التقنين القضائي ، ولكن على مستوى احترام قيود المجتمع وأعرافه ، والسائد والمألوف من القوانين والأنظمة المفهومة من التشريع كلٌ على قدر طاقته وفهمه ، وهي وإن اعتراها الخلل في مكامن كثيرة وقد تستغل بشكل غير صحيح إلا أنها كانت رادعة وتعمل عمل الرقابة الذاتية على أفراد المجتمع ، ولا أدل على ذلك مما يسميه أهل نجد ( العد ) وهو تحضير المصلين في صلاة الفجر ..
ممن ساهم وبقوة في غياب هذا المفهوم ودخوله في دائرة الفضول والتطفل ، مع الوقت طبعاً وبالتدرج المعروف اجتماعياً جهاز الأمن العام وجهاز هيئة الأمر بالمعروف ..
الأمن العام بتقييده لأي شخص ، يسعف مصاباً حتى يفيق المصاب ويخبر أن المسعف ليس من تسبب بإصابته ، وهذه الإشكالية معروفة لمن عاش في فترة التسعينات كمراهق أو رجل راشد ..
هيئة الأمر بالمعروف لم تقم بنفس العمل طبعاً وإنما بإدراج الإحتساب تحت مظلتها فقط وليس غيرها ، مما أعطى الناس مع عوامل أخرى أن الاحتساب والإنكار من غير منسوبي الهيئة هو تدخل وفضول في شوؤن الآخرين قد يولد إشكاليات ونزاعات خطيرة ..
قال الله تعالى :
( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) ..

الأربعاء، 28 أغسطس 2013

التربص عندما يكون بالمحاكاة ( سلمان العودة أنموذجاً )


التربص كحقيقة إعلامية ملاحظة في الدعاية العدائية ضد كل ماهو أصولي أو يدور في فلك الأصالة ، وامتدادها من قدم الدراسات الاستشراقية غير الموضوعية ، التي تحاول تفسير الثقافة الإسلامية كمحور للتخلف والهمجية .
ومع الإنفجار التقني وثورة المعلومات زادت هذه الدعاية بشكل ملاحظ حتى جاءت أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر ، وركب الموجه العالمية لمكافحة الأرهاب أطراف منتفعون أو مرغمون على ركوبها متمثلين للشعار الواضح والصريح من قبل بوش الإبن ( من ليس معنا فهو ضدنا ) ولنقل تقاطعت مصالح بعض القوى والتيارات مع السياسة العالمية الجديدة لنكون أكثر إنصافا ودقة في التوصيف .
وما حدث من تبادل للوسائل والمعلومات أمر لا يخفى على أحد وليس مجالنا هنا لطرح الأمثلة ، الا ما كان من سبب كتابة هذا الموضوع الا وهو التربص بالطرف الأخر وتصيد الأخطاء أو الكلام المحمول على أكثر من تفسير بحسب قدرة المفسر وملكته الجدلية .
فأصبحنا نسمع بفتاوى غريبة من أشخاص مغمورين وصل تداول فتاواهم الكثير من وسائل الإعلام المرئي والمقروء ، في حالة من الدعاية العدائية لا يمكن تفسيرها إلا هكذا ، وإن حاول الطرف الأصولي ممارسة نفس اللعبة وقد فعلها مرارا وتكرارا فسيقع في ضعف الإمكانات وعدم تماسك الصف الذي هو فيه وتخبط الوجهه ضد توحد ومعرفة تامة بما يريدون من قبل الطرف الآخر .
كل ما سبق هو توصيف لا يحمل دلالة معينة أو توجه معين ، لكن الغريب في الأمر والذي لاحظته بقوة تماهي الناس مع هذه اللعبة بالمحاكاة ، فلا تكاد ترى هاشتاق في تويتر من هذا القبيل إلا وجدت الجميع يغرد ويستنكر ما لا يفهمه أصلا ، ولكن وجدنا الناس يقولون فقلنا ، وتجد فريقا أخر يدخل من باب السخرية والتهكم ولا يدري أنه بذلك دخل من حيث لا يدري في صراع قد لا يعلم أنه فيه ، يزيد النار حطبا وقد يكون في معسكرٍ لا يريده في الأساس بل هو ضده ولكن لما أوضحت سابقاً تواجد فيه .
الاستقطاب الحاصل لن يترك أحدا في حاله وسيركب الجميع في إحدى السفينتين ان عاجلا أم آجلا ، فلا تجعل من نقدك للفكرة سببا في التخلي عنها ، ولا من رؤية قد ملكت القوة سببا في تخليك عن المبدأ ، وللعلم فإن النقد يعني عند العقلاء طرح امكانيات أكثر للمعنى المنقود لا نفيه أو تركه .
والأهم من ذلك كله الإيمان بقدرة البشر الناقصة عن الكمال الملائكي فإن أخطأ أحدهم فهذا هو الأصل ، وإن أصاب قلنا أحسنت ، وحمل كلام أستاذنا الوالد سلمان العودة من هذا القبيل ، فإن كان هناك خطأ هو آدمي الأصل فيه الخطأ وإن أصاب وهو ما فهمته من كلامه قلنا أحسنت ، ولا نجعل النقد هدماً بل نحمله على زيادة إمكانيات التفسير للنص .

