الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

النقد المرفوض

قصة حمزة كاشغري تعطي درساً لغيره من رافعي شعار النقد لكل شيء بدعوى الحرية الفكرية ، فهم سيقعون بين سندان المجتمع الذي لا يرحم المساس بالمقدس ومطرقة الدولة المحبه لهذا النوع من القضايا ، لخدمتها الركيزة الأساسية المعروفة ( حماية السنة ) وإحجام المهتمين عن التعرض لملفاتهم حذراً من الوصمة ، والدفاع الوحيد سيكون في سير المحاكمة والمطالبة بعرض القضايا على المحاكم العامة وعدم إخضاعها لأي نوع من المحاكم السياسية .
الشباب المتعرض للمسلمات المقدسة دينياً يرتكب المخاطرات ( اسميها مخاطرة حقيقيةً ) تضع الحراك الإجتماعي في موقف سيء عند المجتمع ، لقدرة الأجهزة الحكومية ومن خلفها الآلة الإعلامية الضخمة ( صحافة وخطباء ) على تجميع الحركيين في فريق واحد لا يقيم للمقدسات أي اعتبار .
هنا أصبح التعرض المماثل لقصة حمزة كاشغري السابقة والأخيرة إن شاء الله ، شأناً ثقافياً عاماً ، فهذا الفعل يعرض المهتمين جميعاً للحرج ، ويجعلهم عرضةً للدفاع عن أنفسهم بعدم حملهم لهذه الأفكار ، وطريقة المجتمع في النقد معروفة ، فهي تساؤلية هجومية تفترض الشيء ثم تبحث عن أدلته .
الوعي بالمجتمع جزء مهم في التعرض لقضاياه المهمه ، فقصر عمر الحراك ، ولين عوده ، وإقحام أصحاب الميول بالشهرة لهذا المجال ، يجعل المرحلة حساسة ، وبالرجوع لأي قضية عامة ، وقراءتها بموضوعية سيفيد المتابع فضلاً عن المهتم .
لسنا في شك من ديننا ولا في شك من رسولنا ، ولا نحمل تفكيراً متعارضاً مع ثقافتنا وهويتنا ، نحن نبحث عن حياة تشاركية ترفعنا لمصاف الأمم الكريمة .
هناك ملفات تستحق النقد والصبر على الأذى فيها ولن يجد مقتحمها نفرةً من الناس الأسوياء ، أما المهاجمون عادةً لكل نقد فهم غير مهمين .
ملفات المرأة والطفل ، ملف الأراضي ، ملف التقنين ، ملف المعتقلين وغيرها من ملفات تستحق الإهتمام بها .

الاثنين، 28 أكتوبر 2013

الرواية العربية القديمة

فن الرواية قديم عند العرب ولكنه لم يستمر لأسباب كثيرة لعل أبرزها أن العرب محبون للشعر والنثر أكثر من فن الرواية سابقاً ، وإن جاز إعتبار المقامات فناً روائياً ، فإن الروايات الأربع المسماة بحي بن يقظان لا تعدو أن تكون فناً روائياً حقيقاً .
الأؤلى كتبها الفيلسوف والطبيب ابن سينا أثناء سجنه .
والثانية كتبها شهاب الدين السهروردي الصوفي الشهير .
والثالثة كتبها الفيلسوف الأندلسي ابن طفيل وهي الأشهر .
والرابعة والأخيرة كتبها ابن النفيس الطبيب المعروف .
فكرة هذه الرواية عند الأربعة السالف ذكرهم فلسفية بحته ، جميعهم بناها على ما يؤمن به .
ولعل رواج رواية ابن الطفيل أنها جاءت في قالب عدم تعارض العقل مع النقل أو العقل مع الشريعة .
ويذكر لي بدر الراشد الصحفي في جريدة الحياة ، أنه قرأ نصاً يفيد برواية كتبها الجاحظ ولكنها مفقودة ، لم أستطع التأكد من المعلومة أكثر من ذلك ..
وبالنسبة للرواية الشعبية فهي قديمه جداً ، مثل قصة أبي زيد الهلالي وعلياء وقصة الضياغم ، وقصة الأمير حسن وما إلى ذلك ، وأقدم ذكر لها في المرويات الشعبية كانت عند الأمير والشاعر رميزان بن غشام التميمي ١٠٧٩ هجري .
مع أن هناك جوانب أدبية أخرى لعل الوقت يسفعنا في إيرادها أو أن يأتي لها مجال .


كل الشكر والتقدير . 

