الاثنين، 27 أكتوبر 2014

تهور الشباب وحماس الدعاة درس من الأنبياء والصحابة



يصدر من كثير من النشطاء الإسلاميين والمجاهدين تصرفات تتصف بالعجلة الحركية والمراهقة الفكرية والتهور الميداني وسوء التدبير السياسي. ويميل البعض لمحاسبتهم على أسس مثالية ويتوقعون منهم الحكمة والنضج والرشد ويعتبرون تصرفاتهم الغريبة دليلا على مقاصد سيئة ومآرب قبيحة وانحراف عن الدين وما إلى ذلك من قدح في النيات والمنهج. لكن هل يمكن اعتبار هذه التصرفات انحرافا في الدين وتخليا عن تعاليم الإسلام وضعفا في الانضباط بالشرع؟ (١)

الجهل والظلم ليس السبب
قد يعتذر لهم البعض بأن مجتمعنا الحالي يضج بالظلم والفساد والتجهيل والتضليل وأن هؤلاء الدعاة والمجاهدين نتاج هذا المجتمع. ويعتذر آخرون بأن تربية هؤلاء الشباب نتاج قرون من تراكمات التخريب النفسي والديني وأن الوعي والتواصل لم يحصل إلا من سنوات قليلة فلا نتوقع منهم الاستقرار النفسي والحكمة والرشاد الآن. وهذه الاعتذارات جيدة وصحيحة لكن الحقيقة أبعد من ذلك، فحتى مع انتشار العلم والحرية فإن أفضل نماذج البشر لم يتصرفوا كملائكة. والقرآن يخبرنا أننا بشر بنزعاتنا الفطرية وتوجهاتنا الطبيعية وغرائزنا واهتماماتنا التي لا يستغني عنها إلا الملائكة.

نموذجان للفطرة
لدينا في التاريخ نموذجان للانضباط البشري الواقعي، الأول هو النموذج الفردي والثاني هو النموذج الجماعي. النموذج الفردي هو الأنبياء كقدوة مطلقة وفي مقدمتهم أولي العزم وفي مقدمة الجميع محمد عليه الصلاة والسلام. أما النموذج الجماعي فهو نموذج جيل الصحابة رضي الله عنهم الذين لم يظهر في التاريخ جيل مثلهم ببركة تربية محمد عليه الصلاة والسلام واختيار الله لهم كأول جيل في خير أمة أخرجت للناس. 

ومصداق هذين النموذجين قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (٢) فجيل الصحابة هو  الشاهد الذي يعتبر مسطرة تقاس الأمم على أساسها، ومحمد عليه الصلاة والسلام هوالمثل النهائي الذي نُقاس عليه نحن البشر كأفراد. ولهذا السبب تعلمنا من القرآن الواقعية في حياة الأنبياء، كما تعلمنا من السيرة الواقعية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثم من سير الصحابة كمجتمع كامل الواقعية في هذا الجيل العظيم خريج التربية النبوية. (٣)

موسى يغضب ويستعجل ويخاف 
حين يصف لنا القرآن ردة فعل موسى عليه السلام مع أخيه هارون على تقصيره في منع بني إسرائيل من عبادة العجل يعطينا مشهدا فيه أقصى مشاعر الغضب. لا يقتصر المشهد على شد شعر الرأس واللحية بل يشمل إلقاء الألواح التي فيها كلام الله (٤) وهذا أعظم ما يمكن أن يتصوره الإنسان من استيلاء الغضب عليه فيعمل عملا يستحيل أن يعمله في حالته الطبيعية. والقرآن يشير للتفاصيل التصويرية للمشهد تحديدا حتى ندرك أن الغضب استولى على مشاعر موسى فأدى به لهذا التصرف. 

 قال تعالى "وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين"(٥). والتضايق من شماتة الأعداء دليل على أن الحركة من موسى كانت عنيفة جدا، فيها إحراج لهارون.  وفي الآية الأخرى "قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي" (٦) وقول هارون ولم ترقب قولي دليل على أنه يعرف أن موسى في حالة غضبه ربما يستعجل ولا يقبل توضيح هارون. 

والقرآن يحدد أن تفسير هذا التصرف هو الغضب الطبيعي فالغضب كما يذكر القرآن اجتاح موسى ثم انحسر عنه قال تعالى (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا … الآية)(٧)، ثم يؤكد القرآن انحسار الغضب في قوله تعالي (ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون)(٨)، فالغضب حالة طبيعية تجتاح البشر حتى لو كانوا رسلا بل حتى لو كانوا من أولى العزم. 

لكن غضب موسى لم يظهر فقط تجاه أخيه هارون فقد غضب موسى قبل ذلك من القبطي الذي أراد أن يهين الإسرائيلي فضربة ضربة قتلته، ولم يكن ينوي قتله، لكن الغضب استولى عليه فكانت الضربة قوية أدت لقلته، ( ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين)(٩). بل إن موسى كاد أن يبطش بشخص آخر في اليوم التالي لسبب مشابه ( فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ) (١٠)

والمشاعر البشرية التي اتصف بها موسى ليست الغضب فقط، بل أشار القرآن إلى أن موسى يخاف الخوف الطبيعي الذي لا يتعارض مع الإيمان بالله. أشار القرآن إلى هروب موسى من العصا بعد أن تحولت لحية تسعى في عدة آيات كان أكثرها وصفا لمشهد الهروب قوله تعالى ( وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون)(١١). 

كما ذكر القرآن أن موسى غادر المدينة في حالة خوف بعد أن ائتمروا به ليقتلوه ( فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين )(١٢) فهذا خوفه الطبيعي أن يلاحق لأنه قاتل. ومثله خوف إبراهيم الطبيعي حين حضرت الملائكة ولم يأكلوا الطعام ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط )(١٣). (١٤)

ومن المعلوم أن موسى من أولي العزم وهم أفضل الرسل جميعا بل قد قال عنه الله سبحانه "ولتصنع على عيني" وقال "واصطنعتك لنفسي". فاذا كان موسى صُنع على عين الله واصطنعه الله لنفسه ومع ذلك يذكرنا القرآن بأنه يغضب حتى يلقي الألواح ويستعجل من شدة الغضب ويخاف حتى يولي هاربا ولا يلتفت من شدة الخوف فهذا تأكيد رباني على بشرية الأنبياء في الأمور الفطرية التي لا تتعارض مع الإيمان والاستقامة.

والنبي صلى الله عليه وسلم كذلك
هذه التصرفات البشرية الطبيعية التي قد تبدو غريبة عن سياق الأنبياء صدرت حتى عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواضع. حين خطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه إحدى بنات ابي جهل لم يتحمل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقام خطيبا وقال (وإني لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً، ولكن والله لا تجتمع ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة عدو الله مكاناً واحداً أبداً)(١٥). 

ومن المواقف النبوية موقفه صلى الله عليه وسلم حين أرسلت بنته زينت بقلادة لها كانت هدية من أمها خديجة أدخلتها بها على أبي العاص فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فقالوا: نعم. (١٦)

ومنها كذلك موقفه بالزواج من جويرية رضي الله عنها حين رآها وكانت عائشة قد توقعت أنه عليه الصلاة والسلام سيعجب بها لما تعرف من طبيعته البشرية "كانت جويرية امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه  فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها قالت عائشة: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها وعرفت أنه سيرى منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت"(١٧). وهذا مصداق كلامه صلى الله عليه وسلم "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب.. الحديث"(١٨).

الصحابة  وموازنة التربية النبوية
والصحابة رضي الله عنهم، كمجتمع مثالي، لم يتمكن من منع قتل عثمان رضي الله عنه، ولم يتمكن من احتواء تداعيات هذه الحادثة، التي تمثلت في الفتنة الكبرى. وإذا تأملنا بعض الحقائق عن الفتنة، ندرك أمرين هامين، يبدوان متناقضين لكنهما في الحقيقة متجانسان. الأمر الأول، ضخامة الكارثة، وطول أمدها، والأمر الثاني، قدرة الصحابة على التعامل معها كخلاف سياسي، دون تكفير، أو تبديع، أو تخوين كل طرف للطرف الآخر. 

