الثلاثاء، 22 أبريل 2014

المزاج العام

ﺗﺳﺗﻐﺭﺏ ﺣﻳﻥ ﺗﻘﺭﺃ ﻛﻳﻑ ﻟﻔﻛﺭﺓ ﻛﺎﻟﻧﺎﺯﻳﺔ ﻓﻲ ﺳﺫﺍﺟﺗﻬﺎ ﻭﺳﻁﺣﻳﺗﻬﺎ ﻭﺗﻁﺭﻓﻬﺎ ﺍﻟﺷﺩﻳﺩ ﺃﻥ ﺗﻧﺟﺢ ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻊﻛﺎﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﺍﻷﻟﻣﺎﻧﻲ. ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻔﻛﺭﺓ ﻟﻡ ﻳﻣﻧﻌﻬﺎ ﻭﺻﻭﻟﻬﺎ ﻟﻠﺣﻛﻡ ﺑﻭﺳﺎﺋﻝ ﺳﻠﻣﻳﺔ ﻣﻥ ﺍﺳﺗﺧﺩﺍﻡ ﺃﻗﺳﻰ ﺃﻧﻭﺍﻉ ﺍﻟﻌﻧﻑ ﻣﻊ ﺍﻟﻣﺧﺎﻟﻔﻳﻥ٬ ﺣﻳﺙ ﺑﻠﻎ ﻋﺩﺩ ﻗﺗﻠﻰ ﺍﻟﻧﺎﺯﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﺭﻭﺑﻬﺎ ﻭﻓﻲ ﻣﻌﺳﻛﺭﺍﺕ ﺍﻻﻋﺗﻘﺎﻻﺕ ﻣﻼﻳﻳﻥ ﺍﻟﺑﺷﺭ٬ ﻭﺗﻡ ﺫﻟﻙ ﺑﺭﺿﺎ ﺍﻟﻧﺎﺱ ﻭﻗﺑﻭﻟﻬﻡ ﺑﻝ ﻭﺑﺩﻋﻣﻬﻡ ﻏﻳﺭ ﺍﻟﻣﺣﺩﻭﺩ ﻟﻠﻔﻛﺭﺓ ﻧﻔﺳﻬﺎ. 

ﺃﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻣﺗﺎﺑﻊ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ ﺳﻳﺯﻭﻝ ﺍﺳﺗﻐﺭﺍﺑﻪ ﺇﺫﺍ ﺃﺧﺫ ﺑﺎﻟﺣﺳﺑﺎﻥ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻹﺫﻻﻝ ﺍﻟﺷﺩﻳﺩ ﺍﻟﺗﻲ ﻭﻗﻌﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻟﻣﺎﻥ ﺑﻌﺩ ﻫﺯﻳﻣﺗﻬﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺣﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻣﻳﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ٬ ﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻫﺩﺓ ﻓﺭﺳﺎﻱ ﺍﻟﻣﻬﻳﻧﺔ ﻭﺍﻟﻣﺣﻁﻣﺔ ﻟﻛﺑﺭﻳﺎﺋﻬﻡ. ﺛﻡ ﺟﺎءﺕ ﺃﺯﻣﺔ ﺍﻟﻛﺳﺎﺩ ﺍﻻﻗﺗﺻﺎﺩﻱ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﺳﻣﻰ ﺍﻟﻛﺳﺎﺩ ﺍﻟﻛﺑﻳﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﺿﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ ﻭﻛﺎﻥ ﺗﺄﺛﻳﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﺃﻟﻣﺎﻧﻳﺎ ﺭﻫﻳﺑﺎً ﻭﻣﺅﻟﻣﺎً. ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻌﻭﺍﻣﻝ ﺳﻬﻠﺕ ﺗﻘﺑﻝ ﺍﻟﺷﻌﺏ ﺍﻷﻟﻣﺎﻧﻲ ﻷﻱ ﻓﻛﺭﺓ ﺗﺧﻠﺻﻪ ﻣﻣﺎ ﻫﻭ ﻓﻳﻪ٬ ﻓﻛﺎﻧﺕ ﺍﻟﻧﺎﺯﻳﺔ ﺍﻟﺗﻲ ﺟﻌﻠﺕ ﻣﻥ ﺳﻣﻭ ﺍﻟﻌﺭﻕ ﺍﻵﺭﻱ ﻋﻧﺻﺭﺍً ﻣﺭﻛﺯﻳﺎً ﻓﻲ ﺃﻳﺩﻟﻭﺟﻳﺗﻬﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻣﺧﻠﺹ ﻟﻠﺷﻌﺏ ﺍﻷﻟﻣﺎﻧﻲ. 

ﺍﻟﺑﺣﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻛﺭ ﺍﻟﻧﺎﺯﻱ ﻭﺟﺭﺍﺋﻣﻪ ﻭﻁﺭﻕ ﺇﺩﺍﺭﺗﻪ ﻟﻠﺳﻳﺎﺳﺔ ﺍﻟﺩﺍﺧﻠﻳﺔ ﻭﺍﻟﺧﺎﺭﺟﻳﺔ ﻭﻋﻼﻗﺗﻪ ﻣﻊ ﻏﻳﺭ ﺍﻟﻣﻧﺗﻣﻳﻥ ﻟﻠﻌﺭﻕ ﺍﻵﺭﻱ ﻛﻣﺎ ﺗﺻﻧﻔﻬﻡ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻔﻛﺭﺓ ﻭﺷﺧﺻﻳﺔ ﺍﻟﺳﻭﺑﺭﻣﺎﻥ ﻭﺍﻟﺭﺟﻝ ﺍﻟﺧﺎﺭﻕ ﻭﺍﻹﻟﻪ ﺍﻟﻔﺎﻧﻲ٬ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻣﺗﻌﺔ ﺷﻳﻘﺔ ﻭﺗﺷﺑﻊ ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻳﺔ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻧﻬﻣﺎً ﻓﻲ ﻣﺟﺎﻻﺕ ﻛﺛﻳﺭﺓ ﻣﺗﺩﺍﺧﻠﺔ ﻛﺎﻟﺳﻳﺎﺳﺔ ﻭﺍﻟﺳﻠﻭﻙ ﻭﻋﻠﻡ ﺍﻻﺟﺗﻣﺎﻉ٬ ﻟﻛﻥ ﻫﺫﺍ ﻟﻳﺱ ﺍﻟﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺣﺩﻳﺙ ﻋﻥ ﺫﻟﻙ. ﺇﻧﻣﺎ ﺍﻟﺣﺩﻳﺙ ﻫﻧﺎ ﻋﻥ ﻛﻳﻑ ﺗُﻘﺑﻝ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻔﻛﺭﺓ ﻭ ﻛﻳﻑ ﻳﺳﺗﻣﺎﺕ ﻣﻥ ﺃﺟﻠﻬﺎ٬ ﻭﻫﻭ ﻣﺎ ﻳﻣﻛﻥ ﺃﻥ ﻳﻭﺻﻑ ”ﺑﺎﻟﻣﺯﺍﺝ ﺍﻟﻌﺎﻡ“.  

ﺍﻟﺷﻌﺏ ﺍﻷﻟﻣﺎﻧﻲ ﺑﻌﺩ ﺇﺫﻻﻟﻪ ﻭﻓﻘﺭﻩ ﻭﻫﺯﻳﻣﺗﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺑﺣﺙ ﻋﻥ ﻋﺯﻩ ﺍﻟﻣﻔﻘﻭﺩ٬ ﻭﻓﻛﺭﺓ ﺍﻟﻧﺎﺯﻳﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻔﻛﺭﺓ ﺍﻟﺗﻲ ﻧﺎﺳﺑﺕ ﺗﻁﻠﻌﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺯ ﻭﺍﻟﺛﺄﺭ ﻣﻣﻥ ﺃﺫﻟﻪ٬ ﻓﺭﻛﺏ ﻣﻭﺟﺗﻬﺎ ﺣﺗﻰ ﺃﻟﻘﺗﻪ ﻓﻲ ﻫﺯﻳﻣﺔ ﺃﺷﻧﻊ ﻣﻥ ﺳﺎﺑﻘﺗﻬﺎ ﻣﻊ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺃﺳﻭﺩ٬ ﻭﺳﻳﺑﻘﻰ ﻣﻊ ﺍﻷﺟﻳﺎﻝ ﺍﻷﻟﻣﺎﻧﻳﺔ ﻭﺻﻣﺔ ﻋﺎٍﺭ ﻟﻬﺎ ﺗﺩﻓﻊ ﺑﺳﺑﺑﻪ ﺍﻟﻛﺛﻳﺭ ﺣﺗﻰ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻳﻭﻡ. 

ﻟﻛﻝ ﺃﻣﺔ ﻣﺯﺍﺝ ﻋﺎﻡ ﻳﺣﺩﺩ ﻣﺩﻯ ﻧﺟﺎﺡ ﺍﻟﻔﻛﺭﺓ ﺍﻟﺗﻲ ﺗﻁﺭﺡ ﻋﻠﻳﻬﺎ٬ ﻭﻫﺫﻩ ﻟﻌﺑﺔ ﺳﻳﺎﺳﻳﺔ ﻳﺟﻳﺩ ﺍﺳﺗﺧﺩﺍﻣﻬﺎ ﺍﻟﺳﻳﺎﺳﻲ ﺍﻟﻧﺎﺟﺢ٬ ﻓﺗﺟﺩﻩ ﻳﺗﺑﻧﻰ ﺣﻠﻣﺎً ﻳﺑﺷﺭ ﺑﻪ ﻳﺗﻧﺎﺳﺏ ﻣﻊ ﻧﻔﺳﻳﺎﺕ ﻭﻣﺯﺍﺝ ﻣﻥ ﻳﺩﻋﻭﻫﻡ ﺇﻟﻳﻪ. 
 ﺣﻳﻥ ﺑﺩﺃ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺩﻳﻥ ﺍﻟﺗﺣﺿﻳﺭ ﻟﻔﺗﺢ ﺍﻟﻘﺩﺱ ﻭﺗﻁﻬﻳﺭﻫﺎ ﻣﻥ ﺍﻟﺻﻠﻳﺑﻳﻥ٬ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻣﺯﺍﺝ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﻳﻥ ﻭﺍﻟﻌﺭﺏ ﻓﻲ ﺗﻠﻙ ﺍﻟﻔﺗﺭﺓ ﻣﻊ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻔﻛﺭﺓ٬ ﻓﺎﺟﺗﻬﺩ ﺭﺣﻣﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺷﺭ ﺳﻧﻭﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺗﺣﺿﻳﺭ ﺣﺗﻰ ُﻭﻓﻕ٬ ﻭﺳﺎﻧﺩﺗﻪ ﺍﻷﻣﺔ ﺑﻘﺿﻬﺎ ﻭﻗﺿﻳﺿﻬﺎ. ﺇﻥ ﻛﻝ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺩﻳﻥ ﻫﻭ ﺗﺑﻧﻳﻪ ﻟﻠﻣﺯﺍﺝ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﺷﻌﺏ ﺍﻟﻣﻧﻁﻘﺔ ﻭﺍﻟﻭﻗﻭﻑ ﺧﻠﻑ ﺗﻁﻠﻌﺎﺕ ﺃﻣﺗﻪ ﻭﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻌﺟﻠﺔ ﻧﺣﻭ ﺍﻟﺗﻐﻳﻳﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﺗﻁﻣﺢ ﻟﻪ٬ ﻓﻛﺎﻧﺕ ﺍﻟﻧﺗﺎﺋﺞ ﻣﺑﻬﺭﺓ ﻭﻏﻳﺭ ﻣﺗﻭﻗﻌﺔ ﻓﻲ ﺯﻣﻥ ﺑﺳﻳﻁ ﺟﺩﺍً ﻻ ﻳﻛﺎﺩ ﻳﺫﻛﺭ ﻓﻲ ﻋﻣﺭ ﺍﻟﺷﻌﻭﺏ ﻭﺍﻷﻣﻡ. 

ﺃﺳﺱ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺣﺳﻥ ﺍﻟﺑﻧﺎ ﺣﺭﻛﺔ ﺍﻹﺧﻭﺍﻥ ﺍﻟﻣﺳﻠﻣﻳﻥ ﻋﺎﻡ ۱۹۲۸ﻡ ﺑﻌﺩ ﺇﻟﻐﺎء ﺍﻟﺧﻼﻓﺔ٬ ﻓﻧﺎﺳﺑﺕ ﻣﺯﺍﺟﺎً ﻋﺎﻣﺎً ﻋﻧﺩ ﺍﻷﻣﺔ ﻓﻲ ﺍﺳﺗﺭﺟﺎﻉ ﺧﻼﻓﺗﻬﺎ٬ ﻭﺍﻟﺗﻲ ﺗﺭﺍﻫﺎ ﻗﺩ ُﺳﻠﺑﺕ ﻣﻧﻬﺎ ﺑﺗﺂﻣﺭ ﻗﻭﻯ ﺍﻟﻛﻔﺭ ﻭﺍﻟﻐﺩﺭ ﻭﺗﻅﺎﻓﺭ ﺟﻬﻭﺩ ﺃﻋﺩﺍء ﺍﻷﻣﺔ ﻋﻠﻳﻬﺎ. ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺭﺅﻯ ﺍﻟﺑﺳﻳﻁﺔ ﻳﻣﻛﻧﻬﺎ ﺍﻟﺭﻭﺍﺝ ﺑﺳﻬﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺕ ﺍﻟﻣﻬﺯﻭﻣﺔ ﺍﻟﺗﻲ ﺗﺭﻣﻲ ﻗﺻﻭﺭﻫﺎ ﻠﻰ ﺍﻵﺧﺭﻳﻥ. ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻧﻔﺳﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻣﺯﺍﺝ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻫﻭ ﻣﺎ ﺟﻌﻝ ﺣﺭﻛﺔ ﺍﻹﺧﻭﺍﻥ ﺗﻧﺟﺢ ﻭﺗﺻﺑﺢ ﻣﻥ ﺃﻛﺑﺭﺍﻟﻔﻭﺍﻋﻝ ﺍﻟﺳﻳﺎﺳﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺭﺡ ﺍﻷﺣﺩﺍﺙ ﻓﻲ ﻣﺻﺭ ﻭ ﺧﺎﺭﺝ ﻣﺻﺭ٬ ﺑﻝ ﻣﺎﺯﺍﻟﺕ ﺣﺗﻰ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺗﺎﺭﻳﺦ ﻣﻥ ﺃﻗﻭﻯ ﺍﻟﺟﻣﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺭﺡ ﺍﻷﺣﺩﺍﺙ ﻓﻲ ﻋﺩٍﺩ ﻣﻥ ﺍﻟﺩﻭﻝ ﺍﻟﻌﺭﺑﻳﺔ. 

ﻋﻧﺩﻣﺎ ﻗﺎﻡ ﺍﻟﺷﺭﻳﻑ ﺣﺳﻳﻥ ﺑﺛﻭﺭﺗﻪ ﺍﻟﻌﺭﺑﻳﺔ٬ ﻛﺎﻥ ﻳﺗﺑﻧﻰ ﻣﺯﺍﺟﺎً ﻋﺭﺑﻳﺎً ﻗﺎﺋﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻘﻳﺔ ﺍﻟﻌﺭﺏ ﻓﻲ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺭﺑﻳﺔ ﺩﻭﻥ ﺍﻷﺗﺭﺍﻙ. ﻛﺎﻧﺕ ﺗﺟﺎﻭﺯﺍﺕ ﺍﻷﺗﺭﺍﻙ ﻓﻲ ﺁﺧﺭ ﻓﺗﺭﺍﺕ ﺣﻛﻣﻬﻡ٬ ﻭﻣﻌﺎﻣﻠﺗﻬﻡ ﻟﻠﻌﺭﺏ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﻡ ﻣﻭﺍﻁﻧﻭﻥ ﻣﻥ ﺍﻟﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﺛﺎﻧﻳﺔ ٬ ﻣﻊ ﺗﻌﺎﺭﺽ ﺫﻟﻙ ﻣﻊ ﺍﻵﻧﻔﺔ ﺍﻟﻌﺭﺑﻳﺔ ﺍﻟﻣﻌﺭﻭﻓﺔ٬ ﻛﻝ ﺫﻟﻙ ﺟﻌﻝ ﻣﻥ ﺍﻟﻣﻧﺎﺩﺍﺓ ﺑﺎﻟﺧﻼﻓﺔ ﺍﻟﻌﺭﺑﻳﺔ ﻭﻣﻥ ﺃﺳﺭﺓ ﺗﻧﺗﻣﻲ ﻟﻠﻧﺳﺏ ﺍﻟﺷﺭﻳﻑ ﻁﻭﻗﺎً ﻳﻣﻛﻥ ﻟﻠﻌﺭﺏ ﺃﻥ ﻳﺗﺧﻠﺻﻭﺍ ﻓﻳﻪ ﻣﻥ ﺭﺑﻘﺔ ﺍﻟﺳﻳﻁﺭﺓ ﺍﻟﺗﺭﻛﻳﺔ ﺑﺑﻧﺎء ﺩﻭﻟﺗﻬﻡ ﻭﺧﻼﻓﺗﻬﻡ ﻛﻣﺎ ﻳﻁﻣﺣﻭﻥ. ﻭﻫﺫﺍ ﻣﺎ ﺳﺎﻋﺩ ﻓﻲ ﺗﻘﺑﻝ ﺍﻟﺷﻌﻭﺏ ﺍﻟﻌﺭﺑﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻣﻧﻁﻘﺔ ﻟﻣﺑﺩﺃ ﺍﻟﺧﻼﻓﺔ ﺍﻟﻌﺭﺑﻳﺔ٬ ﻧﻅﺭﺍً ﻻﻋﺗﻘﺎﺩﻫﻡ ﺑﺄﺣﻘﻳﺗﻬﻡ ﺍﻟﺗﺎﺭﻳﺧﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﻛﻡ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻣﻧﻁﻘﺔ ﺑﺎﻟﻁﺭﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﺭﺑﻳﺔ ﺍﻟﻘﺩﻳﻣﺔ. 

ﻫﺫﻩ ﺍﻷﻣﺛﻠﺔ ﻟﻳﺳﺕ ﻟﻠﺣﺻﺭ٬ ﻭﻟﻛﻥ ﻟﻠﺗﺩﻟﻳﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻣﺯﺍﺝ ﺍﻷﻣﺔ ﻣﻬﻡ ﺟﺩﺍً ﻓﻲ ﺗﻘﺑﻝ ﺍﻟﻔﻛﺭﺓ ﻭﻧﺟﺎﺣﻬﺎ ٬ ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺳﻳﺎﺳﻲ ﺍﻟﺫﻛﻲ ﻳﻌﺭﻑ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻣﺟﺎﻝ ﻭﻳﺟﻌﻝ ﺗﺣﺭﻛﺎﺗﻪ ﻣﺗﻭﺍﻓﻘﺔ ﻣﻌﻪ٬ ﻓﻬﻭ ﻻ ﻳﻘﻭﻡ ﺑﺻﻧﻊ ﺍﻟﻌﺟﻠﺔ ﻣﻥ ﺍﻟﺻﻔﺭ٬ ﺑﻝ ﻳﻘﻭﻡ ﺑﺈﺩﺍﺭﺗﻬﺎ ﻭﺗﺣﺭﻳﻛﻬﺎ ﻓﻘﻁ٬ ﻭﻫﺫﺍ ﻣﺎ ﻫﻭ ﻋﻠﻳﻪ ﺍﻟﻛﺛﻳﺭ ﻣﻥ ﺍﻟﺳﺎﺳﺔ ﺍﻟﻧﺎﺟﺣﻳﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﺭ ﺍﻟﺗﺎﺭﻳﺦ.  

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺳﻳﺎﺳﻲ ﺍﻟﻘﺎﺋﺩ ﻓﻳﺫﻫﺏ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻌﺩ ﻣﻥ ﺫﻟﻙ ﻭﻫﻭ ﺃﻥ ﻳﺗﺑﻧﻰ ﻫﻭ ﻧﻔﺳﻪ ﺣﻠﻣﺎ ﺛﻡ ﻳﺟﻌﻝ ﺍﻷﻣﺔ ﺗﺗﺑﻧﻰ ﻣﺯﺍﺟﻪ ﻭ ﺣﻠﻣﻪ ﺑﺎﻟﺗﺑﺷﻳﺭ ﻭﺍﻟﻣﻛﺎﻓﺣﺔ ﻓﻲ ﺇﻳﺻﺎﻝ ﺍﻟﻔﻛﺭﺓ ﻭ ﺍﻟﻣﺛﺎﺑﺭﺓ ﻓﻲ ﻧﺷﺭﻫﺎ ﻭﻳﻘﻧﻊ ﺍﻷﻣﺔ ﺑﻭﺍﻗﻌﻳﺗﻬﺎ ﻭﻧﺟﺎﻋﺗﻬﺎ. ﻭﻫﺫﺍ ﻣﺎ ﺣﺻﻝ ﻣﻊ ”ﻣﺣﻣﺩ ﺍﻟﻔﺎﺗﺢ“ ﻓﻲ ﻓﺗﺢ ﺍﻟﻘﺳﻁﻧﻁﻳﻧﻳﺔ٬ ﺣﻳﺙ ﺗﺑﻧﻰ ﻓﻛﺭﺓ ﺍﻟﻔﺗﺢ ﺍﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧﺕ ﻋﺻﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺑﻠﻪ٬ ﻭﻻ ﺃﺩﻝ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻙ ﻣﻥ ﺍﻟﻐﺯﻭﺍﺕ ﺍﻟﻛﺛﻳﺭﺓ ﻓﻲ ﺳﺑﻳﻝ ﺍﻟﺳﻳﻁﺭﺓ ﻋﻠﻳﻬﺎ. ﻧﻌﻡ ﻛﺎﻥ ﻓﺗﺢ ﺍﻟﻘﺳﻁﻧﻁﻳﻧﻳﺔ ﻣﻭﺟﻭﺩﺍ ﻛﺄﻣﻧﻳﺔ ﺗﻐﺫﻳﻬﺎ ﺑﻌﺽ ﺍﻵﺛﺎﺭ ﺍﻟﻧﺑﻭﻳﺔ ﺍﻟﻣﺑﺷﺭﺓ ﺑﺎﻟﻅﻔﺭ ﻓﻳﻬﺎ٬ ﻟﻛﻧﻬﺎ ﻟﻡ ﺗﻛﻥ ﻣﻭﺟﻭﺩﺓ ﻛﺭﻏﺑﺔ ﺣﻘﻳﻘﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺯﺍﺝ ﻋﺎﻡ. ﺟﺎء ﻣﺣﻣﺩ ﺍﻟﻔﺎﺗﺢ ﻭﺃﻧﺷﺄ ﺣﻠﻣﻪ ﺑﻧﻔﺳﻪ ﻭﺟﻌﻝ ﺍﻷﻣﺔ ﺗﺗﺑﻧﻰ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺣﻠﻡ٬ ﺛﻡ ﻗﺎﺩﻫﺎ ﺑﻧﻔﺳﻪ ﺇﻟﻳﻪ٬ ﻣﻣﺎ ﺧﻠﺩﻩ ﻛﺄﺣﺩ ﺃﻋﻅﻡ ﺍﻟﻘﺎﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗﻭﻯ ﺍﻟﺑﺷﺭﻳﺔ ﻗﺎﻁﺑًﺔ٬ ﻭﻟﻳﺱ ﻋﻧﺩ ﺍﻟﻣﺳﻠﻣﻳﻥ ﻓﻘﻁ. 

ﺑﻌﺩ ﻛﻝ ﺫﻟﻙ٬ ﻫﻝ ﻣﺎ ﺣﺻﻝ ﺃﺧﻳﺭﺍً ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌﺎﺗﻧﺎ ﺍﻟﺧﻠﻳﺟﻳﺔ ﻣﻭﺍﻓﻕ ﻟﻠﻣﺯﺍﺝ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺃﻡ ﻳﺧﺎﻟﻔﻪ؟ ﻭﻫﻝ ﻫﻭ ﺣﻠﻡ ﻳﻣﻛﻥ ﻟﻠﺳﻳﺎﺳﻲ ﺍﻟﻘﺎﺋﺩ ﺃﻥ ﻳﺟﻌﻝ ﺍﻟﺷﻌﻭﺏ ﺍﻟﺧﻠﻳﺟﻳﺔ ﺗﺗﺑﻧﻰ ﺍﻟﻔﻛﺭﺓ؟ ﺃﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﺣﺎﺻﻝ ﻣﺟﺭﺩ ﺍﻧﻔﺻﺎﻝ ﺟﺩﻳﺩ ﻋﻥ ﺗﻁﻠﻌﺎﺕ ﺍﻟﺷﻌﻭﺏ ﻭﺭﻏﺑﺗﻬﺎ ﻭﻣﺯﺍﺟﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻡ ؟ 


ﺃﺳﺋﻠﺔ ﺳﺗﺟﻳﺏ ﻋﻧﻬﺎ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺍﻟﻘﺭﻳﺑﺔ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﺔ ﺑﺷﻛﻝ ﻭﺍﺿﺢ ﻭﺟﻠﻲ . 

مقالة منشورة في صحيفة التقرير يوم الثلاثاء ٢٢ أبريل ٢٠١٤
لمطالعة المقال اضغط هنا

الاثنين، 21 أبريل 2014

علامات المفكر


يوصف الكثير من المتعرضين للشأن الثقافي أو الإجتماعي أو السياسي بأوصاف كثيرة، لعل من أهمها وصفه بالمفكر، حتى ابتذلت هذه الكلمة بشكل كبير، بأن وصف بها من لا يستحقها.

والكلمة تحمل دلالات كثيرة، منها قناعة الجماعات بأشخاص معينين، ينطلقون من نفس نتائج هذه الجماعات، فيجنح كل تيار فكري أو اجتماعي لإضفاء صفة "مفكر" على كثير ممن لا يستحقون الوصف ، لمجرد أنه وافقهم في المنطلقات والنتائج. 

ولذا تجد الليبرالي يحتفي برموزه ، والقومي  يحتفي برموزه ، والإسلامي كذلك ، ولا يملك هؤلاء من شروط المفكر إلا نجاحهم في مشروع علاقات عامة لتيارهم ، ولو عرضته على ميزان الفكر الحقيقي لا تجده يحمل من التفكر ملء كفه نوى.

إضافة للمواصفات المعروفة للمفكر ، وهي سعة الثقافة والذكاء والقدرة على التعبير وغيرها ، يُغفل الكثير شرطين أساسيين في إضفاء صفة "مفكر"على كاتب أو باحث او متحدث، وهما :

١) الشمولية في التفكير، بمعنى أن يمتلك نظرة بانورامية، تتجاوز الجزئيات وتفاصيلها، إلى النظرة الكلية، لكامل المشهد الثقافي والإجتماعي، بحيث يتم الحديث عن الجزء، بنظرة كلية مترابطة مع باقي العناصر. ولا يعني ذلك حجم المعلومات.
مثال لتوضيح الشمولية، لو سألت إنساناً زار مدينة دبي، كيف هي دبي ؟ فقال لك، بيت فلان الفلاني في دبي، يقع في شارع زايد، والبيت يحتوي على أكثر من غرفة ، و أكثر من باب ، و أكثر من نافذة، وبجانبه بيت فلان، وفيه أكثر من باب، وفي نهاية الشارع منعطف، يقودك لشارع فرعي، في زاويته مسجد مساحته كذا وكذا، وإمامه كذا وكذا، ثم يسوق هذه التفاصيل، ليعرفك عن دبي التي زارها، إن صبرت، حتى يتم حديثه، وهو المستبعد، لا تعرف دبي، بل ستعرف حجم المعلومات التي يعرفها فلان المسؤول عن دبي.
على العكس من ذلك، لو سألت آخراً عن دبي ؟ فقال لك، هي مدينة ساحلية، تمتد على الساحل بمسافة كذا وكذا، يحدها من الشرق كذا وكذا، ومن الشمال كذا وكذا، وتتقاطعها الشوارع الفلانية من جهة كذا إلى جهة كذا، ومطارها يبعد عنها مسافة كذا - سيعطيك في نهاية حديثه الذي حتماً لن تمله - نظرةً بانورامية تستطيع تخيل دبي التي زارها.
٢) المنهجية وتعني آلية متماسكة للتفكير، يستطيع الموصوف بالمفكر أن يفكك من خلالها الفكرة في ذهنه ويعيد ترتيبها، مع بناء خريطة ذهنية للفكرة ابتداءً ، تُشابه في العلوم ما يسمى الطبوغرافيا أو رسم الخرائط، بالاعتماد على المتوفر من المعلومات .

و دون هذين الشرطين، يبدو لي أنه من المجحف أن يوصف الشخص بأنه مفكر.

الثلاثاء، 8 أبريل 2014

ألعاب البنات بين الماضي والحاضر


توصية مجلس الشورى بإقرار مادة التربية البدنية في مدارس البنات في السعودية ، ليست حدثاً ذا أهمية تذكر ، كون هذا المجلس لا يمتلك من الأمر شيئاً ، والغريب تعاطي المتابعين للموضوع ، فمنهم من يراه محرماً لأنه ذريعة لمحرم أكبر ويبني رأيه هذا على تصور لمؤامرة تغريبية للمجتمع ، ستأتي على أساساته التي يفترض وجودها ، وفريق آخر يرى هذا القرار انتصاراً على قوى الرجعية والتخلف في المجتمع ، ومحاولة صادقة في سبيل تطوير المجتمع وتقدمه لمصاف الدول الصناعية السبع ، وسيأتي هو أيضاً بأمثلة وأدلة أوهى وأوهن من بيت العنكبوت ، وهناك فريق وسط يرى أن مثل هذه القرارات في الأساس خارج السياق الزماني والمكاني ، فلا المجلس يمتلك القدرة على اتخاذ قرار مهما تكن درجة ضعفه ، ولا المدارس الخاصة بالبنات مهيئة لمثل هذه الأنشطة .
علماً أن النقاشات البيزنطية في مثل هذه المواضيع لا تغني ولا تسمن ، فالقرار بيد المتنفذ وحده ، وإذا وافق فسيكون قراراً شرعياً مطابقاً للنص المقدس بحذافيره عند الفريق الممانع ، وسيكون قراراً سيادياً تنويرياً عند قوى الاعتدال ، ونفس الكلام سيقال عند الرفض ، فسيكون الحامي للشريعة ، وسيكون الحافظ للصالح العام ووحدة الصف ، وأصدقاؤنا من الفريق الثالث كلامهم واحد ولن يتغير ، لأنهم لم يعلقوا كلامهم على نقاشات مجلس الشورى عندما أراد حفظ بيض الحبارى واعتباره ثروة قومية ، فلن يعلقوا على كلامه الآن .
والحديث عن لعب البنات يقودنا للزمن الجميل ، حين كان الأولاد والبنات يلعبون مع بعضهم قبل أن يتم الفصل ، المبني على النظرة الإجتماعية والمقدر سلفاً باقتراب بلوغ الفتاة والغلام .
لم تكن كرة القدم اللعبة الأولى في تلك الأعمار ، بل كان هناك ألعاب كثيرة لا تعتمد على جنس الطفل ، ويصلح أن تقال أنها ألعاب مختلطة للجنسين من ذلك :


١) الصقله : وهي لعبة تعتمد على خمس حصيات يتم إدخالها في قوس معمول باليد ، بعد رمي حصاة في الهواء ، يعتبر سقوطها على الأرض خسارة للاعب أو اللاعبة .



٢) حديرجه بديرجه : وهي لعبة تتم بصفق اليدين بين لاعبين أو لاعبتين أو لاعب ولاعبة بتناغم معروف سلفاً ، وقد تجد من يتميز فيها كثنائي فلا يمكن أن يقع في الخطأ .

٣) شبرا أمرا : وهي لعبة القفز فوق الحبل ، وهناك من يلعبها بقافزين أو قافزتين في فنيات ظاهرة للعيان .


٤) الخطه : وهي لعبة تعتمد على رسم مكون من ثمان مربعات في الأرض ، يتم القفز من مربع إلى الذي يليه وفق قواعد معينة ، مبنية على تحديد ملكية المربع للاعب الذي يستطيع أن يرمي حجراً في وسطه ، في قواعد يعرفها اللاعبون واللاعبات .
٥) الحبشه أو المطارده : وهي لعبة مشهورة جداً ، يلعبها الجنسين وأذكر بعض الفتيات سريعات لدرجة لا يمكن أن يسبقها الأولاد ، ففريقها فائز دائماً .
٦) الغميمه : أيضاً مشابهة للحبشه أو المطاردة ، لكنها مبنيه على الإختباء ، وتعتمد كثيراً على الجسارة وقوة القلب في دخول الأماكن المظلمة كالمستودع ، والذي عادةً ما يكون موطن خطر حقيقي كون ال قد ولدت فيه ، مما يجعل اللاعب واقعاً بين خطرين أحلاهما مر ، إما غضب القطة أو أن يصيده الفريق المنافس .
٧) الدور : لعبة مبنية على محاكاة الواقع في تمثيل الحياة كما يراها الأطفال ، فينقسم الأطفال لمجموعات تشابه الأسر ، ففلان أبو الفلانيين وفلانة أمهم وفلان وفلانه من الأصغر سناً أطفالهم ، وهكذا الأسرة الثانية ، ويبنون بيوتاً في العادة لا تتعدى خطوطاً على الأرض لتحديد ملكية المنازل وهكذا ..

هذا ما حضرني من الألعاب التي كانت تمارس بين الجنسين إلى سن العاشرة أو الحادية عشر تقريباً ، وقد يكون عند البعض ألعاب أخرى لا أعرفها ، أو يوجد في مناطق ثانية ألعاب مختلفة ، فالمقصد من كتابة هذا المقال أن اللعب ليس محرماً حتى اجتماعياً ، فضلاً عن تحريمه شرعاً ، وإلى وقت قريب كان الأمر طبيعياً ، ولا يوجد في ذلك غضاضة ، فلماذا لا نعيش حياتنا بطبيعية أكثر ، بعيداً عن الفرضيات التي لا تهتم أصلاً إلا ببرمجة الإنسان وفق ما تراه هي .

الثلاثاء، 1 أبريل 2014

قراءة في كتاب ( الدولة المستحيلة ، الإسلام السياسة ، وأزمة القيم الحداثية للمفكر وائل حلاق ) بقلم محمد حصحاص

بقلم محمد حصحاص :
صدرمؤخرًا للأكاديمي الفلسطيني الأمريكي المعروف وائل حلاق كتاب متميز بعنوان"الدولة المستحيلة: الإسلام، السياسة، وأزمة القيم الحداثية"، ليلخص فيه ما وصل إليه من خلال أعماله السابقة المعروفة التي جعلت منه مرجعًا لدارسي الفقه والقانون الإسلاميين، وخاصّة في العالم الأنجلوفوني. ومن إصدارات الكاتب السابقة: "الفقه والنظريات الفقهية في الإسلام الكلاسيكي والوسيط" 1995، "تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام" (1997) ترجمة أحمد موصللي (2007)، "نشأة الفقه الإسلامي وتطوره" (2005 ترجمة رياض الميلادي 2007)، و"السلطة المذهبية: التقليد والتجديد في الفكر الإسلامي"، ترجمة أحمد موصللي (2007).
جاء الكتاب في سبعة فصول، كانت على النحو التالي:
1- مقدمات
2- الدولة الحديثة
3- الفصل بين السلطات: سلطة القانون أم قانون السلطة؟
4- القانوني والسياسي والقيمي
5- الذات السياسية ومحصنات الذات الأخلاقية
6 - محاصرة العولمة واقتصاد القيم
7- المجال الرئيس للقيم
نلخّص بداية الفكرة الأساسية التي يحملها الكتاب في نقاط ثلاث عوض نقطة واحدة، يلي ذلك تفصيل نقطتين منها بأمثلة يسوقها الكاتب، ونختم بتساؤلات موجزة نصوغها نحن انطلاقًا من الفكرالإسلامي المعاصر والحياة السياسية في سياق "الربيع العربي". هذا رغم أن الكاتب يؤكد أن فكرة الكتاب ليست وليدة أحداث الربيع العربي، كما أنها ليست وليدة شعور بالنوستالجيا (الحنين) لعالم مثالي مستحيل. (ص 12)
أما الفكرة الأولى التي يطرحها الكتاب هي أن الحداثة الغربية تعيش أزمة قيم عميقة تتجلى في مفهوم الدولة الحديثة وما يتبعها من نتائج لا قيمية على كلّ المستويات . والفكرة الثانية هي أنّ"الدولة الإسلامية" مفهوم لا قاعدة له في التجربة الإسلامية التاريخية ، بل هو مفهوم تمّ إسقاطه على الفكر الإسلاميّ خطأ ، ومن ثم كان عنوان الكتاب: "الدولة [الإسلامية] المستحيلة". وحاصل هاتين الفكرتين هو (الفكرة الثالثة)، أولاً، الدعوة إلى إعادة النظر في مفهوم القيم في الدولة الحديثة، لتخرج من استلابها لذات المواطن الحداثي الذي انتزعت منه ذاتيته الوجودية ، وأعدمت قيمته الإنسانيّة لحساب السلطة والدولة ، وثانيًا الدعوة إلى إعادة الاعتبار بشكل إبداعيّ جديد لقيم الشريعة الإسلاميّة كنموذج قيمي يفوق ما وصلت إليه الدولة الحديثة . وبناء عليه ، وعوض الدولة الإسلامية ، يستعمل الكاتب مفاهيم كالحكامة الإسلامية [Islamic governance] (ص.13) ، والخلق الإسلامي [ethic Islamic] (ص 49) ، والخلق القرآني Quranic ethic] (ص 88) ، وخلق الشريعة [Sharia ethic] (ص10 ) للتدليل على أن الشريعة ميزت التاريخ الإسلامي بأخلاقها التي تعطي أولوية للفرد والجماعة كقيم عليا، على عكس ما تفعل الدولة الحديثة ومؤسساتها بالفرد . ويخلص الكاتب إلى أنّ مفهوم الدولة الحديثة مناقض تمامًا لأخلاقيات الإسلام. إنّهما منهجان مختلفان في جوهرهما (ص 75). "إنّ أيّ تصور لدولة إسلامية حديثة هو في جوهره مناقض لذاته" (ص 9-11) . "إنّهما [أي مفهوم الدولة الإسلامية والدولة الحديثة] نموذجان على طرفي نقيض" (ص 75-110).
ونعطي أمثلة على كل واحدة من الأفكار الثلاثة السابقة لمزيد من التوضيح :
أولاً: يقدم حلاق نقدًا قاسيًا للحداثة الغربية ولمفهوم الدولة الحديثة مستدلاً في طرحه -إمّا اختلافًا أو اتفاقًا- بكبار فلاسفة الغرب في العصر الحديث ، على اختلاف مرجعياتهم ومذاهبهم الفلسفية والدينية ، أمثال إمانويل كانط ، وفريدريك هيجل ، وفريديريك نيتشه ، وماكس فيبر ، وكارل شميت ، وثيودور أدورنو ، وميشال فوكو ، وجون رولز ، وبيير بورديو ، وتشارلز لارمور ، وجون كراي ، ومايكل وولتزر ، وتشارلز تايلر . يلخّص الكاتب نقده للحداثة وتمظهرها في مفهوم الدولة الحديثة في أنّها غيّرت سلطة الإله كما كانت رائجة في العصر ما قبل الحداثي إلى سلطة الدولة والمؤسسات ، لدرجة أنّها أصبحت إلهًا بدورها ، "إنّ الدولة أصبحت إله الآلهة...لا إله إلاّ الدولة". (ص 30)
ومن الممكن أن نوجز نقد حلاق للدولة في خمس نقاط كما يحدّدها هو؛ أوّلاً: الدولة الحديثة نتاج تاريخي في ثقافة معيّنة هي ثقافة أوروبا وأمريكا الشمالية ، ومنبتها والنهضة الأوروبية وعصر الأنوار والثورة الصناعية والعقلانية . وللحضارة الإسلاميّة مساهمة في ذلك التنوير الأوّليّ (ص 24). "إنّ تاريخ الدولة هو الدولة ذاتها" (ص 25) .
ثانيًا: إنّ الدولة الحديثة تصنع سيادتها بناء على الميتافيزيقا التي تكون من خلالها مجموعة مجردة تسمى "الأمة"، وهي التي يتوجّب على كلّ فرد ينتمي إليها طاعتها كما لو كانت إلهًا (ص 25-29) .
ثالثًا: تبني الدولة كيانها على أساس التشريع الذي تصوغه الأغلبية الغنية في معظم الأحوال ، والقانون الذي به يطوّع الفرد والجماعة ، والعنف الذي تمارسه لإنجاح هذه السيادة ، وليس العنف هنا جسديًا ، بل أكثره نفسي داخلي تمارسه عبر ميتافيزيقاها الخاصّة (ص 29-30) .
رابعًا: تبعًا لذلك ، يصبح الفرد آلة في دواليب البيروقراطية الإدارية التي تزيد في فصل الفرد عن جماعته الأوّليّة ، لتصنع منه مواطنًا لا يفكّر إلاّ في الدولة الإله (ص 30-32) .
خامسًا: ينتج مما سبق هيمنة الدولة ثقافيًا عبر تسييس الثقافة ، لتوحيد الدولة الوطنية ، وبذلك يندثر التعدد الثقافي الذي لا يخدم ميتافيزيقا الدولة الواحدة وسلطتها (ص 33-35) .
ولأنّ الدولة الحديثة تخدم نفسها وحسب، فإنّ الكاتب، مثلاً ، لا يرى أيّ فصل كبير بين السلطات الثلاث ، ويعطي نموذج الولايات المتحدة للتدليل على ذلك ؛ فالبيروقراطية التي تشتغل بها السلطة التشريعية وغلاء مصاريف المحاماة لا تخدم الفرد المتوسط الدخل والفقير هناك . كما أنّ عمق البيروقراطية أصبح صعب المراقبة (ص 41-42) . وما أحدثته الدولة الحديثة بهذه المميّزات هو أنّها فرّقت بين ما هوكائن وما يجب أن يكون [Is/Ought] فصار ما تنتجه وما تستهلكه لا يولي لقيمة القيمة قيمتها ، لأن الإنسان في نموذجها أصبح آلة ، لا قيمة في حد ذاته . ولا يستغرب حلاق من كون الحداثة لم تنجح كمشروع عالمي يسوق نفسه كقيمة ودليل ، وذلك لأنّها قد تمنع التعدد والاستقلالية وكل تفكير يضعف سلطتها . ولم تنشر الدولة الأوروبية الحديثة لا العدل ولا المساواة ولا التقدم، بل كرست مزيدًا من العنف والفقر والاستعمار . (ص4 )
ثانيًا: بناء على الفكرة الأولى أعلاه ، يرى الكاتب أنّه إذا اختار المسلمون نموذج الدولة الحديثة كما تعرفها أوروبا ، فإنهم يختارون نموذجًا أقلّ تقدّمًا ونجاحًا من الذي عاشوه لمدة اثني عشر قرنًا (ص 72). إن إسقاط مفهوم الدولة الحديثة على التاريخ الإسلامي هي محاولة لجمع متناقضين (ص 75). وإن الشريعة لا يمكن فهم مقصدها إلا بالنظر إلى كلّ جوانبها . لقد كانت أكثر ديمقراطية وعدلاً من الدولة الحديثة (ص 72) ، لأنها كنمط حياة لم تكن تطمح إلى التسيّد والسلطة أولاً ، لأن السلطة الوحيدة هي الإله الواحد ، وثانيًا: لأنها كانت تربّي الفرد أوّلاً لخدمة قيمته الإنسانيّة كخليفة في الأرض ولخدمة الآخر . إن قوانين الشريعة كانت مسخرة لخدمة الإنسان ، وليس لخدمة الدولة وسلطتها . لا ينفي حلاق إنّ خلق الشريعة لم يكن دائمًا مطابقًا لخلق القرآن ، لأنّ بعض التجاوزات كانت تحدث هنا وهناك من الأقطار الإسلامية الواسعة (ص 88-89).
يستعير الكاتب مصطلح"محصّنات الذات الأخلاقية" [moral technologies of the self] من ميشيل فوكو ، ليعبّر عن الأخلاق التي ما تزال متجذّرة في نفسيّة المسلمين ، رغم محاولات الدولة الحديثة فصل الدين عن الدولة وركنه في المجال الخاص للفرد . هذه المحصّنات الأخلاقية بقيت قويّة لأنّها متعلّقة بالشعائر الدينية ، خاصّة أركان الإسلام الخمسة التي يشير إليها الكاتب واحدة تلو الأخرى ، ليدلّل على معانيها الأخلاقية التي تربّيها في الفرد . ويخلص حلاق إلى أنّ الشريعة كنموذج أخلاقي كان ناجحًا في الماضي ويمكن أن يجدد نشاطه بشكل مبدع آخر ، لأنّه كان يربّي الفرد أولاً على معنى القيم بمختلف مستوياتها ، فردية وجماعية وكونية ، من أجل فعل الخير(ص 110-138). ويعرج في تحليله وأمثلته على معنى العقل وفي كونه وسيلة للوصول إلى الغايات الكبرى من قانون الشريعة ، من أجل العمل الصالح ، وليس فقط لأن الفرد يجب أن يعامل الآخر كما يحبّ هو أن يعامل ، بل لأن الإنسان لا يستطيع أن يستريح أخلاقيًا [داخليًا] مما قد يفعله من سوء ، وما قد ينجم عنه من نتائج (ص 5-164). لذلك ، فالشريعة أخلاقية في نموذجها بقوانينها ، ولا شريعة بدون قانون (ص 83) . وإنّ القرآن يتحدى الإنسان بتشريعاته من أجل فعل الخير ، وإنه يهتم بالقانون كوازع أخلاقي أولاً ولا يفرق بين ما هو كائن وما يجب أن يكون . (ص 83-84)
الغرض من هذا البسط هو الوصول إلى الفكرة التي مؤداها أنّ الهدف من تشريع القوانين في الشريعة هو تكوين فرد ذي قيم تسمو على أيّة سلطة أخرى . ولم تكن هذه القيم تكرس للدفاع عن سلطة الأمير أو الخليفة أو القاضي أوالمفتي الذي كان إجمالاً مستقلاً برأيه لا يعترف بسلطة أكبر من سلطة الإله ، فكان القاضي ، مثلاً ، يصل إلى منصبه عن طريق سمعته العلمية ، لا عن طريق إخلاصه لسلطة ما . كما أنّه كان قريبًا من الناس ، يعرف قضاياهم ، ويفتي لكلّ محتاج حسب حالته ، وكان ذلك بدون مقابل . زد على ذلك أنّ التعليم كان بيد الأوقاف ورجال العلم وليس بيد السلطة الحاكمة ، وبما أنّ العلماء في وقتهم كانوا كذلك رجال دين وفقه ، فانّ تعليمهم كان كذلك تعليمًا قيميًا ، على عكس التعليم في الدولة الحديثة التي - من خلاله- تحاول بسط سلطانها وتكوين الفرد الذي لا يفكر بدون سلطة الدولة . إنّ المجتمع المدني الإسلامي هو الذي كان حريصًا على قيمه وعلى غرسها في الأفراد أولاً. هذه بعض الأمثلة التي يستقيها الكاتب من التاريخ الإسلامي،  ليؤكّد أنّ الإسلام لم يعرف معنى الدولة بمفهومها الحديث ، بل عرف فصل السلطات وحكامة إسلاميّة ركيزتها أخلاق القانون . (ص 56)
ثالثًا: انطلاقًا من الفكرتين السابقتين ، ومتحدثًا من الخارج كباحث غير مسلم ، يرى حلاق أنّ على المسلمين أن يختاروا بين أمرين ، إما الانحياز لقانون وضعي حداثي متغير لم يسهم إلاّ في استنزاف الطبيعة واستلاب ذات الإنسان بماديته ونموذجه الاستهلاكي ، وإمّا الإبقاء على نموذج الشريعة الأخلاقي الذي لايسوّد أحدًا على أحد ، حيث السيادة لله ، والطبيعة مسخرة له أصلاً منذ أول الخلق ، ليتعامل معها ومع العالم تبعًا لمبدإ المساءلة الأخلاقية [moral accountability] (ص 89) . ويؤكد الكاتب أنّه لا يقصد بنموذج الشريعة الذي يتحدث عنه ما هي عليه الآن منذ القرنين الماضيين بعد تواصلها مع الحداثة والدولة الحديثة بعد الاستعمار . إنّ النموذج الإسلامي الأخلاقي الذي يدرسه الكاتب هو ذاك الزمن الممتد من ظهور الإسلام وامتداده لاثني عشر قرنًا إلى ما قبل الاستعمار . إنّ خلق الشريعة الذي يتحدث عنه ليس هو إعادة نفس النموذج البائد ولا النموذج الحالي الذي ليس نموذجًا إسلاميًّا ولا هو نموذج حداثي على النمط الأوروبي . إنّ حالة الشريعة الراهنة كما يتحدث عنها مظهر من مظاهر الأزمة عينها التي يجب إصلاحها بنموذج أخلاقيّ كان ناجحًا لمدة قرون قبل الحداثة، وكان أكثر عدلاً كذلك (ص 10)، لأنّ النموذج الأخلاقي تلوّث بالحداثة اللاأخلاقية وكذلك بالجمود عن الاجتهاد ، كما سبق للكاتب أن أشار في كتبه الأخرى ، ولذا يتوجّب إعادة إبداع خُلُق الشريعة [acreative reformation of the sharia ] للمساهمة في تصحيح مسار الحداثة (ص 172). ويشير حلاق على الهامش في الختام إلى المشروع الأخلاقي للفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن كنموذج فكري متميز يمشي في نفس اتجاه أطروحته الأخلاقية (ص 169) ، ليكون - حسب علمنا ومتابعتنا- ثاني مرجع باللغة الإنجليزية يشير إلى مشروع عبد الرحمن،[1] لكنه قد يكون حسب رأيي أول كتاب يشير اليه من ناحية الفكرة العامة التي يطرحها – أي فكرة الشريعة كنموذج للأخلاق يضاهي بل يفوق حسب حلاق نموذج الدولة الحديثة الأوروبية . إنّ إحياء مشروع الأخلاق الإسلامية منتوج حداثي كالحداثة نفسها ، بل يمكن اعتباره مشروعًا لما بعد الحداثة بامتياز (ص. 13) . إنّ مشروع خلق الشريعة يضاهي بقيمه مشروع الأنوار [Enlightenment]، بل يمكن اعتباره الآن نموذجًا مهمًا يستفاد منه (ص 13) . بهذا الاعتبار يعيد حلاق الشريعة إلى مجالها القيمي الذي يمكن أن تشارك فيه مع العالم من أجل "نهضة قيمية" [moral awakening] (ص 170) لبناء إنسان القيم [homo moralis] (ص 138).
بعد عرض محتوى الكتاب الذي حددناه في ثلاث نقاط، نختم كذلك بثلاث نقاط أخرى نبغي من خلالها الانفتاح على بعض الإشكالات الكبرى التي تطرحها فكرة حلاّق .
أولاً : إنّ الحديث عن أخلاق الشريعة واعتبارها نموذجًا [كان] ناجحًا ولكنه يمكن إعادة تشكيله كنموذج ليقيّم الحداثة الغربية لدرجة رفعها إلى مستوى يضاهي ، بل يفوق فكر الأنوار الأوروبي في زمن اختلط فيه معنى الإسلام بالإرهاب واللاديمقراطية قد يغير الكثير في الدائرة الأكاديمية الغربية التي لا تفكر إجمالاً إلا داخل نموذجها الحداثي.  وهذا لا يعني على الإطلاق أنّ حلاقّ هو أوّل من فتح نقاشًا كهذا. ما نريد قوله هنا هو أن الكتاب يتحدى الحداثة الغربية أوّلاً وينتقدها من داخلها، وثانيًا يغذيها من تراث كانت وما تزال تزدريه لأنّه ديني، وماضوي ، ولامعقول من منظورها . وثالثًأ، يشترط حلاق إعادة إبداع خلق الشريعة من أجل نهضة أخلاقية ، وهذا شرط يتوجّه به إلى المسلمين، وهو ليس سهلاً على الإطلاق .
منذ قرنين من الزمن والمسلمون يتحدّثون عن ضرورة الإصلاح والنهضة ، فلم يجدوا طريقًا لذلك بعد ، لأنّ الحداثة فرضت نفسها بقوة ، وهي تجثم على الموروثات ما قبل الحداثية ، ولا تريد لها الإحياء ، لأنّ ذلك يهدّد السلطة-الإله الذي يحرّكها . وتعطى الحرية والمساواة لمن يسلّم ذاته للدولة الحديثة ومؤسساتها ، وليس لمن يرتوي بالحرية والمساواة من أجل التحرر من سلطة الدولة إلى سلطة أكثر رحابة وسعة كسلطة الإله الواحد من المنظور الإسلامي . لقد تغذّى الفرد المسلم ببعض الحداثة ، وخاصة في صورها الاستعمارية والإدارية والتكنولوجية التي لا يستطيع الانفكاك منها ، لدرجة أنّ العامّة أصبحت تظنّ أنّ الحداثة وما تجلبه من تقدّم مادي لا تخالف الشريعة ومقاصدها في شيء ، فأصبح الفرد يعيش متناقضات القيم التي تربيها شريعته ومنجزات الحداثة المادية وما تتيحه له . إنّ هذا المزيج من الحداثة والقيم يشوّش على الفرد والمجتمع بشكل عام لدرجة تغيب فيها القدرة على التحليل والاستيعاب من أجل الاختيار ، اختيار سلطة الإله وقيم الشريعة ، أو اختيار سلطة الدولة الحديثة ومنجزاتها التي تسرّ الناظرين . إنّ قرنين من الزمن أنتجا فردًا يمكن أن نسميه شبه مسلم ، لأنه لم يحدّد بعد المسار الذي يريده . وما التطرف الإسلامي وفشل الإسلام السياسي قبل وخلال ما يسمّى بالربيع العربي إلى حدّ الآن إلاّ نموذج لهذا الاضطراب والتردّد الداخلي بين عالمين وبين سلطتين؛ سلطة الإله ، وسلطة الدولة .
والنقطة الثالثة التي نختم بها، تخص كيفية إعادة تشكيل أخلاق الشريعة ؛ أيّ منهج وأية مدرسة يجب على المسلمين اتباعها لمباشرة هذا المشروع الحضاري ؟ ويترك حلاّق الجواب للمسلمين ، لكنّ ميولاته بادية . إنّ استدلاله بالغزالي وتمكّنه من الفقه والفلسفة والتصوف واستدلاله - على الهامش- بطه عبد الرحمن الذي يميل بدوره إلى مدرسة الغزالي الفكرية-الأخلاقية، وعدم استدلاله بغريم الغزالي وبغريم طه عبد الرحمن - أي ابن رشد و تلميذه المعاصر محمد عابد الجابري ، على التوالي- يجعلنا نظن أنّ حلاق يميل إلى المدرسة الأخلاقية التي لا تجعل العقل وحده مركز كلّ السلطات ، ومنبع الأخلاق . إنّ ديمومة الأخلاق وقيمتها نابعة من العقل والشرع معًا . إنّهما في الأصل غير متضادين ولا منفصلين ، كلاهما يصبو إلى فعل الخير، حسب هذه المدرسة ، ولو اختلفت المناهج . كما أنّ هذه المدرسة لا تفرّق بين ما هو كائن وما يجب أن يكون . إنّ الإيمان يتبعه عمل . والقانون والأخلاق يمشيان على خط واحد ، وهو أمر لم يتوافق عليه كليّة المسلمين ماضيًا وحاضرًا .
ومعنى هذا أنّ التحدّي الأخلاقي الأوّل الذي يواجه المسلمين هو اختيار المدرسة التي يريدونها نموذجًا لحياتهم : الغزالي أم ابن رشد؟ عبد الرحمن أم الجابري؟ أم أنّ الحداثة الغربية لها ما لها من إيجابيات - لم يذكرها حلاق- ويمكنها أن تساعد المسلمين على بناء نموذج يمزج الاثنين؟ وهل هذا ممكن في الفكر؟ وكيف يمكن إسقاطه على الواقع؟ أليست حالة بين بين ، هي التي يعيشها المسلمون اليوم ، وتدلّ على اضطراب عقلهم وتردّده في الفصل والاختيار؟ ومن يقوم بهذا الاختيار أصلاً؟ ألم تقوض الدولة الحديثة فكرة الشريعة والسلطة الدينية عن طريق الإصلاحات الإدارية التي لم يعد فيها القاضي، مثلاً، مستقلاً، ولا المدرسة، ولا حتى دار الإفتاء التي أصبحت تابعة لرئيس الدولة الحديثة بشكل من الأشكال ؟ كيف يمكن للمسلمين إعادة إصلاح نموذج الشريعة الأخلاقي لتفادي أزمة الدولة الحديثة . مع العلم أنّ البلاد الإسلامية أصبحت شبه دول حديثة لا تستطيع فكّ علاقاتها مع الدول الحديثة الكبرى التي تؤثّر في العالم ؟ أم أنّ على المسلمين المرور بخطوات الغرب نفسها ، ببناء الدولة الحديثة أوّلاً ، وبعد ذلك سيسهل بناء الفرد الأخلاقي والدولة الحديثة الخلاّقة ، لأنّ محصّنات الذات الأخلاقيّة لن تموت من ذهن ونفسية المسلم الذي يعيش ويعرف الآن أنّ الدولة الأوروبية الحديثة لا أخلاقية في تصوّراتها الميتافيزيقية السلطوية ؟ فإلى أيّ مدى قد يراهن المسلمون على أنّ محصّنات ذاتهم الأخلاقية لن تتغيّر مع الزمن؟ أليست قيد التغيير؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- حسب متابعتي باللغة الانجليزية، أعتقد أن الكتاب الأول التي تطرق لمشروع طه عبد الرحمن، للكاتبة نيلي لحود في كتابها باللغة الانجليزية الفكر السياسي في الإسلام – قراءة في مسارات فكرية الصادر سنة 2005 عن "روتلاج" للنشر بلندن ونيويورك. وقد أشارت الكاتبة إلى بعض أفكار طه عبد الرحمن حول "الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري" و"الحق العربي في الاختلاف الفلسفي" بالخصوص، جاء ذلك في صفحتين ونصف – ص 36-39-، حيث تخلص إلى قولها أن طه يبني فلسفته العربية على القضية العربية الفلسطينية في صراعها مع الكيان الإسرائيلي وبذلك ترى أنه سقط في تبسيط مفهوم الفلسفة وعالميتها وبذلك تم تسييسها حسب قولها. لا تشير إلى مشروعه ككل ولذلك سقطت في تبسيطه. أما وائل فانه لا يناقش طه بل يشير إليه فقط في الهامش كمشروع رائد للأخلاق. نتمنى أن يكون حلاق بصدد الاشتغال عليه بشكل أكثر عمقا؛ أما الفرق الآخر بين العملين، فيمكن في أن حلاق له وزن أكبر وإشارته لطه ولو هامشية فإن لها وزنها، أما نيلي فان الكتاب الذي أشارت فيه إلى طه عبد الرحمن ليس رائجا ولو أنه صدر سنة 2005، وليس لا ذا منهجية عالية ولا تحليل عميق يحيط بفكر طه عبد الرحمن في عمومه قبل تخصيصه.
الكتاب الأصلي للكاتبة نيلي لحود.
Nely Lahoud, Political Thought in Islam: A Study in Intellectual Boundaries, London and New York, Routledge Curzon, 2005, pp. 194
عنوان الكتاب الأصلي :
وائل بهجت حلاق، الدولة المستحيلة: الإسلام، والسياسة، وأزمة القيم الحداثية، جامعة كولومبيا للنشر بالولايات المتحدة، 2013، ص 256
عنوان الكتاب (الأصلي):
Wael B. Hallaq, The Impossible State: Islam, Politics, and Modernity’s Moral Predicament, Columbia UP: 2013, 256 pp