الأربعاء، 25 مارس 2015

التاريخ القادم



ملامح المستقبل في الربيع العربي


نصف قرن بلا تغيير
عاش العرب منذ خروج المستعمر وحتى انطلاق الربيع العربي حالة رتيبة، بأقطار حدد المستعمر حدودها، وتحت سلطة أنظمة مستبدة، وفي تبعية للقوى العظمى، وفرضت عليهم نخب وقيادات اجتماعية سيئة (١). هذه الرتابة لم تمنع التحولات في السلطة من نظام إلى نظام، لكن بقى الوضع العام في سياق الاستبداد والقطرية، ولا يخطر في البال أن يزول الاستبداد أو تزول الحدود.

وكل محاولات الوحدة وإزالة الحدود والتخلص من سايكس بيكو كانت مصطنعة متكلفة صادرة بإرادات فوقية، ولذلك فشلت، بل كانت في بعض الأحيان هزلية مضحكة (٢). وكذلك محاولات تخفيف الاستبداد، إنما حصلت بانقلابات أو بوراثة شخص أكثر طيبا ممن قبله، مع بقاء خيوط السلطة بيد الحاكم الفرد أو العصابة الحاكمة.

عهد الشعوب
الروح التي تجتاح المنطقة الآن في الربيع العربي لها شأن آخر، فهي لم تنشأ عن رغبة حاكم في التغيير، بل انطلقت بشكل جماعي من داخل ضمائر الناس، وضَرَبت في أساس التركيبة السياسية والاجتماعية. ولهذا السبب فإن قواعد اللعبة وقوانين المعادلة تغيرت تماما عما عليه الحال منذ أكثر من ستة عقود.

هذا التغيير في القلوب والنفوس، هو خليط من وعي بالواقع، وشعور بالانتماء الإسلامي، وسعي للحرية والكرامة، وتحمل للمسؤولية بتحقيق العدل. ولا يملك أحد أن ينسب لنفسه فضل هذا التغيير، لأنه ليس نتاج عمل محدد، بل هو أثر لتراكمات اجتماعية وثقافية وسياسية وإعلامية وحركية، تفاعلت مع هذه الكتل البشرية، وهو تفاعل لا بد أن يأخذ وقته في التغيير. (٣)

وزخم التغيير الذي حصل، وضخامة الأحداث التي يصنعها وتعقيدها، سيجعل أي قوة مهما بلغت من الدعم الإقليمي والعالمي غير قادرة أن توقف هذا الزخم أو تستوعبه، حتى لو أخرته قليلا أو عطلت الجزء السياسي من مساره.  ولهذا يمكن القول بشكل قاطع، أن العهد القادم ليس عهد الحكام بل هو عهد الشعوب. ومهما بلغ الحكام من السطوة، ومها حصل من التنسيق بينهم، ومهما استغاثوا بالقوى الإقليمية والعالمية، فلن يستطيعوا إيقاف زخم هذا التغيير الجماهيري. (٤)

إعادة تأسيس المجتمع وقياداته
مُسخت المجتمعات العربية على مدى قرن من الزمن لتتقبل العبودية، وبُرمجت لتتحرك وتتصرف كما يريد المستعمر ثم كما يريد الحاكم المستبد، وعاشت بتركيبة معينة وقيادات وعادات وتقاليد ومفاهيم تصب في مصلحة الحاكم. أتت هذه الروح الجديدة لتسري في الناس، لا لتغيّر الواقع السياسي فقط، بل لإعادة المجتمع إلى تركيبته الأصلية وعلاقاته الصحيحة ورموزه المؤتمنة ومفاهيمه السليمة.

وحين انطلق الربيع العربي بدأ يفضح النخب المصطنعة والقيادات الاجتماعية التي تدور في فلك الحكام، ويرفع رموزا جديدة لم تكن عُرفت من قبل. شمل هذا التغيير كل أنواع النخب من علماء دين إلى مثقفين إلى أعيان وشيوخ قبائل إلى رجال أعمال وأكاديميين إلى غيرهم.(٥) ولذا انفضح وسقط علماء ومثقفون وأعيان كان يشار إليهم بالبنان ويتصدرون الإعلام والمجالس، وارتفعت أسماء لم تكن عُرفت من قبل.

ومن ضمن نتائج هذه الهزة الاجتماعية الكبيرة، أن دفع المجتمع دفعا للعودة للتشكيلات الأجتماعية الأساسية مثل القبيلة والعائلة الكبيرة والأحلاف والالتفاف حول الرموز الدينية والشعبية. وما حصل في العراق وسوريا وليبيا نموذج مصغر لهذه النتيجة، فقد لوحظت عودة التكتلات القبلية والعائلية والالتفاف حول الرموز الدينية والشعبية.

تغيير واقع الحركات والاحزاب
هيمن على المجتمعات خلال الفترة الرتيبة قبل الربيع العربي عدد من الجماعات والتيارات الإسلامية وغير الإسلامية، واستحوذت على النشاط الاجتماعي، وبقيت تتنافس فيما بينها ردحا من الزمن. وانحصرت كل محاولات الاستشراف السابقة لحركة المجتمعات داخل حسابات تفوّق جماعة أوتيار على جماعة أو تيار آخر. وكان واضحا أن هذا التنافس والصراع بين التيارات خاضع لنفس قواعد اللعبة السابقة تحت مظلة الحكومات والنظام الدولي القائم.

جاء الربيع العربي ليخلط الأوراق ويذيب تيارات كاملة وينشيء تيارات أخرى، ويفكك جماعات ويجمع شذرات بؤر اجتماعية في جماعة جديدة ويضعف حركات ويقوي حركات بدلا منها. ففي حين كان الإخوان والتيارات السلفية التي توالي الحكومات أو تداريها على الأقل هي الغالبة على المشهد، صارت التيارات الثورية والمسلحة هي الأكثر قبولا، بل ربما استحوذت على الكثير من قواعد الأخوان والتيارات السلفية. (٦)
إعادة ترتيب الدول
عدم الاكتراث بالحدود السياسية ليس مقتصرا على أتباع وجنود "الدولة الإسلامية"، بل إن معظم العرب والمسلمين لا يعترفون في وجدانهم الحقيقي بهذه الحدود، ولا يرى لقناعتهم بها أثر إلا في معاملاتهم الرسمية. ورغم كل ما بذل لترسيخ مفاهيم الوطنية والقطرية، فلا يزال الانتماء المرتبط بها مفتعلا شكليا جاهزا للانحسار في لحظة سقوط الدول. (٧)

وحين انطلق الربيع العربي في تونس ثم مصر وليبيا وسوريا واليمن، كانت قلوب العرب والمسلمين كلها معهم كما لو كان الحدث يجري في بلادهم. وكمثال للقبول الوجداني بذلك فإنه رغم ما على "الدولة الإسلامية" من مآخذ لم يتجرأ أحد على انتقاد تدميرهم للحدود بين سوريا والعراق. وحتى الذين تحفظوا، لم يرفضوه من حيث المبدأ، بل اعتبروا الحدث مسببا لمتاعب لا داعي لها، لأنه سيثير حفيظة الغرب الذي لا يريد وحدة المسلمين. (٨)

الخروج من سيطرة وتلاعب القوى الخارجية
تكاد معظم الحكومات في العالم العربي تقدم مصلحة السلطة الحاكمة على مصلحة الوطن والشعب، ولذلك كانت مداراة القوى العالمية والإقليمية من شروط بقائها. ولهذا السبب صارت أمريكا وأوربا متحكمة ببلداننا حتى أصبح هذا التحكم من الحتميات التي جعلت مداراة هذه القوى لا يتعارض مع نفسية الاستقلال.(٩) ولنفس السبب تمكنت إيران من السيطرة على لبنان وسوريا والعراق وأجزاء كبيرة من اليمن. (١٠)

اندلع الربيع العربي فسحب البساط من تحت أقدام السلطات، وجعل الشعوب نفسها في مواجهة القوى العالمية والإقليمية. ونظرا لأن الشعوب إذا ثارت لا تراعي الموازنات العالمية فإنها لا تقلق من غضب هذه القوى، بل ربما تجد في مواجهتها متعة، لأنها تشبع الرغبة في تأكيد الهوية والانتماء والكرامة والحرية.

ولذا فحين عجزت الحكومات أن تفعل شيئا أمام التمدد الإيراني، بل ربما ساهمت عن قصد أو غير قصد في توسعه، تصدت له الشعوب بكل جدارة. وكل ما حصل في مواجهة هذا التمدد في العراق وسوريا واليمن إنما هو نتاج مباشر أوغير مباشر لنضال الشعوب بعد انطلاقة الربيع العربي. وفي مقارنة بسيطة تقوم السلطة السورية والعراقية بتمكين إيران بينما يقف الشعبان العراقي والسوري بجدارة أمام هذا التمكين. (١١)

تقبل العنف كوسيلة للتغيير
غلب على الشعوب العربية قبل الربيع العربي، بل وحتى في بدايته، التضايق من العنف وتحاشي حمل السلاح، وذلك لأنهم تربوا لعدة أجيال على ترك مهمة العنف للسلطة. وإذا كان هذا هو تعريف الدولة كما جاء عند الفلاسفة الغربيين (١٢) فهذا التعريف يليق بالدول التي تأسست بعقد اجتماعي سليم، يعطي السلطة حق احتكار العنف حتى يطبق على من يستحقه تبعا لهذا العقد. الحال في بلداننا مختلف، فأولا لم تكن دولا طبيعية تشكلت تلقائيا نتيجة صراع اجتماعي وتاريخي بل هي نتاج "مسطرة" القوى الاستعمارية، وثانيا مارس الحكام احتكار العنف دون عقد اجتماعي ولا تفويض شعبي. (١٣)

انطلق الربيع العربي براية سلمية صادقة، فكان المتوقع -والحال هذه- أن يتعرض الثوار للقمع الشديد، أو أن ينقلب عليهم الوضع بما يسمى الثورة المضادة حتى يكون العنف ضدهم مبررا بطريقة أكثر "شرعية". ونظرا لأن الروح التي سرت في الثوار ليست مؤقتة ولا عارضة، كان لا مفر من اللجوء للسلاح، في حركة بدأت بالدفاع عن النفس وانتهت بحرب شاملة على المستبدين.