السبت، 24 أغسطس 2013

دعاة القطيعة



القطيعة التي افترضها الجابري كخيار وحيد مع ما يسمى عصر الانحطاط وإعادة دراسة المصادر وفق الرؤية التي استجلبت من طرق الغرب في التحليل والتفكير ، أعادتنا للتبعية الغربية بوجه من الوجوه ، وكان الأجدر والأسمى تطوير أساليب التحليل والتفكير ، وإكمال ما حاول المحققون ابتداءه من أمثال ابي حامد الغزالي وابن تيمية وبن رشد وصولا إلى الكواكبي ومالك بن نبي ، مع عدم إغفال بعض المناهج الحديثة كأسلوب ووسيلة لا أن تكون غاية بحد ذاتها ، فلكل أمة خصوصية تستقل بها عن غيرها ، ولها ارتباط من نوع يجمع كثيرا من الأمم معها .
يفترض الجابري وغيره أن الحدس وحده قادر على فهم النصوص ، وهو قول مسبوق عليه وإفتراض العقل كمحك وحيد للتأويل ، نقده كبار المحققين من قديم كأبي حامد الغزالي رحمه الله حين يقول :
فقالت المحسوسات بمن تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات ، وقد كنت واثقاً بي فجاء حاكم العقل فكذبني ، ولولا حاكم العقل لكنت تستمر على تصديقي فلعل وراء إدراك العقل حاكماً أخر ، إذا تجلى كذب العقل في حكمه ، كما تجلى حاكم العقل فكذب الحس بحكمه . 
وإن جزم الغزالي بأن حكم الوحي والكشف الصوفي أسمى من العقل فنحن إن وافقنا في الأولى لم نوافق في الثانية للزوم العودة مرةً أخرى لما كنا نخشاه من تفوات الفهم والأذهان .
وسبق الغزالي الشكاك كصالح بن عبدالقدوس في إنكار قوة العقل والجاحظ حسب المبدأ الإعتزالي المعروف ( العدل ) حيث فرض أن التفكير له آفق لا يتجاوزه وهو ما يصطلح عليه حالياً بإجتماعية المعرفة في موضوع قد يطول ، ولا ينسى هنا رأي ابن حزم الظاهري المشنع على تحكيم العقل في النصوص حسب الروية الظاهرية للنصوص .
محاولات مفكري القطيعة كما أسمتهم فتيحة فاطمي في كتابها التأويل ، لا تقل في أهميتها عن محاولات مفكري المناهضة لكل ماهو غربي من أمثال الشيخ طه عبدالرحمن ، وفي كلٍ خير ولو تم لذي عقل نبيه وعلم محصن وقصد سليم أن يربط بين المنهجين كما يرى ذلك وأفهمه من كلامه العلامة عبدالله بن بيه ، لخرجت لنا رؤى وأطروحات تحاول فهمنا كما نحن حقيقةً لا كما يفترض أن نكون .
يقول بن تيمية رحمه الله :
“والناس يتفاوتون في قوى الأذهان أعظم من تفاوتهم في قوى الأبدان “. 

الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

السياسة الخارجية الأمريكية


السياسة الخارجية الأمريكية قائمة بالأساس على رأس المال ، وكل ما يتعارض مع النهج الرأس مالي الأمريكي سيصنف كعدو ، يجب إزالته ، والدعاية الأمريكية الضخمة عبر وسائل الإعلام من أنها داعم حقيقي للديموقراطية محض إفتراء ، ينفيها مواقف الإدارة الأمريكية في مناسبات كثيرة لعل أخرها الموقف من مصر .
والحديث عن تغلغل رأس المال في مفاصل السياسة الأمريكية ، ليس بالحديث الجديد ، فالمستثمرون هم الأكثر نفوذاً داخل المجتمع الأمريكي  وبالتالي داخل دائرة صنع القرار الأمريكي الموجه أصلاً للرأس مالية .
ولا تمانع الإدارة الأمريكية من إستبدال نظام ديموقراطي بأخر إستبدادي شامل التعذيب والقتل ، في حال تعرضت مصالح المستثمرين الأمريكان للخطر .
فقبل سقوط جدار برلين ، إستخدمت الولايات المتحدة الأمريكية ذريعة محاربة الشيوعية ، بالقضاء على كل محاولة وطنية في البلاد الصغيرة ، التي قد تكون نموذجاً يحتذى به من قبل الدول الأكبر ، فتشب الدول بجميعها عن طوق الرأسمالية المجحفة بحق الشعوب .
يتحدث كيسنجر في السبعينات عن دولة شيلي في عهد الليندي أنها فيروس يعدي المنطقة إلى إيطاليا ، ويقتبس تشوميسكي عن لارس شولتز أحد الأكاديمين البارزين في مجال حقوق الإنسان ، أن المساعدات الأمريكية تميل إلى الزيادة مع الحكومات التي تمارس التعذيب مع مواطنيها ، ويكشف تشوميسكي بأن المصطلح السياسي الذي تتداوله الخارجية الأمريكية ، يختلف بمدلوله عن المتداول أكاديمياً أو وسط النخب ، فهو يرى الديموقراطية وفق هذا المجال تعني :
النظام الذي تتخذ فيه النخبة من رجال الأعمال القرارات !!!
ويقودنا ذلك إلى مصطلحات أخرى كثيراً ما استخدمتها الإدارة الأمريكية ، مثل مصطلح الدفاع ضد العدوان ، أيام حرب فيتنام ، وعملية السلام بين العرب وإسرائيل والتي لا يكاد يختلف فيها إثنان ، فلا تعويل حقيقي على المصطلح السياسي للخارجية الأمريكية .
وفي خضم الأحداث الأخيرة ، يجب الوعي لموقف الإدارة الأمريكية ، وعدم تصديق شعاراتها ، أو تخبط سياستها ، والإنشقاق الواضح في التعاطي بين شخص الرئيس ، وأعضاء إدارته ، والكونجرس ، فكل ما يبدو لا يتعدى كونه فصلاً بسيطاً من فصول اللعبة ، لا تلبث التوجهات أن تتحد .
ما ينبغي معرفته أن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ، في ملفات كثيرة يضعنا في دائرة عدم الثقة ، ووجوب التعاطي مع الدهاء بدهاء ، حتى تنجلي الغمه ، ويتضح الطريق للجميع ، أو الأكثر على أقل تقدير .
لا انسياق ولا تجاهل ، والخروج بالمسلمات الأكثر إتفاقاً ، وتأخير ما لا اتفاق فيه إلى مراحل متقدمة من العمل ، هو الطريق الأقل خطورةً للجميع .
رعى الله بلادنا وحماها من كل شرير .