السبت، 26 أكتوبر 2013

قيادة المرأة والقرود الخمسة

تُتداول قصة عن تجربة في علم الإدارة والاجتماع ، لا أعلم عن صحتها وحقيقة وقوعها ، ولكن نتيجتها ملفتة للانتباه ، حتى لو كانت من وحي الخيال .
تدور القصة حول مجموعة من خمسة قرود وضعت في قفص ، وفي سقف القفص وضعت سلة فواكه تحتها سلم يوصل إليها ، عند دخول القرود للقفص وبعد هدوئها ، بدأ واحد منها في محاولة للوصول للفاكهة ، فما كان من صاحب التجربة ، إلا أن رش القرود الباقية بالماء البارد ، وعندما حاول قرد آخر الوصول لسلة الفواكة ، قام صاحب التجربة مرةً أخرى برش الباقين بالماء البارد ، حتى فهمت القرود أن اقتراب أحدها من الفاكهة ، يعني عقاب الباقين بالماء البارد ، فلم تعد تقترب من سلة الفاكهة .
قام صاحب التجربة بعدها بإخراج قرد من الخمسة ، وإدخال قرد جديد بدلاً عنه ، عندما رأى السلة قفز للحصول على الغنيمة ، لاحظ صاحب التجربة أن القرود حاولت منع القرد ، ولما لم يستجب قامت بضربه وتأديبه ، استجاب القرد الجديد للوضع العام بكل احترام وتطبيق كامل ، رغم أنه لم يرَ الماء البارد أصلاً ، ولا يعلم ما السبب ، فكل ما يعلمه أن الوصول لسلة الفاكهة ، يعني عقاب جماعي من قِبل بقية القرود ، أخرج قرداً آخر وأدخل بداله قرداً جديداً ، فحاول الجديد الوصول لسلة الفاكهة ، فما كان من الباقيين الذين عاصروا الماء البارد ومعهم القرد الجديد ، إلا أن ضربوه ، والغريب أن الجديد هو أشدها تطبيقاً للنظام العقابي ، ثم قام بإخراج قرد قديم وإدخال جديد ، حتى تغيرت المجموعة بالكامل ، وصار المجموع في القفص لم يشاهد الماء البارد رغم أنه يطبق نظام العقوبات الخاص بالوصول لسلة الفواكه ، فقام بتبديل المجموعة واحداً تلو آخر ، وكل قردٍ جديد يدخل القفص ، يحاول الوصول لسلة الفاكهة تقوم باقي المجموعة بمعاقبته ، كما ينبغي .
استخلص العلماء أن البيروقراطية والروتين عندما تنشب في إدارة ما ، يتحول لنظام يصعب تجاوزه بل يستحيل ، حتى لو كانت الممارسة سخيفة أو غير مفيدة ، مثل الملف العلاق عندنا ، والمعروض .
أذكر عندما كنت أعمل في إحدى الوزارات ، أني أصوغ القرار ، ثم أطبعه ، ثم أرفعه لمديري المباشر مع التأشيرة ، ومنه لمدير الإدارة ، للوكيل المساعد ، للوكيل ، لنائب الوزير لمدير مكتب الوزير للوزير ، وكلهم يعدل ويؤشر ، ما عدا مدير مكتب الوزير الذي يعطل المعاملة في اتباع البروتكولات الوزارية ، فهو في تجربة القرود يذكرني بالقرد الجديد ، الذي لم يرَ الماء البارد وهو أشد القرود تطبيقاً للنظام العقابي .

قس على ذلك الكثير من الممارسات الاجتماعية غير المفهومة ، والتي لا يوجد نص صريح في منعها أو السماح بها ، ومع ذلك تُمارس ، والجميع يعتبرها قانوناً يجرم عرفاً كل من يتجاوزه ، بدعاوى مخالفة العادات والتقاليد ، وتعكير الجو العام وهلم جرا ، في ممارسة يستحيل إغفال الجانب السياسي ورجاله منها ، فهو الأكثر انتفاعاً من بقاء مثل هذه القواعد الجامدة ، ولا أدل على قيادة المرأة للسيارة الحدث الأبرز حالياً ، فلا يوجد قانون ينص على منعها ، ومع ذلك تعاقب كل من تقود السيارة اجتماعياً ، وقد تحاكم في المحكمة العامة بنفس التهم آنفة الذكر ، ولن تجد من يرحمها من المجتمع ، لكونها رغبت في الوصول لسلة الفاكهة .