هذا اللجوء للسلاح بدأ دون تخطيط ولا قصد، ثم تطور حتى صار مشروعا قتاليا واسعا في حرب شاملة طويلة الأمد. استغرق الأمر مدة طويلة حتى ينتقل من مجرد دفاع عن النفس إلى حرب شاملة، مما أعطى فرصة لتقبل تدريجي لاستخدام السلاح بل وتأييد من يحمل السلاح وتشجيعه والالتحاق به وجمع المال من أجله. هذا التحول التدريجي غيّر أذواق معظم الناس في العالم العربي، وجعل حمل السلاح مقبولا في البلاد التي اندلع فيها القتال، وفتح له شهية في البلاد التي لم تنطلق فيها الثورات. (١٤)

تغيير المفاهيم والتطلعات والاهتمامات
الرتابة التي عاشها الناس قبل الربيع العربي جعلت الاهتمامات محصورة فيما يمكن أدائه فقط، ضمن المباحات التي يسمح بها الحكام من أكل وشرب ووظيفة ووسائل ترفيه مختلفة، سواء كانت مقبولة دينيا أو غير مقبولة. أما المفاهيم فكانت مرتبطة بما يمليه الحاكم بسلطته وإعلامه ومؤسساته الدينية والإعلامية والثقافية والتعليمية.

جاء الربيع العربي لينسف الاهتمامات والمفاهيم السابقة ويؤسس لتطلعات وآمال ومفاهيم جديدة مرتبطة باستقلالية الفكر والثقة بالنفس والرغبة بالانطلاق والحرية والاستعداد لكل أنواع التضيحة. تحول الاهتمام والقلق من الميدان الشخصي إلى ميدان الأمة كلها، وتغيرت المفاهيم من الرضا بالعبودية والذل والتبعية إلى التوق للحرية والكرامة والعدل.

لكن الأهم من ذلك هو التغير في الرؤية والهوية والانتماء والمرجعية والمسؤولية. بدأت ترتقى رؤية العربي لنفسه ولهويته من فرد في قطيع يقوده الحاكم، إلى شخص كامل الإنسانية يرى نفسه أمام بقية البشر منتميا لأمة عظيمة برسالة واحدة. وبدأ يرتقي مفهوم المرجعية من احتكام لقوانين وضعها الحاكم ليتسلط بها على الشعب إلى الوحي الذي فيه أعلى درجات الاستقلالية. وبدأ يرتقي مفهوم المسؤولية من تبعات الذات والعائلة الصغيرة إلى تحمل المسؤولية الجماعية للأمة والعالم. (١٥)

مراحل التحول
هذه الروح الجارفة التي تسري في النفوس ولا تكترث بالحدود وتنتشر العدوى فيها بسرعة هائلة، ستفرض نفسها قطعا، وتؤدي إلى سلسلة تغييرات يفترض أن تكون متلاحقة بترتيب معين. هذه التغييرات لم يعدّ لها أحد، ولم تخطط لها جماعة، بل هي حتميات تاريخية، تسير طبقا للسنن التي سنها الله في المجتمعات، ولا يستطيع أحد أن يوقفها ولا أن يغير مسارها. وفي محاولة لاستشراف التغيير يمكن تصور التسلسل بالشكل التالي:

المرحلة الأولى الثورات التي انطلقت في بعض البلدان وتحولت إلى مواجهات مسلحة، وتعرضت لتدخلات إقليمة ودولية لم تتمكن من إيقافها. خلال هذه الخطوة لن يتغير النظام العام للعالم العربي، بسبب إصرار القوى العالمية والإقليمية على بقاء الوضع القائم وحرصها على حماية مصالحها المرتبطة بوجود المستبدين. ولذلك نجحت القوى الإقليمية والعالمية في إبقاء النظام السوري، ومحاصرة التجربة التونسية، وفي ترتيب الثورة المضادة في مصر وبعثرة الوضع في اليمن وليبيا. (١٦)

المرحلة الثانية تتوسع المواجهة المسلحة بأشكال مختلفة، والتي بدأت في اليمن وليبيا وسوريا والعراق، وعلى الأرجح ستنتشر إلى بلدان عديدة ربما تشمل معظم المشرق والمغرب العربي. ويقف وراء هذا التطور عوامل ذكرناها أعلاه، الأول: تحول الذوق العربي إلى تقبل ثقافة السلاح، والثاني: توسيع مفهوم الانتماء الذي يتجاوز الحدود، والثالث: قوة عدوى الثورات التاريخية للجيران إذا كانت الثقافة متقاربة. وإذا صح هذا التوقع فإن ما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا، سيشمل أجزاء كبيرة من مصر والخليج والأردن والمغرب العربي.

المرحلة الثالثة تتحول المواجهات المحلية إلى مواجهات شاملة في كل المنطقة لا تكترث بالحدود، وتشل التدخلات الإقليمية والعالمية، وتغيّر أطراف الصراع من حكومات مقابل ثوار، إلى جماعات وتيارات مقابل جماعات وتيارات أخرى. وستكون هذه الفترة الأقوى في تنضيج النزعة العربية للحرية والكرامة، والسبب هو غياب السلطة المركزية القمعية، وشعور الفرد بحريته في اختيار انتمائه ومسؤوليته عن نفسه بعد أن كان لا يملك من أمره شيئا. وربما تسود الدموية والفوضوية هذه المرحلة، لكنها سوف تعيد تشكيل الشخصية العربية باتجاه ما كان عليه العربي من الفروسية والأنفة والمسؤولية. (١٧)

رابع المراحل تمخض هذا الصراع عن قوة إقليمية عظمى أو أكثر، بمفهوم جديد للدولة ومفاهيم جديدة لمفردات الشعب والوطن والمواطن.(١٨) ويفترض أن تتصف هذه القوة الإقليمية بشخصية عالمية قوية ومهيبة، وتنقلب فيها النزعة باتجاه التأثير بدلا من التأثر بالعالم الآخر. وسوف يصاحب صعود هذه القوة انحسار أو ربما اضمحلال قوى إقليمية مثل إيران، وزوال معظم القوى المستبدة في العالم العربي. أما القوى الغربية فسوف تتعامل معها تعامل خصومة، لكنها ستضطر للقبول بوجودها بعد أن تيأس من هزيمتها وتوقن بالحاجة للرضوخ للواقع الجديد. (١٩)

وبعد
فهذا ليس إدعاء علم الغيب ولا قراءة النجوم ولا ضرب في الرمل، بل هو استشراف تقديري، مبني على فهم السنن الالهية الكونية وحركتها في المجتمعات، وغوص في حقيقة المجتمعات الحالية ومسيرتها التاريخية. ويفترض أن تكون نسبة الصواب في التنبؤات بقدر ما في هذا الاستشراف من دقة في قراءة التاريخ والأحداث الجارية وفهم السنن الكونية. (٢٠)

-----------------------------------------------------------------

١) الوضع المذكور بدأ منذ سقوط الخلافة، ثم بعد خروج المستعمر صار امتدادا لما كان عليه عند وجود الاستعمار لكن بوجه وطني.

٢) من نماذجها الجادة (لكن غير واقعية) الوحدة بين مصر وسوريا، ومن نماذجها المضحكة الوحدة التي دعا لها القذافي.

٣) اي تغيير تاريخي لا يمكن أن يحصل في وقت قصير، بل لا بد من عقود لأجل أن يحصل، والربيع العربي نتاج ثلاثة عقود من الوعي المتراكم والتحديات والاستفزازات التي دفعت الأمة للتغيير.

٤) راجع كتاب سيكولوجية الجماهير لجوستاف لوبون.

٥) أسماء كبيرة ولامعة في مصر وسوريا وبلاد عربية أخرى انفضحت وسقطت، وأسماء جديدة ظهرت ولمعت وتحولت إلى رمز للبطولة.

٦) يتحدث القريبون من دوائر الإخوان الداخلية، أن الجماعة تمر بأزمة حركية وتنظيمية لم يسبق أن مرت بها منذ القمع الناصري. وهذه أول مرة يشعر قياداتها بخطر التفكك والذوبان. المفارقة ان السبب ليس القمع من انقلاب السيسي ودعم الخليج، بل هو إعراض الشعوب عنها بعد إدراك أنها جماعة لا تستطيع مواكبة المرحلة. وراجع مقالنا

٧) معظم برامج الوطنية في الإعلام والتعليم في الدول العربية مفتعلة مصطنعة لم تنجح في اختراق مشاعر المواطنين.

٨) تحفظهم له وجاهة، فالنظام العالمي لديه حساسية مفرطة تجاه إلغاء النظام القطري، وهو السبب الذي دعى كثيراً من الدول لتتحالف ضد صدام حين دخل الكويت.

٩) مداراة النفوذ الأمريكي والأوربي صارت مع الزمن -مع الأسف الشديد- أمرا مقبولا في الثقافة العامة الدارجة في العالم العربي، وذلك بسبب التمكن الراسخ لأمريكا والغرب في المنطقة من خلال التحكم بالحكومات المستبدة.

١٠) اعترف الكثير ممن يؤخذ بكلامهم أن الوجود الإيراني في العراق وسوريا هو احتلال وليس مجرد نفوذ.

١١) يكاد يكون المشهد سيئا جدا لدرجة أن حقيقته هي تحالف القوى الإقليمية والعالمية مع السلطات ضد الشعوب.

١٢) صاغ هذا التعريف "هيئة تحتكر الاستخدام الشرعي للقوة في منطقة جغرافية ما" الفيلسوف ماكس فيبر وأقره عليه كثير من الفلاسفة بعد ذلك.

١٣) ربما ناسب تعريف ماكس فيبر الدول الأوربية التي نشأت طبيعيا كأقطار تحت مظلة عقد اجتماعي بتفويض شعبي حقيقي للسلطة، ولذلك صار احتكار العنف من قبل الدولة مشروعا.

١٤) اشتهرت عبارة جون كندي "من يجعلون الثورة السلمية مستحيلة، يجعلون الثورة العنيفة حتمية".

١٥) تناولنا هذه النقطة باستفاضة في مقالنا الربيع العربي نهضة حضارية أو انتفاضة فاشلة ؟. ومن أفضل من تكلم عن هذه المعاني الكواكبي رحمه الله في الطبائع.

١٦) الذين زعموا أن الربيع العربي مؤامرة، تراجعوا عن كلامهم بعد أن رأوا التآمر الحقيقي ضد الربيع العربي بين الأنظمة العربية المستبدة والقوى الإقليمية والعالمية.

١٧) الناس بطبعهم لا يحبون الفوضى لكن افضل وسيلة لزيادة الشعور بالكرامة والحرية هو إضعاف السلطة المستبدة، ولقد كان أفضل الأجيال في التاريخ بكرامته وشعوره بالحرية هو جيل الصحابة الذين لم تكن تحكمهم أي حكومة مركزية.

١٨) تنبأ المؤرخ العظيم توينبي بالوحدة العربية في كتابه "الوحدة العربية آتية من النيل إلى النيجر" لأنه توقع زوال هذه الحدود المصطنعة مع عودة الهوية الإسلامية للعرب.

١٩) لن تستطيع إيران الوقوف أمام تسونامي الشعوب العربية المسلح، لكن الغرب القوي سيستمر في المواجهة إلى أن يزول حلفائه في الأنظمة المستبدة فيضطر للتفاهم مع هذه القوة الجديدة.

٢٠) راجع مقدمة بن خلدون وملاحظات توينبي في نظريته التحدي والاستجابة وحتميات هنتنجتون في الصدام الإسلامي مع الغرب.

الخميس، 12 مارس 2015

الداروينية من نظرية إلى منهج وثقافة وعقيدة



الفكرة البسيطة والمدرسة الشاملة 

يعتقد الكثير من المسلمين أن نظرية داروين ليست إلا افتراضا مثيرا للجدل، ولا يتعدى ميدان نقاشه أروقة المختصين في علوم الأحياء. وهذا الافتراض ناشئ من كثرة ما يسمعون من الكتاب المسلمين عن خطأ النظرية وما يقرأون من نقولات عن علماء الأحياء المعارضين لها. 

لكن الحقيقة أن النظرية -رغم أنها لم تثبت ولا يمكن إثباتها- صارت منطلقا لعلم الأحياء الحديث، وتحولت إلى المدرسة الرئيسية في تناول أصل الكائنات الحية وتنوعها ووجودها. وتغلغل مفهوم التطور في ثقافة علم الأحياء، ولم يعد مطروحا للنقاش بشكل مستقل، بل فرض نفسه ليكون منهجا يبنى على أساسه كل النتائج الثانوية في فهم علم الأحياء.(١)


هل نظرية داروين علم أم عقيدة؟

جاءت نظرية داروين في خضم القفزات العلمية في القرن التاسع عشر، فكانت من ضمن سياق تغليب "العلم" المنطقي التجريبي القابل للإثبات على الاعتقادات الدينية. لكن المفارقة انها تحولت بذاتها إلى عقيدة مسلمة تستغني عن التجربة والإثبات، ويتحاشى علماء الأحياء المؤمنون بها تداول الأسئلة التلقائية التي تدحضها تماما، مثلما يتحاشى الهندوسي نقاش خرافات الهندوسية. أما إذا تورط الدارويني ودخل في نقاش حول الأسئلة الحساسة فيها فإنه يناقشها على طريقة النصارى في إثبات عقيدة التثليث.

وسبب هذا التحول في نظرية داروين من فكرة لم تثبت إلى مدرسة ومنهج، أن داروين ظهر مع صعود العلمانية التي كانت تبحث عن أي مخرج لتفسير الحياة بديلا عن الدين. (٢) وجاءت فكرة داروين بكل جاذبيتها ليتلقفها العلمانيون باحتفاء واحتفال، وتنتشر كما لو كانت اختراعا يشفي كل الأمراض ويزيل كل المشاكل. ولذلك، فرغم تشدد العلماء في منهجية العلم الحديث، بعدم ترك فراغات في أي افتراض علمي دون تشكيك فيه، فإنهم تقبلوا نظرية داروين بعُجرها وبُجرها التي لا يمكن ترقيعها. 

وفي مقارنة بسيطة مع نظريات الفيزياء يقبل العلماء التشكيك في أي ثغرة في هذه النظريات مثل نشأة الكون والأجرام السماوية والقوى الطبيعية المعروفة، بل ويسقطون النظرية التي تعجز عن معالجة هذه الثغرات كما انهارت نظرية الكون الثابت(٣). وذلك لأنهم يعتبرون أن القوانين الفيزيائية الطبيعية لا تحتاج لخالق فلا يجدوا ثمة حاجة في تحويل النظريات الخاطئة إلى أيديولوجيا. أما في حالة الداروينية فإشكالية الخلق لا تسمح بوجود بديل مواز لقوانين الفيزياء القابلة للإثبات التجريبي إلا فكرة غير خاضعة للإثبات مثل فكرة التطور، ولهذا أخذت كما هي وكأنها مسلّمة. 

من هنا تحولت نظرية داروين إلى اعتقاد "ديني" بدلا من أن تكون علما خاضعا لقواعد العلم الحديث بالتجربة والبرهان وإغلاق ثغرات التناقض والغموض. وعوضا أن تكون حلا للمعضلة الدينية عند العلمانيين تحولت بذاتها إلى دين يؤمن به العلمانيون هكذا مسلّما دون نقاش. وغلاة الداروينيين من الملحدين حين يناقشون النظرية أمام معارضيها يستخدمون أسلوبا شبيها بإثبات المؤامرات الذي يتحدث عن المبررات ويتفادى الآليات، لأن هذا هو الأسلوب الوحيد للانتصار لنظريتهم.


الانتخاب الطبيعي والتطور 

يخلط كثير ممن يقرأ عن نظرية داروين بين مسألتين وردتا في النظرية: الأولى هي الانتخاب الطبيعي والثانية هي التطور. ومع أن داروين ربط بينهما لكن الحقيقة أنهما مفهومان مختلفان يمكن التعامل معهما باستقلال كامل. وهذا الخلط مربك لاختلاف المفهومين ليس في المعنى فحسب بل حتى في الموقف العقدي والمنطقي.

يقصد بالانتخاب الطبيعي بقاء وتكاثر الكائنات القادرة على العيش في ظروف معينة، وانقراض الكائنات غير القادرة على تحمل تلك الظروف أو اختفائها من ذلك المكان وتلك الظروف، حتى لو استمرت تتكاثر في مكان وظرف آخر. والانتخاب الطبيعي لم يعترض عليه أحد من العلماء، بل هو حقيقة معروفة وملاحظة على مر التاريخ ولا تحتاج لداروين. والانتخاب الطبيعي ملاحظ كذلك حتى داخل كل نوع من الأنواع، فالحيوانات التي تتحمل ظروف الجفاف والقحط تعيش في الصحراء ويختفي غيرها من الصحراء وكذا الحيوانات التي تتحمل العيش في الجليد والبرد. 

أما التطور فيقصد به عملية تحول حقيقي في الكائنات، من نوع إلى نوع ثم من جنس إلى جنس ثم من فصيلة إلى فصيلة، وهكذا إلى أن تصل إلى أعلى مستويات الحياة، إما استجابة للظروف أو بذاتها. هذا التحول -كما يزعم الداروينيون- هو استجابة للظروف وتكامل في الحياة بدلا من الانقراض أو الاختفاء. 

ولم يكن داروين حريصا على الانتخاب الطبيعي بذاته بل كان يريده جسرا للتطور، لأن عماد النظرية هو بقاء وتكاثر الحيوانات التي تستطيع أن تتفاعل تلقائيا مع التغييرات بتغيير في تركيبتها وفسيولوجيتها. وهذا الارتباط "الذرائعي" بين الانتخاب الطبيعي والتطور هو الذي شوه معنى الانتخاب الطبيعي وأشكل على البعض فاعتبره مرفوضا بسبب ربطه بالتطور. 


لا تزال في المرحلة الثانية من الطريقة العلمية

لا يمكن أن تضاف معلومة لقائمة المعارف البشرية طبقا للطريقة العلمية الحديثة (Scientific Method)، إلا أن تمر بالمراحل الأربعة المعروفة:١) ملاحظة ٢) نظرية ٣) تجربة ٤) إثبات. ونظرية داروين لا يمكن أن تخضع للتجربة لأن تفاصيل النظرية ذاتها تجعل التجربة مستحيلة ولذلك بقيت، وستبقى، عند الخطوة الثانية.

