الخميس، 30 أبريل 2015

كيف ننتصر على إيران ؟


إذا اعتبرنا إيران رمزا للكيان الشيعي العالمي، فيجب الاعتراف بأنها خدمت تمكين هذا الكيان بكفاءة. تحركت إيران سياسيا ففرضت نفوذها في العراق وسوريا واليمن، وتحركت استخباراتيا فأسست حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي وربما ميليشيات أخرى ستعلن لاحقا، وتحركت عسكريا فأعادت بناء جيشها ليصبح من أكبر جيوش المنطقة. في المقابل ما الذي حققه العرب السنة من المغرب إلى الخليج سياسيا وعسكريا واستخباراتيا؟

الحكومات والشعوب
إذا كان الحساب بمقاييس أداء الحكومات العربية، فربما تكون الإجابة أسوأ من كونها فشلت في خدمة المشروع السني، إلى أنها خدمت المشروع الإيراني من حيث تعلم أو لا تعلم. السلطات الحاكمة في العراق وسوريا ولبنان واليمن هي التي مكنت إيران من تلك البلاد، ولا يمكن إعفاء السلطات الحاكمة في الدول الأخرى من المسؤولية.

أما إذا كانت الإجابة مبنية على نظرة شاملة للوضع العربي شعبيا وحركيا منذ انطلاقة الربيع العربي، فالجواب متفائل وواعد جدا. القوة التي تتصدى بكفاءة لإيران وحلفائها في العراق والشام هي نتاج عمل شعبي بعيد عن سلطات الحكومات بل ربما يكون خصما لكثير من الحكومات.

ليس إيران فحسب
الانتصار المطلوب ليس على إيران وحدها بل على كل عدو متربص بالإسلام عموما ثم بالسنة خصوصا.  ثم إن هذا الانتصار الذي نتطلع إليه ليس انتصارا عسكريا وأمنيا فحسب، بل تفوق حقيقي على المستوى الحضاري والثقافي.

صار من مصلحة بعض الحكومات أن توقظ الوعي بالخطر الإيراني فأصبح هو القضية الحاضرة في الأذهان. ورغم أن المطلوب وعي شامل بكل الأعداء لكن لا يمنع أن يكون هذا الوعي المحدد بإيران سببا لبعث شعور عام بأهمية الغلبة والتمكين لأمتنا وكياننا الحضاري في العالم كله.
كل الأمة وليس الخليج وحده
مثلما ندرك أن المطلوب هو تفوق عالمي وليس انتصارا على إيران وحدها، فعلينا أن ندرك أن المهمة منوطة بكل الأمة وليس شعوب الخليج بصفتها تواجه إيران حاليا. قد يقال أن عرب المشرق معنيون أكثر بهذا التغيير، لكن الطموح يتسامى إلى تحرك كل المسلمين في بقاع الأرض من الشيشان إلى السودان ومن المغرب إلى أندونيسيا.

وليس من الواقعية أن نطالب المسلمين في حالتهم المتفرقة الحالية، بتشكيل جيش واحد أو بالتحرك المنسق إعلاميا وسياسيا وعسكريا مع تفاوت الأنظمة في توجهاتها. لكن الواقعية هي في مطالبة من يستطيع أن يفكر بشكل مستقل من الشعوب والنخب بتوحيد الهمم ومقاربة الأولويات والحرص على التفكير بنسق واحد.

نصر أمة وليس نصر جيش
النصر الذي نتمناه ويجب أن نسعى له هو تفوق أممي وليس انتصار جيش على جيش أو تغلب دولة على أخرى. وحين نتحدث عن تغلبنا على المشروع الإيراني أو غيره، فإنما نتحدث عن تفوق حضاري يكون التفوق العسكري المادي جزءا منه. وكل الأمم التي سادت حضاريا لم تحقق سيادتها عسكريا دون رقيها الثقافي والاجتماعي والأخلاقي والقيمي.
شيء للامة وشيء للنخبة
حتى يحصل هذا التفوق لا بد من تحقيق سلسلة من الشروط بعضها على مستوى الأمة كلها، وبعضها على مستوى النخب الفكرية والاجتماعية. وبقدر توفر هذه الشروط في الأمة والنخب بقدر ما يحصل التفوق والهيمنة والغلبة الكونية، وبقدر غيابها يحصل الضعف وما أسماه مالك بن نبي بالقابلية للاستعمار.

هذه الشروط يمكن أن تستقرأ من تجارب الشعوب في التاريخ كما قرأها علماء الاجتماع والمؤرخون، أو يمكن أن يستدل عليها بتوجيهات القرآن والسنة. والحديث عنها ليس إبداعا ولا تميزا فكريا، بل سبق أن بسطت بشكل مستفيض سواء في كتب مستقلة أو ثنايا كلام العلماء والمفكرين.
الشروط على مستوى الأمة
من القوانين الأساسية في سنن التغيير التي تصنع التمكين والنصر، أنه لا يمكن أن يحصل دون تغيير حقيقي في آحاد الأمة بحمل مجموعة من الصفات التي تصنع التغيير. هذه الصفات المسرودة أدناه لا تحصل في كل الأمة ولا حتى في غالبيتها بل تحصل في طليعة منها هي التي تصنع التغيير كما أثبت التاريخ ذلك.

والطليعة لا تتميز بالقدرة الفكرية والقيادية مثل النخبة، بل هم من عامة الناس تميزوا بالوعي والمسؤولية والشعور بالكرامة والتوق للحرية، وما ينتج عن ذلك من جاهزية للتحرك والاستعداد لدفع الثمن والقدرة على التحدي وطول النفس.
الوعي والمسؤولية
أولى علامات النهوض، هو الانتباه عند هذه الطليعة للضعف الذي أصاب الأمة والشعور بالانكشاف، وإدراك الخطر والتفكير بقلق حقيقي تجاهه. ولا يمكن أن يصبح هذا الشعور مفيدا إلا إذا ترتب عليه تشرب المسؤولية لمعالجة هذا الضعف ولو بطريقة بدائية سطحية ساذجة.
الجدية
تنامى الشعور بالمسؤولية، يصنع الجدية والمثابرة ويترجم المسؤولية القلبية والذهنية إلى مسؤولية عملية واقعية، وكلما كان العمل ناتجا عن شعور بمسؤولية كلما كان صانعا للحدث مغيرا للتاريخ. أما إذا بقيت المشاعر دون ترجمتها لجدية ومثابرة فربما تتطبع الشعوب على قدر الهزيمة لمدة طويلة.  
الهوية والانتماء
يستحيل أن تنهض أمة دون مظلة تجمعها وتوحد مرادها وهدفها وشخصيتها، ولم تنهض أمة في التاريخ دون هذه الوحدة في الهوية والانتماء. وقوة النهضة لا يحددها قوة الالتصاق بهذا الانتماء، بل لا بد أن تكون الهوية ذاتها قوية، فربما تنتصر أمة لقوة انتمائها لهويتها لكن انتصارها لا يصنع تفوقا حضاريا، لأن الهوية نفسها عنصرية أرضية ليس فيها بعد قيمي.
الكرامة
حين يشعر أحد عناصر أمة ما، بالمسؤولية تجاه أمة ينتمي إليها بهوية محددة، فهو في الحقيقة يحس بقيمته الذاتية كإنسان له عضوية ودور في هذا الكيان. هذا الشعور بالدور الآدمي للفرد في أمة ما، يصنع الكرامة الإنسانية وكلما ازدادت قناعته بمساهمته في التغيير كلما ارتفع معيار الكرامة عنده.
الحرية
إدراك الفرد في أمة ما، أن له كرامة إنسانية هو دافع طبيعي لأن يدرك أن له حقوقا طبيعية لا يحق لفرد آخر أن يصادرها. وبهذا التسلسل النفسي يشعر هذا الفرد بالنزعة القوية للحرية لنفسه ولغيره، ويتملكه هذا الشعور لدرجة الاستعداد لأن يناضل من أجله.
العدل
من الطبيعي لكل من تشرب قيمة الكرامة والحرية لنفسه أن يراها عند الآخرين من أمته، ولا يمكن أن تتحقق الكرامة والحرية للآخرين في وقت واحد إلا بتساوي فرص الجميع بالكرامة والحرية، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بالعدل. ولذلك فإن مستوى العدل في أمة يساوي ما لدى أفرادها من شعور بالكرامة والحرية.
التحدي
أي أمة تريد النهوض سوف تتعرض للقمع والحصار من الأمم المنافسة، ولا بد من شعور بالعناد والتحدي والرغبة العميقة بتحمل التبعات حتى يتم التمكين. والشعور بالتحدي يأتي تلقائيا إذا استكملت الأمة الشروط السابقة وفشا في افرادها الشعور بالمسؤولية والكرامة والحرية وقوة الهوية والانتماء.