كانت الفتنة الكبرى هائلة في ضخامتها فقد دامت خمس نوات وقتل فيها عشرات الالوف في مقدمتهم بعض كبار الصحابة رضي الله عنهم. وخلال الفتنة توقف الجهاد وتعطلت الفتوحات وانشغلت الأمة بالمشاكل التي كان من بينها ظهور فرقة الخوارج. لقد كان الحدث تحديا ضخما يخلط الأوراق على أحكم الرجال ويربك أفضل العقول وأحكم المفكرين. (١٩)

امتصاص الصدمة
لكن الصحابة رضي الله عنهم لم ينصدموا ولم يرتبكوا من ضخامة الحدث وكثرة الدماء وطول مدة المواجهة بل إنهم ببركة التربية النبوية تمكنوا من اعتبار الحدث خلافا سياسيا لا يخفي وراءه كفرا ولا بدعة ولا خيانة. وبقدر ما كان كل طرف مقتنع باجتهاده لدرجة حمل السلاح ضد الطرف الآخر فلم يخطر ببالهم مطلقا ولم ينقل عن أحد منهم تكفير الآخر أو تبديعه أو تخوينه. (٢٠)

نسبة النجاح ١٠٠%
ومن الملاحظات التاريخية الجميلة أن الخوارج الذين كانوا أول فرقة بدعية تظهر في تاريخ الإسلام لم يكن بينهم صحابي واحد وذلك من التوفيق في بركة التربية النبوية. ومن الملاحظات كذلك أن الصحابة من كلا الفريقين اتفقوا على أن الموقف من الخوارج طبيعته عقدية وليست سياسية بخلاف موقف كل طرف من الآخر. والخوارج هم الوحيدون الذين زلزلت الصدمة عقلهم وأربكت تفكيرهم ولم يتمكنوا من الموازنة بين الاستعداد لهذا القتال العنيف والقبول بإيمان الطرف الآخر.

مشاهد رائعة في الموازنة
وتفاصيل مواقف الصحابة من بعضهم البعض خلال وبعد الفتنة تؤكد هذه الحقائق وتبين مدى الهدوء الفكري والتوازن النفسي في التعامل معها. ومن المشاهد الرائعة في ذلك قول علي رضي  الله عنه عن قاتل الزبير بن العوام بشر قاتل ابن صفية بالنار.(٢١)  وقال بعد أن رأى طلحة رضي الله عنه مقتولا (رحمة الله عليك أبا محمد، يعز علي أن أراك مجدولاً تحت نجوم السماء، ثم قال: إلى الله أشكو عجري وبجري، والله لوددت أني كنت مت قبل لهذا اليوم بعشرين سنة)(٢٢) . وقيل له رضي الله عنه  إن على الباب رجلين ينالان من عائشة، فأمر القعقاع بن عمرو أن يجلد كل واحد منهما مائة، وأن يخرجهما من ثيابهما(٢٣). 

ولما أرادت عائشة رضي الله عنها الخروج من البصرة، بعث إليها علي بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وسيرَّ معها أخاها محمد بن أبي بكر - وكان في جيش علي - وسار علي معها مودعاً ومشيعاً أميالاً، وسرَّح بنيه معها بقية ذلك اليوم. ونادى مناد لعلي: (لا يقتل مدبر، ولا يدفف على جريح، ومن أغلق باب داره فهو آمن، ومن طرح السلاح فهو آمن)(٢٤). وأمر علي بجمع ما وجد لأصحاب عائشة رضي الله عنها في العسكر، وأن يحمل إلى مسجد البصرة، فمن عرف شيئاً هو لأهلهم فليأخذه(٢٥). 

أما عائشة رضي الله عنها فلها موقف مشابه فقد كانت تترحم على القتلى من كلا المعسكرين وتدعو لهم ثم إنها ودعت الناس وقالت: يا بنيّ لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه على معتبتي لمن الأخيار، فقال علي: صدقت، والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.(٢٦) 

ولم يكن هذا الموقف محصورا في علي وعائشة رضي الله عنهما فهو موقف كل الصحابة في تعاملهما مع الطرف الآخر ولم يشذ عن ذلك إلا الخوارج الذين لم يكن بينهم صحابي واحد والذي اتفق الصحابة على طريقة التعامل معهم والموقف منهم.

دعونا نوسع هامش التحمّل 
حين يعلمنا القرآن أن الأنبياء عليهم السلام عرضة لما يصيب البشر من غضب وعجلة وخوف طبيعي فإنما يرشدنا لأن لا نستعجل في اعتبار تهور الشباب وحماسهم، خروج عن الدين، وتساهل مع الشرع. وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم سفكوا الدماء بينهم، بسبب خلاف سياسي لم يستطيعوا حله سلميا، فمن باب أولى أن نتحمل من كان في سياق مشابه، ممن هو دون الصحابة. وإذا لم نتعلم من الصحابة رضي الله عنهم حين لم يكفروا ولم يبدعوا ولم يخونوا من قاتلهم باجتهاد سياسي فممّن نتعلم إذن؟


-----------------------
(١) المقصود في هذا المقال ليس شباب الجهاد فقط بل كل النشطاء والدعاة الذين يجتهدون اجتهادات فكرية وسياسية وحركية تبدوا لآخرين بأنها كارثية من الناحية السياسية والمصلحية لكنها ليست كفرا ولا بدعة ولا خيانة.
(٢) البقرة ١٤٣.
(٣) مرجعية أمتنا الإسلامية في قياس حضارية البشر هو موضوع كتاب جميل للأستاذ الشيخ عبد المجيد النجار (الشهود الحضاري للأمة الإسلامية) وهذا استعراض له إضغط هنا.
(٤) مشهد موسى عليه السلام هومثل مشهد شخص رمى المصحف في الأرض من شدة الغضب كيف ستكون النظرة له؟ 
(٥) الأعراف ١٥٠
(٦) طه ٩٤
(٧) الأعراف ١٥٠
(٨) الأعراف ١٥٤
(٩) القصص ١٥
(١٠) القصص ١٩
(١١) النمل ١٠
(١٢) القصص ٢١
(١٣) هود ٧٠
(١٤) كرر القرآن الإشارة إلى خوف موسى من تحول العصا لثعبان والإشارة إلى خوف موسى من المؤامرة لقتله وكأنه تأكيد لبشرية موسى في كل سياق يرد في القرآن.
(١٥) رواه البخاري ومسلم وأبو داوود وأحمد.
(١٦) قصة زينب تكررت حين استولت سرية مسلمة على قافلة لأبي العاص زوج زينب فكان تدخل النبي صلى الله عليه وسلم في القصة تدخلا أبويا حنونا وهنا تفاصيل القصة كما أوردها بن هشام في السيرة إضغط هنا.
(١٧) تفاصيل قصة جويرية بنت الحارث وردت عند أحمد في المسند ووردت عند أهل السير وهنا من رواية ابن اسحاق إضغط هنا.
(١٨) صححه الألباني في صحيح الجامع.
(١٩) الأجيال التالية تعلمت من الصحابة فلم تسبب الأحداث التي تلت ذلك ومنها قتل الحسين رضي الله عنه و تداعيات المطالبة بدمه وموقعة الحرة والقتال بين بن الزبير وعبد الملك بن مروان وغيرها لم تتسبب بتكفير ولا تبديع. 
(٢٠) يزعم البعض أن قدرنا هو الحروب حتى في عهد الصحابة ويظن أوربا جنة السلام طول عهدها وينسى أن الحروب التي دارت في أوربا مئات اضعاف الحروب التي درات في منطقتنا عددا ودموية وقتلا. ومنها على سبيل المثال حرب الثلاثين عاما التي قضت على ثلث الشعب الألماني وحرب المئة عام بين اسبانيا وهولندا الخ. وحين استقرت أوربا في القرن العشرين جاءت الحربان العالميتان ففاقت في ضحاياها ودمارها كل الحروب السابقة.
(٢١) رواه ابن حجر في فتح الباري وأبو نعيم في الحلية والطبراني في الأوسط، وابن حجر في الإصابة وقال إسناده صحيح.
(٢٢) ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية ٧/٢٧٦.
(٢٣) البداية والنهاية ٧/٢٥٨.
(٢٤) ذكره تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لإبن عبدالهادي ٤/٥٠٩.
(٢٥) (٢٦) في هذا الرابط نقاش مستفيض عن حادثة الجمل وقصة منع علي أصحابه من غنيمة جيش عائشة إضغط هنا.

الاجماع على عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة



قال الآمدي في الاحكام ج١ ص ١٨٩ : ... تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو غير جائز بالاجماع، إلا على رأي من يجوز التكليف بما لا يطاق. ا.هـ.

وقال الرازي في المحصول ج3 ص187 : القائلون بأنه لا يجوز تكليف ما لا يطاق اتفقوا على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة لأن التكليف به مع عدم الطريق إلى العلم به تكليف بمالا يطاق. ا.هـ.

وفي اللمع ج1 ص159 : باب تأخير البيان ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة لأنه لا يمكن الاحتفال من غير بيان. ا.هـ.

وفي المنخول ج1 ص128 : تأخير البيان عن وقت الحاجة محال لأنه من جنس تكليف ما لا يطاق. ا.هـ.

وفي المستصفى ج1 ص483 : مَسْأَلَةٌ فِي تَأْخِيرِ الْبَيَانِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ. ا.هـ.

وفي شرح الكوكب المنير ج2 ص240 : ( وَلَا يُؤَخَّرُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ ( عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ ) وَصُورَتُهُ : أَنْ يَقُولَ " صَلُّوا غَدًا " ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ لَهُمْ فِي غَدٍ كَيْفَ يُصَلُّونَ وَنَحْوُ ذَلِكَ .لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ .

وَجَوَّزَهُ مَنْ أَجَازَ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ . وَالتَّفْرِيعُ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ .

لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ وُقُوعِ التَّأْخِيرِ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ : أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالشَّيْءِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ مُمْتَنِعٌ .ا.هـ.

وفي البحر المحيط ج4 ص401 : وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ : لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي امْتِنَاعِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى الْفِعْلِ. ا.هـ.

وفي شرح التلويح على التوضيح ج2 ص412 : وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ. ا.هـ.

ثم ج2 ص417-418 : ( قَوْلُهُ :وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ ) إلَّا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ ، وَلَا اعْتِدَادَ بِهِ. ا.هـ.

قال الشوكاني في إرشاد الفحول (١/٣٧٠) "أن يتأخر عن وقت الحاجة وهو الوقت الذي إذا تأخر البيان عنه لم يتمكن المكلف من المعرفة لما تضمنه الخطاب وذلك في الواجبات الفورية لم يجز لأن الإتيان بالشيء مع عدم العلم به ممتنع عند جميع القائلين بالمنع من تكليف ما لا يطاق وأما من جوز التكليف بما لا يطاق فهو يقول بجوازه فقط لا بوقوعه فكان عدم الوقوع متفقا عليه بين الطائفتين".

وقال أيضاً في نفس الصفحة " ولهذا نقل أبو بكر الباقلاني إجماع أرباب الشرائع على امتناعه قال ابن السمعاني لا خلاف في امتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى الفعل ولا خلاف في جوازه إلى وقت الفعل لأن المكلف قد يؤخر النظر وقد يخطئ إذا نظر فهذانك القربان لا خلاف فيهما انتهى".

وقال أمير بادشاه ( محمد أمين ) في تيسير التحرير ج:٣ ص:١٢٠ "فيتعين حمله عليه لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو غير جائز".

وقال القاضي أبو يعلى في العدة ج ٥ ص ١٤٥١"ومن يجوِّز تأخير البيان، فإنّما يجوِّزه إلى وقت الحاجة، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. والمعلل قد أخر بيانه عن وقت الحاجة وهذا غير جائز".

وقال السمعاني في قواطع الأدلة ج ١ ص ٢٩٥"اعلم أن لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى الفعل".

وقال الإسنوي الشافعي في نهاية السول ج ١ ص ٢٣١ "أقول: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة أي: وقت العمل بذلك المجمل إن منعنا التكليف بما لا يطاق؛ لأن الإتيان بالشيء مع عدم العلم به محال".

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

السنة والشيعة مذهبان أم ديانتان ؟


من الطبيعي أن تتسبب المواجهة بين الطوائف، بغموض في فهم طائفة من قبل طائفة أخرى، ويترتب على ذلك فوضى في العلاقة بيهنما. وغالبا ما يكون سبب هذه الفوضى، قفز فوق حقيقة الخلاف واتخاذ مواقف مبنية على آراء مسبقة بسياق عاطفي، ومشحونة بمشاعر مرتبطة بتجارب شخصية، وحكايات اجتماعية أكثر من ارتباطها بتكييف منهجي، وفهم معرفي. ومن النماذج البارزة في فوضى الجدل، وتفاوت المواقف، ما نسمع من أطروحات مختزلة تتراوح بين إزالة الفوارق بالكامل والدعوة للاتحاد، إلى مفاصلة كاملة وتصنيف الآخر بأنه أعدى الأعداء من البشر.

الحقيقة أولاً

والتكييف المنهجي لا يعني الوصول إلى نقطة التقاء، بل يعني آلية منضبطة علميا في تحديد الفوارق كحقائق مجردة، ليس للمواقف المسبقة ولا للعاطفة دور فيها. هذه المنهجية تقتضي معرفة متوازنة ونزيهة في القضايا الأساسية التي تميز الطوائف بعضها عن بعض، ثم تحديد إن كانت المقاربة ممكنة أو غير ممكنة. ومن بين أبرز هذه القضايا ثوابت كل طائفة ومرجعيتها، ونظرتها للغيب، والكون، والحياة، والتاريخ، وبنائها الاجتماعي، وتناولها للسياسة، إلخ.

وقبل الشروع في بيان هذه الفوارق، لا بد من الإشارة إلى خطأ شائع، وهو اعتقاد أن المنتسبين للإسلام هم السنة والشيعة فقط، وبذلك يكون ليس كل سني شيعيا، و ليس كل شيعي سنيا. وهذا غير صحيح، فكثير من المحسوبين من الطوائف الإسلامية مثل المعتزلة، والخوارج، ومن على نهجهم، ليسوا من السنة ولا من الشيعة.

ونقطة أخرى ينبغي التنبيه عليها، وهي أن المقصود بالشيعة في هذا المقال هم الطائفة الإثنا عشرية، و الذين يمثلون غالبية الشيعة في العالم الإسلامي.

الانتماء والثوابت:

تعريف الانتماء لكل طائفة، مدخل جيد لدراسة بقية الفروق، لأن التعريف -كما يقال- جامع مانع، وبذلك، فإن معرفة شرط الانتماء تحدد من يعتبر داخل الطائفة ممن يعتبر خارجها. وما دام الكلام في سياق الفوارق، فيكفينا الإشارة إلى ما يميز الطائفتين عن الأخرى في الانتماء بطريقة تصادمية، تجعل الفريقين في معسكرين منفصلين تماما.

للسنة والشيعة نظرتان مختلفتان تجاه أركان الإيمان والإسلام، ومعظم هذه الخلافات يمكن الادعاء أنها في التفاصيل، ومن ثم وجود هامش لمن يقول إنه جدل مذهبي داخل الدين. لكن تبقى قضيتان من الثوابت لا يجادل أي من الفريقين أنها أساسية ومركزية، وليست تفصيلية أو فرعية، وهي الموقف من الإمامة، والموقف من الصحابة، والتي يقف فيها الطرفان موقفا متناقضا، لا يمكن إدراجه تحت تعريف المذهب، بل هو لديانتين مختلفتين.

يرى الشيعة أن كل أركان الإيمان والإسلام -ما عدا الشهادتين- تأتي في أهميتها بعد الإمامة، ولا يمكن النجاة في الآخرة إلا بالإيمان بالإمامة. وتتفق كل طوائف الشيعة الإثناعشرية في القديم والحديث (١) على أن من ينكر إمامة الأئمة الإثناعشر كافر خارج عن الملة (٢). والإمامة لا يقصد بها إمامة الحكم، بل لها معنى أعلى من ذلك بكثير، وهو مقام شبيه بالنبوة، فالإمام معصوم، وقوله وعمله وتقريره شرع، كما سيأتي تفصيله بعد قليل، أما أهل السنة فيرفضون قطعيا إعطاء العصمة لغير الأنبياء، ويعتبرون من يقول بذلك قد ضل ضلالا مبينا، وبعضهم يحكم بكفره (٣).

وفي مقابل ركن الإمامة عند الشيعة، فإن من ثوابت أهل السنة التي أجمعوا عليها عدالة الصحابة رضي الله عنهم (٤) (العدالة هي أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وما يترتب على ذلك من استنتاجات خاصة في رواية الحديث. في المقابل، يرى الشيعة أن أقل أحوال الصحابة ضلال وخيانة بسبب تآمرهم (طبقا لكتب الشيعة) على تعطيل ما تعهدوا به، من تثبيت إمامة علي (يستثنى من ذلك  قليل من الصحابة يسمونهم المنتجبين).(٥)

فنحن أمام إشكالين كبيرين، ركن الإمامة عند الشيعة، الذي يعتبره السنة ضلالا مبينا، والإجماع على عدالة الصحابة عند السنة، الذين يعتبرهم الشيعة خونة لما تعهدوا به، بل مرتدين. هذان الإشكالان يصعب الوصول لنقطة لقاء فيها، إلا بتخلي أحد الطرفين عن أصل مبدأه، وخروجه من تعريف الطائفة التي ينتمي إليها.

النصوص ومصادر التشريع

في حين يعتقد أهل السنة أن لا حجة بعد القرآن إلا بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الشيعة يعتبرون كل ما جاء عن الأئمة الإثنا عشر (بمن فيهم الغائب) من قول، أو فعل، أو تقرير، حجة كاملة لها نفس حكم ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام. ولهذا، فإن كمية الأحاديث المنسوبة للأئمة في كتب الشيعة، تزيد عشرات المرات عن الأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم. (٦)
لكن الفرق لا يقف هنا، بل يمتد إلى فرق في النظر للقرآن وسلامته من التحريف،وفهمه وتفسيره، وفرق في النصوص التي لها مرجعية غير القرآن وهي الكتب المعتبرة للحديث، وفرق في طريقة الرواية، وفرق في مفهوم الأسانيد والتصحيح والتضعيف الخ.

القرآن وسلامته من التحريف

في التعامل مع القرآن، يجمع كل علماء أهل السنة على سلامة القرآن من التحريف، ويجمعون على تكفير من يقول بالتحريف أو النقصان أو الزيادة، حتى لو كان حرفا أو شيئا يسيرا، ولا يتأولون لمن يقول بالتحريف. (٧)
أما الشيعة، فيجمعون على عدم تكفير من يقول بالتحريف، ويقبلون بمرجعيته وروايته، ويرون أن ذلك لا يقدح بفضله وتزكيته  (٨) لكنهم يختلفون في القول بالتحريف نفسه.

فهم القرآن وتفسيره والاستنباط منه

يجمع أهل السنة على أن القرآن يفسر بالقرآن، ثم بالحديث، ثم بفهم الصحابة، ثم بمن بعدهم، ثم باللغة العربية، وليس لديهم إشكال في القبول بظاهر القرآن، ما لم ترد قرينة على تأويل خاص، أو تفسير يختلف عن الظاهر. (٩)

أما الشيعة، فهم متفقون أن القرآن لا يمكن فهمه إلا بقيّم، والقيم هو أحد الأئمة الاثني عشر. ولذلك فالشيعة لا يعترفون بتفاسير أهل السنة، لأنها قائمة على المعاني المباشرة، بل لهم تفاسيرهم القائمة على المعاني الباطنة التي يعرفها الأئمة. كما يؤمن الشيعة أن قول الإمام مثل قول "الله"، وللإمام حق النسخ والتقييد والتخصيص للقرآن. وكذلك يؤمنون بأن للقرآن معاني باطنة تخالف المعاني الظاهرة، وبأن جل ما في القرآن نزل في الأئمة وفي أعدائهم. (١٠)

بعد هذا البيان في موقف الفريقين من القرآن وتفسيره، هل نعتبرهما في ميدان مذهبين داخل دين واحد؟ أو في دينين مختلفين؟

كتب الحديث

يعتمد أهل السنة في معرفة الحديث على سلسلة من الكتب الحديثية في مقدمتها الصحيحين، ولا يقبلون حديثا إلا بإسناد، ويُخضعون كل الأحاديث في سندها ومتنها للتصحيح والتضعيف بأحكام معروفة. وإضافة لشروط كثيرة، لا يمكن أن يكون الحديث صحيحا إلا أن يكون مرويا عن صحابي، لأن الصحابة عند أهل السنة هم أول من حمل الدين. كما يرى أهل السنة أن الأصل في صحيحي البخاري ومسلم، هو الصحة مع تحفظات قليلة جدا على بعض الأحاديث في صحيح مسلم. (١١)

الشيعة في المقابل، لا يعترفون بكتب أهل السنة ولا يعتقدون بصحتها، لأنها مبنية على أحاديث رواها الصحابة الذين يعتبرونهم ضلالا، ما عدا استثناءات قليلة منهم كما ذكر أعلاه.  وللشيعة منهج رواية مختلف تماما عن أهل السنة، مبني على أن الأئمة بذاتهم مشرعون لأنهم معصومون، وقواعد كثيرة أخرى.(١٢)

ويرفض الشيعة كتب الحديث السنية، ولهم منظومة مختلفة تماما من كتب الحديث تشتمل على مجموعتين، المجموعة الأولى: أربعة صدرت في المئة الرابعة للهجرة، والمجموعة الثانية: أربعة صدرت متأخرة بعد الألف هجرية، ومعظم هذه الأحاديث منسوبة للأئمة بمن فيهم الغائب.(١٣)

ولم يظهر علم دراسة الإسناد والتصحيح والتضعيف عند الشيعة بشكل جاد، إلا بعد ٩٠٠ هجرية على يد زين الدين العاملي المتوفي ٩٦٥هـ. ويعترف علماء الشيعة أن علم الإسناد والتصحيح والتضعيف عند السنة، لو طبق على كتب الحديث الشيعية، فستلغي كل أحاديث الكتب الثمانية . (١٤)

وبذلك فإن منظومة الحديث عند الشيعة مختلفة تماما، في مصدرها، ومبناها، ومنهجها، وطبيعتها، وحجيتها، كليا عن منظومة الحديث عند السنة. وبهذا الاعتبار، هل نستطيع اعتبار السنة والشيعة مذهبين داخل دين واحد أو دينين مختلفين؟

النظام الاجتماعي

في البناء الاجتماعي، يعتبر أهل السنة كل مسلم مسؤول أمام الله بذاته، قادر على أن يتعبد الله لنفسه، أو أن يفتي لغيره إذا تعلم العلم الشرعي، دون الحاجة إلى تعميد من جهة شرعية. والعالم عند السنة يستفتى لكن فتواه غير ملزمة فللمستفتي الحق أن يسأل غيره إن لم يطمئن لإجابته. وفيما عدا الزكاة الشرعية، لا يوجد أي إلزام للسني بدفع المال لأي جهة، وله الحق أن يدافع عن ماله، حتى لو قتل في سبيل ذلك. (١٥)

أما عند الشيعة، فالمجتمع مقسم إلى مقلد ومجتهد، والمجتهد لا يمكن أن يصل لدرجة الاجتهاد إلا بتعميد من الحوزة. والمقلد ملزم بأن يختار مجتهدا يستفتيه في كل شؤون حياته (الاستثناءات قليلة) ، كما يلزم أن يدفع للمجتهد الذي يقلده الخمس (خمس ما يزيد عن مؤونته السنوية). وبهذا يكون المجتمع مرهونا لمجموعة من المجتهدين في تناوله للدين، وتصرفه بالأموال والأيتام والأوقاف وغيرها. (١٦)

السياسة والحكم

في نظرتهم للسياسة والسلطة، يعتبر أهل السنة الحكم مسؤولية متحققة فورا، وليست مرتبطة بإمام معصوم. ولدى أهل السنة منظومة سياسية كاملة في مفاهيم الحرب والسلم، والعلاقة مع الأمم الأخرى، وفي إدارة الدولة، ونظرة لطبيعة السلطة والشريعة، وتجربة ثرية على مدى قرون طويلة. ويرى أهل السنة أنهم هم المعنيون بذلك، ولا يجوز أن يتولى عليهم كافر، أو غير سني. (١٧)

في المقابل، لا توجد منظومة سياسية في الموروث الشيعي سوى انتظار المهدي، ويؤكد هذا الموروث على تحاشي النشاط السياسي، إلى أن يخرج المهدي فيقيم الدولة. أما الفترة التي عاش الشيعة فيها تحت سلطة حكام شيعة مثل الصفويين، فقد كان الحكم أقرب لثنائية الكنيسة والملك في أوربا، منه للحكم عند أهل السنة.

وبقي حال الشيعة دون تنظير للسلطة، إلى أن ظهر الخميني فحول نظرية ولاية الفقيه إلى مشروع عملي، وأقام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وتسبب غياب أي مشروع سياسي في التراث الشيعي، باضطرار الخميني حين أقام الدولة، لأن يستعير من السنة ومن التجربة الغربية الكثير من المبادئ، حتى يقيم جمهوريته. (١٨)

المسيرة التاريخية

أخذ التاريخ السياسي والشرعي للسنة والشيعة مسارين مختلفين تماما، سواء من ناحية النفوذ والسلطة، أو من ناحية الوجود والجغرافيا. ولم يلتقِ هذان المساران أبدا إلا على شكل مواجهات، أو حروب، أو تبادل الاتهامات من الطرفين، بالكفر والضلال والكذب والخيانة.

تاريخ السنة السياسي يتمثل في التاريخ المعروف الذي بدأ بالعهد النبوي، ثم العهد الراشدي، ثم الأموي، والعباسي، والمماليك، والعثمانيين.

و التاريخ الشرعي بدأ بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم علماء الصحابة، وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة، ثم كل طبقات العلماء، من التابعين وأتباع التابعين، والائمة الأربعة، وأصحابهم، ومن أتى بعدهم. أما توسع العلوم الشرعية، فهو كذلك مرتبط بتاريخ تطور العلوم الشرعية الإسلامية نفسها، وظهور المدارس الفقهية، وتدوين الحديث وخدمته بعد ذلك بالمصطلح والتخريج، ودراسة الأسانيد وغيره.

مسار تاريخ الشيعة السياسي كان مختلفا عن الخط العام في التاريخ الإسلامي، حيث لم يحصل له نفوذ إلا أيام البويهيين كوزراء عند العباسيين، وأيام الحكم الفاطمي في مصر، والصفويين في إيران، ثم ثورة الخميني. وحتى تولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة، لم يكن جزءا من التاريخ السياسي للشيعة، لأن توليه لم يكن في سياق الإمامة الشيعية، بل كان في سياق القيادة السياسية.

أما التاريخ الشرعي فقصته اكثر ابتعادا عن الخط العام للتاريخ الإسلامي، وكان أول تميز للتشيع العقدي الصريح بالمفهوم الإمامي بعد ١٢٠ سنة من الهجرة، حين تميزت الرافضة بفكرة الرفض الصريح، ثم تبع ذلك مرحلة التدوين في نهاية المئة الثالثة الهجرية، ثم لم يكن بعد ذلك أي نشاط حقيقي لعلماء الشيعة إلا بعد ظهور الدولة الصفوية في إيران.

ويخطئ من يظن أن التشيع لعلي رضي الله عنه أيام الفتنة الكبرى هو بداية التشيع العقدي، فهذا ليس له علاقة بالتشيع الإثناعشري، بل هو تشيع سياسي سني، وموقف اتخذه عدد كبير من الصحابة، وهو الرأي الراجح عند أهل السنة، ولا يمكن مطلقا ربطه بالتشيع العقدي. وكذلك لا علاقة لشخصية عبدالله بن سبأ والمختار الثقفي بالتشيع الإثنا عشري، فهذه نتوءات تاريخية تم القضاء عليها بالكامل، قبل أن ينطلق التشيع الإثنا عشري (١٩)

ديانتان

هذه الفوارق حقائق لا ينكرها السنة ولا الشيعة، (٢٠)  ويتضح جليا أن المشكلة في الثوابت وأصل المنهجية، في التلقي والفهم والنظرة للهوية والتاريخ والسياسة والنظام الاجتماعي والحالة النفسية العامة والخاصة وليست في التفاصيل. ومن الملاحظات التي يستنطبها المدقق في هذا العرض، أن مسيرة التراثين ظلت بعيدة بعضها عن بعض، منذ أن نشأ التشيع حتى الآن.

ولذلك فإنه يخدع نفسه من يظن أن منظومتين متضادتين في كثير من ثوابتها ومنهجيتها، يمكن أن تتحد أو تقدم تنازلات حتى تصل لنقطة التقاء، ولا يمكن أن يقول بذلك إلا الجهلة من الطرفين. والنظرة العادلة المتجردة تقود من يستحضر هذه الفوارق إلى الاعتقاد بكل أمانة، أنه لا يتعامل مع مذهبين، بل ديانتين مختلفتين.

ليس الغرض في كتابة هذا المقال تحديد كيفية تعامل الطائفتين مع بعضهما، لكن الغرض بيان الحقائق كما هي دون خداع للنفس، ولا تفكير رغبوي، ولا تمنيات خيالية (٢١).

----------------------------------------------------------------------
*مصطلح "مذهب" قد يحيل لمعاني كثيرة تصل إلى مستوى الأديان المختلفة، والمقصود به هنا المعنى الدارج، وهو الطريقة المتبعة لفئة من الناس داخل دين يشمل غيرهم.

(١) أكد الشيخ المفيد اتفاق الشيعة على الإمامة "واتفقت الإمامية على أن الأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وآله اثنا عشر إماما" أوائل المقالات/ الشيخ المفيد ص ٤١.
(٢) أكد الشيخ المفيد اتفاق الشيعة على أن إنكار الإمامة كفر بالله "واتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد الأئمة، وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة، فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار". الشيخ المفيد ص ٤٤.

(٣) قال ابن تيمية "من ادعى العصمة لأحد في كل ما يقوله بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو ضال، وفي تكفيره نزاع وتفصيل". (ابن تيمية الفتاوى المصرية).

(٤)  قال ابن حجر العسقلاني "اتفق أهل السنة على أن جميع الصحابة عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شرذمة من المبتدعة". ابن حجر العسقلاني الإصابة في تمييز الصحابة ١/٩.

(٥) جاء في كتاب الروضة من الكافي "كان الناس أهل ردة بعد النبي، إلا ثلاثة المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي"  (٨/٢٤٥).
وفي حياة القلوب للمجلسي قال "هلك الناس كلهم بعد وفاة الرسول، إلا ثلاثة أبو ذر والمقداد وسلمان". (حياة القلوب) للمجلسي فارسي (٢/٦٤٠).

(٦) جمعت في هذا الرابط سلسلة نقولات في كتب الشيعة عن تأكيد أن الأئمة هم مصدر الدين :
http://turkialjasserj.blogspot.com/2014/10/blog-post_96.html

(٧) قال القاضي عياض في كتابه الشفا في بيان حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم : " وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين، مما جمعه الدفتان من أول "الحمد لله رب العالمين" إلى آخر " قل أعوذ برب الناس" أنه كلام الله، ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك، أو بدله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأجمع على أنه ليس من القرآن عامداً لكل هذا أنه كافر" ٢/٣٠٤.
وقال ابن قدامة في لمعة الاعتقاد (ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر).(١/٢١).

(٨) هذه مجموعة نقولات عن علماء الشيعة التي يؤكدون فيها إيمان سابقيهم من كبار علماء الشيعة بالتحريف، ومع ذلك يعترفون بعلمهم وفضلهم، ولا يجرمونهم  فضلا عن أن يكفرونهم:
http://turkialjasserj.blogspot.com/2014/10/blog-post_3.html

(٩) تجد هذا الترتيب في تفسير القرآن في مقدمة كتب التفسير لكبار علماء السنة،  مثل ابن كثير، كما تجدها في  كتب علوم القرآن مثل السيوطي وغيره.  قال الزركشي في مناهل العرفان في علوم القرآن " للناظر في القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة: الأول: النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع التحرز عن الضعيف والموضوع. الثاني: الأخذ بقول الصحابي، فقد قيل: إنه في حكم المرفوع مطلقاً، وخصه بعضهم بأسباب النزول ونحوها، مما لا مجال للرأي فيه. الثالث: الأخذ بمطلق اللغة مع الاحتراز عن صرف الآيات إلى مالا يدل عليه الكثير من كلام العرب. الرابع: الأخذ بما يقتضيه الكلام، ويدل عليه قانون الشرع، وهذا النوع الرابع هو الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس في قوله: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل ـ رواه البخاري ومسلم. فمن فسر القرآن برأيه أي: باجتهاده ملتزماً الوقوف عند هذه المآخذ معتمداً عليها فيما يرى من معاني كتاب الله، كان تفسيره سائغاً جائزاً خليقاً بأن يسمى تفسيراً، ويكون تفسيراً جائزاً ومحموداً، ومن حاد عن هذه الأصول وفسر القرآن غير معتمد عليها كان تفسيره ساقطاً مرذولاً خليقاً بأن يسمى التفسير غير الجائز، أو التفسير المذموم. (المناهل ٥٩٥).

(١٠) في هذا الرابط تفصيل كامل لنظرة الشيعة في فهم القرآن وتفسيره والاستنباط منه، واعتماد ذلك على الأئمة وصلاحية الأئمة في نسخه وإظهار المعاني الباطنة : 
http://turkialjasserj.blogspot.com/2014/10/blog-post_22.html

(١١) نقل إجماع أهل السنة على الصحيحين النووي في كتابه "النكت على مقدمة بن الصلاح" (صفحة ١٦٣)  والحافظ بن حجر في مقدمة "فتح الباري" (صفحة ٨).

(١٢) راجع هذا البحث التفصيلي في مفهوم الحديث والرواية عند الشيعة :
http://turkialjasserj.blogspot.com/2014/10/blog-post_93.html

(١٣) هذا بحث تفصيلي في المراجع الحديثية المعتبرة عند الشيعة :
http://turkialjasserj.blogspot.com/2014/10/blog-post_35.html

(١٤) هذا بحث تفصيلي في علم الإسناد عند الشيعة، وتاريخه ونماذج من تطبيقه :
http://turkialjasserj.blogspot.com/2014/10/blog-post_10.html

(١٥) مقالة صغيرة مفيدة عن حدود التقليد عند أهل السنة :
http://www.dorar.net/enc/aqadia/3508

(١٦) ملخص أقوال الشيعة وإجماعهم على وجوب التقليد، وتقسيم المجتمع لمقلد ومجتهد :
http://www.aqaed.com/faq/4278/

(١٧) كُتبت في السياسة الشرعية عند أهل السنة قديما وحديثا كتب كثيرة، ربما يكون أوسعها كتاب الدكتور عبدالله الدميجي (الإمامة العظمى)، جمع فيه أقوال العلماء في وجوب إقامة الإمامة، وقدم شرحا تفصيليا لنظرة أهل السنة لتفاصيل الحكم، وهذا رابط للكتاب :
http://goo.gl/N2qfUQ

(١٨) هذا البحث فيه استعراض تاريخي لتحول النظرية السياسية الشيعية، من السلبية وانتظار المهدي، إلى ولاية الفقيه:
http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/b89d2831-2b46-462f-9b5c-776d1b0edd80

(١٩) في هذا البحث القصير سرد لمراحل التشيع الإثنا عشري، وملاحظات هامة على هذا التاريخ
http://turkialjasserj.blogspot.com/2014/10/blog-post_13.html

(٢٠) هذا رابط فيه ملخص النقولات الطويلة عن نظرة الشيعة للقرآن والسنة، والرواية والإسناد، وتعريف بكتب الحديث عند الشيعة :
http://turkialjasserj.blogspot.com/2014/10/blog-post_34.html

(٢١) كثير من هذه النقولات موجودة في كتاب "أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية عرض ونقد" للدكتور إبراهيم القفاري، وهو كتاب مفيد في هذا الموضوع، كما أعانني أحد الأخوة الفضلاء في تصنيف وترتيب وتقسيم النصوص التي في الهوامش.


الاثنين، 13 أكتوبر 2014

تاريخ التشيع الاثناعشري

لا يمكن معرفة التاريخ الحقيقي للتشيع الإثناعشري، إلا بتأكيد الحقائق التالية: 

أولا: لا يوجد في التاريخ السني ولا الشيعي ما يدل على أن هناك مادة نصية محفوظة، يتداولها الجيل الأول، أو الثاني، أو الثالث، أو حتى الرابع، بعد الرسول صلى الله عليه وسلم تشتمل على تصور متكامل مثل الذي بين أيدينا من تصورات الشيعة، لقضايا الفقه والعقيدة والمنهج.

ثانيا: رغم أهمية بعض الشخصيات مثل: عبدالله بن سبأ، والمختار بن أبي عبيد الثقفي، وأهمية آخرين، فإنه يجب أن يوضعوا في السياق الصحيح. 
تطور التشيع على المذهب الإثنى عشري بمفهومه الثقافي العقدي الفكري، حصل بشكل تدريجي خارج سياق هاتين الشخصيتين، بل إن التشيع الذي انطلق منه مفهوم الإثنا عشرية -وهو تشيع الرفض- بدأ بعد هاتين الشخصيتين بأكثر من خمسين عاما. لكن يمكن اعتبار ابن سبأ والمختار بن أبي عبيد، أحداث تمثل نتوءات في الفكر الشيعي، تركت بعض الأثر، لكن لا تمثل حلقات متصلة في سلسلة تطور المذهب.

ثالثا: مر الفكر الإثني عشري بمراحل هامة من أجل أن يتشكل بصورة مذهب مستقل. لكن سبق مرحلة الانحراف العقدي تحيزات سياسية، ساهمت في التوطئة له. كان أهم تلك التحيزات أحداث الفتنة الأولى، ثم قتل الحسين رضي الله عنه، ثم تصاعد الشعارات للمطالبة بدم الحسين والسعي لذلك، ثم ثورات زيد بن علي وذو النفس الزكية. ولكن كل هذه المراحل كان فيها تشيع سياسي، دون اختلاف عقدي مع التيار العام، بمعنى أن كثيرا ممن تشيع لعلي، وتحمس للمطالبة بدم الحسين بعد ذلك، كان سني المنهج سليم العقيدة، وكان وقوفه مع علي ومع الحسين رضي الله عنهما بسبب قناعات تشكلت في إطار سياسي فقط، وليس في إطار تكفير الصحابة، أو تخوينهم، أو الغلو في آل البيت.

رابعا: كان من أهم مراحل الانحراف العقدي، الخلاف مع زيد بن علي حول الموقف من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. نعم كان هناك جرأة على أبي بكر وعمر قبل ذلك، لكن لم تتشكل على شكل جماعة، إلا بعد أن تميزت فرقة "الرافضة" في لحظة الخلاف مع زيد بن علي بن الحسين، حين امتحنوه في موقفه من أبي بكر وعمر، فأثنى عليهما فرفضوه، فسماهم الرافضة.
 هذه المرحلة كانت هامة جدا،- لأنها صنعت أول تجمع يتبنى القدح في أبي بكر وعمر، إذ أن القدح في عثمان وغيره من الصحابة كان قديما. ومنذ تلك اللحظة، أصبح التشيع ذا طابع عقدي متميز، وبمدارس مستقلة. لكن من الضروري هنا أن نبرئ آل البيت من أمثال محمد الباقر، وجعفر الصادق، من كونهم هم الذين ألّبوا الرافضة على الصحابة، وعلى أبي بكر وعمر، حيث ثبت في كتب السنة أن الباقر والصادق من أهل السنة الملتزمين بالعقيدة، والمنهج السني على طريقة الصحابة.

خامسا: التوجهات العقدية الشيعية في البداية لم يخدمها التداول النصي، إلى أن جاءت بعد ذلك مرحلة الرواية، أو تكوين مدرسة مذهبية "شفوية" مستقلة، والتي كانت الأساس في تشكل المذهب الشيعي الذي استقر بعد ذلك في الفكر الإثنا عشري. تمثلت هذه المرحلة في ظهور مجموعة كبيرة من الرواة الذين يزعمون أنهم من أصحاب الباقر والصادق، من أمثال زرارة بن أعين، وجابر الجعفي، وأبو بصير، ممن صنعوا فكرة اعتماد الأئمة كمصدر مباشر للتلقي، بدلا من الرسول عليه الصلاة والسلام. وتمكنت هذه المجموعة من صناعة أساس لمنظومة الفكر الشيعي المتكامل، عن طريق سرد آلاف الروايات المنسوبة للباقر والصادق.

سادسا: و تبعا لتلك المهمة، كانت هناك خطوة أعطتها عامل البقاء، وهي مرحلة تدوين ما رواه هؤلاء الرواة وأمثالهم، والتي تمثلت في كتاب "بصائر الدرجات" والكتب الأخرى التي ألفها نفس المؤلف في نهاية المئة الثالثة، ثم تتابع التأليف بعد ذلك في المئة الرابعة، وظهرت الكتب الأساسية في المذهب الشيعي، والتي كان أهمها "كتاب الكافي". 
ورغم أن التشيع في تلك الفترة لم يكن يعتمد اعتمادا كبيرا على هذه المؤلفات، بل كان عبارة عن طوائف مغلقة يسودها الجهل تُردد كلاما كثيرا غير مفهوم، إلا أن هذه الكتب بقيت المادة التي اعتمد عليها متأخرون ممن أحيوا المذهب في مراحل متأخرة. وصادف في تلك الفترة حادثة الاختفاء المزعوم للإمام الثاني عشر و"الغيبة الصغرى"، فكانت الحادثة بمثابة إقرار للإثني عشرية كما يزعمون.

سابعا: بقي المذهب الشيعي في الجملة ضامرا، وتُتداول نصوصه بشكل سري، إلى أن حصلت تغييرات سياسية في بعض بلاد المسلمين ساهمت في ظهوره، حيث تبنت أنظمة سياسية معينة خدمة المذهب، وحصل ذلك في الدولة الفاطمية والوزراء البويهيين في العهد العباسي الثالث، والدول الشيعية في فارس التي وفرت الفرصة لكتب: مثل "منهاج الكرامة" لابن المطهر الحلي. لكن المذهب الشيعي عاد فانتكس بعد ذلك، ولم تظهر كتب ذو بال، ولم تظهر أي خدمة للمذهب، إلا في المرحلة التالية.

ثامنا: بعد ظهور الدولة الصفوية في إيران، وتنامي قوتها، وتبنيها للفكر الشيعي وعلمائه، وقمعها بقوة للفكر السني، وإجبار الملايين من أهل السنة على الخيار بين التشيع أو الموت، انتشر التشيع وانتعش التأليف فيه، فخرجت أخطر الكتب في تاريخ التشيع، وهي البحار والوسائل والمستدرك على البحار. وبسبب الدعم السياسي اللامحدود لهذه التأليفات، تسابق المؤلفون في تضخيم هذه الكتب وحشوها بما يستطيعون، متبارين في الغلو في آل البيت، وتضخيم الخيال في توصيفهم لآل البيت وظلمهم من قبل الصحابة، وحشد الروايات المختلقة في تقوية كل أركان عقيدتهم، زاعمين أنها مروية بالإسناد المتصل بالأئمة!!!

تاسعا: المرحلة الأخيرة وهي الثورة التي أحدثها الخميني في الفكر الشيعي، من خلال تبنيه لنظرية ولاية الفقيه، والتي لم تكن موجودة حتى أيام الصفويين، حيث كانت العلاقة بين الملك وعلماء الشيعة مثل العلاقة بين الكنيسة والفاتيكان. وحين سيطر الخميني على الحكم، لم يجد في التراث الشيعي طرحا سياسيا، فاضطر للاستعارة من الفقه السني والفكر العلماني الغربي، وخرج بالدستور الإيراني المعروف.


وإضافة لهذه المراحل، يرصد من يتابع تاريخ التشيع الملاحظات التالية:

  • أن التشيع الحالي ليس بالضرورة رواية صحيحة للتشيع القديم، بل في كل مرحلة من مراحل التشيع وخاصة مراحل التدوين والنسخ والكتابة، كان هناك مزيد من الاختلاق والنسبة للأولين.
  • لم يكن هناك نشاط شيعي نصي روائي قبل أن تخرج المجموعة التي عاصرت الباقر والصادق، والتي بدأت بتنظيم عملية الرواية بطريقة شاملة ومنهجية. وهذا يدل على أن التشيع كله بمفهومه العقدي لا السياسي، مشروع متأخر ولا علاقة له بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بعلي رضي الله عنه.
  • لم يكن هناك تدوين قبل نهاية المئة الثالثة للفكر الشيعي، وكان النقل شفويا. والشك لا يقف عند نسبة هذه الروايات للأئمة، بل حتى نسبتها للرواة الذين يروون عن الأئمة فيها نظر. فإذا كان الكليني يزعم أنه قابل المهدي في غيبته الصغرى، ويحشو أكثر من 300 رواية عن تحريف القرآن، فمن البديهي أن يكون هو نفسه المختلق. أما الكتب المتأخرة، فمن باب أولى أن تكون مليئة بالكذب، سواء بدلالة الغلو فيها، أو بدلالة زعم الإسناد إلى الأئمة، والذي يمتد الى المئة الثالثة عشر والرابعة عشر.
  • مشكلة خاصة تتناول مدونات الشيعة لا توجد في مدونات غيرهم، هي التزوير والاختلاق ليس في المرويات الشفوية فقط، بل حتى في الكتب المنسوخة، فهناك من الدلائل الثابتة على أن النسخ الحالية للكتب القديمة، قد زيد فيها وحذف منها الكثير من الأحاديث والروايات.
  • لعب عامل التقية في طمس مراحل هامة من التاريخ الشيعي، وهي المراحل الأطول، حيث لم يظهر لهم نشاط أكاديمي أو علمي في فترات طويلة من التاريخ الإسلامي، مما أعطى فرصة لعلمائهم أن يزوروا الروايات والكتب ويتلاعبوا بالمذهب.
  • من العناصر التي أعطت المذهب تميزا وعمرا، وساهمت في تشكيل الشيعة تشكيلا اجتماعيا مستقلا، غير موجود عند فرق أخرى مثل المعتزلة، هو وجود منظومة فقهية مستقلة في الفروع، معها مؤسسة دينية منتفعة ومستفيدة من المنهج على شكل شبكة مجتهدين، تجمع الخمس من الناس. هذه التركيبة ساعدت في بقاء المذهب بسبب البعد الاجتماعي، ولولاها لربما انطمس المذهب، وبقي مذهب صفوة مثل المعتزلة.

تحديات الظاهرة الجهادية



أحدثت الظاهرة الجهادية تغييرا هائلا في الموازين، وأعادت رسم الخريطة الاجتماعية والنفسية، وفرضت نفسها كأولية على كثير من الدول. ولم تقف الظاهرة الجهادية عند كونها خطرا على بعض الأنظمة، أو مشكلة إرهابية لحكومات غربية وشرقية، بل في كونها تحديا شاملا لجهات كثيرة، وفي مناحي كثيرة. (١)

ومع الأسف لا يعترف كثير من المثقفين بضخامة هذه الظاهرة، إما عجزا عن إدراكها، أو تحاشيا لها، أو عيشا في وهم احتقار المنافس. ولا يمكن إدراك حقيقة هذه الظاهرة وأبعادها والتعامل معها بطريقة سليمة، إلا بالاعتراف بها ومعرفة عمقها وامتدادها وتقصي كل تحدياتها. (٢)

وبعد تمرين ذهني جيد فيه تجرد من ضغوط إعلام الحكومات، والتداولات الفكرية الباردة، والاستغراق في الواقع المباشر، يستطيع المثقف رصد مجموعة من التحديات التي فرضتها هذه الظاهرة. هذه التحديات ليست من تخطيط جماعة أو حزب، بل هي نتيجة تلقائية لطبيعة هذه الظاهرة، كونها منطلقة من ثقافة المجتمعات، ومن مرجعيتها ومعاناتها. (٣)


التحدي الشرعي 

يعتقد البعض أن الطرح الجهادي ليس إلا حزمة من العواطف المتدفقة والحماس الزائد، مدعومة ببعض النصوص التحريضية التي فُهمت خطأ، ووجهت على غير المراد بها. وبتأمل أدبيات الجهاد، يتبين أن الطرح الجهادي الحالي أوسع من ذلك بكثير، فهو متسلح بكمية كبيرة من نصوص القرآن والسنة الصحيحة، التي يمكن أن تعتبر منظومة متكاملة في مشروع ضخم.

والنصوص التي يحتج بها الجهاديون، تشمل كل النصوص المرتبطة بالهوية، والمرجعية، والعلاقة بالآخر، والحاكمية، وبأحكام الطوائف المختلفة، فضلا عن أحكام القتال. والتحدي الأصعب هنا أن سَوقهم لهذه النصوص، ليس تكلفا، ولا تعسفا، ولا حشرا في غير محله، بل إنها تساق بمعناها المباشر المحرج لكثير ممن يطرح طرحا مخالفا لهم.

ويتصاعد التحدي حين يروي الجهاديون فهم علماء الإسلام الكبار لهذه النصوص، بما يؤيد طرحهم، بدءا بعلماء الصحابة والتابعين، ومرورا بالأئمة الأربعة وكبار علماء التفسير والحديث، وابن تيمية وابن القيم، وانتهاء بعلماء الدعوة النجدية. ويضطر كثير ممن يخالفهم لأن يبحث عن مخارج مرهقة من أجل أن يصمد أمام هذا الطرح. 

لا شك أن التهور الشرعي والعملي عند بعض جهلة الجهاديين، يوفر وسيلة ممتازة لبعض العلماء المخالفين للجهاد في الرد عليهم، لكن مواجهة الشخصيات المؤصلة في الجهاد، أمر آخر وربما لم يحصل حتى الآن. (٤)


التحدي الفكري 

فضلا عن النصوص، يقدم الجهاديون رؤية واضحة لمشروعهم، سواء من ناحية الغاية النهائية، أو تحديد طبيعة جماعاتهم وشخصيتهم الفكرية، أو تقويمهم للوضع العالمي والإقليمي، أو خططهم المرحلية. وفي عرضهم لهذه الرؤية، فهم لا يسوقون كلاما إنشائيا كوجهة نظر عابرة، بل يؤصلون له شرعيا وتاريخيا وإداريا بل وفلسفيا. 

ويلاحظ في التيارات الجهادية، أن صاحب الرؤية عادة يكون في سدة المسؤولية، أو قريبا منها، مثل الظواهري والعدناني، بخلاف كثير من التيارات الإسلامية الحالية، التي يفتقر فيها القياديون للرؤية والعمق الفكري. هذا التمكن الفكري لدى القيادة، يفسر تتابع الأحداث بطريقة توازي الطرح الفكري الذي تتبناه تلك القيادة. ومثال ذلك استراتيجية "أمريكا أولاً" عند ابن لادن والظواهري، مقابل التمدد الأفقي عند البغدادي والعدناني. (٥)

هذا الوضوح لا ينطبق على كثير من التجمعات الجهادية المبعثرة هنا وهناك، من المنتسبين للقاعدة أو داعش أو الأفراد المتعاطفين معهم، لأن الرؤية لديهم مرتبكة جدا. وغالب من يخالف الجهاديين، يستخدم هذه التجمعات المبعثرة كنماذج، فتفوت عليه الفرصة في فهم الرؤية الجهادية الأصلية.(٦)

ولا يشكل الطرح الجهادي المؤصل تحديا للمثقفين غير الاسلاميين، لأنهم خارج دائرة الحرج من المرجعية الإسلامية، لكن المثقفين الإسلاميين يجدون أنفسهم في خانة ضيقة أمام الطرح الجهادي، بسبب مهارة الجهاديين في استخدام المرجعية الإسلامية، في تقوية حجة الطرح الجهادي.


التحدي الأمني 

أثبتت التجربة خلال العشرين سنة الماضية، أن التيارات الجهادية لديها القدرة على البقاء والتوسع، رغم كل الجهد المبذول لاستئصالها، أو إيقاف نموها. هذا التوسع ليس في خطرها الأمني فقط، بل التمدد في النفوذ، وتكاثر في الأعداد، وتعمق في التأثير الفكري والنفسي بالجمهور، ونمو في القوة العسكرية والسياسية. وربما يعزى سبب قدرتها على البقاء، والنمو لعدة أسباب منها:

أ) سهولة التجنيد، وذلك لأن دعاة الجهاد يجيدون توظيف النصوص الموجبة للجهاد والمحرّضة عليه، وتنزيلها على ظروفنا الحالية، وأسباب أخرى مذكورة في فقرة التحدي النفسي.

ب) الإصرار والقدرة على التحمل، وذلك بسبب الثقة العارمة بالمشروع الجهادي عند أفراده، فهم يعتبرون أنفسهم أفضل أهل الأرض، وكذلك لأنهم يعتبرون الصبر وطول النفس جزءا من الجهاد نفسه.

ج) الشجاعة والاستعداد للمواجهة، وذلك بسبب الاستعداد الدائم للموت، بل الحرص عليه إلى درجة أن الموت صار أهم جزء في مشروع الجهاد.

د) المرونة في الحركة، والاستعداد النفسي للتنقل، بعد التخلي عن المواطنة والنظرة القطرية، وتبني النظرة العالمية، والانتماء الديني المتجرد من العلاقة بالمكان.