ومع ذلك يجري التعامل مع نظرية داروين أكثر من كونها مثبتة إلى اعتبارها منهجا شاملا لتفسير تنوع الكائنات الحية بما لا مجال للشك فيه. وخصوم نظرية داروين من علماء الأحياء المشهورين عالميا تمكنوا من دحضها بسهولة في حدود مفهوم النظرية، لكن لم يستطيعوا تعطيل مرجعيتها الشاملة للنظرية في علم الإحياء. والسبب هو كونها ركنا أساسيا من أركان العلمانية الحديثة، لأنها وفرت مخرجا "عبقريا" للهروب من التفسير الديني للحياة. (٤)


الداروينية الخام والداروينية التفصيلية

وضع داروين نظريته قبل ١٦٥ عاما بشكل بسيط على أساس خيالي مبني على فرضية الانتقال من نوع إلى نوع دون تحديد الآلية ولا رسم خريطة كاملة لمسيرة التطور بين للكائنات الحية ولا إشارة إلى بداية خلق الكائنات الحية. وسبب اقتصاره على الفرضية العامة دون الباقي هو أن داروين ظهر قبل التطور الحديث في علم الأحياء والكائنات الدقيقة والكيمياء الحيوية وعلم الجينات وقبل اكتمال تتبع وتصنيف معظم الكائنات الحية. ولهذه الأسباب لم يستطع داروين أن يتحدث عن البداية الأولى لخلق الكائنات الحية ولم يستطع أن يصف آلية التطور تحديدا إلا بعموميات لا تسمن ولا تغني من جوع. 

بعد داروين حصلت ثلاث تطورات كان المتحمسمون للنظرية بحاجة ماسة لها من أجل استكمال تشكيلها في تفصيل مقبول. التطور الأول: هو معرفة تركيب المواد الكيميائية الخاصة بالكائنات الحية وهو ما أطلق عليه علم الكيمياء الحيوية، والثاني هو تصنيف معظم الكائنات الحية من نباتات وحيوانات وكائنات أخرى، والثالث هو ظهور علم عظيم يعتبر أهم قفزة في دراسة الأحياء (علم الجينات). بعد تراكم هذه العلوم حاول المتحمسون للداروينية تطويعها لخدمة النظرية على الشكل التالي:

أولا استفادوا من علم الكيمياء الحيوية فزعموا حصول تفاعلات كيميائية أدت إلى ظهور الكائنات البدائية جدا. وبدأت التجارب منذ بداية الخمسينات بتخليق خلية من مواد شبه عضوية وظروف مماثلة لبداية الخليقة ولم يقتربوا مجرد اقتراب حتى الآن فضلا عن أن يصنعوا خلية. واقصى ما توصلوا له هو تكوين بعض المركبات الكيميائية بإضافة النيتروجين للكربون والماء، وهي لا تعني شيئا في مسيرة خلق الكائنات الحية. (٥)

ثانيا: استفادوا من تكامل التصنيف الأحيائي في جمع أسماء وأوصاف معظم الكائنات الحية، للمحاولة في وضعها في شجرة تبين تفرع الكائنات الحية من البداية إلى النهاية في سلسلة خاضعة لمفهوم التطور تبدأ بأحادية الخلية وتنتهي بالإنسان. المشكلة في هذه الشجرة أنها مبنية على التشابه التشريحي والوظيفي وليست مبنية على أي دليل وراثي أو ارتباط جيني محدد وبهذا فرسمها على شكل شجرة وراثية ليس إلا استكمالا لخيال داروين الواسع. 

ثالثا: زعموا أن علم الجينات يوضح آلية الانتقال بما يسمى الطفرات الوراثية التي تغير التركيب والوظيفة من خلال إعادة برمجة الجينات. وفي الحقيقة لم يضيفوا شيئا سوى أن مزاعم داروين الخيالية في انتقال الحيوانات من نوع إلى نوع جعلوها بلغة الجينات دون أن يفترضوا أي آلية. بل إن علم الجينات كشف بشكل واضح استحالة النظرية حين تبين تعقيد برمجة الكائنات الحية بسلسلة الحمض النووي الذي يحتوي شفرات بالمليارات.


ثغرات الداروينية

لولا احتفاء العلمانية بنظرية داروين لم يكن لها أي قيمة علمية، لأنها لا تعدو أن تكون وصفا لملاحظة لم يتم بيان آلياتها ولن يتم. وبهذا الاعتبار يفترض أن لا حاجة لتفنيد نظرية داروين لأنه سيكون مثل تفنيد شبهة خرافية والخرافة لا تحتاج إلى تفنيد. لكن هذا الانتشار للنظرية والاحتفاء بها يجعل التفنيد ضرورة حتى لوكانت النظرية في أصلها فكرة خرافية. 

تتحول الحيوانات -طبقا لداروين- من نوع إلى نوع استجابة للظروف فتتغير الأصداف في السمك إلى ريش في الطيور وشعر في الثدييات الخ. السؤال المهم هو كيف يحصل هذا التحول؟ وماذا يحصل بالضبط على مستوى كل خلايا هذا الكائن؟ هم يزعمون أن التحول يحصل بمبدأ تكرار الاحتمالات وفشل كل المحاولات الخطأ إلى أن يتخلق كائن جديد بمواصفات جديدة كلها صواب ليس فيها خطأ. 


الثغرة الأولى: كم وقت يحتاجه التطور؟

يعتبر الداروينيون نظام الاحتمالات وهو كيفية حساب عدد المحاولات الخاطئة التي يجب أن تتم قبل أن ينتج المحاولة الصحيحة بديلا عن الخلق المتقن. وبناء على هذا الحساب فإن عدد المحاولات التي يجب أن تحصل حتى ينتج كائن سليم هو واحد أمامه أكثر من مئة صفر (ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون تريليون). 

وبما أن كل محاولة تحتاج إلى جيل من أجيال الحيوان (عادة سنة) حتى تؤتي النتيجة الصحيحة، فإن الوقت الذي تحتاجه خطوة واحدة من خطوات التطور هي ضعف عمر الكون بترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون ترليون مرة (عمر الكون ١٤ مليار سنة فقط. أما إذا كان المقصود كامل خطوات التطور فإن الصفحات تمتلئ بالأصفار من عدد السنين لإتمام التطور. هذا الرد البسيط يبين مدى خرافية نظرية داروين ولهذا تؤخذ كمسلمة دون نقاش.


الثغرة الثانية: أين الكائنات الخطأ؟

تتمة لقانون الاحتمالات فإن المحاولات التريليون تريليونية ( واحد أمامه مئة صفر) قبل أن نتتج كائنا سليما متكاملا فإنها تنتج كائنات مشوهة بعدد هذه المحاولات الخاطئة. وهذا يعني أن الأرض يجب أن تكون مليئة بتريليونات الكائنة المشوهة المبعثرة في كل مكان كدليل على الاحتمالات الكثيرة الخاطئة، سواء في تكاثر الحيوانات الحالي أو في الكائنات المنقرضة التي تركت آثارا تدل على تركيبها. 

ومن المقطوع به أن كل الكائنات الحية التي نعرفها سليمة التركيب وغير مشوهة فأين هذه الكائنات المشوهة التي تحدث عنها داروين؟ الأعجب من ذلك أن كل علماء الأحياء بمن فيهم المتطرفين داروينيا حين يبحثون عن تركيب ووظيفة الكائنات الحية دائما يفترضون الكمال والإتقان لأنهم لم يروا فيها إلا الاتقان والإبداع.


الثغرة الثالثة: كيف تعيش الكائنات بلا شبكة حياة؟ 

اكتشف علماء الأحياء أن الكائنات الحية لا يمكن أن تعيش بمعزل عن بعضها لأنها تحتاج إلى بعضها في دورة غذائية وبيئية تكاملية، تجعل وجود كائن حي لوحده مستحيلا. ويتفاجأ العلماء في كل مرة بأهمية حيوانات كان يظن أن ليس لها قيمة في كونها أساسية لهذه الشبكة. دابة الأرض مثلا لو انقرضت اختفى البساط الأخضر من أفريقيا ومن ثم كل الحيوانات العشبية ومن ثم كل الحيوانات المفترسة. 

هذه الشبكة المتكاملة تعني أنه لا بد أن منظومة كاملة من الكائنات الحية نشأت دفعة واحدة، ويستحيل أن تكون الكائنات وجدت مستقلة ثم تفرعت وأضافت أنواعا جديدا أكملت هذه الشبكة. بل إن هذا التكامل يتعدى الكائنات الحية إلى تكامل مع البيئة Eco system فلا يمكن أن توجد هذه الشبكة من الكائنات الحية إلا في بيئة مثالية لتكاثرها جميعا. ومرة أخرى يفاجئك علماء الأحياء وحتى المتطرفين داروينيا بروعة التكامل والتوازن في هذه الشبكة وكأنهم يدعونك للإيمان بالله من حيث لا يشعرون. 


الداروينية والدين

الداروينيون من العلمانيين لا يحملون هم التوفيق بين الداروينية والدين، لأن الدين ليس مرجعا ولا قضية عندهم، وإبعاد الدين عن "العلوم" مطلب أساسي من مطالبهم. وحتى أصحاب الديانات من غير المسلمين لا تشكل الداروينية تحديا لتدينهم لأن الإيمان بالإله في معظم هذه الأديان يعطي مساحة للقبول بالداروينية. 