الجمعة، 25 أكتوبر 2013

الإحتباس الحراري

ورد خبر قبل قليل في قناة BBC عن أن روسيا تعيد تشغيل خط القطارات مع كوريا الشمالية ، وتحاول الضغط على الكوريتين لربط شبكتي النقل الحديدي بينهما ، مما سيؤثر سلباً على حصة قناة  السويس في سوق نقل البضائع العالمي .
هذا الموضوع ليس جديداً ، فمنذ بدأ الحديث عن ظاهرة الاحتباس الحراري والعالم الغربي يتلمس الفوائد من ذلك ، الظاهرة باختصار عبارة عن ارتفاع في معدلات درجة حرارة الكرة الأرضية بسبب الغازات المندفعة ، وهي معروفة ، ويمكن الرجوع لها في الويكيبيديا لمعرفتها ،  أو في المراجع المختصة .
الحديث هنا عن تبعات هذا الارتفاع والمتمثلة في ذوبان الجليد في القطبين ، ومن قمم الجبال ، وارتفاع معدل مستوى البحر ، مما يهدد دول كثيرة كالمالديف مثلاً بالاختفاء للأبد ( نسبة ارتفاعها نص متر عن سطح البحر ) ومع الإشكاليات الكبيرة للنقل الملاحي العالمي عبر قناة السويس ، أحد أهم المضائق عالمياً ، بسبب القرصنة في المحيط الهندي وبحر العرب ( سأحاول أن أكتب في القريب عن ظاهرة القرصنة وأسبابها ونتائجها ) والاضطراب الملاحظ في المنطقة بسبب موجة الربيع العربي ، ورغبة أمريكا في التخلي عن المنطقة ، كبعد استراتيجي ، بسبب الاكتشافات الأخيرة للنفط والغاز والتي ستجعل الولايات المتحدة الأمريكية أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم في غضون سنوات قليلة ، وعلى أقل تقدير ستصل إلى الاكتفاء الذاتي .
حجم التجارة العالمي بين دول الشرق الأقصى والغرب هو الأعلى على مستوى العالم ، ولمعرفة مستوى منطقة الشرق الأوسط من التجارة العالمية ، يكفي أن تعلم أنها في المرتبة التاسعة من حيث حجم التبادل التجاري مع الصين مثلاً .
كل ما سبق يضع علامة استفاهم كبيرة حول مستقبل المنطقة ، فالمنطقة أهميتها كانت تجارية استرتيجية ، وبدأت تفقد بريقها ، وستكون في المدى المتوسط منطقة شبه منسيه عالمياً ، لا يعيرها العالم أي اهتمام ، ولولا وجود إسرائيل لكانت منسية الآن ، ولا أحد يهتم لمشاكلها .
عند الرجوع للتاريخ ، نجد أن بعض المواقف العظيمة في وقتها ، سجلت نكسات للمنطقة تعاني منها إلى الآن ، فمثلاً عطل السلطان سليمان القانوني طريق الحرير بدعوى التفرد والسلطة على العالم ، فبحث العالم عن طرق أخرى زاد هذا البحث رغبة الإسبان والبرتغاليين في الإستعمار والبحث عن الذهب ، فإكتشفوا رأس الرجاء الصالح بمساعدة البحار العربي بن ماجد .

روسيا الآن تعيد تأهيل طريق الحرير القديم ، للنقل التجاري بين شرق آسيا وأوروبا عبر أراضيها ، مستفيدةً من ضياع البوصلة الاسترتيجية للدول الإسلامية والعربية ، ومن ظروف الاحتباس الحراري التي ستجعل من الشتاء الروسي أقل حدةً ، وسنرى إن جرى الماء في مضيق برينغ طوال العام كيف ستنهار خطوط الملاحة الحالية .