الصبر
الصبر ليس من طبيعة الشعوب، لأن الجماهير تيأس بسرعة وتمل بعد أن تتعرض للقمع، ويسهل أن تخدع بحلول وهمية أو إجراءات تضليلية. لكن الطليعة إذا اتصفت بالصفات المذكورة عادة تكون صبورة وطويلة نفس ومستعدة لإعادة المحاولة مرة إثر مرة إلى أن تنجح.
الشروط على مستوى النخب
النخب الفكرية والحركية والاجتماعية قد يغلب عليها ممالأة القوي سواء كان مستعمرا أو طاغية، لكن تتميز نخبة صغيرة تحمل هم تحويل الضعف إلى قوة والهزيمة إلى نصر والتبعية إلى تمكين. هذه النخبة يجب أن تتصف بكل مواصفات الطليعة الشعبية بما ذكرناه أعلاه، إضافة لصفات أخرى تخص النخب تحديدا :
 
الايمان بالقضية
إذا لم يكن من يتصدى للتغيير من النخب قد تشرب القناعة التامة بضرورته فلا يمكن أن يكون مهما في صناعة التغيير.  وما لم يشعر بأن القضية قضيته هو شخصيا فلن يزيد على أن يكون رقما عاديا، وكأنه نسخة أخرى من عوام الناس الذين يؤمنون بالمسؤولية بشكل عام. ولم يوثق التاريخ مساهمة ذا بال إلا من قبل القيادات الحركية والفكرية التي تشربت القضية من مفرق رأسها إلى أخمص قدميها.
التجرد للقضية
الإيمان بالفكرة حتى لو كان قويا يصعب أن يحقق نتيجة دون الإخلاص لها والتجرد من كل المؤثرات الأخرى المشوشة عليها. وحين تميل القيادة الفكرية أو الحركية لنوازع الخوف والانتفاع والعلاقات الشخصية والطمع والحسد والغيرة وحب الشهرة، فلن تنجح في تحقيق تغيير تاريخي حتى لو صنعت تغييرا سياسيا أو سلطويا.
وضوح المرجعية
دون المرجعية لا يمكن أن يعرف القائد الفكري والحركي ماذا يريد وكيف يضع خطته ويرسم خريطة الطريق وكيف يتعامل مع التحديات والمشاكل والتفاصيل. والمرجعية هي الفارق بين من يريد التغيير لذات التغيير ومن يريده لاجل تمكين الأمة ونصرها وتفوقها.
ثبات المنهجية
ولإنجاح التعامل مع المرجعية لا بد من منهجية ثابتة في تناول تفاصيلها ومعرفة الأولويات وتضارب المصالح والفرق بين الكليات والتفاصيل، ومتى يكون الإنسان مبدئيا ومتى يكون مصلحيا ذرائعيا. والمنهجية لا قيمة لها إن لم تكن قواعدها ثابتة ويكون الالتزام بخطوطها العريضة راسخا مهما قويت التحديات.

هل توفرت هذه الصفات؟
في نظرة شاملة للعالم العربي خلال العشر سنوات الماضية، يتبين أن هذه الصفات تتشكل وتزداد وضوحا مع الزمن. ولا ينكر أحد مستوى الوعي والمسؤولية الذي يجتاح العالم العربي وكيف تحملتها طليعة بشكل جاد تحت مظلة هوية إسلامية وانتماء ديني واضح بتوق شديد للحرية والكرامة والعدل واستعداد لتحمل التبعات وتحدي المصاعب.

ومن المفارقات التاريخية في العالم العربي أن النخب تخلفت كثيرا عن الطلائع الشعبية المناضلة سواء في اتصافها بالصفات اللازمة للتغيير أو في وجود العدد الكافي منها لإحداث التغيير. والأسوأ من ذلك أن كثيرا من الشخصيات التي كان يعتقد أنها ستكون نخبا مثالية في فترة النهضة إما انقلبت بعد لحظات الامتحان، أو تنحت جانبا وتخلت عن المسؤولية تماما.

وبناء عليه: هل ننتصر على إيران؟
نعم سننتصر على إيران ونتفوق أمميا وحضاريا لكن لا بد لعامل الزمن أن يأخذ وقته. سوف نتفوق أمميا ليس بمواجهة عسكرية وقتال ميداني بل بحملة تاريخية متواصلة مليئة بكل أنواع الصراع الفكري والاجتماعي والأمني والعسكري.

سوف ننتصر باستكمال هذه الصفات التي بدأت تتشكل لتنتظم في وعاء منيع يحمل مستقبل هذه الأمة بكفاءة ويقدم ما تحتاجه من تضحيات ويدفع ما تستحق من ثمن. سوف ننتصر بعد أن نخوض معارك كثيرة مع ذاتنا ومع كيانات سلطوية واجتماعية وفكرية كثيرة داخل أمتنا.

هذا الصراع الذي نخوضه داخلنا لا يحبه أحد ولا يتمناه، وفيه ما فيه من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، لكنه ليس شرا وعسى أن تكرهو شيئا وهو خير لكم. ولم تصعد أمة في التاريخ إلا بنضال داخل ذاتها قبل أن تتفوق على الآخرين.



الخميس، 9 أبريل 2015

"الاتفاق النووي مع إيران" أسئلة وأجوبة


أثار إعلان "إطار الاتفاق" (١)النووي بين إيران وأمريكا نقاشات كثيرة، بمستويات مختلفة من العمق والفهم، واتجاهات متعددة من التحيز. وتناول مثل هذا الموضوع الحساس لا يصلح فيه الاختزال والنظر القصير، ولا التحيز والتفكير بعداوة أو صداقة، ولا الكتابة تحت إسقاطات الخوف والمؤامرة. (٢)

والأولى أن يتم التناول في بحث تفصيلي يستعرض تاريخ السياسة الإيرانية بعد الثورة وعلاقتها مع الغرب وتاريخ المشروع النووي الإيراني والمفاوضات المرتبطة به وكل ما له علاقة بذلك. لكن بحثا مثل هذا سيكون مسهبا وطويلا خاصة وأن كثيرا من أجزائه جرى تناولها من قبل كثير من الجهات البحثية المختصة. (٣)

ولذا كان الرأي أن يتم تناول الموضوع على شكل إجابات تفصيلية على الأسئلة الأكثر إلحاحا عن الاتفاق وجذوره وحيثياته وآثاره. وجرى اختيار هذه الأسئلة بناء على رصد ما يتردد في حوارات الناس سواء في المجالس العادية أو في المشاركات الشفوية في الفضائيات أو وسائل الاتصال حتى تكون أقرب للتساؤلات الحقيقية.