وكانت المسيحية مقاوما شرسا للداروينية لكن الكاثوليك أعلنوا الاستسلام، فأصدر الفاتيكان في الخمسينات إعلانا يتقبل فيه نظرية داروين . والسبب ليس قوة الداروينية لكنه ضعف الطرح النصراني الذي يحصر الكون كله في ستة آلاف سنة في سيناريو غريب للخلق أكثر غرابة من الداروينية. (٦)

الإسلام لا يمكن أن يقبل من نظرية داروين إلا الانتخاب الطبيعي، لأنه حقيقة معروفة مثبتة وتحصل بشكل مستمر أمام الأعين ولا حرج مطلقا في القبول بها. أما التطور بمفهومه الدارويني فيتعارض جملة وتفصيلا مع الإسلام سواء في نشأة الخلق أو في التطور من نوع إلى نوع أو في خلق الإنسان تحديدا. 


الموائمة مع الإسلام 

بعض "التنويريين" الإسلاميين أخذهم هذا الاكتساح لنظرية داروين كمنهج في علم الأحياء يخجلون من معارضة الإسلام للداروينية، لأنها -في ظنهم- من أركان "العلم الحديث"، فبحثوا عن طريقة لتبرئة الإسلام من معارضة داروين. ولكن لأنهم لا يستطيعون القبول بها بصورتها الكاملة خاصة مع الآيات والأحاديث الثابتة تجدهم يلجأون إلى حيلتين لتحقيق ذلك. (٧)

الحيلة الأولى هي تلطيف النظرية حتى تبدو وكأنهاغير متعارضة مع الخلق، وذلك بتحويل مفهوم التطور الذي يحصل في المخلوقات تلقائيا كما هو في أصل النظرية إلى تطور يحصل بتقدير الله وإرادته. هذا الوصف للتطور سماه عمرو الشريف "التطور الموجه" وسماه عدنان إبراهيم "التطوير". وتحاشى أصحاب هذا الطرح في البداية مناقشة بداية الخلق أو أصل الإنسان واكتفوا بالتطوير الموجه. (٨)

لكن يبدو أن كسر الحاجز في تقديس نظرية داروين أقنعهم أخيرا أن يكملوا المسيرة، فزعموا أن بداية الخلق يمكن أن تكون فعلا تفاعلات كيميائية انتجت كائنات حية، وزعموا أن آدم ليس كائنا مستقلا بل هو نتاج تطور من كائنات (بشرية) أخرى. وليس من تفسير لهذا التوفيق التلفيقي إلا عقدة النقص أمام الغرب المتمكن، الذي صارت فيه نظرية داروين ثقافة راسخة.(٩)




الحيلة الثانية هي التلاعب بتفسير الآيات وشرح الأحاديث حتى تتوافق مع هذا التعديل في النظرية. ففي إثبات التطور يحورون تفسير قوله تعالى (وقد خلقكم أطوارا) وقوله تعالى (يزيد في الخلق ما يشاء) وفي إثبات بداية الخلق يحورون تفسير قوله تعالى (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء). وبعضهم يذهب لأبعد من ذلك وهو الاعتماد على نصوص مكذوبة أوضعيفة جدا أو إسرائيليات، فيسوقها حتى يقوي حجته، مثل الآثار المروية عن بن عباس عن أدميين قبل آدم وعن تفاصيل خلق آدم. 


------------------------------------------------------------------------------------------------


* للأمانة جزء كبير من هذا المقال استفدته من بعض المختصين.

١) لم يكن أثر الداروينية في علم الأحياء فقط بل تعداه إلى إعادة تأسيس الفكر الغربي كله خاصة في السياسة والاجتماع فأصبح البشر أكثر استعدادا للرأسمالية الشرسة والتصنيف العنصري للإنسان. وللمسيري وجهة نظر جميلة في هذا الموضوع تجدها في مقاله الحداثة الإنسانية والحداثة الداروينية

٢) فيلم وثائقي جميل لمذيع البي بي سي القدير اندرو مار يتحدث فيه عن اقتحام الداروينية للفكر كله في أوربا واحتفاء العلمانيين بها إضغط هنا.

٣) نظرية كونية سقطت كانت مبنية على أساس أن الكون موجود أزليا بقوانينه المعروفة ثم انهارت تماما بعد أن أمكن إثبات نظرية الانفجار العظيم واستحالة الكون الثابت

٤)راجع مقالنا تحدي العلمانية.

٥)اشتهر من هذه التجارب تجربة ميلر أوري التي حاول محاكاة ظروف بداية الخلق بالضغط والحرارة ونوعية المواد الكيميائية ثم تمخض الجبل عن فأر. وبالمناسبة لم يذكر داروين شيئا في كتابه الأساسي "أصل الأنواع" عن نشأة الخلق الأولى لكن وجد في بعض مراسلاته الشخصية إشارة عابرة بقوله إنه يعتقد أن الحياة بدأت في بركة دافئة توفرت فيها ظروف اختلاط المواد الكيميائية لانطلاق الحياة!!

٦) قدمت الكنيسة التنازلات منذ ١٩٥٠ حين أصدر البابا بيوس الثاني عشر، انه لا يوجد خلاف أساسي بين نظرية التطور والمسيحية، ثم تطور الموقف إلى قبول صريح بالنظرية سنة ١٩٩٦ ثم تطور الموقف قبل عام إلى تبني النظرية 


لكن البروتستانت الأصوليين لا يزالون يرفضون النظرية بحماس ويضغطون في الولايات المتحدة التي لهم سطوة فيها بمحاربتها قانونيا.

٧)الشعور بالنقص أمام الغرب القوي وتقديم التنازلات العقدية والمنهجية والفكرية ناقشناه بشكل مستفيض في مقالنا 


٨)يعتقد هؤلاء أنهم حلو الثغرة الأولى والثانية في التطور فلا حاجة لقانون الاحتمالات لأن الله هو الذي يطور. والحقيقة هذا فيه قدح في قدرة الله وكمال علمه فكيف لله أن يكون بحاجة للتجربة حتى يطور مخلوقاته مثلما يطور الإنسان مخترعاته؟ وما الحاجة أصلا أن يفسر الإنسان الخلق بالتطور إذا كان مؤمنا بالخالق (الذي أحسن كل شي خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين)؟ أما الثغرة الثالثة فلم اطلع على اقتراح منهم في حلها. 

٩)ملخص أفكار عمرو الشريف في تعديل نظرية التطور لتناسب الإسلام 


ولعدنان ابراهيم سلسة طويلة في الحديث عن التطور لكن هذا ملخص من دقيقتين 


الخميس، 5 مارس 2015

أين أخطأ الجهاديون؟ *


نشأة معقدة
نشوء الظاهرة الجهادية الحديثة ثم نموها وانتشارها لم يكن سهلا وانسيابيا، بل كان معقدا ومتشابكا وفي مواجهة غابة من التحديات. واستحضار الظروف التي نشأ فيها الجهاد الحديث، يساعد في استيعاب وإدراك كثير من التصرفات التي تصدر عن التيارات الجهادية وتصور طريقة تفكير وتصرف الجهاديين. (١)
هذا الإدراك والاستيعاب قد يعني التفهّم في الربط بين المبررات والمخرجات، لكن لا يعني إقرار كل ما يصدر عنهم أو ينسب إليهم. والمسلم لديه هامش مرونة يسمح له بالتعايش مع الظروف، لكن هذا الهامش لا يعني ضوءا أخضر لتجاوز  كل الخطوط الحمراء.(٢)

الفكر الجهادي فرض نفسه
فرضت التيارات الجهادية نفسها عمليا ونظريا بكل كفاءة، أما عمليا فقد صمدت بنَفَس طويل وتحمّل لا ينقطع أمام الاتفاق العالمي ضدها، وأما نظريا فقد فرضت نفسها من خلال الاستحواذ على جزء كبير من الجدل الإسلامي وجَعْل الأدبيات الجهادية حاضرة في الميادين الفكرية والثقافية.
هذا الفرض الواقعي والنظري أنتج كمية هائلة من المخرجات الجهادية التي أصبحت المادة الأكبر للتداول الإعلامي والثقافي والشرعي بين العلماء والمثقفين والنشطاء وحتى في مجالس العوام. ومناقشة هذه المخرجات في كل الميادين وعلى كل المستويات أمر لا يمكن تحاشيه ولا التقليل منه.(٣)

خصوم أقوى من الحكومات
الظروف التي نشأ فيها الجهاد هي ذاتها التي تجعل تعامل القوى غير الجهادية مع هذه المخرجات بعيدا عن المنهجية. وكثرة خصوم التيارات الجهادية وقوة قدراتهم الإعلامية والبشرية والثقافية والاجتماعية والمادية تجعل التجرد صعبا في تناول هذه الظاهرة.
ومن المعلوم أن خصوم التيارات الجهادية ليس الحكومات فقط، رغم ما للحكومات من إمكانات إعلامية وثقافية وسلطة وقدرة على توجيه الرأي العام.  والحقيقة فإن من اقوى خصوم التيارات الجهادية هي التيارات الإسلامية الملتزمة بالسلمية، والتي غالبا ما تجد نفسها في حالة حرب فكرية مع التيارات الجهادية.(٤)

كيف نرصد المآخذ على الجهاديين؟
نظرا لقوة تأثير هؤلاء الخصوم فإن من يحاول تناول مخرجات الجماعات الجهادية ملزم بأن يخرج من تأثير أدوات الخصوم، ويتعامل بشكل مستقل مع هذه المخرجات. ولا يمكن أن يتم هذا التناول إلا ببذل أقصى درجات التجرد والمنهجية، وهذا يستدعي جهدا نفسيا وذهنيا هائلا واستحضارا قويا للمرجعية المنضبطة.(٥)
في محاولة رصد متجردة يمكن ملاحظة مجموعة من المآخذ على بعض التيارات الجهادية لها علاقة مباشرة بما ذكر أعلاه. من هذه الظواهر: الغرور الفكري، ونزعة تصنيف الآخرين، وممارسة دور الحَكَم، والتساهل في الدماء، والاستهانة بالموازنات السياسية والاجتماعية، والفوضى الإعلامية، والخلط بين مثاليات الدين والتطبيق الواقعي، وما إلى ذلك مما سيتم التعرض إليه في هذا المقال.

الغرور الفكري
المهمة الجهادية خطيرة وصعبة، ومن يتحمل مسؤوليتها بخطورتها وصعوبتها الكبيرة ليس غريبا أن يعتبر ذاته متصديا لأمر تخلى عنه الآخرون، وبذلك يعطي نفسه الحق أن يمتاز عليهم تميزا واضحا. واذا استصحب الجهادي شعوره هذا بما يعلمه من الثناء العظيم على الجهاد في الكتاب والسنة، فسوف يتحول الشعور بالتميز إلى قناعة بالتفوق، وارتفاع في منزلة عند الله فوق كل الآخرين.
وهذا بذاته لا إشكال فيه، فلا يلام الجهادي على ما يراه تميزا أو تفوقا نفسيا ووظيفيا وتصدٍ لمسؤولية تخلى عنها الآخرون. ولا إشكال أن يرى الجهادي نفسه سابقا وفائزا بجائزة سنام الإسلام وكل صفات الثناء على المجاهدين في الكتاب والسنة. لكن الإشكال هو في أن يؤثر هذا الشعور في صياغة المواقف الفكرية والشرعية فيتسبب بنتائج ضارة بالجهاد نفسه.
النتيجة الأولى هي رفض ما يقوله غير الجهاديين -حتى لو كان حقا- بحجة أن قائله من القاعدين الذين تخلوا عن الجهاد وتخلوا عن دعم أهله، فلم يوهبوا التوفيق في الفهم والفتيا التي وفق لها أهل الثغور. ورفض المواقف والفتاوى والأفكار بحجة أنها صدرت عن القاعدين مخالفة صريحة لمنهج النبوة في قبول الحق أيا كان قائله، حتى لو كان كافرا بل حتى لو كان الشيطان نفسه. (٦)
النتيجة الثانية هي تحول الثقة بالمواقف والآراء إلى غرور فكري يدفع بعض الجهاديين إلى حالة قريبة من العصمة، بسبب اعتقادهم أن أهل الثغور يلهمون التوفيق في مسائل الخلاف، فيتخذون مواقفهم بثقة في غير سياقها وطمأنينة في غير محلها. (٧)
وإذا كان كثير من خصوم الجهاد يستفزون التيارات الجهادية بفتاوى وبيانات لا يمكن تأصيلها شرعا ولا قبولها منطقا، فهذا لا يعطي الجهاديين حق صياغة الشرع بدوافع العداوة لهؤلاء أو بالهواجس والإسقاطات النفسية. والعكس صحيح، فتجاوز بعض الجهاديين في المواقف لا يعني تصحيح مواقف خصومهم من الذين يسوقون الفتاوى والمواقف بلا مبالاة بالمنهجية الشرعية. (٨)
ومن عاشوا في جو الجهاد يعترفون بثقل تأثير هذا الجو الذي يدفع لثقة عارمة بالنفس واستعداد دائم للاستهانة بـ"القاعدين" أو تخطئتهم. ومع ذلك يعصم الله كثيرا من الجهاديين من الزلل، بتشبثهم بالحذر الشرعي، وكبحهم نزعة الغرور، ومنعها من تجاوز حدود الانضباط المنهجي. والجماعة التي يكثر بين قيادييها القدرة على كبح الغرور الفكري عادة تكون أكثر رشدا والتزاما بالمنهجية الشرعية السنية ممن أصيب بهذا الغرور.
هذا الغرور الفكري هو الذي يفسر استرخاء كثير من الجهاديين، وهم يتحدثون في اليوتيوب أو في التويتر، بمواقف لو عرضت على الأئمة الأربعة لتوقفوا فيها. ويفسر كذلك نزعة رفض النصيحة والاستخفاف بالآخرين والاستهانة بما لدى الآخرين من علم مهما كان.  (٩)

نزعة التصنيف والحكم على الأشخاص
لا إشكال عند العلماء أبدا في وصف عمل بالكفر ما دام هذا وصفه في الكتاب والسنة، ومثله وصف عمل بالخيانة أو الفسق أو الفجور ما دام هو كذلك. وبناء عليه فلا توجد حساسية ولا تضايق من تكفير ممارسة معينة أو وصف موقف معين بالكفر أوالفجور أو الخيانة. لكن في مقابل هذه السهولة في وصف الأعمال والمواقف، فقد دأب العلماء على تحاشي تكفير الأعيان أفرادا كانوا أوجماعات ما داموا من أهل القبلة، كما دأبوا على تجنب وصفهم بالخيانة والفجور إلا بشروط قاسية.(١٠)
كثير من المحسوبين على التيارات الجهادية يعتقدون أنه لا يمكن تبرير مواقفهم القتالية إلا بسلسلة من التصنيفات التي تتضمن تكفيرا عينيا لأفراد أو جماعات أو أنظمة أو تخوينهم وتجريمهم. ولذلك فإن غالب بياناتهم مشحونة بلغة التصنيف الذي يشتمل في مجمله على الوصف بالردة وكأن هذا التصنيف ذريعة براجماتية وليس موقفا منهجيا.(١١)
وبغض النظر عن الموقف من التكفير العيني، فإن اعتباره شرطا للتصرفات والمواقف القتالية يدل على بعد عن المنهجية الشرعية السليمة، لأن هذه المنهجية لا تجعل التكفير مبيحا للدم مطلقا، ولا الشهادة بالإسلام عاصمة للدم مطلقا. والعكس صحيح، فالمستلزمات الشرعية تجاه طائفة أو نظام معين ليست بالضرورة مرتبطة بتكفير الأشخاص ولا الجماعات، بل إن الحكم في الأصل إنما يكون على الواقع الظاهر نفسه.(١٢)
وظاهرة اللجوء للتكفير العيني والإكثار من الوصف بالردة لها سببان، أحدهما خلل منهجي والثاني إشكال نفسي. أما المنهجي فهو العجز عن التفريق بين تكفير "العمل والممارسة" وتكفير "الأعيان والجماعات". وأما السبب النفسي فمنبعه ما سبق ذكره من الغرور الفكري، مضافا إليها شحنة الانتقام بسبب ممارسات خصوم التيارات الجهادية وخاصة الحكومات. (١٣)
والتصنيف عند كثير من الجهاديين يتحول مع الزمن إلى نسق وطبع، فلا يقف عند التكفير بل يتساهل بعضهم في وصف الآخرين بالخيانة والعمالة والانحراف والتخلي عن المسؤولية وغيرها من الأوصاف القاسية. وإحيانا لا يستثنون من ذلك رفقاء الجهاد، خاصة إذا كانوا من تيار آخر، وقد انتشرت اتهامات كثيرة بالتخوين والوصف بالردة من قبل تيار ضد تيار آخر أوضد شخصيات محسوبة على عليه. (١٤)
الحزبية للجماعة والغلو في القيادات
تكتمل نزعة التصنيف بتنامي ظاهرة الحزبية التي جعلت التيارات الجهادية في حالة عداء مع بعضها البعض كما هو الحال في سوريا. وإن كانت الحزبية واضحة أيام الجهاد الأفغاني بين الفصائل الأفغانية، فلم تكن واضحة في بداية انطلاق العمل الجهادي العالمي، لأن التيار الغالب كان واحدا بقيادة واحدة وتوجه واحد ثم بدأ التعدد يفتح المجال للحزبية.
وامتدادا للحزبية لوحظ عند بعض التيارات الجهادية الغلو في تزكية قياداتهم والدوران معها دون تفكير. ولذلك تجد الكتابات والتعليقات الجهادية تصدر دون تريث في دعم مواقف ذلك التيار أو القائد فورإعلان قرار معين أو تنفيذ عمل معين منسوب لذلك التيار. وبعض الأحيان تأتي النتيجة بطريقة محرجة حين يتحمس التابع لتيار معين بتزكية عمل أو بيان ثم يتبين أنه مكذوب ويضطر للتراجع فينكشف غلوه في قائده وحزبيته لجماعته.

التساهل في الدماء
قضية الدماء قضية حساسة في الإسلام، وقد بالغ الشرع في النهي عن سفك الدم المسلم حتى جعل حرمته أعظم من حرمة الكعبة.(١٥) والجهاديون لا يشككون "نظريا" بحرمة الدم المعصوم، لكنهم في التطبيق العملي لهم تبريراتهم. ولا يمكن فهم هذه التبريرات إلا بعد وضعها في سياقين، الأول توسيع هامش الرخصة في القتل غير المقصود (القتل العرضي) والثاني توسيع هامش القتل المقصود نفسه.
القتل العرضي يقصد به من يقتل وهو في عملية جهادية أو في ميدان المعركة بعد استهداف جهة غيره. والقتل العرضي في أصله مبدأ مقبول في الأعراف الدولية (١٦) ومقبول كذلك في الشرع، كما جاء في التعامل مع ما يسمى بـ"التترس"(١٧).  
لكن قبوله شرعا ليس تفويضا مفتوحا لتوسيع دائرة القتل، والفقهاء حين بينوا مفهوم التترس إنما وضعوا له حدودا واضحة وشروطا حادة منعا لأن يكون ذريعة لسفك خاطئ للدماء.
بعض الجهاديين يوسع مفهوم التترس لدرجة الاستعداد لقتل العشرات من معصومي الدم من أجل شخص واحد، بل ربما دون ضمان أن يقتل المقصود. ويبرر هؤلاء أن احتياطات المستهدفين وقوتهم تدعو للاستعداد للتضحية بهذا العدد من المسلمين، وأن هذه ضرورة للانتصار على أعداء الاسلام.
بدأت ظاهرة التساهل في القتل العرضي بتوسيع الهامش قليلا، ثم تطورت حتى وصلت عند بعض التيارات الجهادية إلى لامبالاة بالدماء المعصومة ما دام الهدف المقصود مبررا. ولقد سجلت بعض العمليات "الاستشهادية" التي قتل فيها الكثير من المسلمين ولم يقتل فيها المستهدف أصلا.(١٨)
النوع الثاني هو القتل المقصود لأشخاص مستهدفين بذاتهم، يقتلون إما في الميدان أوفي الأسر ممن هناك شبهة قوية في استحلال دمهم. ويبرر الجهاديون هذا القتل إما بتطبيق الحكم بالردة أو بالتخوين والعمالة والتجسس، دون مراعاة الحدود الشرعية لهذه الأحكام والتثبت المطلوب فيها. وعند بعض الجهاديين يكون القتل بعض الأحيان تحقيقا "لمصلحة" حتى مع وجود شبهة في عصمة دم المستهدف بالقتل. (١٩)

التخطيط العاطفي
الخطة العسكرية الاستراتيجية تحتاج إلى تجرد كامل من العواطف، ولا بد فيها من ترتيب المراحل طبقا لمصلحة التفوق الميداني والنفسي وكسب قلوب وعقول الحاضنة الاجتماعية. بعض التيارات الجهادية يراعي ذلك لكن البعض الآخر تحكمهم العواطف أكثر مما يحكمهم هذا التخطيط الاستراتيجي.
المقصود هنا ليس دقة تنفيذ معركة محددة بذاتها ولا تنفيذ سلسلة معارك، بل المقصود ترتيب المواجهة الكلية بأدواتها المختلفة واختيار الأهداف في كل مرحلة. وكلما كان اختيار الاهداف وترتيبها مبنيا على عواطف انتقامية أو نظر قصير كلما كانت الهزيمة مضمونة.
يعترف بعض الجهاديين بهذه الحقيقة، ويبررون ذلك بالحصار المفروض عليهم وقطع الصلة بالقيادات الحكيمة والخبيرة بالتخطيط. والاعتراف لا يمكن أن يكون دليلا على التواضع إلا إذا ثبت أن إدراك الخطأ كان درسا نافعا ولن يعود له الجهاديون. لكن الحقيقة أنهم يكررون هذه الأخطاء في معظم ميادين الجهاد، ويقعون مرة تلو المرة أسرى العواطف والاستجابة لرغبات الانتقام أكثر من أن ينقادوا لتخطيط استراتيجي مدروس. (٢٠)

الاستهانة بالحسابات السياسية والموازنات الاجتماعية
يعتبر الجهاديون مشروعهم تغييرا تاريخيا شاملا، مما يعني أن مواجهتهم لخصومهم مواجهة عامة وليست معركة عسكرية فحسب. والمواجهة الشاملة تقتضي بالضرورة مراعاة بقية جوانب الصراع وخاصة الجانب السياسي والجانب الاجتماعي والوعاء الذي يحمل هذه الجوانب وهو الوعاء الإعلامي.
والالتفات للجانب السياسي والاجتماعي ووعائها الإعلامي ليس تأصيلا منطقيا فحسب، بل هو عمل بالكتاب والسنة واقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام. والمهارة السياسية والاحتياطات الاجتماعية كانت سمة ظاهرة في العهد النبوي ولم تتعارض أبدا مع الثبات على المبادئ وعدم التساهل في الثوابت.
الطابع الغالب للتيارات الجهادية هو تجاهل هذه الحسابات والموازنات، والمبالغة في ادعاء الالتزام بالثوابت، وزعم التشبث بالمبادئ. وبمراجعة تاريخية لتصرفات هذه التيارات على مدى ثلاثين عاما، يلاحظ مدى الاستهانة بهذه الحسابات والتوازنات بحجة الابتعاد عن البراجماتية.(٢١)
ولذلك ترى تصرفات هذه التيارات تدفع المحايد دفعا للاصطفاف مع خصوم الجهاديين، كما تحرمهم من فرصة التضليل واللعب بالتوازنات. ولنفس السبب تخسر هذه التيارات الدعم الجماهيري والحاضنة الاجتماعية والتعاطف من داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية. (٢٢)

ثغرات الرسالة الإعلامية
لا يقصد بالإعلام الجانب الفني ومهارة الإخراج والانتاج الذي تتقنه كثير من الجماعات، بل يقصد به هدف ومحتوى الرسالة الموجهة وطبيعة التعامل إعلاميا مع التساؤلات والتطلعات الجماهيرية والعالمية. ولا يمكن لهذه الرسالة أن تكون مؤدية للغرض إلا بانطلاقها مما ذكر أعلاه، أي (الخطة الشاملة المبنية على رؤية استراتيجية) وهو ما تفتقر له كثير من الجماعات الجهادية.
وبعد انتشار وسائط الاتصال لم يعد انضباط الرسالة وردود الأفعال مقتصرا على القيادات والمندوبين، بل أصبح كل المحسوبين على التيارات مهمّين في الجانب الإعلامي. هذا الواقع الجديد أربك الصورة حين كثرت النوافذ الإعلامية التي تدّعي تمثيل تيار معين وهي تتحدث بلا انضباط ولا منهجية. ولا تُعذر التيارات الجهادية بأن ليس لها سلطة على "من هب ودب" ، لأن رسالتها العامة لو كانت منضبطة لما استطاع "من هب ودب" أن يتحدث باسمها وينسب لها هذه المواقف. (٢٣)
من جهة أخرى تتذرع بعض هذه التيارات بأنها مستهدفة بالتضليل والتشويه من قبل الخصوم المقتدرين المسلحين بإمكاناتهم الهائلة، والتعاون العالمي، والنشاط الاستخباراتي، وكثرة العملاء في وسائط الاتصال الخ. لكن عذرهم هذا مرفوض، فلولا وجود ثغرات في الرسالة الإعلامية لبعض هذه التيارات، لما تمكن الخصوم "المقتدرين" من تشويههم ولا استطاعوا نسبة ما لا يمكن أن ينسب إليهم.

الخلط بين المثالية والتطبيق
المسلم مطالب بالمثالية في تطلعاته وآماله وفكره النظري، لكنه في نفس الوقت مطالب بأن يكون واقعيا وعمليا في تطبيقه وممارساته. والجهاد نفسه مر بمراحل في التشريع من الكف عن القتال، إلى جهاد الدفاع، ثم جهاد الطلب، والنبي صلى  الله عليه وسلم ترك قتل المنافقين رغم معرفته بهم واحدا واحدا، وترك بناء الكعبة على قواعد إسماعيل. وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم كلها موازنة حكيمة وراشدة بين المثالية في المبادئ، والواقعية في التطبيق والممارسة.(٢٤)


كثير من الجهاديين يعتقدون أن تبني الجهاد يعني التعامل مع كل الأمور بالمثاليات، ثم يتورطون بتعارض هذه المثاليات، فيدخلون في إشكالات يضطرون فيها لتغليب مثالية على أخرى بدلا من أن يختاروا خيار الواقعية والعملية التي تمكنهم من مداراتها كلها في وقت واحد. وكثير من الجدل الدائر بين فصائل الجهاد المختلفة، والجدل بينها وبين مخالفيها، يعكس هذا التشبث بالمثالية في التطبيق رغم النهج النبوي بالواقعية. 


الاستهانة بالوسائل غير القتالية (العمل السلمي)
جو القتال والمعارك وحياة المعسكرات يؤدي بكثير من الجهاديين للاعتقاد أن المواجهة المسلحة هي الوسيلة الوحيدة للتغيير، ولا يمكن تحقيق الأهداف بأي وسيلة أخرى. ولذلك يستخف بعضهم بما يمارسه غيرهم من وسائل غير قتالية، مثل المظاهرات والإضرابات أو وسائل سياسية وإعلامية واستخباراتية.

وقد يصل التفكير ببعض الجهاديين لاعتبار العمل السلمي تخليا عن الجهاد، وليونة في وجه الطغاة، وتضييعا لجهود الأمة في خطط بائسة. وربما تطور الموقف لدى آخرين لتخوين من يصر على الوسائل السلمية، واتهامه بأنه يتعمد تفريغ غضب الشعوب بوسائل لا تجدي نفعا، منعا لهم من الانخراط في الجهاد. وهذا الموقف مخالف لمبدأ شرعي أصيل لأن معظم هذه الأنشطة تقع بند "كلمة حق عند سلطان جائر" الذي جاء في الحديث أنه من أعظم الجهاد وقتيله سيد الشهداء.(٢٥)

في المقابل فإن قيادات أخرى في الجهاد من القيادات "الأكثر رشدا" تحترم العمل السلمي وتعتبره رافدا للجهاد سواء نجح أو فشل. إذا نجح وأزيل الطغاة بعمل سلمي فالجو الجديد يسمح للتيارات الجهادية أن تنتعش تحت ظلال الحرية وهيبة الدين، وهم يرون هذا مكسبا كبيرا. وإذا فشل العمل السلمي بسبب القمع، فإن هذا القمع يتحول إلى حجة لدفع الناس للالتحاق بالجهاد ومن ثم يصبح بذاته أداة تجنيد للمشروع الجهادي.

من يستطيع معالجة هذه الظواهر؟
هذه الإشكالات عند الجهاديين فيها ضرر كبير لهم ولبقية الأمة، ولا بد أن تعالج، وأولى من يعالجها نفس التيارات الجهادية بوعي عقلائها وشعورهم بالمسؤولية وسعيهم للتغيير. وهؤلاء العقلاء مطالبون أن يعجلوا باستدراك هذه المشاكل قبل استفحالها وتعطيل المسيرة والتخريب على الأمة. وما دام يوجد قيادات وتيارات جهادية لا تعاني من هذه الإشكالات فهذا يعني أن الإشكالات ليست مرتبطة بنيويا بالنفسية الجهادية ومن المفترض أن القيادات والتيارات الأخرى تستطيع التخلص منها.
أما القوى الإسلامية الأخرى وخاصة الجماعات الإسلامية السلمية والمشايخ المستقلين فيصعب أن يؤثروا في الجهاديين لأنهم في حكم المشبوهين عندهم. ولا يمكن أن يزيلوا هذه الشبهة، ومن ثم يستطيعوا التأثير في الجهاديين، إلا بعد إقناعهم بأمرين:


الأول الانضباط بالمرجعية السلفية الحقيقية، ويقصد بها الكتاب والسنة بفهم الصحابة، وليس فهم المشايخ المتأخرين والتنويريين الذين يسمون أنفسهم سلفيين.
والثاني تبرئة أنفسهم مما يُتهمون به من خذلان للجهاد ومهادنة للكفر والطغيان. (٢٦)

أما الحكومات فيستحيل أن تؤثر في الجهاديين وتقلل من إشكالاتهم بالإعلام والإقناع الفكري لأن الحكومات عدو لدود للجهاديين ولا يمكن أن يسمعوا لهم. لكن تستطيع الحكومات تحقيق ذلك بتوفير أوسع الفرص للعمل الإسلامي السلمي، لأن هذا التوسيع، أولا يقلل من غضب الشباب وإصابته بتلك الإشكالات، وثانيا يسهل على المشايخ المؤثرين في الجهاد أن يوصلوا رسالتهم لهم باستخدام هذه الحرية.
------------------------------------------
* المقصود هنا ليس القاعدة والدولة فقط، بل كل التيارات الجهادية بما يشمل الطالبان والشيشان وحركة الشباب في الصومال والجماعات المقاتلة في الشيشان وشرق آسيا وشمال افريقيا وغرب أفريقيا وغيرها.
١) لا توجد دراسة شاملة لتاريخ الحركات الجهادية لكن ربما في مقالنا "الاستراتيجية الجهادية بين الظواهري والبغداي" بعض الفائدة في التعريف بهذا التاريخ. إضغط هنا.

٢) نفترض هنا أن النقاش هو حول التيارات الجهادية السنية الملتزمة في الجملة بالنص الشرعي وفهمه على طريقة السلف وليس عن كل الحركات المقاتلة بمظلة اسلامية.
٣) استحواذ الطرح الجهادي على جزء كبير من النقاشات الفكرية والشرعية والإعلامية والأدبية والسياسية حقيقة لا ينكرها حتى خصوم الجهاديين بل إنهم يعتبرون تأكيدها جزء من مهمتهم.
٤) البيئة التي أفرزت التيارات الجهادية -وهي بيئة القمع والاحتلال وهيمنة القوى العظمى- هي نفس البيئة التي تعيش فيها القوى غير الجهادية وخاصة الجماعات الإسلامية السلمية، والتي لا تستطيع أن تخرج من دائرة التوجه العام فتتعامل مع التيارات الجهادية داخل إطار ما تبيحه هذه الأنظمة.
٥) مقالنا "تهور الشباب وحماس الدعاة دروس من الأنبياء والصحابة" فيه تقريب لهذه الفكرة إضغط هنا.
٦)هنا بحث جيد في مشروعية أخذ الحق من اي مصدر كان إضغط هنا.
٧) ينسب لسفيان بن عيينة قوله "إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغر فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا )." وعبارة بن عيينة هذه عبارة غالبا ما يرددها الجهاديون ويفسرونها على غير المراد بها.
٨) بقدرما يؤاخذ الجهاديون على غلوهم في بعض المواقف فإن كثيرا من خصومهم ينسفون المنهج الشرعي كله من أجل تخطئة الجهاديين.
٩) جولة صغيرة لأي متابع للتويتر على معرفات الجهاديين تطلعك على هذه الثقة العارمة بالنفس والشعور بما يشبه العصمة، وينقل الإخوة الذين في ميادين القتال أنهم يجدون صعوبة في تخفيف هذه الثقة العارمة.
١٠) بحث جيد في ضوابط تكفير المعين عند بن تيمية وبن عبدالوهاب للشيخ راشد بن ابي العلا الراشد إضغط هنا.
١١) هذا الاستخدام للتكفير وحمل السلاح، أصله سوء فهم لما ورد في كتب العقيدة والفقه التي لا تجيز الخروج إلا على الحاكم الكافر، بينما الكتاب والسنة لم يرد فيه إشارة للتكفير العيني في سياق محاربة من يعطل الشرع ويوالي الكفار. الظريف أن التيارات الجهادية تصبح صورة مرآة للتيار الجامي الذي يستخدم نفس الجدل لكن بالجهة المقابلة. ولو كان الموقف يقاس بالتكفير العيني فالجامية أولى بالإقناع لأن الناس عموما لا يحبون التكفير.
١٢) قد يحل دم المسلم لاسباب كثيرة، وقد يعصم دم الكافر لأسباب كثيرة، وهذا الربط بين التكفير العيني والدم تسطيح وسذاجة وليس عمقا شرعيا ولا فهما للكتاب والسنة.
١٣)ولذلك فإن من مهمة قيادات التيارات الجهادية أن يربوا أتباعهم على التجرد وعدم تناول الدين بنوازع نفسية شخصية. هذا ليس معارضا لقوله تعالى "ويشف صدور قوم مؤمنين" لأن شفاء صدور المؤمنين لا يكون إلا بالانضباط بالكتاب والسنة وليس بتطويع الكتاب والسنة لرغبة الانتقام.
١٤) كثرة تبادل التخوين والاتهام بالعمالة والتجسس ثم اتخاذ المواقف بناء عليها ظاهرة محزنة جدا في التيارات الجهادية وربما تكون أكثر أسباب الضعف والهزيمة فيهم، يقول تعالى ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ).
١٥) هنا تتبع لبعض النصوص عن أن حرمة المؤمن أعظم من الكعبة  إضغط هنا.
١٦) يسمى باللغة الانجليزية collateral damage ويقصد به القتلى المدنيون غير المستهدفين بسبب القصف الموجه لأهداف عسكرية.  
١٧) بحث مفصل في التترس من أحد المواقع الجهادية إضغط هنا.
١٨) العمليات التي استهدفت الفنادق في الأردن سنة ٢٠٠٥ لم يقتل فيها أحد من المستهدفين ومات فيها عدد كبير من المسلمين.
١٩) لا نريد تسمية حالات معينة فربما يدعي من نفذها أننا لم نطلع على كل التفاصيل، لكن كثيرا من الجهاديين يعترفون بعد أن تهدأ الأمور أنهم لم يحتاطوا شرعا بما فيه الكفاية في حالات كثيرة.
٢٠) الكوارث التي وُثقت بسبب التخطيط العاطفي في "الجهاد الجزائري" في التسعينات تكررت في بلاد أخرى ثم عادت وتكررت في الجزائر نفسها حديثا.
٢١) بعض الدول من مصلحتها أن تبقى على الحياد بل ربما لديها استعداد للتعاون مع الجهاديين فلماذا تستعدى بدون مبرر؟ ليس مطلوبا من الجهاديين أن يثنوا على هذه الدول ويزكوها، بل يكفي سكوتهم عنها وتحاشي الصدام معها.
٢٢) شعوب وقبائل وتكوينات اجتماعية متعاطفة مع الجهاد، بل وشخصيات من داخل المؤسسة العسكرية والأمنية تخسرها التيارات الجهادية بسبب المثالية المتكلفة أو سوء تخطيط المعركة.
٢٣) بعض القيادات في التيارات الجهادية مع الأسف يسرها وجود معرفات تستخدم اللغة السليطة وإساءة الأدب على الخصوم من الجهاديين الآخرين نيابة عنها، لأنها تتمنى هذا السب ولكن لا تريد أن ينسب لها.
٢٤) ممن ناقش هذه النقطة بن القيم في كتابه زاد المعاد وغالبا ما يناقشها بن تيمية في تعليقاته على أحداث السيرة.
٢٦) الكتابات التي تنشر على شكل مقالات وكأنها توجيه للجهاديين بمنطلقات لا تشترك أصلا مع الجهاديين في ثوابت أساسية (مثل قدسية النص الشرعي) يستحيل أن تؤثر فيهم. وكذا الكتابات التي تصدر من شخصيات أو جماعات تنتقد الجهاديين أكثر مما تنتقد الأنظمة أو ربما لا تنتقد الأنظمة أبدا، ولا تعدو هذه الكتابات أن تكون (ردحاً داخلياً) كما سبق أن أسميناها في المقال السابق إضغط هنا