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

المستفيد الوحيد

الحديث الدارج هذه الأيام بين أطياف المجتمع ، هو موضوع قيادة المرأة للسيارة وحملة ٢٦ أكتوبر ، وما سبقها من تفاصيل مهة جداً ، بعضها علاقته ملاحظة ، وبعضها قد لا ينتبه له .
في أحد المقالات السابقة تحدثت عن الثالوث المقدس ، وأوضحت فهمي لحقيقة الركائز الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي في المملكة العربية السعودية ، وهي باختصار كرسي الحكم والعقد الداخلي والعقد الخارجي ، وأنصح بقراءة المقال المذكور لتتضح الصورة بشكل أكبر .
قبل أن أفصل المواقف والنتائج ، أحب أن أوضح موقفي من قيادة المرأة للسيارة ، هي عندي ليست حراما ولا فرضاً ، وليست قرار سياسي أو شرعي هي حق اجتماعي ( عرف ) ، المخول الوحيد في منحها هو المجتمع بتقبل الفكرة من عدم التقبل ، لن أستفتي عالماً ، ولن أقبل قرار سياسي في مثل هذه الأعراف الاجتماعية ، ويكفينا من إدخال الفتوى في الأعراف باب الحرز والديات وما داخله من إشكاليات كبيرة .
المعارضين لقيادة المرأة للسيارة ، وسائلهم معروفة و متبعة من لدن قيام الدولة الحديثة إلى تاريخه ، إجتماع لكبار المشائخ والمحتسبين وطلبة العلم ، ثم التوجه لولي الأمر ( الملك أو نائبه ) للاعتراض على المشهد ، بالأسلوب القديم ، في رسالة مفادها أننا نحن الطرف الثاني في العقد الداخلي ( عقد الدعوة الوهابية ) وحضورنا لولي الأمر اعتراف كامل بالركيزة الأهم ( كرسي الحكم ) .
المطالبين لقيادة المرأة للسيارة لا يفضلون هذا الأسلوب ، ليس كرهاً فيه ، بل لعدة أسباب مهمة ، أن الحاكم إلى فترة قريبة كان لا يدخلهم في مجالسه الرسمية ، وكلنا يذكر كيف ضاق الشارع من تعيين الأستاذ تركي الحمد في منصب مستشار ولي العهد ، وما زال هذا التصرف ماثلاً للعيان وإن كان بدرجة أخف ، ولأجل ذلك منح المطالبين وسائل للتعبير وإيصال الفكرة منها الصحف والقنوات الفضائية ، التي لا يتمتع بها المخالفون .
المستفيد الأكبر من هذا الموضوع برمته هو النظام السياسي في البلد ، فإن صدر القرار بمنع المرأة من قيادة المرأة للسيارة ، فهذا يعني أن العقد الداخلي معمول به ، وأن الطرف الثاني فيه مازال ذا إعتبار عند الحاكم .
وأن صدر القرار بقيادة المرأة للسيارة فهو المستفيد أيضاً ، خصوصاً أن السياسة الخارجية والضغوطات التي تعاني منها المملكة في ملف حقوق الإنسان والمرأة والطفل ، والانتقادات التي واجتها من منظمة العفو الدولية حول هذه الملفات والإنتهاكات الصريحة فيها ، ستجعل مثل هذا القرار إضافة جديدة في سجل تلميع صورة المملكة في ملفات حساسة خارجية .

أحب التذكير فقط بأن المعترضين كالمطالبين ، لن يتم اتخاذ أي إجراء سواءً منع القرار أو سمح ، بل سيعودون لمعركتهم من جديد في ملفات أخرى ، وللتذكير ! استحضر دمج تعليم البنات بالبنين لتعلم ما أقول ...

الأحد، 20 أكتوبر 2013

قيادة المرأة

قيادة المرأة للسيارة ستفتح مجالاً جديداً على المجتمع ( تبادل الأدوار ) وظني بأن الرجل السعودي على إهماله وتسيبه في الاستراحات والمقاهي ، سيكون على المدى القريب والمتوسط مجرد تيس للتلقيح فقط .

قيادة المرأة ليست حراماً كما أنها ليست فرضا ، وليست ضرورةً ولا ترفاً ، هي شأن من قبيل العادات الإجتماعية أو لنقل الممارسات العادية ، وهي نقطة غير منضبطة تطرح بلا وعي في ظل غياب حقيقي لمؤسسات المجتمع المدني وعدم وجود منظومة  لقوانين الأسرة ، فضلاً عن تهالك القضاء إن لم يكن وفاته السريرية ، المشهد الإجتماعي المعقد ، سيزداد تعقيداً ، بإضافة بند تبادل الأدوار .

المرأة غير جاهزه والمجتمع غير صالح والرجل بطبعه اتكالي على المرأة ، في ثقافة ترى أن مسؤوليات البيت كلها على عاتق المرأة ، من تربية الأولاد ، والإهتمام بهم من الألف إلى الياء ،  وإدارة المنزل ورعاية الزوج ، هذا على إعتبار أن الكثير من الأسر تعجز عن إضافة خانة جديدة في فواتير المصاريف للخادمة المنزلية .
والمناصرون لقيادة المرأة للسيارة أقسام منهم :
١) من مل من طرح هذا الملف ، ويريد الإنتهاء منه ، فعمره طويل جداً ( من أزمة الخليج الثانية ، حين قامت مظاهرة النساء الشهيرة ) .
٢) من يرى أن هذا المشروع سيحلحل القبضة السياسية على البلد ، عبر سن قانون جاء بضغط شعبي ، في محاولة حقيقية لمأسسة المجتمع .
٣) من يرى أن هذا المشروع نصر مؤزر على قوى الرجعية والتخلف ( بناءً على رأيهم أن من يقف بوجه التحديث والتطوير هم المحافظون ) .
القسم الأول والثاني يجب عليهم التفكير بجدية ، وبنظرة استراتيجية للقضايا وحلولها ، وقياس النتائج بإفتراضية مقبولة تسمح بترتيب الأولويات عبر وسائل الضغط المتاحة وعدم التصادم مع المخالفين للقيادة وهم السواد الأعظم إن صحت تقديراتي .
نحتاج لإنفتاح حقيقي على الفريق الأخر ، والجلوس بهدوء معهم ، وإيضاح أن النقاط المتفق عليها أكثر من المختلف فيها ، وأن الرؤيا بعمومها متوافقة بين الطرفين ، ولا تحتاج إلا لتسوية أزمة المصطلحات ، وترتيب الأولويات فقط .
أما القسم الثالث فيحتاج لجلوس مع نفسه ، وعدم إحتساب الموقف السياسي على سواد المعارضين لموقفه من القضايا الشائكة ، فهم مثله تماماً مجرد فريق في لعبةٍ ، لا يمتلكون توقيتها ومكان إقامتها ، فضلاً عن معرفة نتيجتها .
النظام عندنا شمولي بإمتياز ولا يحتاج لإيضاحات ، كما لا يحتاج لمزايدات مثالية لا تمت للواقع بصلة ، نحتاج في بناء مجتمع مسئول يقوده الواعون بحقائق الأمور وملابساتها .

الاثنين، 14 أكتوبر 2013

العرق والبلوت ( ثنائية أرامكو )

تأثير شركة أرامكو على الشأن الداخلي يتجاوز العمل في مجال إستخراج النفط ، ودعم الإقتصاد بالمصدر الأساسي للناتج القومي للمملكة ، في هذه المقالة سأحاول التلميح لبعض التغييرات التي جاءت بها الشركة للبلد .
على نطاق العمل السياسي قام موظفوا الشركة بإضرابات وإحتجاجات في عام ١٩٥٣م و ١٩٥٦م و ١٩٧٠م و١٩٧٩م ، تعتبر الأقوى على طول تاريخ الدولة الحديثة والتي جوبهت بفصل طبقي ، لموظفي الشركة عبر ، تحسين الوضع الإقتصادي للموظفين ، وتمييز الموظفين بمميزات لا توجد عند غيرهم ، كونهم يمثلون الطبقة المثقفة في البلد في تلك الفترة ، ولحملهم شعارات لا يحبذ أي سياسي في بلد متخلف سياسياً أن ترفع في وجهه .
وفي الحديث عن ثقافة موظفي أرامكو ومدى خوف السياسي من هذا القطاع المهم جداً ، ليس لطبيعة موظفيه ، بل لطبيعة تأثيره ( مصدر الدخل الأساسي ) الجميع يتذكر قبل عقد من الزمن تقديباً ، عندما إنتشر إستخدام البالتوك بين أوساط السعوديين كوسيلة تواصل ، كيف كانت مشاركات موظفي الشركة في غرف المعارضة السياسية ، كغرفة الإصلاح وغرفة التجديد ، مميزة عن الكثير من المشاركات ، وتدل على وعي حقيقي عند موظفي الشركة الذين يفترض السياسي أن أفواههم خرست للأبد ، فقامت ( الشركة ) بتصرفٍ الجميع يتذكره ، بمنع البالتوك في شبكتها ( الشركة تقدم خدمة الإنترنت لموظفيها مجاناً ) ولا أبالغ أن البالتوك خبى نوره بعد هذا المنع ، فلم يعد برنامجاً يستحق المتابعة للمهتمين بالشأن الداخلي عموماً ، وأصبح مجرد وسيلة تواصل للمواضيع المألوفة ( كالنقاش البيزنطي بين السنة والشيعة ) .
على صعيد العلاقات الإجتماعية ونوعيتها ، قدمت الشركة عبر موظفيها الأجانب وسيلتين للترفيه ، ما لبثت أن إنتشرت بين المواطنين في عموم البلاد ، الأولى لعبة البلوت الشهيرة والتي يندر أن تجد مجلساً في السبعينات أو الثمانينات أو التسعينات لا تلعب فيه ، مكونةً نموذجاً للجلسات الشبابية أو الديوانيات يتكرر في كل بلدة أو مدينة ، مرسخةً إمتزاجاً في الترفيه بين الجميع .
الوسيلة الأخرى وقد تستغرب كثيراً ، هي ما يسمى بالعرق ( الخمر الوطني ) فبعد حادثة مقتل القنصل البريطاني تم حظر إستيراد الخمور وبيعها لغير المسلمين عام ١٩٥٢م ، مما حدا موظفي الشركة الأجانب إلى إبتكار هذه الطريقة ، ولا يوجد مصدر حقيقي يؤكد هذه المعلومة ، بل إن أول إشارة لهذا المشروب وردت في رواية الأستاذ تركي الحمد ( أطياف الأزقة المظلمة ) والذي أظهرت أنه كان معروفاً في الستينات الميلادية ، وبالنظر لطريقة تحضيره المتشابهة ، والمعتمدة على أسلوب واحد يتمثل في تقطير الفواكه ، يوحي بأن مصدر طريقة التصنيع واحد ، كما أن إنتشاره في جميع مناطق المملكة يضع علامة إستفهام حقيقية على أرامكو كونها المكان الوحيد في تلك الفترة الذي يجتمع فيه جميع أبناء الوطن ، فتجد الجنوبي والشمالي والنجدي والحجازي ومن كل مكان تقريباً .

هل تستمر أرامكوا ذات تأثير سياسي وإجتماعي على الداخل أم أن التاريخ تجاوزها فأصبحت إحدى مراحله المهمه والمؤثرة ، الأيام كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال .

السبت، 12 أكتوبر 2013

تاريخ الحراك السياسي

الحراك السياسي الإجتماعي في المملكة العربية السعودية ليس وليد هذه الأيام بل هو قديم قدم تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله ، ولعل أبرز أزمة داخلية واجهت المؤسس هي المعارضة المسلحة من قبل جماعة الإخوان التي إنتهت للأبد في معركة السبلة الشهيرة .
إلى هذا الحدث ، يتم الحديث عن الإشكاليات الداخلية في تسويق غريب للإتجاه الواحد في البلد رغم التاريخ والجغرافيا ، مع إغفال جميع أنواع الحراك المسلح والسلمي ، في هذه الأسطر سأذكر بعض المواقف التي تستحق أن يطلق عليها إسم حراك سياسي معارض .
أول حراك سلمي تمثل في إضراب لسكان المنطقة الشرقية عام ١٩٥٣م وهو حراك خاص بالطائفة الشيعية ، مع إضراب ١٩٥٦م و١٩٧٠م و ١٩٧٩م ، كانت إضرابات وإضطرابات سلمية نوعاً ما ، أستغلت الإضرابات من المعارضين السياسيين ( إن جازت التسمية ) للمطالبة بإصلاحات سياسية محددة ، جاعلين من العدل الإجتماعي مدخلاً للتغيير ، فالمعاملة السيئة التي كانت تقوم بها أرامكو ضد موظفيها السعوديين ، مجحفة بكل المقاييس ، وعماد تلك المعارضات هم عمال أرامكو النخبة الفكرية في ذلك الزمن .
أفرزت هذه الإضرابات تشديداً ومعاملة قاسية من قبل الحكومة ضد الشيعة تمثلت في إنتهاك حقيقي لحقوقهم الدينية ، والتعامل معهم على أساس أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ، مع إبعاد موظفي أرامكو عن المواطنين بالطرق الملاحظه الآن للجميع .
مع دخول العراق لدولة الكويت ، برزت إشكالية كبيرة جداً في الموقف الداخلي ، حيث ظهر للعلن ، إنفصال الموقف السياسي الخارجي عن الرأي العام ، تمثل ذلك في ظهور معارضين ينتهجون عملاً مؤسساً على مطالب مشروعة ، ومقبولة للجميع ، لم يتم التعارض مع أي مسلمة للمجتمع السعودي المحافظ والمرتاب من التغيير .
برزت مذكرة المصالح وخطاب المطالب المقدمة للملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله كأبرز معارضة دينية حقيقية تلك الأيام ، إرتكزت على أساسيات مهمه جداً ، منها أن مقدميها كانوا رجال دين وخطباء وقضاة ، ونوعية تعتبر متدينة بمقاييس الشعب السعودي نفسه ، وكانت بكل المقاييس مطالب مقبولة للجميع ومحبذه ، جوبهت بحملة غير مسبوقة وتجييش الرأي العام ضدها .
لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية والتي تأسست في ٣/مايو/١٩٩٣ هي الأعلى سقفاً من بين حركات المعارضة السياسية ( إن جازت التسمية ) كونها جاءت على شكل مؤسسة منظمة ، وهذا لم يعجب الرأي الرسمي للحكومة فجوبهت كأي معارضة بحملة شرسة تبناها العلماء كواجهة ، وتم إعتقال جميع الأصوات المعارضة تلك الفترة من داخل اللجنة ومن خارجها في محاولة حثيثة لقتل الفكرة في مهدها .
العلامة الفارقة في الحراك السياسي والإجتماعي والحقوقي عندنا من بعد أزمة الخليج هو الدكتور عبدالله الحامد ، الذي لم يفتأ ، يعلن ويصرح بوجوب الإصلاح الحقيقي في البلد متحملاً في ذلك كل ما يمكن أن تجود به عقلية السياسي من عقوبات ، متعاطياً مع الجميع بلا تفريق على أساس إنتماء أو تفكير إن كانت المحصلة في الأخير البحث عن إصلاح حقيقي توافقي بين مكونات المجتمع .

نشكر الشرفاء على صبرهم .

الخميس، 10 أكتوبر 2013

مصير مشترك يفرض حلاً مشتركاً

الشعور التشاركي العربي عميق الجذور ، الذي أنتج فكرتي الوحدة العربية والقومية العربية فاقدتي المصداقية ، فالأولى ؛ فشلت في استرداد فلسطين ، والثانية ؛ أنجبت أشد الدكتاتوريات في المنطقة ( البعثيين ، كحافط الأسد ، و صدام حسين ) و الكثير من الأمور المشتركة في الأقطار العربية ، من قبيل سلب الإرادة الشعبية ، و تسلط الاستبداد بطرق و أشكال مختلفة ، و غياب المسئولية ، و المساءلة ، و الشفافية ، و نهب الثروات .
في الأزمات يظهر مثل هذا الشعور واضحاً و جلياً ، بعيداً عن تنظير المستبدين ، و المستفيد الأول من حالة الشرذمة و التفكك في الاستفراد ، بجزء صغير من الوطن الكبير الممتد عبر الجغرافيا والتاريخ ، في ١٩٤٨ ظهر الشعور وفي ٦٧ وفي ٧٣ وفي غيرها كثير ، بل ظهر الشعور في قضايا لا تخص العرب لوحدهم كقضايا الرسوم ، مثلاً والي استنكرت في الأقطار الإسلامية عموماً .
ونحن الآن نمر بأزمة مشتركة يظهر هذا الشعور فيها جلياً و واضحاً ، ففي عصر ما يسمى بالربيع العربي ، رفعت الشعارات المشتركة ، والحراك كان مستنسخاً بنفس الوتيرة في كل قطر تقريباً ، البداية سلمية دائماً ، إلا في حالة ليبيا والتي فرضت نوعاً مختلفاً من الثورة من بدايتها نظراً لهمجية الجهاز الاستبدادي وغباءه المفرط .
محاولات إجهاض الثورات في جميع البلدان التي قامت فيها ، كمصر واليمن وسورياً حالياً ، على يد أنظمة تعتبر لفترة قريبة جداً ، عدوةً لأنظمة تلك البلدان التي قامت فيها الثورات ، مما يرسخ مفهوماً جلياً وواضحاً مفاده ، أن الأنظمة القابعة على صدور العرب كلها عدوة لهم وإن صلت وصامت .
عاش العرب لفترات في ظل استبداد منقطع النظير ، تعلق بمناظر غير مهمة للمواطن العربي البسيط ، و تكلم مع المواطن العربي البسيط بلغة غير مفهومة ، أو بالأحرى مؤذية من قبيل لغة البائد " علي زين العابدين " في تونس من ضرب أسس ومسلمات في العرف العربي والإسلامي ، وأصبحت تقليعات الحكام مثار اشمئزاز كبير عند الجميع ، جعل العقل الباطن ينظر لهؤلاء ، وإن لم يتحدث صراحةً أنهم ليسوا على نفس دينه ، بل هم أعداء للدين والرسول والعرب على حدٍ سواء .
وحين قامت الثورات ظهر المخفي سريعاً وعادت الروح الإسلامية تسري في الوطن العربي كنارٍ في هشيم ، وأصبحت مفاهيم الشهيد والجهاد تطلق على الحراك السلمي وقتلى الاحتجاجات ، وأصبح الإسلام كحل متفق عليه مع اختلاف في التصور بين الفرقاء .

كل ما حدث يجعل من تطوير نظرية الإسلام السياسي عبر العوامل المشتركة بين المستضعفين في الأرض مجالاً خصباً وحل سائغاً للخروج من المعمعه الحالية .

السبت، 5 أكتوبر 2013

تقرير حقوق الإنسان

التقرير المقدم من المملكة العربية السعودية لمجلس حقوق الإنسان في جنيف لإستعادة العضوية ، لا يمكن إلا أن يقبل ، فهو صادق وشفاف وواضح ، وجميع كلمات المديح تكال له ، لغياب الرقيب أصلاً ، وعدم وجود إستقلالية لأي شيء عندنا ، فالجميع في إتجاه واحد وعلى نسق واحد .
من سيكذب التقرير ؟؟
 لجنة حقوق الإنسان الأهلية التي لا تمتلك أي قوة حقيقة ضد الممارسات المتعارضة مع ميثاق هيئة الأمم لحقوق الإنسان ، وكل ما تستطيع التعامل معه ، تعنيف طفل أو خادمة ، مع الأيمان أن هذه القضايا مهمه وحساسه ، لكنها تقع في مرتبة متأخرة مع القضايا الأكثر تعقيداً وإنتهاكاً لحقوق الإنسان كالسجون السياسية مثلاً .
هل ستقوم مراكز البحث وقنوات التلفزيون بتكذيب الخبر ، وهي التي تعرف سطوة الحكومة السعودية وقوة تأثيرها إعلامياً ، فالأصوات الإعلامية جميعها تساند التوجه الحكومي السعودي ، وأقوى القنوات العربية بإستثناء الجزيرة لا تستطيع تحمل لفت نظر من الحكومة السعودية فضلاً عن تكذيب هذا التقرير .
أضف إلى ذلك أن الدول الغربية الكبرى مثل أمريكا وبريطانيا ، وضعت طريقاً معبداً لغياب هذه الإنتهاكات الممنهجة عن دوائر الإعلام الغربي ، فقد خففت هذه الدول نشاطها الإستخباراتي من سنوات طويلة ، حرصاً على المصالح الإقتصادية في المنطقة ، ولعلمها بأن أفضل دولة ترعى المصالح الغربية في المنطقة هي المملكة العربية السعودية ، فلا يوجد معلومة تستطيع أن تغالط هذا التقرير ، وما يمكن أن يثيره الغرب كقضايا الحجاب والزواج ، تستطيع الحكومة السعودية الرد عليه بسهولة ، عبر الإتكاء على التشريع الإسلامي .
ويضاف للنقطة السابقة أن الشعب أصلاً ينظر بإرتياب لمن يفتح قناة مباشرة مع الدول الغربية وهو لا يحمل صفة رسمية ، تجد هذه النظرة عند المهتمين في الشأن الحقوقي قبل الأخرين ، فالنظرة المرتابة موجودة ومتغلغلة في التفكير النمطي للجميع ، وهذا عامل مهم يفيد الحكومة في تصديق هذا التقرير وعدم الإعتراض عليه .
ثم لا تجد صوتاً مستقلاً في الداخل يستطيع الوصول للخارج ، فالمنع من السفر وسيلة مهمه وناجعة في الإبقاء على الأصوات المنادية بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في الداخل أو في السجون عبر التهم الجاهزة والمعلبة من قبيل الإفتيات على ولي الأمر أو مخالفة الفتوى أو تأليب الرأي العام .
المهتمون أو المثقفون مورس عليهم عمليتين مهمتين أدت لأن يكون هذا التقرير صادقاً وموضوعياً ، العملية الأولى هي إستئصال غدة الحياء ، فأصبح المثقف النابغ هو من يتكلم عن قيادة المرأة ويتشدق بذلك كأنها آس القضايا وجوهرها ، والعملية الثانية هي الإخصاء ( أعتذر عن المصطلح ولكن لم أجد أفضل منه للتوصيف ) فلا يستطيع أن يتكلم إلا بالمسموح والمقبول .

في الختام هذا تقرير لن يكذب وسيكون تقريراً موضوعياً حائزاً على أعلى درجات الشفافية والوضوح ..