الأحد، 1 سبتمبر 2013

الردع الاجتماعي


بعض الطلاب المغتربين في ألمانيا الإتحادية ، ساقتهم الصدفة لمجاورة عجوز ألمانية يبدو عليها العوز والحاجة ، فبروها بلطفهم وعاملوها معاملة الصديق المحتاج أو الجار للجار ، ومن النظام المعهود في تلك المدينة ، أن حاويات القمامة يتم وضعها بطريقة مرتبة للمخلفات ، فعلب الألمنيوم في حاوية ، وعلب البلاستيك في حاوية ، وما يمكن الاستفادة منها في حاوية وهكذا ، في أحد الأيام خرج أحدهم بالقمامة ووضعها كلها بلا عزل في حاوية واحدة ، إلى هنا والقصة طبيعية نوعاً ما ..
تفاجأ المبتعثون بالشرطة المحلية تطرق عليهم الباب وتستجوبهم ، ثم تعطيهم موعداً للمحكمة لعرض قضيتهم على القاضي والمتمثلة في وضعهم القمامة في حاوية واحدة ، تساءل الطلاب عن من أبلغ عنهم فأخبرتهم الشرطة أن العجوز الألمانية قامت برفع دعوى عليهم ..
سألوها بعد أن انتهوا من قضيتهم ما السبب الداعي للشكوى ، ونحن نعتبر أنفسنا محسنين لك ، وفي أقل الأحوال من الأصدقاء المخلصين ..
فقالت لهم لا أنكر حقيقة حبي لكم لإحسانكم لي ولكني أحب ألمانيا أكثر منكم لأنها أكثر من أحسن لي !!!
هذا ما يمكن تسميته بالردع الإجتماعي ، فالمجتمع يفرض تطبيق قوانينه على الجميع ، والرقابة حقوقية ذاتية قائمة من حق الجميع بتطبيق القانون المفروض على الجميع بلا استثناء .
مثل هذا المفهوم كان موجوداً عندنا وقد لا يكون على مستوى تطبيق القوانين لغياب التقنين القضائي ، ولكن على مستوى احترام قيود المجتمع وأعرافه ، والسائد والمألوف من القوانين والأنظمة المفهومة من التشريع كلٌ على قدر طاقته وفهمه ، وهي وإن اعتراها الخلل في مكامن كثيرة وقد تستغل بشكل غير صحيح إلا أنها كانت رادعة وتعمل عمل الرقابة الذاتية على أفراد المجتمع ، ولا أدل على ذلك مما يسميه أهل نجد ( العد ) وهو تحضير المصلين في صلاة الفجر ..
ممن ساهم وبقوة في غياب هذا المفهوم ودخوله في دائرة الفضول والتطفل ، مع الوقت طبعاً وبالتدرج المعروف اجتماعياً جهاز الأمن العام وجهاز هيئة الأمر بالمعروف ..
الأمن العام بتقييده لأي شخص ، يسعف مصاباً حتى يفيق المصاب ويخبر أن المسعف ليس من تسبب بإصابته ، وهذه الإشكالية معروفة لمن عاش في فترة التسعينات كمراهق أو رجل راشد ..
هيئة الأمر بالمعروف لم تقم بنفس العمل طبعاً وإنما بإدراج الإحتساب تحت مظلتها فقط وليس غيرها ، مما أعطى الناس مع عوامل أخرى أن الاحتساب والإنكار من غير منسوبي الهيئة هو تدخل وفضول في شوؤن الآخرين قد يولد إشكاليات ونزاعات خطيرة ..
قال الله تعالى :
( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق