الاثنين، 24 نوفمبر 2014

كيف كان بنو إسرائيل وسيلة إيضاح؟



ذُكر بنو إسرائيل في القرآن أربعين مرة، وتكرر الحديث عن قصصهم التفصيلية مرات كثيرة، فلماذا الإكثار من الحديث عنهم في القرآن؟ سؤال طبيعي يطرحه كل من يرى هذا الكم الكثير من الآيات التي تتناول قصصهم.

ولا يكفي التفسير المستقل لكل آية أو آيات في سياق واحد، فلابد من إجابة كليّة شاملة عن كثرة الحديث عنهم وتكرار القصص بسياقات مختلفة، ولابد لهذه الإجابة أن تليق بالمقاصد العظيمة للقرآن.

ومحاولات الاختزال باعتبار هذا التكرار مجرد تحذير من اليهود، طرح ساذج يقوله الكثير من المهووسين بقوة اليهود والمسكونين بقدرتهم الخرافية على التآمر. وهذا الطرح ليس سذاجة فحسب؛ بل فيه سوء أدب مع القرآن. فكيف لكتاب الله العظيم الذي ليس فيه كلمة إلا ولها شأن عظيم أن يكون مجرد تكرار لتحذير؟

وللاقتراب من الإجابة، يمكن استقراء أهم الاسباب، من خلال تتبع السياقات المختلفة التي ورد فيها ذكر بني إسرائيل في القرآن. ومن يدقق في السياقات المختلفة وطريقة القرآن في التعليق في كل مرة، يستطيع الخروج باستنتاج كلي ويتبين له التكامل في هذه السياقات مع بعضها، رغم تنوعها إما في الأصل أو في التفصيل.

بنو إسرائيل القصة كاملة 

بعد تتبع السرد القرآني لقصص بني إسرائيل، والتأمل في طريقة القرآن في التعليق عليهم، يمكن ملاحظة الحديث عن تاريخ بني إسرائيل في أطوارهم المختلفة، على الترتيب التالي:

بعثة إبراهيم وولادة إسحاق ويعقوب “إسرائيل”.

قصة يوسف بن يعقوب ومراحل حياته، ثم انتقال يعقوب وكل أبنائه لمصر والتمكين لهم هناك.

تحولهم بعد ذلك إلى العبودية تحت حكم الفراعنة وبقائهم عليها لقرون.

ولادة موسى ونشأته في بيت فرعون، ثم قتل القبطي وخروجه من مصر.

عودة موسى لمواجهة فرعون، والإشارة إلى طبيعة الذل عند بني إسرائيل رغم تأييد الله لموسى بالمعجزات.

إنقاذ بني إسرائيل بمعجزة عظيمة، ثم رفضهم القتال ومعاقبتهم بالتيه أربعين سنة.

الحديث عن قصص تفصيلية، مثل قصة السامري وقصة البقرة.

ظهور جيل جديد، والقصة الكاملة لمعركة طالوت وجالوت وانتصار جند طالوت.

مُلك داود وسليمان، وظهور عز بني إسرائيل.

سقوطهم بعد ذلك وتسليط أعدائهم عليهم.

انتظارهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وتكذيبهم له بعد بعثته.

الإخبار عن مستقبلهم، وأن سيكون لهم علو آخر.

التنوع التاريخي والحضاري 

يلاحظ في السرد القرآني، أن بني إسرائيل لم يكونوا في حال واحدة؛ بل تفاوت حالهم بين العز والذل، وبين التمكين والضعف، وبين النصر والهزيمة، وبين الاجتماع والشتات، وبين الاستقامة والضلال.

كما يلاحظ في التعليق القرآني، ربط كل نتيجة بأسبابها؛ فالنصر له أسبابه والهزيمة لها أسبابها، وكذلك الذل والعز والشتات والاجتماع. بل ينبه القرآن إلى استنتاجات ثانوية غير مباشرة مرتبطة بتأكيد السنن الربانية المرتبطة بالأحداث.

الأحداث العامة والأحداث الخاصة 

يتحدث القرآن عن أحداث عامة، مثل مواجهة موسى لفرعون، وإنقاذ بني إسرائيل، وحرب طالوت وجالوت، إضافة لأحداث شخصية، مثل قصة يوسف ونشأة موسى في بيت فرعون، وقصة موسى مع الرجل العالم.

وتحدث القرآن عن طريقة تعامل بني إسرائيل مع موسى بعد مواجهته لفرعون، ثم تعاملهم حين أنجاهم الله بمعجزة، ثم رفضهم القتال بعد ذلك ودخولهم في التيه. كما تحدث القرآن عن قصة البقرة، وبالتفصيل الدقيق للأسئلة التي طرحها بنو إسرائيل على موسى قبل ذبحها.

التعليق القرآني 

حين يسرد القرآن هذه القصص، فلا تكاد تخلو آية إلا مع إشارات ربانية إلى المعاني والدروس. هذه الإشارات، ليست مواعظ روتينية، ولا تعليقات عارضة؛ بل معان مقصودة في كل كلمة بكل المعنى الذي تحمله، والقيمة التي في السياق. ولعل القارئ للقرآن يلاحظ أن هذه التعليقات ليست كلها ذمًا وتوبيخًا لبني إسرائيل؛ بل لعل بعضها ثناء ووصف بالعز والرفعة تبعًا للحال الذي يكونون فيه.

عودة إلى السؤال لماذا هذا التكرار؟

وهذا يعيدنا للسؤال الأول عن سبب هذا التكرار، والذي تبين أنه ليس كله توبيخًا ولا تحذيرًا ولا ذمًا، فلماذا بنو إسرائيل؟ لا بد للإجابة من توطئة حول السنن التي سنها الله سبحانه في البشر، والتي تقوم عليها حركة التاريخ وأحوال البشر، والتي أكدها القرآن بشكل قطعي بقوله تعالى: “فلن تجد لسنة الله تبديلًا ولن تجد لسنة الله تحويلًا“.

من هذه السنن ما هو فردي يتحقق على مستوى الفرد، مثل قوله تعالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب“، ومنها ما هو جماعي لأمة كاملة يتحقق في المجتمعات والدول، مثل قوله تعالى: “وما كنا مهلكي القرى بظلم وأهلها مصلحون“.

والقرآن يدلنا على هذه السنن بطريقتين: الأولى: التوجيه بالسير في الأرض، ودراسة التاريخ والتعلم مما حصل للأولين من أسباب النصر والهزيمة والضعف والقوة والعزة والذل، وهو العلم الذي تحول إلى تخصص اسمه علم الاجتماع، ومصداقه قوله تعالى: ”قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين“. والطريقة الثانية: هي تحديد القوانين بذاتها وبيان الأسباب والنتائج لما يمكن أن يحصل على مستوى الفرد والمجتمع، كمثل قوله تعالى: “وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرًا“.

تكريم أمة محمد صلى الله عليه وسلم

لكن هناك طريقة ثالثة تبين مدى تكريم الله لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، وهي ما نحن بصدده عن تكرار الحديث عن بني إسرائيل في القرآن. هذه الطريقة، هي في خلق أمة محددة بذاتها، تمر بكل الأطوار التي يمكن أن تحصل للبشر على مدى التاريخ والأحداث بأسبابها ونتائجها وبمشاهدها الفردية والجماعية. فحين يسرد القرآن قصة هذه الأمة ويعلق عليها، فكأنه يحولها إلى وسيلة إيضاح لدراسة التاريخ والسنن التي يؤكدها بالنص القرآني الواضح.

نعم لقد كان بنو إسرائيل -هذه الأمة المختارة- كوسيلة إيضاح أو نموذج سابق لدورة بشرية كاملة على مدى آلاف السنين. وأراد الله سبحانه أن يقدم لنا بنموذجهم مشهدًا بشريًا في بعديه الفردي والجماعي، حتى نستحضر “الفيلم البشري” الذي لم يكن خيالًا ولا تأليفًا؛ بل حقيقة بشرية وقعت بكامل تفصيلها بين يدي أمة محمد.

نموذج متميز لهذه السنن

وكنموذج لهذه السنن، إشارة القرآن لحالهم في عهد موسى من الذل والجبن بسبب العيش تحت حكم فرعون لقرون، وأثر ذلك على تصرفاتهم مع موسى. ثم إشارة القرآن إلى تحولهم إلى العزة والتمكين في عهد داوود وسليمان، وكيف أنهم لم ينتقلوا لذلك بمعجزة؛ بل لا بد من سنين التيه التي غسلت فيهم آثار الذل والجبن.

ولهذا السبب، أطال القرآن في وصف قصة هذا التحول في مواضع كثيرة، بدأت حين حكم الله عليهم بالتيه في قوله تعالى: “قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين“، وهو مصيرهم بعد أن رفضوا أمر موسى بالقتال وردوا الرد البذيء: “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون“.

ولم يكن التيه عقوبة مجردة؛ بل فيه حكمة عظيمة كونهم يبقون في الصحراء أربعين سنة؛ لأن العيش في الصحراء ابتعاد كامل عن سلطة أي مستبد، بل عن أي سلطة؛ ولهذا، كانت المدة أربعين سنة تحديدًا، حتى تنتهي آثار الجيل الأول الذي عاش الذل بكل وضاعته، ليظهر جيل لم ير إلا السماء والتراب ولا يخضع لأي سلطة سوى قسوة الصحراء، التي تزيده عزيمة وإصرارًا وتحديًا.

بل حصل بنو إسرائيل على استقلالية إضافية حين انقسموا إلى اثني عشر جزءًا صغيرًا تبعًا لقبائلهم: “وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم“؛ وذلك لأنه كلما صغر حجم المجتمع كلما ازداد الفرد استقلالية وتمتعًا بالحرية والكرامة.

وحين جاء الجيل الذي لم يعرف طعم العبودية، كان هو الذي بادر بطلب القتال في سبيل الله: “الم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله“، مقارنة بحال أجدادهم الذين ألحّ عليهم موسى بالقتال فردوا عليه ذلك الرد البذيء. ولكن، حتى بعد غسيل آثار الذل كان لا بد من تمحيص إضافي في أربع مراحل جاء على شكل أربعة اختبارات متتابعة في قصة طالوت وجالوت.

الاختبار الأول: في التكليف الحقيقي بالقتال، فكانت النتيجة تراجع فئة كبيرة ولم يثبت إلا القليل: “فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليل منهم”.
الاختبار الثاني: في تحديد شخصية القائد، وهو طالوت والذي رفضه فريق منهم بحجج واهية.
الاختبار الثالث: في الشرب من النهر، والذي لم يثبت فيه إلا القليل: “فشربوا منه إلا قليل منهم”.
والاختبار الأخير: المواجهة الحقيقية لجيش جالوت، والتي قال معظمهم فيها: ” لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده”.

ولم يثبت بعد ذلك إلا أهل اليقين: “قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصادقين“. فهذه المجموعة الصغيرة، كانت قليلًا من قليل من قليل من قليل ومع ذلك كتب على أيديهم النصر والتمكين.

وحين تقرأ القصة في سورة البقرة لا تعيش الحدث فقط؛ بل تعيش الدرس كاملًا وأنت تتأمل تعليقات القرآن الجميلة. ففي بداية سرد القصة، يصفهم القرآن بـ”الملأ من بعد موسى” تنبيهًا إلى أنهم مرحلة أخرى من مراحل بني إسرائيل. ثم حين يرفضون قيادة طالوت، يشير القرآن إلى تقويمهم الدنيوي الساذج مقارنة بالاصطفاء الرباني لصفات القيادة: “زاده بسطة في العلم والجسم“.

ومن لفتات القرآن الجميلة، التفريق في درجات الإيمان فهناك من نجح في الاختبارات الثلاثة واستحق وصف الإيمان بنص القرآن: “فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه“. لكنه، لم يصل لدرجة اعتقاد ملاقاة الله: “قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين“. وهنا، يشير القرآن لقوة قانون التدافع ووجود عوامل أخرى غير الكثرة والقوة في النصر والهزيمة: “فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين

لماذا بنو إسرائيل بالذات؟

ربما اتضح سبب التكرار، لكن يبقى جزء آخر من السؤال، وهو ما هو السر في بني إسرائيل الذي جعلهم أمة مناسبة لأن يكونوا نموذجًا سابقًا لانطباق السنن عليهم؟ ربما تكون الإجابة في تفرد بني إسرائيل بأنهم أمة عرقية واحدة (سلالة)، انتشروا من أب واحد هو يعقوب عليه السلام، ومروا كسلالة واحدة بكل هذه الحالات. وأراد الله أن يعيش هذا الشعب بقبائله الاثنتي عشرة في كل الأطوار، حتى تكون نموذجًا قابلًا للمتابعة على مدى التاريخ بشواهد قرآنية توفر علينا دراسة اجتماعية لشعب كامل مر بكل الظروف والأحوال على مدى آلاف السنين.

هل يكون التطرف أصدق من الاعتدال؟



من طبيعة البشر التدين بديانات ومذاهب، أو تبني اعتقادات وأفكار، (١) بمن في ذلك الملحدون أو اللادينيون "الدهريون"، الذين يعتبرون متمذهبين وعقائديين  حتى لو زعموا غير ذلك(٢). ومن طبيعة البشر كذلك أن يتفاوتوا في فهمهم لديانتهم ومذهبهم أو عقيدتهم، ويتفاوتوا في تبنيها وتطبيقها فرديا وجماعيا، ويتفاوتوا في مدى تأثيرها على حياتهم. وتعاملهم مع الآخرين. 

وفي سياق هذا التفاوت، انتشر مصطلح التطرف والاعتدال (٣) وكثر تداوله في الإعلام والأكاديميا، بافتراض أن له دلالة واضحة ومعنى محدد. وتبع ذلك افتراض آخر، هو أن "المعتدل" أصدق من المتطرف في تبنيه لمذهبه، واعتقاده، وفكره، ودينه، وأكثر قدرة على ترجمة حقائق هذا الدين أو المذهب، وتطبيقه في الواقع. وانتشر كذلك افتراض ثالث هو أن التطرف في المذاهب والأديان والعقائد، مرتبط دائما بالعنف والدم، وترتب على ذلك الافتراض الخوف من التطرف وتقبيحه. 

جولة بسيطة في ثلاث نماذج من الاعتقادات، تعرض هذا الكلام على الاختبار، وتقدم أطروحة مختلفة عن الانطباع الشائع. وما دام الموقف من الشيعة، والتيارات الجهادية، والغرب العلماني قضايا ساخنة، فربما يكون رصد هذه الأفكار والمذاهب، وسيلة للتعرف على صدقية التطرف والاعتدال فيها.

التطرف الشيعي وتحريف القرآن وتكفير الصحابة

تتفاوت مواقف الشيعة بميزان التطرف والاعتدال، تجاه قضايا حساسة كثيرة في مقدمتها قضيتان هما : تحريف القرآن، والموقف من الصحابة. من يوصفون منهم بالمتطرفين يعتقدون بتحريف القرآن(٤) ويكفرون الصحابة، ويتقربون لله بشتمهم، واعتبارهم أعداء لآل البيت، ومتآمرين على خيانة الأمانة(٥). بقية الشيعة يقولون بسلامة القرآن من التحريف، وإن كانوا لا يكفّرون من يقول به(٦)  ويتفادون تكفير وسب الصحابة، وإن كانوا ينفون عنهم العدالة، ولا يجرّمون من سبهم، أو كفرهم، أو خوّنهم(٧). 

السؤال الذي يفرض نفسه هنا، أي الفريقين أقرب لتمثيل الفكر الشيعي الإثناعشري، والأكثر انسجاما مع تعاليمه؟ والإجابة على هذا السؤال تتوقف على معرفة الركن الأساسي الذي يقوم عليه المذهب، أو بعبارة أخرى، التعريف الذي بمقتضاه يصبح المرء شيعيا إثناعشريا، وبدونه ليس شيعيا.

يقوم المذهب الإثناعشري كلّه على الإمامة، ولا يمكن أن يعتبر أي شخص نفسه شيعيا اثناعشريا مهما زعم التشيع، إلا إذا كان يؤمن بالإمامة بتفصيلها المحدد. والشيعة الإثنا عشرية على كثرة مدارسهم ومراجعهم، متفقون على إمامة إثني عشر إماما بأسمائهم المحددة، وأن الأخير منهم اختفى في الغيبة الصغرى ثم الكبرى(٨). ومتفقون كذلك على أن الإمامة أهم أمر من أمور الدين بعد الشهادتين، بل هي قرين الشهادتين. وبذلك فهم متفقون أن الإمامة مقدمة على بقية أركان الإيمان، بما في ذلك الإيمان بالملائكة، والكتب، والقدر، واليوم الآخر، ومقدمة على بقية أركان الإسلام، بما في ذلك الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج. (٩)

يقول الموصوفون بالتطرف، إن الإمامة ذُكرت صراحة في القرآن بالنص على ولاية "علي" بالاسم، (١٠)وأن القرآن تم تحريفه من قبل الصحابة، وإخفاء هذه الحقيقة حتى لا يؤول الأمر إلى "علي". الفريق الآخر يقول: إن النص على ولاية علي (الإمامة)، موجود بالمعنى غير الصريح في آيات كثيرة في هذا القرآن الذي بين أيدينا. وهذا النص لا يحتاج لأن يذكر اسم "علي"(١١) ولا أن يصرح بالولاية بالطريقة التي زعم "المتطرفون" أنها حذفت. 

وحجة الفريق الذي يقول بالتحريف كالتالي: إذا كان القرآن الذي بين أيدينا غير محرف، فلماذا تذكر الصلاة، ويذكر الصيام، والزكاة، والحج باللفظ الصريح، وفي آيات كثيرة، ولا تذكر الإمامة مع أنها أهم؟ ولماذا يتناول القرآن أحكام الزواج، والطلاق، والوضوء، والطهارة، والجهاد، والقتال، والبيع والشراء، بشكل صريح جدا، ولا تذكر الإمامة بشكل صريح؟ ولماذا يسمي القرآن مريم، ويحدد امرأة فرعون ولوط ونوح ويسمي الصحابي زيدا بالأسم الصريح ولا يسمّي عليا بالولاية؟

إذا كان الحال كذلك، فمن الطبيعي والمنطقي أن يكون الفريق القائل بالتحريف هو الأصدق والأكثر انسجاما مع أصل وأساس ومحور المذهب الشيعي. ومن المفارقات أن الفريق الذي لا يرى تحريف القرآن مشهور بالتفوق في علم المنطق، بينما تقف كل مقاييس المنطق الشيعي مع الفريق الذي يرى التحريف. ولهذا السبب لا يجرؤ الفريق الذين لا يرون التحريف على تكفير القائلين بالتحريف بل ولا يجرؤون على التقليل من احترامهم وتوقيرهم وتعظيم مكانتهم كمجتهدين عظماء في التراث الشيعي. (١٢)

أما بالنسبة للصحابة فإن كلا الفريقين متفقان على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صرح بولاية علي للصحابة في قصص كثيرة. وكلا الفريقين متفقان على ثبوت قصة الغدير بالتواتر، وأنه شهدها عشرات الألوف من الصحابة في مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان وبقية وجوه المهاجرين والأنصار. وكلاهما متفقان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ على الصحابة العهد والميثاق بالقبول بعلي إماما بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم هنأوا عليا وقتها بالإمامة.(١٣)

أمام هذا الموقف، فإن كلا الفريقين متفقان أن الصحابة أخفوا هذا الأمر بالكامل واختاروا أبابكر ثم عمر ثم عثمان، وبهذا فالفريقين متفقان على عدم عدالة الصحابة لكنهما  مختلفان  في درجة تجريمهم أو تكفيرهم وتخوينهم وشتمهم علنا أو التقرب إلى الله بإعلان عداوتهم.

وإذا نظرنا لهذه القضية بنفس منطق تحريف القرآن، فإن من يرى تكفير وتخوين الصحابة ويجعل عداوتهم من مبادئ الدين، هو أكثر انسجاما مع أصل المذهب ممن لا يرى ذلك. وإذا كان الصحابة وفي مقدمتهم الخلفاء الثلاثة قد أعطوا العهد والميثاق الغليظ للنبي صلى الله عليه وسلم بإمامة علي، ثم اتفقوا على إخفاء الأمر بالكامل، فهذه ليست خيانة فحسب، بل مؤامرة جماعية تعتبر أضخم مؤامرة عرفتها البشرية. (١٤)

ومن المنطق أن يكون هذا التآمر الجماعي الذي لم يوجد له مثيل من قبل، أكبر جريمة في التاريخ لا يقل عن مؤامرة قتل الأنبياء التي كان يمارسها بنو إسرائيل. والاستنتاج التلقائي لذلك، هو أن عدم وصف من نفذ هذه المؤامرة بأكبر مجرم في التاريخ تقصير في حق المذهب وتقليل من قيمة الإمامة. ومن هنا، فإن من يوصف بالتطرف أكثر انسجاما في موقفه من الصحابة مع مذهبه ممن يوصف الاعتدال.

هذا الجدل طـُرح في مسألتي تحريف القرآن والموقف من الصحابة لان الصورة فيها واضحة، والحقيقة هي أن "المتطرفين" الشيعة هم دائما أكثر انسجاما مع روح المذهب ومنهجيته. ولو قارنت مواقف الطرفين تجاه المهدوية والرجعة والبداء(١٥) والتقية والظهور والطينة، لوجدت الطرح المتطرف أقرب للانسجام مع المنهجية الشيعية من الطرح المعتدل.

التطرف السلفي والتيارات الجهادية 

الذي يصفون أنفسهم بالانتماء للسلفية طيف كبير كلهم يزعم الالتزام بالدليل الشرعي (الكتاب والسنة)، رغم التفاوت الهائل في فهمهم للدين والتصادم في مواقفهم السياسية والاجتماعية. ومعظم الكتاب والباحثين يعتبرون السلفية الجهادية الجناح المتطرف في هذا الطيف، فما مدى انسجام الطرح الجهادي مع زعم السلفية؟ (١٦)

تعتبر قضايا الحاكمية والعالمية والهيمنة والاستعلاء والولاء والبراء ووجوب الجهاد والإعداد له، هي القضايا الحساسة التي يوصف بناء عليها التيار السلفي الجهادي بالتطرف. لكن هذا التيار يبني مواقفه تجاه هذه القضايا على استدلال مباشر وصريح بآيات وأحاديث كثيرة، يعتمد فيها على المنهجية السلفية الأساسية التي لا تهمل شيئا من النصوص وتتعامل معها بفهم "السلف الصالح". (١٧)

والنصوص ثرية جدا في هذه القضايا ولا يكاد يتحدث منظر من منظري الجهاد بأي موضوع منها إلا وأمطرك بوابل من الأدلة الواردة من الكتاب والسنة والمستخدمة في هذا الباب. وإذا قورن الطرح السلفي الجهادي مع الأطروحات السلفية الأخرى يتبين بوضوح تفوق الطرح السلفي الجهادي في ركني المنهجية السلفية وهما الدليل والدلالة، أو بعبارة أخرى يتبين توفر النصوص من الكتاب والسنة ووجود زخمٍ كافٍ من تعليقات السلف تعطيها الدلالة المطلوبة. 

 ولا يمكن مقارعة هذا الكم من الأدلة إلا بسلوك منهج غير سلفي، وذلك بتوسيع اللجوء للرأي، وتقديم أقوال بعض العلماء على الدليل الشرعي، والإحالة للحوادث التاريخية، والتجربة البشرية، والتوسع في أصول الفقه، والنظرة المقاصدية، بدلا من الإحالة لظاهر النصوص من الكتاب والسنة. وهذا المسلك هو في الحقيقة ما يلجأ إليه خصوم الجهاديين حين يردون عليهم، لأن المنهجية السلفية لا تسعفهم، بل تقوي موقف التيارات الجهادية. والظريف أن خصوم الجهاديين من داخل التيار السلفي، يستخدمون نفس المسلك وهو استخدام آلية غير سلفية فيتناقضون ويتبين أن الجهاديين أكثر انسجاما منهم.(١٨)

وتبعا لذلك، فإن من قال أن تراث أحمد بن حنبل وبن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب يقوي طرح التيارات الجهادية، لم يذهب بعيدا عن الحقيقة، وكل محاولات حصار التيار الجهادي تحت ظلال الطرح السلفي (بن حنبل وبن تيمية وعبد الوهاب) فاشلة قطعا. بل إن نتيجة هذه المقارعة ستكون عكسية لأنها سوف تجرّد من يطرح هذا الطرح من وصف السلفية. ولا مفر لمن يقارع التيار الجهادي أن يهاجم السلفية نفسها، لا أن يهاجم التيار الجهادي من داخل مظلة السلفية. (١٩)

التطرف العلماني والنازية 

لا تعتمد العلمانية على نصوص، ولا مراجع دينية، بل تعتمد على فكرة غاية في البساطة، وهي مرجعية اللذة للفرد، والمنفعة للجماعة. ومهما حاول المدافعون عن العلمانية، فلن يجدوا فيها ثوابت غير هذا الثابت، ولن يتمكنوا من إضفاء أي نوع من أنواع الأخلاق والقيم والروحانيات عليها. (٢٠)

ويلخص الدكتور المسيري رحمه الله هذا المعنى بعبارات دقيقة تربط انعدام الأخلاق برموز الفكر العلماني، يقول المسيري: 
" بعد موت الإله، لا داعي للتمحك في ظلاله كما يقول نيتشه، فلا داعي للقول بالأخلاق، أو المساواة بين البشر، أو القيم، أوالغائيات، والتمحك هو عمل جبان غير قادر على قبول وضع الإنسان في عالم بلا قيمة غائية، وفي وجود عرضي زائل لاقيمة له، لذا رحب نيتشه أخيرا بالعدمية ". (٢١)

والعلمانية مثل الأديان ليست شكلا واحدا، لأن اجتهادات البشر في تحقيق اللذة والمنفعة واسعة، وتتفاوت مع الثقافة العامة، والتجربة التاريخية، وآثار الأديان، وحجم وموقع الدولة أو المجتمع، إلخ. ولهذا؛ فإن الطيف العلماني يمتد من النازية والشيوعية المتطرفة، إلى الديموقراطية الأوربية الحالية ( بنسختها الليبرالية ) التي "تحترم" حقوق الإنسان. 

بهذا الفهم للعلمانية، فإن النازية التي نجحت في تضخيم الكفاءة، والتخلص من العقبات التي تقلل الإنتاج، وتطهير المجتمع من العناصر عديمة الفائدة، تعتبر أكثر أنواع العلمانية صدقا في تمثيل الفكر العلماني. والمدقق في الفكر العلماني، يكتشف أن تطور مفهوم حقوق الإنسان، واحترام الأقليات، إنما كان نتيجة قناعة بأنه جزء من مصلحة الجماعة، وليس انطلاقا من قيم وأخلاق وروحانيات، وليس مفاجئا أنه يتفق بشكل غير مباشر مع مفهوم الإبادة، والتطهير العرقي والاستيطان. 

ولهذا فقد لاحظ المفكرون مفارقة ذكية وهي أن القوى الغربية التي اعتبرت إبادة اليهود في ألمانيا جريمة، إنما تخلصت منهم بطريقة أكثر خباثة، هي إنشاء دولة في فلسطين، وتعريض شعب آخر للهولوكست من أجلهم، وهو الشعب الفلسطيني. وكما قال المسيري: "العلمانية زودت الإمبريالية الغربية بإطار نظري، لإبادة الملايين باسم العرقية المادية، والبيولوجية الداروينية. فظهرت اليد الخفية عن آدم سميث، و المنفعة عن بنتام ووسائل الإنتاج عند ماركس، و الجنس عند فرويد، وإرادة القوة عند نيتشه، و قانون البقاء عند داروين، و الطفرة الحيوية عند برجسون، والروح المطلقة عند هيجل"(٢٢)

وكلما تعمقت أكثر في تحليل الظاهرة النازية كلما لاحظت مدى اتساقها في الإطار العلماني وانسجامها مع مفاهيمه وجرأتها في إظهار كل أفكارها ووتصرفاتها دون محاذير ولا مداراة محلية ولا عالمية. وهنا أنقل مرة أخرى من الدكتور المسيري نماذج من الكفاءة الخارقة في العهد النازي: 

"في عام ١٩٣٣ أصدر النازي قانون التعقيم لمنع المرضى من التكاثر وطُلب من كل طبيب ان يبلغ عن كل مولود جديد معوق وبدأت عمليات القتل الرحيم طبقا لمشروع T4 وقُتل بالفعل ٧٠ ألف معاق وعاجز - يأكلون ولا ينتجون - وحسب الإحصاءات الألمانية فإن قتل هؤلاء أدى إلى توفير ٢٣٩ طن من المربى في عام واحد فقط . 

قام الدكتور بوخنوالد - هانس إيسيل - بعمل تجارب طبية على المعتقلين في الدولة النازية، مثل تعريضهم لغرف تفريغ الهواء لمعرفة كم يستطيع الإنسان أن يمكث حتى يموت، وتعريضهم لغازات سامة لمعرفة مدى فاعليتها والتركيزات المطلوبة لإحداث الوفاة، وقام بعمليات جراحية بدون تخدير لمعرفة درجات الألم ومسارات الأعصاب، وقد وفرت الفترة النازية كمية عملاقة من المعلومات الطبية في كافة المجالات، وحتى يومنا هذا، هنا جدل كبير بين العلماء حول جواز استخدام تلك المعلومات أم لا، احتراما للذين ماتوا بسببها .

كان الدكتور راشر النازي يُعرّض مرضاه للتجميد، لمعرفة الفترة التي بعدها يموت الانسان، ودرجة التجمد الكافية للموت، وبالفعل أمد الدكتور راشر العلم بطرق كثيرة لإطالة حياة الطيارين الذين يسقطون في المياه المتجمدة، وكان أُسلوب العمل هو تجميد السجناء تدريجيا مع متابعة النبض والتنفس والحرارة وضغط الدم بانتظام، وقد مات أغلب من جُرّب عليهم، والباقون أصيبوا بلوثات عقلية و أُبيدوا بعد ذلك.

أُجريت في ألمانيا النازية تجارب زرع الغرغرينة في الجروح، كما حُقنت بالميكروبات لمعرفة الأسرع فتكا، والدكتور "منجل" هو صاحب تجارب التوائم، وكما قال "بريمو ليفي" فإن ألمانيا النازية هي المكان الوحيد الذي كان بوسع العلماء أن يدرسوا فيه جثتا توأمين قُتلا في نفس اللحظة، والنتائج التي توصل إليها العلماء النازيون هي نتائج فريدة، لم تتح لغيرهم صراحة."(٢٣)

نعم  لا يوجد نموذج علماني يعتبر الأخلاق والقيم مطلقات، لكن كثيرا من نماذج العلمانية اضطرت لاحترام الأخلاق والقيم، بسبب التوازن التدريجي الذي فرضته المنفعة العامة. بمعنى أن التجربة البشرية التي كانت في فورة الثورة اللادينية، كانت بحاجة لتداعيات وردود أفعال تبني عليها تدريجيا ما يؤدي إلى تفادي الضرر، وتحقيق المنفعة المطلوبة. هذه التجربة هي التي قادت لاحترام الأخلاق والقيم في إطار معين، وليس لانها ذاتها مقدسة وثابتة. 

ولهذا السبب فإن النازية التي تصرح بلا المبالاة بالقيم والأخلاق، وتقدس المنفعة صراحة وعلنا، هي أصدق في تمثيلها للعلمانية من النماذج الأخرى التي تدعي احترام الأخلاق والقيم، لكنها لا تنظر لها كثوابت.

وبعد 
فالشيعة والسلفية والعلمانية ليست إلا نماذج، ولو تتبعنا المذاهب مثل تيارات التصوف المختلفة(٢٤) والأديان الأخرى  الهندوسية (٢٥) والبوذية وبعض فرق المسيحية واليهودية، لربما وجدنا تكرار ظاهرة انسجام المتطرفين أكثر في تمثيل المذهب والديانة من المعتدلين. 



--------------
١)الاعتقاد بوجود خالق فوق الكائنات وخلق المخلوقات لهدف، هو الاعتقاد الأصلي الذي يميل له كل إنسان منذ طفولته كما ثبت ذلك. في بحوث استغرقت سنوات أجرتها جامعة أكسفورد، بقيادة أستاذ علم النفس جستن بارت إضغط هنا.

وبالنسبة لنا نحن المسلمون فهذا ليس فيه جديد، فقد أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه "كل مولود يولد على الفطرة" بل إن البحوث أثبتت الجزء الثاني من الحديث وهو تأثير الابوين والبيئة على نوعية التدين الذي يتدين به الإنسان (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) ونشرت هذه الملاحظة في الميادين العلمية وهذا نموذج منها في كتاب" الدين وعلم النفس" من تأليف أستاذ علم النفس رالف وود إضغط هنا.


٢)ممن وصف الإلحاد واللادينة بـ "نظام اعتقادي"  الفيلسوف باجيني جوليان في كتابه (الإلحاد: مقدمة مختصرة).

٣)التطرف هنا يقصد به المعنى الشائع، وهو التشدد في تطبيق تعاليم الدين أو المذهب أو الاعتقاد.

٤)في هذا الكتاب (القرآن والتحريف، تأليف عبد الرحمن السيف) تتبع لكثير من أقوال علماء الشيعة بتحريف القرآن إضغط هنا.

٥)ممن يتبنى تكفير وتخوين الصحابة من علماء الشيعة الكليني والمجلسي والمفيد والكشي والبحراني والكاشاني والحويزيني والقمي والطوسي والخوانساري والخميني، وغيرهم من علماء الشيعة الكبار، والمجال لا يتسع لنقل تفصيلي ونختار نموذجين فقط :
جاء في كتاب الروضة من الكافي “كان الناس أهل ردة بعد النبي، إلا ثلاثة المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي” (٨/٢٤٥). وفي حياة القلوب للمجلسي قال “هلك الناس كلهم بعد وفاة الرسول، إلا ثلاثة أبو ذر والمقداد وسلمان”. (حياة القلوب) للمجلسي فارسي (٢/٦٤٠).

٦)في هذه المدونة جمعت نقولات عن علماء الشيعة الذين لا يؤمنون بالتحريف، لكنهم يعظمون ويوقرون من يقول بالتحريف، ويعترفون لهم بالعلم والمرجعية إضغط هنا.

٧)الشيعة الذين لا يكفرون الصحابة لا يعترفون للصحابة بالعدالة، ويتفقون مع من يكفر الصحابة أنهم خانوا الأمانة لكن يحجمون عن التصريح بالتكفير والتخوين. خذ هذا التعليق المعتبر عند الشيعة كنموذج إضغط هنا.

٨)اتفاق الشيعة على الإمامة بتفاصيلها المعروفة لا يشكك فيه أي شيعي، لكن من باب التأكيد نحيل إلى قول المفيد “واتفقت الإمامية على أن الأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وآله اثنا عشر إماما” أوائل المقالات/ الشيخ المفيد ص ٤١.

٩)لا خلاف بين الشيعة على تقديم الإمامة على بقية أركان الإسلام، عن أبي جعفر، قال: (بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحجّ، والصوم، والولاية)، قال زرارة: قلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: (الولاية أفضل لأنّها مفتاحهنّ)(الكافي 2/18، المحاسن 286، العياشي 1/191، البحار 68/332، 82/234، إثبات الهداة 1/91، الوسائل 1/13). وللمزيد من الروايات إضغط هنا

١٠)تتفاوت أطروحات من يقولون بالتحريف على ثلاث مستويات 
الأول من يزعم وجود قرآن كامل ثلاثة أضعاف حجم القرآن المعروف(مصحف فاطمة) إضغط هنا.
الثاني  من يزعم حذف سور كاملة مثل سورة الولاية".إضغط هنا.
الثالث ، ومن يزعم حذف آيات مثل "وجعلنا عليا صهرك" إضغط هنا.


١١)الذين لا يؤمنون بتحريف القرآن، يحتجون بآيات ليس فيها أي تصريح بعلي، ولا قرينة تدل عليه، ويعرضون تفسيرا متفقا عليه عندهم في دلالتها على ولاية علي ومن نماذج هذه الآيات :
(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ٥٥ المائدة 
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) ١١٦ التوبة 
(ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) ٧ الرعد 
(ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) ٦٧ المائدة 

١٢) راجع الهامش رقم ٦.

١٣) هذا موقع خاص في الشبكة العنكبوتية بواقعة الغدير والتفاصيل الواردة في هذا الموقع لا يشكك فيها أي شيعي إضغط هنا.

١٤) لهذا السبب فإن متطرفي الشيعة يتقربون إلى الله بلعن وسب الصحابة وبذل الوقت في الدعاء على أبي بكر وعمر ويسمونهم صنمي قريش إضغط هنا.

١٥) البداء معناه بالمفهوم البسيط أن الله (حاشاه) يغير رأيه، والمتطرفون يعتقدون أن البداء يؤخذ على معناه الحقيقي، بينما المعتدلون يحاولون البحث عن تفسيرات أخرى له. وكل شواهد البداء تؤيد موقف المتطرفين، وأنهم أصدق من المعتدلين في ذلك، ومن نماذجها أن الإمامة انتقلت من اسماعيل بن جعفر إلى موسى بن جعفر، رغم أن الله كتب بزعمهم أن الإمامة للأكبر سنا، فحين مات إسماعيل قبل وفاة أبيه، غير الله رأيه (حاشاه) فنقل الإمامة لموسى. 

١٦) يمتد الطيف السلفي مما يسمى بالجامية والمدخلية إلى السلفية الجهادية مرورا بجماعات وتيارات كثيرة بينهما، يجمعها دعوى، أو زعم الالتزام بالدليل الشرعي. (الكتاب والسنة)

١٧) راجع أي مطبوعة أو موقع أو حديث لرموز التيار الجهادي، تجد هذه المعاني واضحة ومتكررة مع الاستدلال "الثري" بالأدلة من الكتاب والسنة، وتأييد ذلك بأقوال الصحابة والتابعين وعلماء "السلف".


١٨) لهذا السبب أكرر ما قلته في مقالي السابق "تحديات الظاهرة الجهادية" أنه لم يجرؤ أحد من المخالفين للتيار الجهادي من داخل المظلة السلفية، بمناظرة رموز التيار الجهادي.

١٩) ولهذا فإن المطروح في الإعلام العربي لمواجهة التيار الجهادي من خلال شن حرب على السلفية، أكثر انسجاما مع نفسه من مواجهة الجهاديين بطرح سلفي مقابل.

٢٠) هذا اعتراف من موقع علماني معتبر أنه لا توجد مطلقات ولا ثوابت في العلمانية، وكل الأمور نسبية وقابلة للتغيير إضغط هنا.

٢١) موسوعة المسيري (اليهودية والصهيونية) ٢/١٤٢.

٢٢) العلمانية الجزئية العلمانية الشاملة د. عبد الوهاب المسيري دار الشروق طبعة ٢٠٠٢ المجلد الأول ص ٢٤٠.

٢٣) العلمانية الجزئية العلمانية الشاملة د. عبد الوهاب المسيري دار الشروق طبعة ٢٠٠٢ المجلد الثاني.

٢٤) التصوف الحلولي المتطرف (تصوف بن عربي والحلاج) أكثر انسجاما مع مفهوم التصوف من التصوف البسيط، بتلاوة أذكار غير مشروعة، لأنه يخدم مفهوم السمو الروحي المزعوم.

٢٥) الهندوسية العنصرية التي تفرق المجتمع لطبقات. وتهين طبقة المنبوذين. أكثر انسجاما مع الهندوسية من الهندوسية الملطفة، التي تكتفي بفكرة حلول الآلهة في كل شيء.


الاثنين، 10 نوفمبر 2014

الإخوان المسلمون .. أين الخلل *


ملأت الجماعات الإسلامية الدعوية بعض الفراغ بعد سقوط الخلافة، وتفاوتت في تأثيرها الاجتماعي والسياسي، ونفعت كثيرا في حماية الهوية الإسلامية والأخلاق والبناء الاجتماعي. وتميزت جماعة الإخوان المسلمين، منذئذ، كأبرز جماعة وأكثرها انتشارا على مدى ثمانين عاما. (١)

وساهمت الجماعة في إعداد أجيال كاملة من الكوادر المنضبطة سلوكا وعقيدة، وكان لها دور في تبطئة مد التغريب والفساد في معظم الدول العربية، ومساهمة ضخمة في المشاريع الإغاثية والتربوية. كما قدمت للساحة العلمية والثقافية والفكرية والمهنية والأكاديمية، عددا كبيرا من الكفاءات المتميزة التي أثبتت جدارتها.(٢)

لكن على مستوى التمكين الحقيقي، أصيبت الجماعة بالجمود في مرحلة مبكرة، وبقيت خاضعة للتقلبات السياسية، متأثرة بها وغير مؤثرة فيها، ورضيت لنفسها أن تكون تحت رحمة الأوضاع الأمنية بالكامل، رغم انتشارها الواسع.(٣) كما أنها عجزت عن تجاوز الإنجاز الذي قدمته في مرحلة معينة، وفشلت في مواكبة الأحداث بما يوازي حجمها، وأخفقت في استثمار الفرص التاريخية رغم وجود الكوادر المؤهلة.(٤) وما حصل بعد الربيع العربي، كان اختبار الفرصة الأخيرة التي أثبتت أن الجماعة لم تكن بالمستوى الذي يكافئ المرحلة. (٥)

لماذا -والجماعة بهذا الحجم والتاريخ- تعاني من هذا العجز السياسي والشيخوخة الحركية؟ 

يمكن معرفة الأسباب بتأمل طبيعة الجماعة وتركيبتها الحركية، وطريقة تعاملها مع التحديات، وأسلوبها في رسم الخطة، وإدارة النشاط. وبعد شيء من الجهد الذهني في هذا التتبع، يمكن الخروج بمجموعة من الملاحظات التي قد تفسر هذه الشيخوخة الحركية: (٦)

الحزبية السياسية وخط فاصل عن المجتمع 

حين انطلقت جماعة الإخوان بعد سقوط الخلافة، لم يكن لها منافس يذكر في الطرح الشمولي، لأن كل الأطروحات وقتها كانت إما جهودا فردية، أو جمعيات متخصصة لهدف محدود(٧). طرح الإخوان الشامل أبرَزَ الجماعة كمشروع قوي، لكنه في نفس الوقت أوقع الجماعة في اعتقاد لم تكن تقصده، وهو احتكار الانتماء الرسالي للإسلام. 

رغم أن الجماعة لم تدّعِ في يوم من الأيام أنها تحتكر تمثيل الدين نفسه، لكنها بقيت مدة طويلة من الزمن تعتقد أنها الوحيدة المؤهلة لتحمل مسؤولية إعادة تمكين الإسلام. كانت الجماعة تتحدث بهذا الاعتقاد بشكل صريح، إلى أن ظهرت التيارات المنافسة وفرضت نفسها(٨). ومع أن الجماعة توقفت عن التصريح بذلك، إلا أن التوجه النفسي لقيادات الجماعة بقي يحمل كل معاني هذا الاحتكار.

ترك هذا الاعتقاد أثرا استراتيجيا في علاقة الحركة بالمجتمعات في أن جعلها كتلة متميزة عن بقية المجتمع. ورغم أن الشخصيات الإخوانية لطيفة ومقبولة وناجحة مهنيا وعلميا واجتماعيا، فإن الجماعة لم تنجح في أن تذيب روحها في المجتمع، ومن ثم لم تستفد من فطرية المجتمعات في حب الإسلام.

ولهذا السبب، تجد كثيرا من المجتمعات تتعاطف مع الإخوان وتحترم كوادرها، لكنها في نفس الوقت تنظر للإخوان كحزب مستقل عن المجتمع، وليس تيارا يسري فيه. بمعنى أن المجتمعات رغم احترامها لكوادر الإخوان، فإنها تنظر لجماعة الإخوان ككتلة مفصولة بخط واضح ومتميز. (٩)

الحزبية الحركية وأولية التنظيم على الدعوة 

هناك توجهان للمشاريع الحركية في العمل السياسي، تبعا لمدى انسجام رسالة المشروع الحركي مع المجتمع.
التوجه الأول: هو في الانغلاق الحزبي، وجعل التنظيم مقدما على الرسالة العامة، والخطاب الداخلي مختلفا عن الخطاب الخارجي للمجتمع.
التوجه الثاني: هو في اعتبار الخطاب الخارجي هو الأساس، وجعل التنظيم خادما لهذا الخطاب، دون أي اختلاف بين الخطاب الخاص والعام.

التوجه الأول يليق بالأحزاب التي لا تستطيع ترويج رسالتها علنا، بسبب وجود إشكالات تمنع ترويج هذه الرسالة لعامة المجتمع، لمخالفتها ثقافة المجتمع. وهذا التوجه يليق بالأحزاب غير الدينية التي تسعى لتضخيم تنظيمها، إلى أن تصل إلى مرحلة تسيطر فيها على السلطة، فتتحول من تنظيم مغلق إلى سلطة متحكمة، تفرض رأيها بالقوة. (١٠)

وإلى أن تحصل هذه السيطرة على السلطة، يبقى النشاط العام عند هذه الأحزاب حزمة من الحيل لخدمة التنظيم، إما كمظلة لصيد وإقناع الأفراد بالتنظيم، أو باختراق مؤسسات عسكرية وأمنية، أو إنشاء مؤسسات مالية وإعلامية داعمة. والأحزاب التي تحتاج لهذا التوجه مضطرة لأن تعمل بهذه الطريقة، لأنها لو بادرت بنشاط معلن بكامل رسالتها، لاحترقت بسبب مصادمة المجتمع وثقافته ودينه. (١١)

التوجه الثاني يليق بالحركات أو الجماعات التي لها أهداف خادمة لثقافة المجتمع وانتمائه وهويته، مثل الجماعات الإسلامية.
في هذا التوجه يكون النشاط العام والتنظيم متداخلين بلا إشكال، لأن النشاط العام لن يتصادم مع المجتمع، ولا مع تطلعاته، وتفكيره، ووجدانه. بل من الطبيعي أن يكون التنظيم خادما للنشاط العام، لأن الأصل في هذه الجماعات هو خدمة الإسلام، وليس خدمة الجماعة. 

يفترض -والحال هذه- أن تكون جماعة الإخوان ممن يتبنى التوجه الثاني، فهي تحمل رسالة إسلامية عامة شاملة بكل معنى الشمول، مما يجعلها منسجمة كليا مع تطلعات ووجدان المجتمعات. ولكن مع الأسف الشديد، انغمست الجماعة في التوجه الأول، فأصبح النشاط العام خادما للتنظيم بطريقة فائقة الحزبية. 

يمكن إدراك ذلك من الناحية العملية، إذا رأينا عجز الجماعة عن توظيف الآلاف من الكوادر الإسلامية التي لا تنتمي لها، لخدمة أهداف الجماعة.(١٢) كما يمكن ملاحظة إصرار الجماعة على تحويل المؤسسات التي هيمنت عليها إلى مظلات اقتناص الشباب للتنظيم فقط، وليس لتحقيق الهدف الذي من أجله تأسس المشروع الدعوي أو التربوي. ومع الأسف الشديد، أصرت القيادات التقليدية على تغليب ما يسمى بـ"العمل الخاص" على "العمل العام"، ويقصد به اعتبار زيادة حجم التنظيم أهم من الدعوة العامة. بمعنى أن هدف نشاط الجماعة، هو تضخيم التنظيم، وإكثار عدد المنتمين "المبايعين"، ويؤجل هدف خدمة الإسلام نفسه إلى أجل غير مسمى. (١٣)

المشكة الأكبر أن الجماعة حين تورطت في التوجه الأول، لم تفعله بقصد اختراق المؤسسات الصلبة في الدولة، بل تراكم الحال بها هكذا، وتوارثت الأجيال واقعا غير مقصود. وبهذه الطريقة، فلا هي التي حققت مراد التوجه الأول واخترقت مؤسسات عسكرية ومخابراتية وتحولت لحزب قوي، ولا هي التي سيطرت على المجتمع بمنهجية التوجه الثاني. (١٤)

الحزبية الدينية وتقديس كلام غير المعصوم 

جماعة الإخوان لم تطرح نفسها كجماعة متخصصة بهدف تربوي أو اجتماعي أو إغاثي أو خيري، ولم تطرح نفسها بصفتها مختصة بقطر معين أو زمن معين، بل هي تعلن بلا تردد أنها تحمل راية الإسلام بمفهومه الواسع موضوعيا (الشمول) وبشريا (العالمية). فالجماعة تتبنى الإسلام برسالته التربوية، والعبادية، والأخلاقية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وتتبناه في كل مكان في العالم بلا حدود جغرافية، ولا بشرية، ولا زمنية. (١٥)

والاستنتاج المنطقي الطبيعي لهذا الطرح، هو أن جماعة الإخوان تتبنى الإسلام نفسه بثوابته الكبرى، وبمرجعيته الكاملة، ومصادره المحددة، ومنهجيته الدقيقة، ومواقفه المعروفة. وتبعا لذلك، يفترض أن تكون منهجية ومرجعية وثوابت الإخوان، هي نفس منهجية ومرجعية وثوابت الإسلام بلا إضافة ولا حذف. لكن هل هذا هو الحال؟

عند تتبع أدبيات الحركة، يتبين أن جماعة الإخوان وضعت لنفسها ثوابت (الأصول العشرين، وأركان البيعة، والوصايا العشر، وغيرها) و أعطتها قدسية توازي قدسية ثوابت الإسلام الكبرى. هذه الثوابت الإخوانية ليست مرتبطة بمرحلة التأسيس، ولا بمكان معين، ولا بظرف معين، بل لازمت الجماعة مكانا وزمانا، فلا تكاد تقرأ تعريفا للجماعة، إلا وتجدها منصوصا عليها، ولايكاد  ينتمي شخص للإخوان، إلا ويلزم بحفظها عن ظهر قلب. (١٦)

لو قال الإخوان إن هذه الأصول والأركان ليست إلا اجتهادات في ترتيب المنهجية والثوابت الإسلامية، وأنها مجرد كلام نكتبه اليوم ونعيد صياغته غدا، لم يكن في ذلك تعارض مع المنهج الإسلامي، لكن أن تصبح كتابات حسن البنا رحمه الله والإصدارات الأولى للإخوان، نصوصا مقدسة من الناحية العملية، فهذا هو الذي أدى للتداخل بين مفهوم الإسلام ومفهوم الإخوان. 

ومهما اجتهدت جماعة الإخوان في الترويج لنفسها بأنها تمثل الإسلام نفسه، فلا يمكن لها أن تحقق ذلك وهي مستمرة في تقديس ثوابتها الخاصة. ولذلك فـ "التمييز" لمنهج الإخوان الخاص عن منهج الإسلام العام، يرسم في الذهنية الشعبية خطا فاصلا بين عامة المسلمين وبين الإخوان، ويصورهم في وجدان الناس تجمعا متكتلا على ذاته، في حزبية دينية غير مقصودة. 

صحيح أن التربية الإخوانية تشجع أفراد الإخوان على الانصهار في المجتمع، لكن ممارستهم كـ"كيان" بعيدة جدا عن هذا الانصهار، ولا تزال متشبثة بما يبقيها في حالة التكتل المعزول. هذه الحزبية الدينية تضاعف أثر الحزبية السياسية والحركية، وتؤكد صورة الإخوان في الوجدان العام، كجماعة عاجزة عن الذوبان في المجتمع، أو تذويب المجتمع فيها.

العجز الاستراتيجي والفشل في التخطيط ومواكبة الأحداث 

لا يمكن لجماعة أن تنجح إلا أن يكون لها رؤية واضحة لكل ما تريد، ومعرفة بذاتها وقدراتها، ومعرفة بالبيئة التي تعمل فيها، وخططا شاملة ومرحلية. بعبارة أخرى، لا يمكن لجماعة أن تنجح إلا أن يكون لديها استراتيجية واضحة في رسم أهداف قابلة للقياس، ومعرفة القدرات الذاتية بدقة وتفصيل، ومعرفة القوى المؤيدة والمعارضة، وكل العوامل المؤثرة في تحقيق الخطة. وجماعة مثل الإخوان بحجمها الكبير وهدفها الكبير أيضا، يفترض أن تكون سباقة في رسم الاستراتيجية ووضوحها لقياداتها وأفرادها، فهل وضعت الجماعة أي استراتيجية؟ 

لا يمكن العثور على أي دليل على الاستراتيجية بهذا المعنى في أدبيات الحركة، فهل وُضعت الاستراتيجية بشكل سري ولم تنشر؟ مر على الحركة قرابة قرن كامل، وتكشفت أوراقها وملفاتها ورواياتها، وتحدث قياديوها بالتفصيل عن تجاربهم، ولم يطلع أحد على أي استراتيجية. بل حتى باستقراء تاريخ الإخوان وتجربتهم الحركية والتربوية والسياسية، لا يمكن العثور على أي أثر غير مباشر لاستراتيجية مرسومة من قبل الجماعة. 

ومن باب التأكيد القطعي على غياب الاستراتيجية عند الإخوان، سعى مجموعة من المهتمين لسؤال قيادات الجماعة تحديدا عن الاستراتيجية، فلم يجدوا إلا جوابا واحدا يردده كل الإخوانيين "الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع ثم الدولة". يبدو أن صناع القرار في الإخون بترديدهم هذه العبارة، لم يدركوا أن الاستراتيجية مفهوم تطبيقي إداري، وليس مفهوما شعاراتيا دعويا. وإصرار الإخوان على اعتبار هذه العبارة طرحا استراتيجيا، دليل على عجز صناع القرار عند الإخوان، عن إدراك معنى الاستراتيجية والتفكير الاستراتيجي. ومع الأسف الشديد، فإن من يناقش قيادات الإخوان عن خططهم الاستراتيجية، يخرج دائما بهذا الانطباع، لا فهم ولا إدراك لمفهوم الاستراتيجية التطبيقي الإداري.(١٧)

غياب الاستراتيجية أدى للعجز عن تحديد الهدف الكبير القابل للقياس والأهداف المرحلية، كما أدى للعجز عن معرفة القدرات الذاتية الظاهرة والكامنة، والعجز عن معرفة القوى الأخرى، والأحداث، وتحديد المواقف منها. (١٨) وغياب الاستراتيجية المدروسة، يعني بالضرورة استبدالها باستراتيجة الأمر الواقع، بمعنى أن يحس الأفراد أنهم يحققون أهدافا معينة، من خلال تكرار أساليب وسياسات دأبوا عليها. 

والجماعة دأبت على تقديس وسائل وأساليب دون مبرر منطقي، ولا تحديد الهدف الذي تحققه هذه الوسائل، فأصبح الهدف يُـفتعل افتعالا من أجل تبرير هذه الوسائل. وإذا طبقنا هذا الاستقراء على الإخوان، اكتشفنا أن الجماعة إنما تسعى في وسائلها للمحافظة على بقائها أولا، وتضخيم ذاتها ثانيا، وهذا ليس إلا تأكيدا لظاهرة الحزبية الحركية.

قد يعترض البعض أن الجماعة نفذت مشاريع دعوية، وخيرية، وتعليمية، وسياسية، وهذا صحيح، لكن مثل هذه النشاطات إما أن تكون أعمالا جانبية أقل أولوية من تحقيق هدف استراتيجي قوي، أو تكون موجهة أصلا لخدمة التنظيم، وذلك بتوفير مظلات لدعوة الناس للجماعة لتأكيد الحزبية. أما إذا كان فيها تميز نوعي، فعادة ما يكون القائمون عليها أشخاصا محسوبين على الإخوان وليسوا منهم، فافت إبداعاتهم وإنتاجهم قدرة الجماعة. (١٩)

ولو قُدّر لحركة الإخوان التي لديها من الكوادر والانتشار والمقدرات ما لديها، أن تعيد تقويم ذاتها وقدراتها، وتعيد صياغة أهدافها بشكل علمي، وتدرس بيئتها من جديد، ثم تبني استراتيجة كاملة بناء على ذلك، لربما نجحت في إحداث تغييرات هائلة بسبب إمكاناتها. (٢٠) لكن ما الذي منع الإخوان من تطوير استراتيجيتهم كل هذه العقود من السنين، رغم وجود ما يدعوهم لذلك، ورغم تطور علم الاستراتيجيات والتخطيط؟ الإجابة في الفقرة التالية.

التخلف الإداري والجمود على "طمام المرحوم"

حين أنشأ حسن البنا الجماعة، وضع لها لوائح إدارية تفصيلية يبدو أنها كانت تناسب ذلك الظرف، بل ربما كانت متقدمة على كثير من الأحزاب والمؤسسات الأخرى آنذاك. لكن هذه اللوائح، كان فيها مشكلة بنيوية أنها غير خاضعة للتغيير والتعديل والتطوير مهما كانت الظروف. ومثلما قدس الإخوان منهجهم (أركان البيعة والأصول العشرين) فقد قدسوا هذه اللوائح ورفضوا تغييرها رغم كل التغييرات في العالم وتوسع حركة الإخوان وانتشارها. (٢١)

ومن البديهيات المعروفة في علم الإدارة، أن أي نظام إداري لا يخضع للتجديد سوف ينتهي الأمر به للجمود، ومن ثم العجز عن مواكبة الأحداث، وأخيرا للفشل الكامل. وفضلا عن الأحداث الكثيرة التي كان يفترض أن تجبر الجماعة على مراجعة لوائحها، فإن علم الإدارة نفسه تطور بشكل كبير، وتمكن خبرائه من استثمار التجربة البشرية في علم ديناميكي متجدد. وتجاهلت جماعة الإخوان هذا التطور في علم الإدارة وكأنه لا يعنيها بشيء رغم الصيحات المتكررة من كثير من المنتمين إليها. (٢٢)

وإضافة للعجز عن مواكبة التطور في علم الإدارة، فقد كانت هناك مشكلتان بنيويتان في نفس اللوائح الإدارية للإخوان، تجعل الانطواء والجمود أمرا حتميا. 
المشكلة الأولى: جعل الهيكل الإداري متمحورا حول وحدة التنظيم الأساسية وهي "الأسرة". 
والمشكلة الثانية: صياغة اللوائح بطريقة ترسخ سيطرة القدماء في التنظيم، وتمنع تجديد الدماء وتغيير المسؤولين.

المشكلة الأولى سببها أن الإمام حسن البنا كان مسكونا بالتربية الفردية، بسبب انتشار الجهل، وتفشي المفاهيم الدينية والاجتماعية الخاطئة، وضعف الشعور بالمسؤولية عند عامة الناس. ولهذا السبب، جعل الخلية التنظيمية الأساسية أو ما يسمى بـ "الأسرة" الركن الأهم في التقسيم الإداري للنشاط الإخواني.  بمعنى أن صارت كل الترتيبات الإدارية الأخرى (السياسية والإعلامية والمالية الخ) تابعة للتوزيع التنظيمي الأساسي، القائم على توزيع "الأسر". (٢٣)

وبهذه الطريقة، أصبح هرم التنظيم الأساسي منطلقا من "الأسرة" وخادما لها، وهذا ما رسخ مفهوم تقديس التنظيم نفسه، وأكد مصيبة الحركة في عجزها الاستراتيجي، والتزامها بتطويع كل نشاطاتها لخدمة التنظيم. ربما لا يلام البنا في وقته أن أعطى للأسرة كل هذه الأهمية بسبب الواقع الصعب، لكن أن يبقى لمفهوم الأسرة كل هذا التقديس رغم كل التغييرات التي حصلت، فهذا هو العجز المقصود والفشل بعينه. 

أما المشكلة الثانية فربما لها تفسير مشابه، وهو أن البنا كان يريد للتنظيم أن يبقى خاضعا للعناصر الواعية والمطلعة، والتي تتمتع بعلم وتجربة، وهي عناصر قليلة في ذلك الوقت. ولهذا السبب، صيغت اللوائح بطريقة تجعل من المستحيل على أي فرد في التنظيم أن يقفز المراحل، مهما اجتمع فيه من الصفات القيادية. كما صيغت اللوائح بما يمنع مراجعة أو تقويم، أو محاسبة القدامى من قبل المستجدين مهما بلغت قدرات وملكات ومواهب المستجدين.

ولهذا السبب، أصيبت جماعة الإخوان -عن غير قصد- بما يشبه الاستبداد وتسلط الأجيال القديمة ومقاومة التجديد وعدم القدرة على استيعاب وتحمل المبدعين. كما أدى هذا الواقع الإداري، إلى تراكم عدد من التقليديين الجامدين في المراكز العليا للجماعة، مما ساهم في شيخوخة الجماعة تبعا لشيخوخة القيادة. وإذا راجعت قائمة من يصل لمكتب الإرشاد ومن يصل لسدة المرشد العام، ورصدت طريقة اتخاذ القرارات، أدركت دقة هذه الملاحظة. بل أن بعض من مر على منصب المرشد العام، كان لا يحمل من التأهيل إلا التقدم عمريا عن الباقين. (٢٤)

هذا الارتباط بفكر إداري عتيق، أدى بالضرورة إلى أن تحاصر الحركة نفسها -رغم حيوية رسالتها- بسور أو غلاف من التخلف الإداري، ومن ثم الجمود والشيخوخة بشريا وحركيا.  وهذا بدوره أدى إلى ترسيخ الدولابية، وتحول الجماعة إلى ماكنة كبيرة متخمة بالإمكانات، لكن غير قادرة على استثمارها، وعاجزة عن التفاعل مع الأحداث بطريقة منتجة. لكل ذلك، فإن ضعف الاستراتيجية الذي ذكر أعلاه نتيجة طبيعية لهذا التخلف الإداري عند الإخوان. 


هل يمكن إصلاح جماعة الإخوان؟

تقادم النظام الإداري عند الإخوان حتى اجتمع في سدة المسؤولية شخصيات عصيّة على التغيير، ومصرة على التشبث بالموروث، ولهذا السبب فإن الأمل بإصلاح الإخوان من خلال القيادة مستحيل، لكن كيف يمكن تغيير القيادات، والنظام الإداري لا يسمح بذلك؟ 

لا يوجد إلا حل واحد، وهو تحرك الكوادر الوسطى أو القواعد بطريقة فيها تمرد حقيقي على الموروثات، وإصرارهم على عمل استراتيجي مدروس، وإعادة تشكيل إداري مبني على أهداف قابلة للقياس، ومعطيات وظروف المرحلة القابلة للتوصيف. (٢٥)

----------
*  هذه المقالة معنية بالإخوان المسلمين، لكن كثيرا منها ينطبق على الجماعات الإسلامية الأخرى، مثل الجماعة الإسلامية في باكستان، ومثل ما يسمى بالسرورية. وفي هذا المقال لا يعنينا الكلام الاستهلاكي للإعلام الرسمي عن الإخوان، ولا تعنينا الانتقادات الصادرة من الجماعات المنافسة، بل يعنينا التقويم العلمي المحكّم.

(١) نشأت جماعة الإخوان على يد حسن البنا رحمه الله سنة ١٩٢٨ ميلادية، وبذلك يكون مر على تأسيسها أكثر من ٨٠ عاما.

(٢) لن يكون من المبالغة، القول أن كثيرا من المفكرين، والكتاب، والعلماء الذين أثّروا في الساحة الإسلامية في النصف الثاني من القرن العشرين، كانوا إما من الإخوان أو متأثرين بهم بشكل أو بآخر.

(٣) مراجعة سريعة لتاريخ الإخوان وعلاقتهم بالأنظمة الحاكمة، تبين هذا الخضوع لرياح التغيير السياسي، والعجز عن صناعة الحدث، والرضا بالعيش تحت رحمة الواقع الأمني. فالإخوان ليس لديهم القدرة على صناعة الحدث، ولا حتى التفاعل مع الحدث كما ينبغي، بل يصابون بالصدمة والارتباك في كل مرة. 

(٤) قدم الإخوان في مراحلهم الأولى إنجازا كبيرا في مجال توعية المجتمع المصري، قفزوا فيه قفزات هائلة لم تتكرر، ويستحيل أن تتكرر مع وجود المشاكل التي جاءت في هذا المقال.

(٥) ارتباك الإخوان في الثورة المصرية (ثورة يناير)، وترددهم قبل سقوط مبارك، ثم ترددهم في طريقة استثمار الموقف، ثم عجزهم عن استخدام التفويض الشعبي لمرسي، دليل على هذا العجز والفشل الحركي الذريع. 

(٦) هذا المقال مبني على تأمل قديم لفكر جماعة الإخوان ولوائحها، ومتابعة مستمرة لنشاطها، ومعرفة عن قرب بكثير من كوادرها، واطلاع على ما كتب عنها.

(٧) ليس هذا تقليلا من شأن الجمعيات والعلماء والمناضلين والنشطاء الذين ظهروا في النصف الأول من القرن العشرين في العالم العربي، لكن لم يطرح أحد منهم بمثل الشمولية والعالمية مشروعا حركيا مثل الذي طرحه الإخوان.

(٨) التيارات السلفية والجهادية وحزب التحرير، نماذج من الحركات التي صارت تنافس الإخوان في النصف الثاني من القرن العشرين، فضلا عن النشاطات القطرية لكثير من الجماعات. 

(٩) هذه المفارقة معروفة في معظم الدول العربية التي يتواجد فيها الإخوان، وخاصة مصر، فتجد الناس يعجبون بأخلاقهم، وأمانتهم، ومرونتهم، ولباقتهم، وإتقانهم للعمل، لكن في نفس الوقت، ينظرون للجماعة كجسم مستقل عن المجتمع. 

(١٠) الأحزاب القومية والشيوعية والبعثية والعلمانية الأخرى، نموذج لهذا التوجه، فتجدها في تخطيطها السري الخاص لها أجندة تختلف عن رسالتها العامة، لأنها لا تعول أبدا على الامتداد الاجتماعي، والتأييد الشعبي. 

(١١) ولهذا السبب، لا تصل هذه الأحزاب والتيارات للسلطة إلا بانقلابات، أو بتنسيق غير مباشر مع المحتل، أو بخطف  ثورة التحرير بعد خروج المحتل، ولا يمكن أن تصل بثورة شعبية تلقائية. 

(١٢) بل إن الجماعة عجزت حتى عن توظيف كوادرها الموهوبة التي تريد أن تقدم إنتاجا أوسع من إطار الجماعة المغلق، وعجزت عن توظيف من تأثر بها من الشخصيات القادرة على الانتاج المتميز.

(١٣) بعض منظري الجماعة يتطرف في هذه النظرة، إلى درجة الاعتقاد بأن الجماعة لن تعتبر نفسها أنجزت هدفها، إلى أن تنجح في إدخال أكثر من نصف المجتمع في التنظيم.

(١٤) الأشد إيلاما، أن الإخوان لهم حضور حقيقي في المؤسسات العسكرية والأمنية، لكن هذا لم يحصل بتخطيط، بل بنتيجة طبيعية بسبب تعاطف عناصر عسكرية وأمنية معهم، فلا هم الذين خططوا لها ولا هم الذين استثمروها. كمثال على ذلك، أن الإخوان تسرب لهم خبر انقلاب الجيش فاكتفوا بإبلاغ السيسي الذي طمأنهم أن كل شي تحت السيطرة.

(١٥) راجع أدبيات الإخوان تجد معاني الشمول والعالمية مترسخة ومتكررة.




(١٦) أركان البيعة العشر، والأصول العشرين وغيرها، جمعت في رسالة التعاليم لحسن البنا رحمه الله إضغط هنا.


(١٧) ليس المقصود هنا البرنامج السياسي للتنمية الذي يعلن كخطة للدولة بعد استلام الإخوان سدة الحكم، لكن المقصود رؤية الجماعة لأهدافها، وللواقع، والآخرين، والخطوط العريضة لطريقة التغيير المنشود. 

(١٨)  من آثار غياب الاستراتيجية، فوضى الإخوان وارتباكهم في المواقف من الأنظمة السياسية، والجماعات الإسلامية الأخرى،  ومن الأحداث العالمية مثل حرب الخليج وافغانستان واحتلال العراق والمواجهات مع التيارات الجهادية. ومن الأمور المحرجة للإخوان، أن مواقف فروعهم تجاه حرب الخليج مثلا كانت متناقضة مع بعضها البعض. 

(١٩) من نماذج ذلك: الجهد الجبار الذي أنجزه "الدكتور عبدالرحمن السميط"، الذي كان محسوبا على الإخوان، لكن لم يكن ليقدم عُشر هذا الإنجاز لو بقي في إطارهم. ونموذج آخر، هو الدكتور "عبدالله النفيسي"، الذي يعترف أنه كان يشعر بالحصار الفكري حينما كان داخل الإخوان.

(٢٠) على حد علمي وعلم كثير من المطلعين، أن الإخوان لم يخطر في بالهم حتى إحصاء كوادرهم، أو من يمكن لهم التأثير عليه في الأماكن الحساسة عسكريا وأمنيا وماليا وإعلاميا وشرعيا، في كل الدول العربية وغير العربية. 

(٢١) اللائحة في هذا الرابط الموجودة الآن في موقع "إخوان ويكي" هي نفس اللائحة منذ سنة ١٩٤٨ ميلادية، والتغييرات التي حصلت بعد ذلك ليست إلا إضافات إضغط هنا.


(٢٢) الذين يطالبون بالتغيير الإداري داخل الجماعة لا أثر لصوتهم مطلقا، وأما من يرفع صوته عاليا خارج إطار الجماعة، عادة ما يكون مصيره الفصل من الجماعة أو التهديد بالفصل. 

(٢٣) إضافة لما ذكر أعلاه، فإن الإصرار على مفهوم "الأسرة" سهّل على المؤسسات المخابراتية تتبع التنظيمات الهرمية للإخوان من أسفلها إلى أعلاها.

(٢٤) تتداول بعض الأوساط حاليا، أنه رغم الضربة العنيفة التي تعرضت لها الجماعة في مصر، فإن الإخوان مصرون على اختيار بديل عن المرشد السجين بالطريقة التقليدية التي تجعل الخيارات محدودة في عدد من المحاصرين أمنيا داخل مصر.

(٢٥) يبدو أن حركة الإخوان لن تحظى بإصلاح إلا بثورة شبيهة بالثورات على الأنظمة العربية، بمعنى أن تعيد البناء من الصفر، وترفض تقديس أي شيء من اللوائح والتعليمات.



مقالة سبق نشرها في صحيفة التقرير على هذا الرابط.

الاثنين، 3 نوفمبر 2014

ميثاق شرف


هذه السطور موجهة فقط لمن يؤمن بأن الكتابة والحديث في  الشأن العام "همّ ورسالة" (١)، وليست موجهة لمن يعتبرها استرزاقا أو طلبا لشهرة، أو لأي مصلحة دنيوية أخرى. والمقام ليس مقام أستاذية أو توجيه، فالمشايخ والكتاب والمثقفون أساتذتنا، وكثير مما نكتب -بما فيه هذه السطور- هو مما تعلمناه منهم، لكنها محاولة لجمع أطراف الانضباط الرسالي في الحديث للجماهير.

وإذا كان الإنسان مؤاخذا بما يقوله بحضرة شخص واحد، فكيف بمن يتحدث للأمة ويتأثر به الآلاف والملايين؟ (٢) والجميع يعلم أن الأمانة والمسؤولية في الحديث والكتابة واجبة في كل زمان، لكنها الآن تشكل تحديا أصعب من كل الأزمنة السابقة، لأسباب كثيرة، معظمها يعود بشكل مباشر، أو غير مباشر لطول تسلط الأعداء. 

لماذا ميثاق الشرف؟

التسلط الذي طال أمده في بلاد العرب والمسلمين، أوجد مؤسسات إعلامية وفكرية فاعلة ومتفاعلة، وأدى إلى ترسيخ منظومة كاملة من المفاهيم والمشاعر المستقرة، التي تعمل ضد الوعي وبراءة الذمة. ومهما بلغ الإنسان من المعرفة، يبقى عرضة للتضليل المعلوماتي من الإعلام، وعرضة للتضليل الفكري والنفسي من مرتزقة المثقفين والكتاب. ومن السهولة أن تختلط بين يديه تصرفات الجهلة والمتهورين من المتحمسين، مع تصرفات مقصودة من المخابرات والمشبوهين. هذا إضافة إلى أنه يعيش الهاجس الأمني، والمحاسبة على ما يكتب، مثلما يعيش هاجس الذوق الشعبي، ومراعاة "ما يطلبه الجمهور". 

تراكم الخبرة الإعلامية في التضليل 

لم تكن سيطرة المتربصين على الإعلام كافية لهزيمة ثقافة الأمة وانتمائها، لولا أن تراكمت لديها خبرة هائلة في التضليل والتوجيه، ومهارة التلاعب بنفسيات الناس على مدى عقود. أنتجت هذه الخبرة فن اختلاق الأكاذيب، وتحريف الحقائق، وتزوير المعلومات، وإقناع الجماهير بصدقيتها. وأنتجت كذلك المهارة في استخدام المعلومات والأخبار -الكاذبة و الصادقة-، والشخصيات المؤثرة في توجيه الرأي العام بالطريقة التي تريد. كما استثمرت الصفة التفاعلية للإعلام الحديث لاستكمال التحكم بعقول ونفوس الناس. المخجل في الأمر، أن كثيرا من المثقفين والعلماء لم يكونوا بمنأى عن هذا التلاعب، ولم يستفيدوا من ثقافتهم وعلمهم في تحصين أنفسهم، وسلكوا مسالك تتفق مع التلاعب المطلوب.(٣)

وسائط الاتصال لم تحل المشكلة 

ومع أن وسائط الاتصال خففت من احتكار السلطات وامبراطوريات الإعلام، لكن ما لبث أصحاب النفوذ أن اكتشفوا طريقة للاستفادة من هذه الوسائط لصالحهم. ولم تعد صفحات الفيس بوك، والمنتديات، وتسجيلات اليوتيوب، و مواقع الاتصال الاجتماعي مثل : تويتر، وسيلة للإعلام الشعبي فقط، بل استخدمتها السلطات وأصحاب النفوذ بجدارة كرافد قوي للتضليل الإعلامي، بطريقة تفاعلية مؤثرة. ولأن أصحاب النفوذ لديهم القدرة على التنظيم، صار بإمكانهم أن يفتعلوا رأيا عاما غير موجود حقيقة في المجتمع، أو أن يحولوا قضية تافهة إلى قضية هائلة، أو العكس باستخدام وسائط الاتصال. وكثير من المثقفين وأهل العلم الصادقين، تنطلي عليهم حيلة الرأي العام المصطنع، و " يُبرمجوا عصبيا" دون أن يشعروا بتلك البرمجة.(٤)

منظومة كاملة للتضليل الفكري

لا يستغني أي مجتمع عن شخصيات تتحمل مسؤولية التوجيه الديني والفكري والأخلاقي والسياسي. وطول الأمد تحت السلطات المعروفة في العالم العربي، أدى تلقائيا لتوفير الفرصة لتمكين من يناسب هوى السلطات، وتوفير المنصات له، وإيصال صوته وكلمته للجماهير. ومع الوقت، لا تستمر هذه المجموعة كأفرادا مبعثرين، بل تتشكل في منظومة متكاملة من العلماء والمثقفين والمفكرين، الذين يخدمون التضليل. هذه المنظومة قادرة على إتمام مهمة الإعلام في تشكيل الرأي العام، وتهيئته لتقبل الأكاذيب، والتحريف، والتزوير، وصناعة موقف مخالف لثقافة الأمة ودينها. ضخامة هذه المنظومة، تصنع إرهابا فكريا موازيا لإرهاب السلطات، يستحضره بعض الصادقين من أهل العلم والمثقفين لا شعوريا في كتاباتهم، حتى لو زعموا الشجاعة والقوة في قول الحق.(٥)

الهاجس الأمني والمفاهيم المصطنعة

الخوف من السلطات لا يؤدي للسلبية فقط، بل يؤدي لانتشار المفاهيم المرتبطة بطول عهد القمع. هذه المفاهيم إما أن يكون لها أصل ويجري تحريفها من قبل أهل النفوذ، أو أن تكون مفاهيم مخترعة ليس لها قدسية في أصلها، لكن صاحب النفوذ ينجح في ابتداعها وتسويقها. وتراكم المفاهيم وطول أمدها يعطيها قدسية، حتى لو كان أساسها الشرعي والمنطقي والثقافي ضعيف، ويجعلها جزءا مهما من البيئة التي يجري التعامل فيها مع الأخبار والمعلومات. ومع الأسف الشديد، يتشرب بعض المخلصين هذه المفاهيم، ويتحدثون من خلال القناعة بها، ويدورون في فلكها رغم أنها دخيلة على الدين، ولم يرسخها إلا الواقع الخاطئ. (٦)

الخطوط العريضة للميثاق 

يصعب على شخص واحد في مقال عابر أن يصيغ ميثاقا كاملا، لكن يمكن من خلال جهد ذهني طرح الخطوط العريضة، في منهجية التعامل مع هذه التحديات. ومن العدل أن نقول أن كثيرا من المساهمين في الطرح الفكري، ملتزمون طبعيا بمثل هذه المنهجية، و نقوم به هنا محاولة لرصد هذا الالتزام، وتذكير البقية به لعل الله أن ينفع بها:

تدريب النفس على الإخلاص و التجرد 

ما دام هذا الحديث ليس للمرتزقة، ولا لطالبي الشهرة والمصالح الدنيوية، فالمقصود بالتجرد هنا أمور أخرى قد تخفى حتى على الحريصين. وقد لا ينتبه كثير من الكتاب والعلماء أن تأثير هذه الأمور يتجاوز تغيير الألفاظ، إلى تحوير المعاني التفصيلية، ومن ثم الكتابة أو الحديث بطريقة غير خالصة. من هذه المؤثرات، العيش بهاجس الخوف من السلطة، ومنها الغيرة من شخصيات أخرى أكثر شهرة وتأثيرا، ومنها مراعاة الذوق الاجتماعي، والمفاهيم الدارجة. ومنها كذلك المبالغة في مراعاة توجهات حزبية أو تيارات معينة  أو المبالغة بالنأي عن توجهات وتيارات أخرى، حتى لو لم يُتهم الفرد بالانتماء أو التبعية لها. والتجرد مطلب غالٍ، والاجتهاد من أجله عظيم، لأنه تحقيق للإخلاص وصفاء النية وهذا من أعلى درجات جهاد النفس. 

الانضباط المنهجي في التعامل مع الأخبار والمعلومات

يعتقد البعض أن التوجيه الرباني بالتثبت "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا… الآية" (٧) ، يقصد به التحقق من صحة الخبر فقط، لكن التوجيه أوسع من ذلك. قد يكون الخبر مختلقا، وقد يكون محرفا، أو ربما مُخرَجا من سياقه وظروفه، خاصة مع هذه الخبرة الهائلة في التلاعب بالإعلام. والخبر الصحيح يصعب إدراك حقيقته إذا أُخرج من سياقه، لأن بعض القصص لا يمكن تصورها إلا بمعرفة الظروف، والسياق بالتفصيل. والإعلام الذي يسعى للتضليل والتشويه، إعلام فعّال، ولديه خبرة، وتجربة، وقاعدة معلومات ضخمة، يستطيع استخدامها، والتلاعب بها لتحقيق ذلك. 

كما أن الأجهزة المخابراتية تنجح أحيانا بالاختراق البشري والفني، ويتحدث عملائها في وسائط الاتصال، متقمصين شخصيات المستهدفين بالتشويه، لبعثرة القضية وتغيير الصورة، ثم يقع الكتاب والمثقفون والعلماء في فخ هذا التشويه. ولا يليق بكاتب إسلامي ناضج وعاقل ومتجرد، أن يسمح لنفسه أن ينزلق في أتون التضليل الإعلامي، ويصبح أداة من حيث لا يشعر.



استحضار واقع البيئة التي تربى فيها الشباب 

يتحدث بعض الكتاب والمثقفين والعلماء عن الشباب، كما لو أنهم يعيشون في جو مثالي من العلم والتربية الآمنة، وينسون أن هؤلاء الشباب نتاج عقود من القمع والتجهيل والتضليل. وحتى بعد انطلاق الصحوة، ثم توفر وسائط الاتصال، لم تُبنَ الجسور بما يكفي بين أهل العلم والخبرة، وبين كثير من النشطاء الإسلاميين، مما قلل فرصة التصرف السليم والحكيم. ومن جهة أخرى، تعرّض الكثير لمشاكل وفتن أمنية واجتماعية، فلا يُستغرب أن يخرجوا بنزعات نفسية وفكرية وتربوية، غير مقبولة. 

واستحضار حقيقة هذه البيئة القمعية -أمنيا واجتماعيا وسياسيا- وتذكر انقطاع الصلة بين المربين المؤهلين والشباب، يعطي مجالا واسعا لتحمّل وتفهم تصرفات هؤلاء الشباب. والتفهم لا يعني إقرارها بقدر ما يعني وضعها في سياقها، ومواجهة من تسبب بهذه الظروف بأنه هو الذي يتحمل المسؤولية الأكبر في ذلك. كما يعني الإصرار على أن الحل الأمثل هو في إعادة بناء الجسور، وإزالة الجهل والقمع والتضليل. (٨)

العجز عن قول الحق لا يعني التصفيق للباطل 

وقول الحق واجب متعين فورا، وقد اتفق العلماء أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولولا ذلك لضاع الدين.(٩ )ولا يجوز أن يخلو زمان من قائل بالحق، حتى مع الخوف على النفس والمال، لأن الدين مقدم عليها جميعا، وكما قال أحمد بن حنبل "إذا سكت أنت، وسكت أنا، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟".(١٠) لكن قد يجوز تأخير قول الحق لمصلحة حقيقية، وهي أن يكون خطط للصدح به في ظرف أفضل، أو للاعتقاد بأن هناك من أبرأ الذمة، أو حتى خوفا من بطش السلطة. ومثل هذه الأسباب، تجيز فقط تأجيل قول الحق، لكن لا تجيز مطلقا قول الباطل، أو الرضا به، أو التطبيل غير المباشر له ولصاحبه.



بعض الكتاب والمثقفين وأهل العلم، يدفع بهم وهج الهيبة و الاعتبار والشهرة، أو رغبة النأي عن بعض التيارات، لمواقف لا يمكن وصفها إلا دعما للباطل، أو تأييدا له. وآخرون يخضعون للعبة شيطانية، يوسوس لهم الشيطان فيها أن مجاملة محدودة للباطل، ربما توفر مساحة كبيرة لقول الحق، في ميادين أخرى. ثم بعد أن يقعوا في الفخ، يوسع لهم الشيطان الهامش، فلا يستطيعون بعدها التفريق بين الحق والباطل. 

وجهة النظر ليست فتوى 

من الظواهر العجيبة التي تلبّس بها بعض المشايخ، اعتقاد أن كل شيء خاضع للفتوى، حتى الأمور الفنية والإدارية، والموازنات المرتبطة بالتقدير البشري لأمر معين، في ظرف معين، ومكان معين. وتجد هذا العالم يعتبر النقاش التفصيلي لوجهات النظر، سلسلة من الفتاوى والتوجيهات التي فيها الإيجاب والتحريم، ومن ثم فيها محاذير التأثيم. فتجد الممارسة، واجبة في البلد الفلاني، ولكنها محرمة في البلد الآخر، كقيادة المرأة، وتشكيل الأحزاب والنشاطات السياسية الأخرى، وغير ذلك من الممارسات. 

للعالم الحق أن يقول أن له وجهة نظر شخصية مع أو ضد تصرف معين، وينص بشكل واضح أنها وجهة نظر ورأي شخصي وليست فتوى، لكن أن يحولها لفتوى، فهو مثل الذي يلزم الطبيب أن يستفتيه في قراراته الطبية، ويلزم العسكري أن يستفتيه في قراراته العسكرية. جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترك رأيه ونزل عند رأي حباب بن المنذر في غزوة بدر، مع أنه نبي معصوم، لأن القضية عسكرية وليست شرعية(١١). بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نص على ذلك، حين طرح على الأنصار رأيه بعدم تلقيح النخل، فلم تثمر، فقال " فإني إنما ظننت ظناً، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل"، ومثله كذلك ما قال عليه الصلاة والسلام في الغيلة. (١٢)

الأولويات 

حينما تطرح قضية الأوليات، يتبادر للذهن إقناع النشطاء بالقضايا السياسية، بدلا من القضايا الاجتماعية والسلوكية والعبادية. لكن والحمدلله تجاوز معظمهم هذه المرحلة، وصار هناك إدراك ومعرفة بالأولويات، لكنهم وقعوا في مشاكل داخل الموازنة بين هذه الأوليات. ليس هناك إشكال في أن يتصدى عالم أو مثقف لقضية ما، حتى لو كانت في عين آخرين تافهة، و لكن بشرطين، الأول: أن لا يُثرّب على الآخرين، ولا يحتقر اهتماماتهم، الثاني: أن لا يجعل الدنيا تدور حول اهتمامه، وأن القيامة ستقوم بسببها. 

فقضايا الأمة التي تنامى الوعي بأهميتها وأوليتها مسائل متعددة ومتنوعة، وليست مسألة واحدة، بل في المسألة الواحدة أوليات كثيرة متفاوتة. ومع الأسف رغم وعي النشطاء، يبقى الكثير أسرى المقياس الإعلامي في تفاصيل هذه الأوليات والنظر لها. (١٣)

المثالية في التطلع والواقعية في التطبيق 

من علامات موافقة هذا الدين العظيم للطبع البشري، مثاليته في المبادئ، والعقيدة، والتطلعات، وواقعيته في التطبيق. التطلع للتوحيد بمعناه الشامل، وتحكيم الشرع، والقضاء على الفساد والظلم، والعدل والشورى، لكن في لحظات التطبيق، يراعي الدين الطبع البشري كثيرا، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. 

يدرك الكثير من العلماء هذه الحقيقة، لكنهم عند تعاملهم مع الأحداث ومواقفهم من التيارات، يخلطون كثيرا بين مثالية المبدأ وواقعية التطبيق. ولا يمكن استيعاب الشباب المتحمس أو المتهور أو المقصر أو المتكاسل، أو الذي فهم خطأ إلا باستحضار هذا التوازن. (١٤)

الأفكار والمناهج وليس الأشخاص والجماعات 

مما يقلل الأضغان والعداوات، ويهيئ السبيل لقبول النقد، استهداف الأفكار والمناهج، وتحاشي استهداف الأشخاص والجماعات. وهذا في الحقيقة هو النهج النبوي، فحين ينتقد عليه الصلاة والسلام تصرف شخص معين يقول "ما بال رجال" ، وحين يشير إلى تصرف جماعة يقول "مابال أقوام".(١٥) وحتى عند الاضطرار لتسمية شخص أو جماعة، ينبغي أن تكون التسمية في سياق الإشارة إلى التصرف، أو القول، أو المنهج الذي عليه الكلام، وليس تعميما على الشخص أو تلك الجماعة.

ولا يصلح أن تخرق هذه القاعدة إلا بثلاث شروط، الأول: أن لا يكون تصرفا أو قولا عابرا، بل منهجا كاملا لذلك الشخص أو تلك الجماعة، الثاني: أن لا يمكن منع ضرر التصرف الصادر عن الشخص أو الجماعة، إلا باستخدام لغة التشهير والذم الشخصي، الثالث: أن لا يمكن الاعتذار له بالاعتذارات الممكنة، مثل الجهل والتأويل والإكراه.

أخيرا 

هذه ليست إلا خطوطا عريضة كبادرة لعصف ذهني لفكرة هذا الميثاق، والعاقل يدرك أن الظروف الداعية لصياغة مثل هذا الميثاق، هي في ذاتها تجعل اجتماع أهل الرأي والمشورة من المفكرين صعبة، بل ربما مستحيلة. وما أدراك لعل التداول المستمر بمثل هذا التوجه والنقاش المفتوح، أكثر فعالية من ميثاق مطبوع، ربما لا يلقي له الكثير بالا.



-----------------------------------------

(١) هذه العبارة مستعارة من شعار يستخدمه الدكتور محمد الحضيف "وتبقى الكتابة هما ورسالة" وهو شعار معبر فعلا، فالكتابة الخادمة للدين والأمة، لا يمكن أن تؤدي مهمتها إلا أن تكون همّا لصاحبها، وحاملة للرسالة التي تخدم هذا الدين العظيم.

(٢) في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم "ثَكِلَتكَ أمُّكَ يا معاذُ ،وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهِم أو على مَناخرِهِم إلَّا حَصائدُ ألسنتِهِم ." هذا في الكلام العادي فكيف بمن يؤدي رسالة.

(٣) كتب نعوم تشومسكي كتابا عن سيطرة الإعلام الأمريكي على الجمهور الأمريكي، وذلك في بلد ديموقراطي فكيف بالدول الشمولية التي تملك الإعلام إضغط هنا


كما كتب الأكاديمي المختص بالإعلام كارل هوسمان كتابا آخر بعنوان "الأكاذيب التي نعيش في ظلالها" إضغط هنا.


(٤) ينقل أحدهم شفويا عن مصدر في إحدى الحكومات العربية، أن معرفات الفيسبوك و تويتر التابعة للسلطة، بعشرات الآلاف.

(٥) المنظومة الفكرية الداعمة للأنظمة الشمولية ليست محصورة على الحكومات الدينية، بل تشمل الحكومات اليسارية والعسكرية، والدول الشيوعية سابقا كان فيها جيش من المنظرين الفكريين المتفرغين لهذا الشأن.

(٦) تتضمن هذه المفاهيم خرافات أمنية وأساطير سياسية، تحدث عنها ابن خلدون في "المقدمة"، والكواكبي في "طبائع الاستبداد" . 

(٧) الحجرات (آية 6).

(٨) في القضاء الإسلامي ذاته، يتحاشى القاضي تكفير الأعيان (الحكم بالردة) بشبهة الجهل والإكراه والتأويل.

(٩) هذه مجموعة نقولات عن الإجماع على عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة إضغط هنا.


(١٠) مجموع الفتاوى (٢٣١/٢٨) ، و شرح علل الترمذي (٣٥٠/١) وأبو يعلى في طبقات الحنابلة ( ١/ ٢٨٦).

(١١) أحكام القرآن لابن العربي ج ١ صفحة ٣٩١، ونقله ابن هشام في السيرة عن ابن إسحاق. 

(١٢) الحديث في باب الفضائل في صحيح مسلم وبوب له النووي في شرحه لصحيح مسلم بقوله (باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سيبل الرأي) 3) شرح النووي على مسلم: (15/ 116). ومثله ما جاء في مسلم كذلك قوله صلى الله عليه وسلم "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئا" صحيح مسلم. 

(١٣) قال ابن القيم في إجابة عن أفضل أنواع العبادة: (أما النوع الثاني فهم أصحاب التعبد المطلق، أي الذين لا يخصصون شكلا واحدا للتقرب إلى الله في العبادة، فهم الذين يعتقدون أن أنفع العبادات وأفضلها من كانت في مرضاة الله في كل وقت، بحسب ما يقتضيه ذلك الوقت وواجبه، فأفضل العبادات في وقت دخول الصلاة، هو الاستعداد لها وضوءا وذهابا إلى المسجد وصلاة جماعية، وأفضل العبادات في وقت الجهاد هو الجهاد حتى ولو ترك القيام والصيام، والأفضل في وقت ضرورة خدمة المحتاج والضعيف، هو مساعدته وتقديم يد العون له، والأفضل في وقت العشر الأواخر من رمضان هو لزوم المسجد والاعتكاف بعيدا عن مخالطة الناس والاشتغال بهم، "وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره، بل لا يزال منتقلا في منازل العبودية. كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها، واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى. فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره. فإن رأيت العلماء رأيته معهم. وإن رأيت العباد رأيته معهم. وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم. وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم. وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم" انتهى كلام ابن القيم، وجعلنا الله مثل هؤلاء الخدام لدينهم، المجيبين فورا لما يتطلبه واجب وقتهم آمين.) مدارج السالكين (1/179-188)

(١٤) راجع مقالنا في صحيفة التقرير (تهور الشباب وحماس الدعاة.. دروس من الأنبياء والصحابة) إضغط هنا.



(١٥) ابحث إن شئت في أي كتاب جامع للحديث تجد قائمة طويلة من الأحاديث تبدأ بهذه العبارة "ما بال أقوام" أو "ما بال رجال"، منه ما روته أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، إذا بلغَه عن الرجلِ الشيءَ ، لم يقل: ما بالُ فلانٍ يقولُ , ولكن يقولُ: ما بالُ أقوامٍ يقولون كذا وكذا. رواه أبو داوود وصححه الألباني.