ما هي حقيقة الاتفاق ومن هو الكاسب؟
نُشرت تفاصيل الاتفاق النووي وتبين أنه بنفس الصيغة التي أرادها الغرب منذ انطلاق المفاوضات وأن إيران قدمت كل التنازلات المطلوبة. صيغ الاتفاق بما يضمن ضمانا كاملا عجز إيران عن إنتاج القنبلة النووية وبقائها تحت المراقبة المستمرة والدقيقة مقابل رفع العقوبات المشروط باستمرار الالتزام.

وتبين من بنود الاتفاق أن كل ما سبق أن رفضته إيران اضطرت للموافقة عليه، سواء في القبول برصد حركة المواد والاجهزة المستوردة والمصنعة، أو في التخفيضات المطلوبة للنشاط النووي، أو بإيقاف بعض المنشآت كليا، أو بتركيب أجهزة التصوير والمراقبة، أو بالسماح بفرق التفتيش في أي مكان وزمان. في المقابل لم يقدم الغرب أي تنازل بل بقي على موقفه السابق وهو رفع العقوبات عند موافقة إيران على مطالبهم مع اشتراط إعادتها فور الإخلال بالالتزام ببنود الاتفاق. (٤)

هل هناك بنود سرية للاتفاق؟
لو كانت المفاوضات بين أمريكا وإيران فقط لكان واردا أن يكون في الاتفاق بنود سرية، لكن المفاوضات شارك فيها عدة دول بشفافية كاملة ولذا يستحيل أن يكون فيه مثل تلك البنود. لكن لا يمنع هذا أن تكون جرت تفاهمات جانبية بين إيران وأمريكا مرتبطة بالعقوبات والنشاط النووي نفسه ساعدت في إنجاز الاتفاق. هذه التفاهمات الجانبية لن تتعدى تعهدات شفوية ويكاد يستحيل أن تصل إلى معاهدات مدونة، لأن أي ترتيب من هذا القبيل خاضع للجان الكونجرس التي فيها كثير من المتربصين بأوباما ممن سيفضحونه.

كما إنه ليس من الوارد أن يكون ضمن هذه التفاهمات تنسيق العمل ضد التيارات الجهادية في العراق والشام ولا التآمر ضد دول الخليج. أما التنسيق ضد الحركات الجهادية فكلا البلدين مقتنع به وراض عن مستواه منذ سنوات، ووافق الطرفان على الاعتراف به ولم يعد سرا. وأما التآمر ضد دول الخليج فهو أسطورة لا يكررها إلا من لا يعرف أهمية دول الخليج لمصالح أمريكا العالمية. هذه المصالح حيوية لأمريكا لدرجة أنها تخاطر بتدمير إيران بدلا من أن تتساهل فيها. (٥)

هل المشروع الإيراني النووي حقيقي وباتجاه القنبلة الذرية؟
طبقا للتقارير الدولية لم تصل البنية التحتية ولا المواد المتوفرة في المنشآت النووية الإيرانية لمرحلة إنتاج القنبلة النووية في أي مرحلة من مراحلها. ولا تستطيع هذه المنشآت في أفضل حالاتها إنتاج قنبلة دون تغيير بنيوي في البرنامج حتى بدون اتفاق مع وكالة الطاقة النووية.

لكن طريقة ترتيب البرنامج  والجدية في إتمامه وعدد الكوادر المشاركة وتوسع شبكة العلاقات العالمية تجعله مهيئا لإنتاج القنبلة لو لم يتم الاتفاق. والإشكالية ليست في المباني والمنشآت ولا المواد المتوفرة بل في وضوح الخطة ووجود العدد الكافي من الكوادر التي يحتاجها هذا المشروع.

ولم يتوفر دليل مباشر لدى الغرب على خطة صريحة لإنتاج القنبلة النووية لكن المخابرات العالمية جمعت ما يكفي من القرائن التي توحي بمجموعها على أن إيران تنوي فعلا امتلاك القنبلة النووية عاجلا أم آجلا. ولو تركت إيران بدون مراقبة ولا حصار منذ انطلاق مشروعها النووي لربما أنتجت القنبلة قبل سنة ٢٠٢٠. (٦)

لماذا اختار الغرب المفاوضات ولم يقصف المفاعل النووي مثلما فعل في العراق؟
ضُرب المفاعل العراقي في الثمانينات بقصف جوي إسرائيلي رغم أن العراق وقتها كان على وفاق مع الغرب، فلماذا لم تقصف المنشآت النووية الإيرانية مثلما حصل في العراق؟  هل السبب قوة دفاعات إيران الجوية وقدرتها على حماية المنشآت؟

طبقا للتقارير العسكرية الدولية فإن الدفاعات الجوية الإيرانية لا تستطيع عمل شيء لو قرر الغرب أو إسرائيل قصف إيران، لأنها هذه الدفاعات لا تكافئ تكنولوجيا الصواريخ والطائرات الغربية والإسرائيلية. ورغم الدعم التقني الروسي والتطوير الذاتي في المؤسسة العسكرية الإيرانية لا تزال هذه الدفاعات أعجز من أن تكافئ الطيران الغربي. كما إن تكنولوجيا الصواريخ المخترقة جعلت وجود المنشآت تحت الأرض ليس ذات قيمة.(٧)

السبب الحقيقي هو الخوف من تداعيات أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، لأن إيران تستطيع أن تنتقم من أمريكا لو قصفت منشآتها. يمكن لإيران ضرب منشآت النفط في الخليج بصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، أو تحريك الأقليات الشيعية في الخليج للسيطرة على منابع النفط، أوضرب السفن الأمريكية في الخليج، أوتكليف الجيش العراقي الشيعي بمهاجمة ما تبقى من القوات الأمريكية في العراق. (٨) هذه التداعيات أخطر على أمريكا من القنبلة النووية الإيرانية لأنها توقف تدفق النفط الخليجي وترفع أسعار النفط لمستوى يشل الاقتصاد العالمي، وتدخل كل المنطقة في فوضى عارمة لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجها.

وبعد انطلاق الربيع العربي ومواجهة إيران للحركات الجهادية في العراق وسوريا، تزايدت مخاطر هذه التداعيات وخشيت أمريكا أن يكون الكاسب من كل هذه الفوضى هذه التيارت الجهادية. أضف إلى ذلك أن أمريكا أدركت أن إيران تقوم بمهمة مفيدة لها في مواجهة الخطر الجهادي في العراق والشام، ولذلك دخلت معها في تنسيق غير مباشر ولا تريد أن تخسر هذا التفاهم بضربة يمكن الاستغناء عنها بالمفاوضات.

لماذا لم تقبل إسرائيل بالاتفاق؟
رغم قوة الاتفاق لصالح الغرب، ورغم إرغام إيران فيه على الرضوخ للشروط الغربية، لم تقبل إسرائيل به وأعلنت انزعاجها منه وبذلت جهدا سياسيا كبيرا لإفشاله. وإذا كان الاتفاق يوفر ضمانا بعدم قدرة إيران على إنتاج القنبلة الذرية، فلماذا تقلق إسرائيل، ولماذا تبذل كل هذا الجهد السياسي الذي أحرجها مع أمريكا؟

السبب الأول هو إصرار إسرائيل على تدمير البرنامج بالكامل، لأن إسرائيل تعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تعجز فيه الوكالات الدولية عن المراقبة وسيكون لدى إيران الفرصة لتحريك البرنامج مرة أخرى. كما إنها تعتقد أن إيران إذا تعافت اقتصاديا سوف تستطيع خرق الاتفاق والعودة لتنشيط البرنامج ولهذا لن يكون الاتفاق ضامنا لالتزام إيران. كما إن إسرائيل ترى أن البرنامج الصاروخي الإيراني جزء من البرنامج النووي ويجب تدميره وهذا ما لم يتحقق في الاتفاق. (٩)

السبب الثاني رغبة إسرائيل في أن يكون تأديب إيران بضربة جوية مدمرة رادعا لكل من يفكر بإنتاج قنبلة نووية في المنطقة وتأكيد أن هذا مصيره. والرسالة موجهة لكل الدول التي يمكن أن تفكر بذلك، سواء كانت تركيا أو مصر أو السعودية أو الجزائر أو غيرها.

لماذا لم تضرب إسرائيل إيران منفردة؟
قامت إسرائيل بضرب المفاعل العراقي في الثمانينات منفردة ونجحت في تدميره فلماذا لم تكرر نفس العمل مع إيران؟ السبب أن أمريكا وقتها كانت قد أذنت لإسرائيل بضرب المفاعل العراقي والآن لم تأذن لها بضرب إيران. لكن يبقى السؤال لماذا أذنت لها بضرب العراق ولم تأذن بضرب إيران؟

السبب هو أن إيران أفهمت أمريكا بشكل واضح أن أي هجوم على منشآتها من أي مصدر سيجري التعامل معه كما لو صدر من أميركا، وسيؤدي لنفس الانتقام المذكور مما يعني عقوبة لأمريكا على ما تفعله إسرائيل. ولذلك لم تكتف أمريكا بعدم إعطاء الإذن لإسرائيل بل حذرتها تحذيرا قاسيا من ضرب المفاعل النووي دون تنسيق معها. (١٠)

ومن المفارقات أن السبب ليس خشية إسرائيل من هجوم صاروخي لحزب الله على إسرائيل لأن إسرائيل مستعدة للتعامل مع هذا الخطر ولديها ما يكفي من المعلومات عن مدى ضرره. وكان من دهاء الساسة الإيرانيين أن جعلوا التهديد موجها لأمريكا بدلا من إسرائيل في الرد على ضربة إسرائيلية.

لماذا رضخت إيران الآن ورضيت بكل الشروط الغربية بعد العناد والتحدي السابق؟
حين فرض الغرب العقوبات على إيران قبل عدة سنوات، كانت إيران تستطيع تحمل هذه العقوبات لتمكنها من موازنة وضعها الاقتصادي والعسكري والأمني بما يسمح بالتعايش مع هذه العقوبات، وفي كل مرة يفرض الغرب المزيد من العقوبات يجد إيران قد تهيأت لعقوبات أشد. تطوران هامان أدخلا إيران في المرحلة الحرجة التي يمكن أن تصل فيها حد الإفلاس، مما دفعها لتقديم هذه التنازلات رغبة في رفع العقوبات.

التطور الأول هو انطلاق الجهاد في سوريا وتوقف موارد النظام السوري بالكامل، واضطرار إيران لتغطية نفقات قتال الجيش السوري وحزب الله بل وتغطية ميزانية سوريا كاملة تقريبا. ويقدر الخبراء ما تنفقه إيران في سوريا بمعدل نصف مليار دولار شهريا. (١١)

التطور الثاني هو الانخفاض الأخير في أسعار النفط والذي اعترفت إيران أنه أتى على البقية الباقية من قدراتها الاقتصادية. ولأن إيران لا تزال تعتمد على النفط كدخل رئيسي للدولة، فقد نزلت إيراداتها هذا العام إلى قرابة النصف بعد أن صارت تخسر ٤٠٠ مليون دولار يوميا بسب هذا الانخفاض. (١٢)

ولهذا صارت إيران بحاجة ماسة لرفع العقوبات حتى تعوض عن هذه الخسائر الضخمة، وهي تأمل من خلال الاتفاق في إقناع أمريكا بالضغط على دول أوبك لتخفيض إنتاج النفط ومن ثم رفع أسعاره. ولا يوجد أي سر آخر لتفسير موافقة إيران بعد عنادها كل هذه السنين غير هذا.

الملاحظ أن الرأي العام الإيراني لم يكن له دور في تغيير موقف النظام الإيراني، رغم معاناة الشعب الإيراني بسبب العقوبات. ومن المعروف أن النظام الإيراني لا يأبه كثيرا بالرأي العام خلافا لما يعتقده الناس، بعد أن ترسخ في الأذهان دور الثورة الإيرانية في إزاحة الشاه. وهذا الاحتفال الكبير برفع العقوبات من قبل الشعب الإيراني هو دليل على أنهم كانوا يكتمون غضبهم على تحمل العقوبات، عكس ما يدّعى أنهم تحملوا ذلك تأييدا لموقف وطني في برنامج نووي.

ماذا سيترتب على الاتفاق من جهة إيران؟
سيترتب رفع العقوبات ومعه سماح أمريكا وأوربا للشركات الكبرى بالاستثمار في إيران، ومن ثم تحويل إيران إلى ميدان استثماري ضخم بعد أن تَوَقف الاستثمار فيها لعقود. الجدير بالذكر أن الرفع يفترض أن يشمل حتى العقوبات التي فرضت بعد أيام أيام الثورة الأولى مما يعني استثمار الفراغ الاستثماري منذ ١٩٨٠ تقريبا.

وأكدت كثير من الدوريات الاقتصادية أن الشركات الأوربية والأمريكية في حالة سباق منذ أكثر من عدة أشهر، بعد أن سربت لها إيران أنها سوف توافق على الشروط الغربية. وتقدر المشاريع الصالحة للاستثمار بالتريليونات مما يعني أنتعاشا كبيرا في الاقتصاد الإيراني يستحق التفريط بالبرنامج النووي. (١٣)

هذا الانتعاش سيغير موازين القوى الاقليمية لصالح إيران، لأنها سوف تستطيع تقديم المزيد من الدعم للنظام السوري وحزب الله والحوثيين وتمويل النشاطات الطائفية والاستخباراتية المعتمدة على المال. كما أن هذا الانتعاش ربما يقنع تركيا بالحياد بعد إغرائها بالاستثمار ومنعها من الميل مع الدول الخليجية ضد إيران.

ماذا سيترتب على الاتفاق من جهة الغرب؟
سوف يطمئن الغرب إلى أن المشروع النووي الإيراني تحت السيطرة وخاضع للرقابة الصارمة ولن يقلق من قنبلة نووية إيرانية ما دام الاتفاق قائما. وسوف تستفيد كثير من الشركات الأوربية والأمريكية من الاستثمار في إيران بمبالغ خيالية كما ذكر أعلاه.

وأما ما قيل أن الغرب سيرتاح من حماية الخليج بعد أن يسلمه لإيران، فهذا رغم كثرة ترداده فهو مناف للحقيقة جملة وتفصيلا. أمريكا لن تسمح لإيران بتوسيع نفوذها في الخليج فضلا عن أن تسلمها الخليج، لما لأمريكا من مصالح مصيرية مع الأنظمة الخليجية.

ومن يردد هذا الكلام عليه أن يدرك أن إيران هي الدولة الوحيدة الخارجة عن النفوذ الأمريكي في المنطقة، وترسم استراتيجيتها لأهداف تخدم تطلعاتها المذهبية والقومية بشكل مستقل. ويستحيل أن ترضى أمريكا لدولة بمثل هذه الاستقلالية أن تتحكم بأكبر تجمع للنفط في العالم وهو نفط الخليج إضافة لنفط العراق وإيران.

وما يحتج به البعض أن أمريكا سمحت لإيران بالتحكم بالعراق وبناء عليه ستسمح لها بالتحكم بالخليج، مقارنة في غير محلها لسببين. أولا لم يحصل ذلك إلا بعد أن ذاقت أمريكا الأمرين على يد المقاومة العراقية واضطرت اضطرارا رغم أنفها للخروج من العراق، وكان أفضل حل لها هو أن تلقي المقاومة في حلق إيران. ثانيا لا تزال الكلمة الأخيرة في العراق، خاصة فيما له علاقة بالنفط، بيد أمريكا، وكل محاولات إيران لسرقة النفط العراقي أو التحكم به ضعيفة ومحدودة. (١٤)

ماذا سيترتب على الاتفاق من جهة الخليج؟
يفترض أن يزول خطر إيران النووية عن الخليج، لكن الحقيقة أن هذا لم يكن خطرا لأن إيران لا تستطيع مهاجمة الخليج بالنووي كونها تعلم أن الغرب سيحرقها بالكامل. والتخويف بالنووي قضية إعلامية أكثر منها حقيقية، فهذه إسرائيل لديها مئتين وخمسين قنبلة نووية ولم يتبادل الناس الخوف من قنابلها.

ولكن الأثر الحقيقي للاتفاق سيكون من انتعاش الاقتصاد الإيراني ورفع العقوبات، وسيكون أثر ذلك حسب توجه كل دولة خليجية على حده. الدول التي تؤمن بالتعامل التجاري مع إيران والاستثمار مثل الإمارات سوف يستفيد رجال الأعمال فيها كثيرا. أما الدول القلقة من النشاط الشيعي فسوف يزداد قلقها لأن إيران سوف تستفيد من انتعاشها الاقتصادي لتنشيط مشروعها الاستخباراتي في المنطقة.

هل سيمضي الاتفاق قدما؟
لعل الكثير لم يلاحظوا أن الاتفاق ليس اتفاقا نهائيا، بل هو إطار لاتفاق وقد أُجل التوقيع على الاتفاق النهائي إلى ما بعد شهرين من الآن . ولذلك فإن الاتفاق ليس له قيمة تنفيذية حاليا، فلو بادر أحد الطرفين بتنفيذ البنود المتعلقة به فإن الطرف الآخر ليس ملزما بتنفيذ ماعليه من بنود.

ويفترض أن التفاصيل التي تركت للتوقيع النهائي لن تكون عائقا وأن الصعوبات الأساسية تم تجاوزها. لكن يبقى المجال مفتوحا لاحتمالية المزيد من التأجيل أو حتى التراجع في مرحلة من المراحل خاصة مع قوة اللوبي المناهض للاتفاق في أوربا وأمريكا.

المشكلة الأخرى أن الاتفاق لن يكون نافذا بعد التوقيع النهائي إلا بإقرار الكونجرس. (١٥) وبقدر حماس أوباما ومعه تيار كبير في الحكومة الأمريكية للتوقيع النهائي على الاتفاق، فإن هناك تيارا مناهضا بقوة للاتفاق وله نفوذ في الكونجرس ومدعوم من اللوبي الصهيوني. هذه المقاومة للاتفاق لن تكون هينة، ومن الوارد جدا أن تنجح في رفض الاتفاق أو طلب تعديلات في بنوده مما يعني تأجيل تنفيذه إلى أن تتم موافقة إيران على هذه التعديلات.

---------------------------------------------
(١) سمي إطار الاتفاق لأنه كما ستقرأ في نهاية المقال ليس صيغة الاتفاق النهائي الذي سيجري التوقيع عليه بعد شهرين من الآن.

(٢) غلب على معظم الكتابات عن الشأن الإيراني التحيز والجهل والكتابة ببواعث العداوة والمؤامرة بطريقة تقضي تماما على الموضوعية وقد تأتي بمعلومات مبتدعة ليس لها أصل.

(٣) الحديث عن تاريخ المشروع النووي الإيراني والمفاوضات مع الغرب كثيرة جدا ويكفيك أن تكتب في محركات البحث لتجد قائمة طويلة من الكتابات والبحوث والتقارير عن الموضوع. وهنا أحد النماذج ، وهذا نموذج آخر


(٥) سبق أن أشرنا إلى ذلك في مقالنا "إيران الثورة مع أو ضد أمريكا".

(٦) واضح أن تدخل أمريكا والعقوبات ساهم في منع إيران من الحصول على القنبلة واقرأ تصريحات رئيس السي آي إي.

(٧) يوجد لدى الغرب كل المعلومات المطلوبة عن نشاطات إيران النووية ومواقعها وعمقها تحت الأرض ولديها التقنية للقنابل المخترقة التي تصل إلى عشرات الأمتار تحت الأرض.


(٩) عشر لاءات إسرائيلية عن الاتفاق أحدها عن الصواريخ البالستية.



(١٢) هذا أحد التقارير عن مدى خسارة إيران بسبب هبوط أسعارالنفط.

(١٣) تقرير في البي بي سي عن السباق على الاستثمار في إيران بعد الاتفاق.

(١٤) نحيلكم مرة أخرى إلى مقالنا "من أجبر أمريكا على محالفة إيران".

(١٥) بل إن الجمهوريين يريدون عرض الاتفاق النهائي عليهم قبل التوقيع.

الأربعاء، 1 أبريل 2015

خواطر في مفهوم التديّن



مفهوم التدين عند معظم الناس هو الإكثار من الممارسات الدينية الظاهرة من النوافل وقراءة القرآن والأدعية والأذكار، والحرص على المظهر والتصرف الخارجي المعبر (١). ولا إشكال في اعتبار هذه الممارسات جزءا مهما من التدين ومن علامات زيادته، لكن التدين الحقيقي أبعد من ذلك وأوسع من أن يحيط بها إكثار النوافل والذكر والقرآن.

هذه محاولة لصيد بعض الخواطر حول مفهوم التدين الحقيقي، وتتبع أدلة الاقتراب من الله والتعرف على معالم التربية الروحية الصحيحة. ومما لا شك فيه أن حقيقة التدين والقرب من الله مرده في الحالات الفردية لله سبحانه، فلا يملك أحد الحكم على بشر بعينه إلا المعصومين، لكن القواعد العامة التي ليس فيها تقويم شخص معين، معروفة ومبسوطة في الكتاب والسنة والحديث عنها ضروري لتعلم وسائل القرب من الله. (٢)

حب الله ورسوله أصل التدين
بعض التعبيرات يكثر تردادها حتى يستقر في الذهن معانٍ غير المعنى الحقيقي، خاصة في قضايا المشاعر التي يصعب حسابها وجوديا، ومن ذلك مفهوم حب الله سبحانه وحب رسوله عليه الصلاة والسلام. وقد أكثر الحريصون على السنّة من تأكيد أن حب الله ورسوله لا معنى لها دون طاعتهما والالتزام بما جاء في الكتاب والسنة، وكرروا التنبيه إلى انحراف الرياضات الصوفية التي تُعنى بترتيب المشاعر على حساب الاتّباع.

وهذا كلام صحيح ودقيق ولا مراء فيه، لكن بالغ البعض في التأكيد على مفهوم الاتباع بطريقة جافة نزع منها الجانب القلبي والشاعري، أو قل إن شئت، الوجدان والعاطفة. (٣) فحب الله لا بد فيه من مشاعر هي مزيج من الخشية والتعلق وحسن الظن به والخوف من غضبه ورجاء رحمته واستحضار عظمته والعيش مع أسمائه الحسنى وصفاته العلى.  وحب رسول الله عليه الصلاة والسلام  لا بد فيه من استحضار الاحترام لمقامه العظيم والتعلق القلبي بشخصه الكريم وهوى به وشغفا وشوقا لذاته الشريفة (٤).

ولهذه الأسباب لا تصح الدعوى بحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وجدانيا بالمفاهيم الصوفية الروحانية دون العمل بما جاء به والانتهاء عما نهى عنه والالتزام بمنهج الصحابة في الفهم والتطبيق والاختلاف. وكذلك لا يصلح المبالغة في الأمر باتباعه دون أثر وجداني شاعري لمحبته عليه الصلاة والسلام. (٥) ولا يكتمل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بحب أهل بيته مودة لقرباه عليه الصلاة والسلام وحب صحابته رضي الله عنهم اعترافا بحسن تربيته وتعظيما لأثر تعليمه ودعوته.




لا تفريط في الفرائض وكمالها أفضل من كل النوافل
الإكثار من النوافل مطلوب، وهو وسيلة من وسائل زيادة التدين لله، لكن لا يمكن أن يدخل الإنسان في صنف المتدين لله ما لم يؤد الفرائض، مهما اجتهد في غيرها مما يقرب لله. وجاء التصريح بالكفر في نصوص ثابتة لتارك الصلاة، (٦)كما جاء تهديد قريب من الكفر في تارك الصيام والزكاة والحج. (٧) وهذا التهديد بالكفر أو قريبا منه ليس مرتبطا بالجحود، بل مرتبط بالتقصير أو التهاون أو الكسل، فمن ترك الفرائض تكاسلا أوتهاونا فهو المقصود بهذا الوعيد، وأما الجحود فلا شك مخرج من الملة بلا خلاف بين العلماء. (٨)

وتفوّق الفرائض في التدين لا يقتصر على أدائها بالحد الأدنى، بل إن إتمام الفرائض أفضل من أي اجتهاد في النوافل (٩). فحضور صلاة الجماعة في المسجد في الفروض الخمسة أفضل من قيام الليل، والحرص على تنزيه رمضان من أي خادش أفضل من صيام النوافل، والحرص على إتمام الزكاة بتقصي كل المال وتبرئة الذمة أفضل من كل أشكال الإنفاق، والحرص على كمال أركان الحج وواجباته أفضل من ألف عمرة. (١٠)

وتفوق الفرائض يتضح كذلك في مقارنة التهاون بها مع الكبائر العظيمة، فتركها باتفاق العلماء (حتى من لا يرى التكفير) أشد جرما من عقوق الوالدين وقطع الرحم والزنا والربا والسرقة وقتل النفس وقطع الطريق. وهو كذلك أشد جرما من التهاون بفروض الكفاية مثل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رغم أهمية هذين الأمرين في الإسلام. (١١)

القلق من الذنب والتستر به
من علامات التدين ترك المحرمات وتجنب الطرق المؤدية إليها، لكن الإنسان خطّاء ولا يمكن أن يتحاشى هذه المحرمات تحاشيا مطلقا كما ثبت في الحديث، وإتيان المحرمات لا يعصم منه إلا الأنبياء(١٢). مقابل هذه الواقعية في تقبل احتمال اقتراف الذنوب، فإن الإسلام لا يتساهل في أمرين مرتبطين باقتراف المحرمات يَعظُمُ بها الإثم حتى لو كان صغيرا.

الأمر الأول، هو التهاون بالذنب وتكراره بلا مبالاة ودون توبة واستغفار، وهو ما يحول الصغيرة إلى كبيرة فـ "لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار".(١٣)  ولذلك فإن القلق من الذنب والشعور بالخطأ والحياء من الله بسببه هو من علامات التدين، بل إن الذي يشعر بالخوف من ذنبه ويقلق من آثاره عليه أكثر تدينا ممن لم يعمل الذنب وكأنه قد تفضل على ربه بترك الذنب.  

الأمر الثاني، هو المجاهرة بالذنب أمام الناس، ولعله مرتبط بالتهاون، فلا يمكن أن يجاهر إنسان بذنب إلا وقد استهان به. ومن شرط التدين الحقيقي أن يستحي المسلم من ذنبه ويبذل ما يستطيع للاستتار به، ليس خوفا من المخلوقين، لكن إدراكا لقبح الذنب في ذوق المسلمين ومنعا لتطبيع المجتمع المسلم على الحرام. (١٤)

حسن الخلق مقدم على النوافل
يغيب عن الكثير أن التقرب لله بالأخلاق الحسنة أفضل من كل النوافل، وهو ما ثبت قطعيا في أحاديث كثيرة. وحسن الخلق مفهوم واسع لا يقتصر على ما يسميه الناس بالأتاكيت، بل يشمل كل العلاقات مع البشر والكائنات من الوالدين لبقية العائلة والجيران لبقية المسلمين ثم غير المسلمين ثم الحيوانات والبيئة.

فبر الوالدين وصلة الرحم والإحسان للجار وإكرام الضيف ورحمة الصغير وتوقير الكبير كلها أفضل من النوافل دون تقليل من قيمة النوافل. والمتدين الحقيقي -بعد أدائه للفرائض- هو من يجتهد في هذه المنظومة من الأخلاق وليس متدينا من يتساهل فيها. وكثير ممن لا يبدو عليهم مظهر التدين في شكلهم ولباسهم وكثرة عبادتهم هم أقرب لله سبحانه بأخلاقهم وأدائهم لحقوق الناس. (١٥)

الصدق والأمانة نافذة على التدين
النفاق بكل أشكاله قبيح ومعارض للتدين مهما بذل صاحبه جهده في الظهور بمظهر المتدين، فلا دين ولا تديّن دون تحلي المسلم بالصدق والأمانة. ويكون المرء بعيدا عن الدين والتدين بقدر ما لديه من كذب وغدر وخيانة، حتى إذا اكتملت فيه هذه الصفات كان منافقا خالصا، كما جاء في الأحاديث الثابتة عن صفات المنافقين.(١٦)

والصدق والأمانة ليس محصورا في نقل الأخبار وحفظ الأموال، بل هو في كل ما فيه مسؤولية الأمانة، وعلى رأس ذلك قول الحق في مواطن الخطر والأمانة في تحمل المسؤولية عند الشدائد. ومن هنا فكثير من المحسوبين على العلم ممن عليهم مظاهر التدين لا ينفعهم مظهرهم إذا لم يمارسوا الصدق والأمانة. والصدق في هذا المقام هو بيان الحق وكشف الباطل والأمانة هي تحمل المسؤولية في مواجهة الظلم والمنكر.

وبسبب سوء التربية وتراكم النفاق العملي في المجتمع على مدى أجيال يتطبع الناس بأطباع النفاق حتى يظن بعضهم حقيقة أن الدين إنما يتمثل في المظاهر والطقوس والمناسك وليس في الأمانة والمسؤولية. وهذا التراكم الاجتماعي  حتى لو لم يكن نفاقا اعتقاديا فهو قطعا من النفاق العملي الذي يتعارض مع القرب من الله، فلا يمكن أن يتحلى بصفات الكذب والغش والخيانة إلا من نزع منه التدين الحقيقي.