الأربعاء، 31 يوليو 2013

العلاقة بين جماعة الإخوان والمملكة العربية السعودية


يذكر عن الإمام حسن البنا رحمه الله ، أنه كان يفاضل بين السعودية واليمن في إنشاء الجماعة ، و يذكر في مذكرات الدعوة والداعية ، أنه اتصل بحافظ وهبة مستشار الملك عبدالعزيز آنذاك ، والذي تدخل بدوره لنقل البنا للتدريس في الحجاز وذلك عام ١٩٢٨م ، وهو العام الذي أسس فيه البنا الجماعة في الإسماعيلية .
كما فشلت محاولات مماثلة في توقيت مقارب ، مع أمير الديوان الملكي في اليمن السيد محمد زبارة الحسن ، لاستقدام البنا للعمل في اليمن ، كما ذكره محمود عبدالحليم في كتاب الإخوان المسلمون .
إلا أن النجاح الذي حققه البنا في نقل الجماعة إلى القاهرة أغراه بالتراجع عن هذه الفكرة ، خصوصاً بعد انغماسه في العمل الدعوي والسياسي في تلك الفترة ، إلا أنه لم يترك موسم الحج للتعارف وتلاقح الأفكار والدعوة لمشروعه ، وهو ما وافق هوى في نفس الملك عبدالعزيز لتأكيد قيام هذه الدولة على الإسلام ، ورعايتها لشؤون المسلمين والجماعات الإسلامية عموماً ، والعلاقة والتعاطف الكبير الذي كان يتمتع بها البنا من قبل الملك عبدالعزيز والتي تجلت بعد قلاقل عام ١٩٤٨م بدعوته للعيش في السعودية ، لم يرقى إلى أبعد من ذلك ، ويقال أن الملك عبدالعزيز رد عليه حين عرض على الملك فكرة قيام الجماعة في المملكة بأننا كلنا إخوان مسلمون .
وهو موقف مفهوم من دولة قامت على تفاهم مع حركة دينية غير منظمة ، ومن الخطأ بمكان السماح لجماعة مثل الإخوان تمتلك مشروعاً متكاملاً بأن تعمل في هكذا بلد ، إلا أن الجماعة ظلت وفيةً للمملكة ، ويتجلى ذلك من مشاركتها في استقبال الملك عبدالعزيز حين زيارته لمصر وتوديعه ، وهو مالم يحصل عليه أي رئيس دولة في تاريخ الجماعة .
سمح للجماعة بعد مقتل البنا رحمه الله بالتواجد في مواسم الحج فترة إرشاد الهضيبي ، وتم التلاقي مع الكثير من العلماء مثل الندوي الذي عرضت عليه الجماعة تولي إرشادها ولكنه رفض .
بعد تولي عبدالناصر للحكم ، وأحداث عام ١٩٥٤م أصبحت المملكة ملاذاً للهاربين من قيادات الجماعة ، وممن وفد منهم الشيخ مناع القطان رحمه الله الذي أصبح الأب الروحي للجماعة في السعودية وغيره من القيادات ، إلا أن العلاقة في تلك السنوات لا يمكن أن تغفل عن طبيعة العلاقة بين السعودية وعبدالناصر والحالة المتشنجة بينهما ، والجماعة بدورها لم تكن أكثر من ورقة سياسية أو وسيلة ضغط بين الأطراف ، وبعد أحداث عام ١٩٦٦م وإعدام سيد قطب ، زادت حدة التشنج والتوتر بين البلدين ، واستقطب الإخوان للعمل والهجرة ، ومنح منهم الكثير الجنسية السعودية ، وسمح لهم بالعمل والنشاط الدعوي والنشر في السعودية .
بل وصل الأمر إلى تغلغل الجماعة في مفاصل التعليم الجامعي ، الذي تأسس أكثره في تلك الفترة ، وحفظت الجماعة الود للبلد المضيف إذ تحاشت نقاش مبدأ البيعة في تلك الفترة .
حدث أول شرخ حقيقي في العلاقة بين الجماعة والسعودية ، بعد تسرع الجماعة بالاتصال بنظام الثورة الإيرانية ، وهو العدو الأول كمذهب للفكرة الوهابية التي تقوم عليها السعودية ، إلا أن الحرب الإيرانية العراقية أعادت الجماعة للخط والمسار المرتضى من قبل الحكومة السعودية ولو لحظياً .
بعد الغزو العراقي ، تعثرت العلاقة مرة أخرى نتيجة رفض الجماعة للتدخل الأمريكي في الحرب وتحرير الكويت وهو ما قطع العلاقة للأبد حيث لا رجعة ، فخرجت الكثير من المنابر الإعلامية في تلك الفترة تسب الجماعة ليل نهار ، وأصبحنا نسمع شتم سيد قطب علناً ، وهو ما يستحيل أن يحدث بدون موافقة من الحكومة أو أطرافٍ منها .
أحداث ١١سبتمبر غيرت موازين المعادلة ، فخرج التصريح الشهير للأمير نايف وزير الداخلية آنذاك بالهجوم على الجماعة علناً .
الربيع العربي لم يغير من نظرة الحكومة للجماعة ، خصوصاً المصرية منها وهو ما يلمس في الأحداث الأخيرة ، موقف الجماعة سياسياً في تعاملها مع السعودية ، يعتريه الكثير من التسرع وعدم الخبرة ، وهو ما جعلها تفقد حليفاً استراتيجياً من عدة نواحي ، لعل أهمها الناحية الاقتصادية .