المشاعر مع الدين
حب المسلمين الذي يعتبر من علامات التدين بالنصوص الثابتة يقصد به المودة الموجهة لكل مسلم لأجل الله لأنه مسلم قد وحد الله وآمن برسوله عليه الصلاة والسلام. ويترتب على ذلك أن تحب كل ما عند أخيك المسلم من طاعة لله وتكره ما عنده من معصية الله. وكلما كان مقدار الحب للمسلمين مرتبطا بما لديهم من دين وطاعة لله وبغض لما عندهم من عصيان وفسق كلما كان التدين قريبا من الكمال.(١٧)

ولهذا كان من أفضل القربات لله تمني الخير للمسلمين وتطهير القلب من الغل البشري عليهم، مستثنى من ذلك بغض ما عندهم من ظلم وفجور فهذا لا يجوز الرضا عنه. والعكس صحيح فإن من يسيء الظن بالمسلمين ويحسدهم على ما عندهم من خير ويتساهل في العدواة والبغضاء تجاههم في غير حقها فقد سقط في أسفل سلم التدين حتى لو كان صواما للنهار قواما للليل. (١٨)

وحب المسلمين يعني كذلك الفرح بانتصارهم على أعدائهم وخلاصهم من أي ظلم وطغيان واستبداد والحزن على مصائبهم وتمكين أعدائهم منهم. ومن لم يفرح ويحزن بهذه المقاييس فإن المشكلة لديه لا تقف عند نقص التدين بل ربما تكون في أصل عقيدته كلها وانتمائه لهذا الدين. (١٩)




الجهاد ثرمومتر التدين
ثبت في الحديث فضل الجهاد على كل النوافل لأن فيه حماية لبيضة الإسلام ورفعا لراية الدين وتمكينا لأمر الله وتحكيما لشرعه. ولأن مثل هذه الأهداف تبقي هيبة الدين وتدفع البشر كلهم لعبادة الله وتوحيده فيكون أجرها بقدر من ينتفع به فمن الطبيعي أن يكون الجهاد أفضل من النوافل التي تنفع صاحبها فقط أو تنفع عددا محدودا من الناس. (٢٠)

ولذلك فإن من علامات التدين حب المجاهدين والذب عنهم والبحث عن معاذير لهم إذا أخطأوا والسعي لنصحهم إن كان لا مجال لعذرهم. والعكس صحيح فإن من علامات البعد عن الدين التضايق من نجاحات المجاهدين والترصد لأخطائهم والجرأة في وصفهم بأوصاف غير شرعية. مع أن مداراة المجاهدين لا تعني السكوت عن أخطائهم وتنبيههم لها والبراءة منها لكن لا يعني هذا الإرجاف بهم وتخوينهم واتهامهم بالابتداع والانحراف. (٢١)

الموقف من منكري الظلم والفساد
لا جدال أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقدم على النوافل، لأنه أقرب لوصف الفريضة من النافلة حتى كاد أن يعتبر ركنا سادسا من أركان الإسلام. والسبب أن أثر مثل هذا العمل يتعدى إلى الأمة المسلمة كلها ويكون من نصيب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر  نسخة من أجر كل من تأثر بأمره ونهيه.

وكلما عظم المنكر وقوي صاحبه وصعب إنكاره كلما عظم أجر وفضيلة الإنكار حتى يصل إلى أقصاه في الإنكار على الحاكم الظالم فيكون الأجر أعظم درجات الجهاد ويكون الموت بسببه أفضل أنواع الشهادة في سبيل الله. ولذلك فإن كل ساع لإزالة الظلم والفساد العام الذي يحميه الأقوياء هو بمثابة مجاهد في أفضل ميادين الجهاد. (٢٢)

ومن يتحاشى هذا الإنكار خشية الأذى الذي يترتب عليه فهو مقصر لا شك في ذلك، لكن لديه فرصة أن يحقق التديّن لله في هذا الجهاد، بحب وتأييد ودعم من يقوم به والدفاع عنه والذب عن سمعته وعرضه. وأما من يتخلى عن هذا الواجب وفي المقابل يبحث عن معاذير للظلمة ويتتبع زلات المحتسبين عليهم فهذا ليس مقصرا فحسب بل أقرب للمنافق حتى لو كان مصنفا من العلماء وعليه علامات التدين في شكله وأعماله.

الفزعة للمسلمين وإغاثة الملهوف وإعانة الضعيف
من الخلق الإسلامي الذي يعتبر كمالا في التدين الفزعة للمحتاج في كل أنواع الفزعة والإعانة. فإغاثة الملهوف ومساعدة الضعيف وإطعام الفقير وإنقاذ المشرف على الهلاك، والتوسط لمن يحتاج إلى وجاهة والإصلاح بين متخاصمين كلها أقرب لله من الاجتهاد في النوافل. (٢٣)

والعكس صحيح فخذلان المحتاج والتخلي عن الضعيف مع القدرة ليس ضعفا في التدين فحسب بل إثم ومعصية وقد يصل إلى الجريمة إن كان في المسألة دفع ضرر أو منع مصيبة. بل إن بعض حوائج المسلمين قد تؤثر في الفرائض نفسها فيجوز مثلا أن يجمع الصلوات لأجلها أو أن يقدم صرف الزكاة عن وقتها إن كان في ذلك حاجة أو ضرورة. (٢٤)

النية،  وإلا فلا تديّن
كل هذه الأعمال الجميلة والفاضلة لا يمكن أن تكون تدينا لله إلا أن تكون مبنية على احتساب له واستحضار النية في رضاه. وحتى يحقق المسلم التدين الصحيح لا بد أن يدرب نفسه على استحضار النية لأن تطبع الإنسان على هذه الأعمال الفاضلة قد يحيلها روتينا ينسى به الاحتساب فيحرم الأجر لأنه لم يعد تدينا لله حتى لو كان أمرا محمودا يستحق الثناء عليه.

ولذلك فإن الفزعة للضعيف لن تكون تدينا إن كانت مروءة وعروبة فقط، وبر الوالدين والاحسان للجار لن يكون قربى لله إن كان طبعا وجبلة تربى عليها الإنسان لذاتها. والإعجاب ببطولات المجاهدين والفرح بدفع المخاطر والتشفي بالأعداء دون استحضار أن هذا تمكين للدين ونصر للمسلمين ورفع لكلمة الله أمر جميل ولا غبار عليه لكنه ليس تدينا ولا قربى لله. وكذلك احترام المناضلين الذين يثبتون أمام الطغاة والظلمة وتقدير صبرهم وتحملهم للأذى لا يمكن أن ينال أحد به الأجر إلا إن كان إعجابا به كجهاد في سبيل الله واستحضار مقاصد الشرع فيه. (٢٥)

التوازن بين الشعور بالتقصير والثقة بالله
من كمال التدين الشعور المستمر بفضل الله والافتقار إليه والحاجة الدائمة لتوفيقه وتثبيته وبركته وهداه والاجتهاد في حمده وشكره على ذلك باللسان والعمل. ومن كمال التدين الشعور بالتقصير في حق الله وتحاشي أي خاطرة ولو عابرة في المنة عليه أو اعتقاد النجاح التام في أداء الواجبات وترك المحرمات.(٢٦)

وفي المقابل فإن من كمال التدين أن لا تعني هذه المشاعر الاكتئاب والشعور بالفشل والخسارة واليأس من رضا الله، بل لا بد من حسن الظن به والثقة بتأييده وتوفيقه في الدنيا والطمع برحمته في الآخرة. وحتى مع حصول المصائب يدرك المسلم أن الله قد دفع عنه من الشر ما هو أسوأ منه ومهما بلغت مصائب الدنيا فلن تكون مثل المصيبة في الدين. (٢٧)

-----------
١) يكرر البعض أن فلان "مطوع" ، أو من أهل الله، أو متدين، وهم يقصدون هذه المظاهر الخارجية أو ما يعرف عنه من حرص على النوافل والقرآن والذكر.