الأحد، 28 يوليو 2013

أزمة الأمة عندما تكون في مثقفيها


تتقبل أي مستوى من الإختلاف فيما يسوغ ، من أي شخص ، إن كان هناك أرضية موحدة تنطلقون منها للتوافق ، وهي ما يسميها الأصوليون تحرير محل النزاع .
وتتقبل شتى الأساليب اللغوية والأدبية في صياغة الأفكار وتركيبها ، فمن معقد في طرحه لفكرته إلى مبسط لها حتى تفهمها العجائز ، ومن مطولٍ ومطنب حد الإفراط ، ومن مختزلٍ وموجز حد التفريط ، ومعتدلٍ صاغ الفكرة في قالبٍ لا يسع غيرها ولا تخرج منه .
وتتقبل وجود فريق تسلقوا سلم الفكر والثقافة وهم ليسوا بأهله ، لأمور لا تعلمها عنهم وإن كنت علمت فيهم خبث السريرة وسوء العمل ، وسلاطة اللسان وقلة الأدب ، وهؤلاء ليسوا من الأمة في شيء ، بل هم عبيد العصا ومع من غلب ، كل يومٍ لهم سيد .
وتتقبل وجود فريق يرفض الثقافة جملةً وتفصيلاً ومعها الفكر ، لإنغلاق عقله عن رؤية مالا يراه مولاه أو شيخه ، فتراه يدندن بكلامٍ لا يفهمه ولا يعيه حق المعرفة ، بل هو أشبه بصوت الجعجعة بلا طحين ، أو هو الطبل ، صوت عظيم وبطن أجوف .
لكن مالا تتقبله أبداً ، أن يخرج من أصحاب العقول المتوافق عليها ، في جانب محبي الفكر وأتباعه ، من الشرعيين والعقليين ، من يقلب لك الموازين لحاجات لا يسعك أن تقول إلا رحمة الله بأمةٍ هذا من مفكريها ومثقفيها .
هل أصاب الأمة ورجالها الجنون والخرف ، أم هو جيلٌ من الشيوخ لم يعد يعرف حال الشباب ورغباته ، مازال منغلقاً بفكرة الستينات والسبعينات وما قبل الربيع العربي ، وثورات إسقاط المستبدين لا أعادهم الله .
من كان يعتقد أن له عصمة بإتباع فهو ساقط عقلاً وشرعاً ، والناس في الإتباع يتقلبون وتتقلب بهم الأهواء فيما يحبون ، فكيف في أساسيات عيشهم الكريم .
تتساقط الأقنعة ، أم تهرم الشيوخ وتظهر أجيالٌ من الشباب تقود الفكر لميناء الرحمة ، بعد أن تخبطت بالسفينة أراء الأولين من اليمين إلى اليسار ، إلى حيث لا وجهه .
الفكر شيخنا الوقور وأستاذنا الفاضل ، مجموعة من العلوم البسيطة في مجملها ، العميقة في مبادئها ، فلا تحسب أنك علمت مالم يعلم سليمان ، وأنك جئت من سبأ بنبأ عظيم .
علم الإجتماع مع التاريخ الإقليمي والأممي ، مع بعض الأصول الشرعية والفقهية والفلسفية ، مع تشبع بالحرية والكرامة قولاً وفعلاً ، تخرج لنا ألف مفكرٍ لا يبيعون الكرامة بثمنٍ بخس .
همسة :
لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم /  ولا سراة إذا جهالهم سادوا