٢) هذا الكلام ليس على إطلاقه فربما يصدر من شخص من علامات الكفر والفساد والظلم ما لا مجال فيه للتأويل ولا للجهل أو قد يتواتر الموقف عليه من عامة المسلمين فيما يمكن أن يقع تحت "أنتم شهود الله في أرضه".

٣) تجد ذلك في كثير من الكتب التي فيها رد على الصوفية وبعض كتابات من يدعون السلفية ممن يتحدثون بلغة جافة عن قضايا عبادية تحتاج رقة وشاعرية خاصة فيما يخص الذات النبوية الشريفة.

٤) كثير ممن يستحضر هذا الحب، يصيبه خشوع وتدمع عيناه من قراءة السيرة النبوية، وقدوته في ذلك الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا يحبون النبي عليه الصلاة والسلام باتباعه ويحبونه شخصيا بولهٍ وتعلق وقصة أذان بلال في بيت المقدس تجسد هذا المعنى.

٥) ولذلك ترى الصحابة رضي الله عنهم والعلماء الكبار في التاريخ الإسلامي يجمعون هذين المبدأين بكل اقتدار، ومن ذلك فإن أبابكر الذي هو أعظم الناس حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمنعه هذا الحب أن يقف وقفته العظيمة بقوله "من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات". وكان هذا دأب علماء الإسلام الكبار في الالتزام الصارم بالاتباع من جهة وتعظيم الذات النبوية تحديدا والرقة في التعامل عند ذكر ما يتعلق بها من جهة أخرى.

٦) صحت أحاديث كثيرة في التصريح بكفر تارك الصلاة وراجع لمزيد من التفصيل كتاب (الصلاة وحكم تاركها لابن القيم).

٧) جاء في الحديث الوعيد الشديد عن ترك رمضان والزكاة والحج وفيها كلها معان قريبة من الكفر بل إن بعض العلماء يرى تكفير من يتركها تهاونا.




٨) تكفير الجاحد لهذه الفرائض ليس مستنبطا من الوعيد فيها بل لأن فيه إنكارا للمعلوم من الدين بالضرورة.

٩) ثبت في الحديث أن صلاة الفجر في جماعة أعظم من قيام الليل
فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله. ورواه الترمذي بلفظ: من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة. ورواه أبوداوود بلفظ: من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة. وكلاهما عن عثمان أيضا.

وجاء في الحديث الذي رواه البخاري "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ".

١٠) من نماذج ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) متفق عليه.

١١) جمع بن القيم في كتابه "الصلاة وحكم تاركها" نقولات العلماء في الإجماع على هذا الأمر.

١٢) جاء في الحديث "كل بن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" وهذا الأثر مختلف في صحته لكن متفق على معناه .

١٣) روي عن بن عباس موقوفا بإسناد صحيح ولم يصح مرفوعا ويؤيده أحاديث كثيرة.

١٤) في ذلك أحاديث كثيرة من أشهرها الحديث المتفق عليه  "كل أمتي معافى إلا المجاهرون" وهنا بعض فوائد الحديث
وقد أفاض بن القيم في الكلام عن فضل التستر وعدم المجاهرة بالذنب في كتابه ( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي).

١٥) ثبث في هذاا المعنى أحاديث صحيحة كثيرة وراجع مقالنا حقائق هامة عن الاخلاق الإسلامية.

١٦) صح في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر" وهذا اللفظ رواية ا لبخاري عن عبد الله بن عمرو وأما لفظ رواية مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال  "أربعٌ من كن فيه كان منافقًا خالصًا . ومن كانت فيه خلةٌ منهن كانت فيه خلةٌ من نفاقٍ . حتى يدعَها : إذا حدث كذب . وإذا عاهد غدر . وإذا وعد أخلف . وإذا خاصم فجر . غيرَ أن في حديثِ سفيان : وإن كانت فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاقِ". وناقشنا هذا الموضوع باستفاضة في مقالنا المذكور في الهامش السابق.

١٧) يشتهر في ذلك حديث "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان " رواه البخاري وهنا تخريج وشرح للحديث
ومن الأحاديث كذلحك حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ( إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ ) رواه أحمد وحسنه محققو المسند ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب .

١٨) جاء في حديث أنس "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة" وهنا نصه كاملا.

١٩) في هذا البحث نماذج من المشاعر التي يجب أن يشعر بها المسلم.

٢٠) الأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا، وقد استفاض في ذكر فضائل الجهاد والامر به وكونه أفضل الاعمال بعد الفرائض شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في الجزء الثامن والعشرون. 

٢١) هنا بعض النقولات عن ذم الإرجاف بالمجاهدين.

٢٢) منها حديث أبي سعيد الخدري (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) وحديث بن عباس ( سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله).

٢٣) بحث مستفيض في الموضوع.

٢٤) جاء في الحديث " ما من امرئٍ يخذلُ امرأً مسلمًا في موطنٍ يُنتَقَصُ فيهِ مِنْ عرضِهِ، ويُنتهكُ فيهِ مِنْ حُرمَتِهِ، إلَّا خَذَلَهُ اللهُ تعالى في موطنٍ يُحبُّ فيهِ نُصرتَهُ، ومَا منْ أحدٍ ينصرُ مسلمًا في موطنٍ يُنتَقَصُ فيهِ منْ عرضِهِ، ويُنتَهكُ فيهِ منْ حُرمَتِهِ، إلَّا نصرَهُ اللهُ في مَوْطِنٍ يُحبُّ فيهِ نُصرَتَهُ"
أخرجه البخاري في " التاريخ " (1/ 1/ 347/1094) ، وأبو داود (4884) ، والفسوي في " المعرفة " (1/ 300) ، وابن المبارك في " الزهد " (243/ 296) ، وعنه أبو نعيم في " الحلية " (8/ 189) ، وأحمد (4/ 30) ، وابن أبي الدنيا في " الغيبة " (99/ 06 1) ، و " الصمت " (135/ 241) ، والطبراني في " المعجم الكبير " (5/ 110/ 4735) ، والبيهقي في " السنن " (8/167 - 168) ، والبغوي في " شرح السنة " (3 1/ 8 0 1/ 3532) . وذكر الشيخ سعيد عبدالعظيم ان ذلك من صلب عقيدة المسلم في كتابه منهج شيخ الاسلام ابن تيمية ودعوته الاصلاحية ص ١٢١. 

٢٥) اشتراط النية لقبول العمل أمر معروف ومشهور وحديث "إنما الأعمال بالنيات" لا يكاد يجهله أحد، لكن دقائق تطبيق هذا المبدأ هو الإشكال الذي يقع فيه الكثير.

٢٦) تعليق جميل للشيخ محمد محمود الصواف على قوله تعالى "قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم .. الآية).

٢٧) ناقش بن القيم كتابه مدارج السالكين مبدأ الموازنة بين الخوف والرجاء وبين الرضا بالقضاء والعمل بالأسباب مناقشة عميقة وكذلك المقدسي في كتابه مختصر منهاج القاصدين في فصل كامل.