في المقابل، يجري التعامل مع التيارات الجهادية كمشكلة أمنية، أو عصابة خارجة عن القانون، أو جماعة تشكل خطرا على النظام، دون أي إدراك لهذه الأسباب القوية في مقدرتها على البقاء. ولذلك يلاحظ حتى لو تمت محاصرة التيار الجهادي في بلد واستئصال المقاتلين، تبقى جذوة الانتماء الجهادي ممتدة في المجتمع، قابلة للانفجار في أي لحظة، أو الهجرة لبؤرة جهاد في مكان آخر. (٧)


التحدي النفسي 

التعطش للهوية وإغلاق الطريق أمام الإصلاح السلمي، وعجز الأنظمة الحالية عن مواجهة استفزاز أعداء الإسلام للمسلمين وغيرها، أسباب يسرت تجنيد الشباب في التيارات الجهادية. والجهاديون لا يكتفون بتجنيد الشباب مستغلين هذه الأسباب، بل يثبتون أنهم قدر التحدي النفسي، حين تتجاوب القوى العالمية، فتجيش قدراتها العسكرية والسياسية والأمنية والمالية والمخابراتية ضدهم. (٨)

هذا التفاعل العالمي بصوت مرتفع جدا، يمثل اعترافا صارخا بندّية التيارات الجهادية لهذه القوى العالمية، وهو ما يمثل إشباعا نفسيا إضافيا فيه نشوة وانتعاش للشباب المتطلع لهذا الدور. وخصوم التيارات الجهادية (وخاصة الغربيين) لا يدركون أن تجييش العالم ضد الجهاد بصوت مرتفع، إنما هو أفضل وسيلة لتجنيد الشعوب المسلمة مع الجهاد. 

هذا الشعور بالنشوة من اعتراف الخصم الكبير بك وبخطورتك، يمكن أن يخفت لو كان لوحده، لكنه مستصحب لشعور أصلي بثقة عارمة بالمنهج، ومسؤولية عن العالم كله. ولذلك تتحول هذه الثقة العارمة بالمشروع إلى تحدٍ نفسي يستحيل كسره، رغم الحملات العسكرية والأمنية والتعاون العالمي. (٩)


التحدي الحضاري 

يتبنى الجهاديون مجموعة مبادئ، تضعهم في مواجهة كل المنظومة العالمية القائمة على حضارة علمانية بمبادئ علمانية. والأمر الذي يجعل هذه المواجهة شاملة في تحدٍ حضاري، هو أن الجهاديين لا يكتفون بوضع الأطروحات في كتب أو مقالات، بل يترجمون ذلك عمليا في مشروعهم القتالي. ومنطلقهم في ذلك قناعتهم أنهم يتحملون مسؤولية البشر على وجه الأرض، لما يعتبرونه إخراجهم من الظلمات إلى النور.

يرى الجهاديون أن العالمية في الإسلام لا تقتصر على نشر الإسلام بين أفراد البشر في كل مكان، ومن كل جنس، بل تعني عولمة المشروع الإسلامي الاجتماعي والسياسي كاملا. أما الهيمنة، فتعني السعي لأجل أن يتفرد المسلمون بالسلطة، فوق كل الأديان والأفكار، ولا يسمح لأي دين بأي مظاهر، إلا بقدر ما تسمح به الشريعة، داخل الدولة المسلمة التي تتوسع دائما. وأما الحاكمية، فتعني الالتزام بمرجعية الكتاب والسنة، ورفض كل القوانين أو التشريعات التي ليس مصدرها الكتاب والسنة. 

والجهاديون يعتبرون أنفسهم تلقائيا خصوما للقوى العظمى، مثل أمريكا، وروسيا، والاتحاد الأوربي، وخصوما للمؤسسات العالمية، مثل الأمم المتحدة، والمؤسسات المالية العالمية وغيرها. هذه الخصومة عند الجهاديين ليست خصومة إزعاج وتخويف، بل هي خصومة صراع تاريخي حضاري، يعتقدون أن النصر في نهاية المطاف سيكون حليفهم فيه. ولذلك يعيش الجهاديون جوا عارما من الاستعلاء، واحتقار القوى العظمى، وتجد لديهم قناعة راسخة أن النصر حليفهم، وأن القوى العظمى إلى هزيمة حتمية. (١٠)


التحدي الحركي 

يمتلئ العالم الإسلامي والعربي بتيارات إسلامية سلمية كثيرة، استقطبت عددا كبيرا من الناس، وصار لها نشاط متفاوت في هذه البلدان، بحسب الهامش المسموح به. لكن حين ظهرت التيارات الجهادية، شكّلت تحديا حقيقيا لهذه التيارات، سواء في استحواذها على جزء كبير من الشباب، أو في حضورها السياسي والإعلامي الذي فاق هذه التيارات كثيرا.

منافسة التيارات الجهادية للتيارات السلمية، يعود بالتأكيد للأسباب التي تُشبع تطلعات الشباب كما ذكر أعلاه، لكن هناك سبب آخر ربما يكون أكثر أهمية، وهو الاختلاف الحركي في طريقة الطرح الجهادية. التيارات الجهادية لأنها تحمل مشروعا عالميا، فهي بالضرورة لا تعمل بطريقة حزبية، وتعتبر كل من يخدم المشروع الجهادي جزءا منها، حتى لو لم يكن مبايعا أو منتظما في داخل الجماعة. ولهذا السبب فإن المحسوبين على التيارات الجهادية يمكن تصنيفهم لثلاث دوائر: 

الدائرة الأولى، الذين هم داخل التنظيم، ويعملون مباشرة بأمرة مسؤول التنظيم. 

الدائرة الثانية، هم الذين تدربوا على القتال في مكان ما، ويشكّلون خلايا لهم، ويجتهدون بطريقتهم في خدمة المشروع الجهادي.

الدائرة الثالثة، هم كل المتعاطفين والمجتهدين في خدمة التيار الجهادي، مثل كتاّب الشبكة العنكبوتية "الانترنت"، أو المتعاونين داخل أجهزة الأمن والجيش، أو الداعمين ماديا، إلخ. 

بهذه المرونة الحركية، يتفوق الجهاديون كثيرا على التيارات السلمية التي يغلب عليها الحزبية، والتي لا يمكن خدمة رسالتها إلا بتبعية تنظيمية مباشرة، أو على الأقل بعلاقة حركية من نوع ما. هذا التفوق الحركي، مكّن الجهاديين من اختراق المجتمعات، ويسر عليها الذوبان داخل الكيان المجتمعي، بسبب صعوبة الفصل بين الدوائر الثلاث. (١١)


الإدراك ضروري 

ربما يظن البعض أن هذا الطرح تضخيم للظاهرة، وهذا غير صحيح، بل اعتقاد التضخيم هو جزء من العجز الفكري عن رصد التغييرات الاجتماعية والفكرية في المجتمعات. وغياب هذا التصور عن ضخامة التحديات من مخيلة كثير من المثقفين، والعلماء، والمهتمين بالشأن العام، يثير التساؤل عن مدى المعايشة للصورة الكاملة. 

ولا يمكن أن يكون المثقف رائدا في المجتمع وصانعا للفكر، إلا إذا كان لديه إدراك تلقائي لأي تغيير في الموازين، وتصور واضح للخريطة الاجتماعية، والنفسية، ومعرفة ذاتية للأوليات.(١٢)

-------------------------------


(١) لماذا تختلف الظاهرة الجهادية الحالية، عن الجهاد أيام الاستعمار الأول، في مصر والعراق والشام وليبيا والجزائر وشبه القارة الهندية؟ لماذا لم يسبب ذلك الجهاد قلقا عالميا، ولم يسبب تعاونا دوليا، بل دائما يتم احتوائه بعد خروج المحتل، وإقناع الشعوب بنسيانه، حتى لو تسلط عليهم ظالم منهم وكيلا عن المحتل؟.

والملاحظة ذاتها تنسحب على الجهاد في فلسطين، فلمَ لم تنجح إسرائيل بكل نفوذها العالمي، في صناعة قلق عالمي ضد ذلك الجهاد؟ لماذا لم يتفاعل العالم مع جهاد القاعدة وداعش بنفس الطريقة؟ لماذا لا ينظر العالم لهذا الجهاد كمشروع مؤقت محدود، بإخراج محتل أو إزالة ظالم؟ لعل في المقال أعلاه محاولة إجابة على هذا السؤال. 

(٢) المشكلة الأصعب ليست في الإجابة على هذا السؤال، بل في غياب التفكير بهذا الاتجاه، والعجز عن ملاحظة أهمية الظاهرة الجهادية الحالية. صحيح أن بعض المثقفين يستخف بالظاهرة قصدا، لكن كثيرا منهم لا يدرك أهميتها، ولا أهمية تحدياتها.

(٣) هذا جهد ذهني فردي، وأنا على يقين أن لو كان الاهتمام بالظاهرة جماعيا، لأمكن رصد تفاصيل أكثر، وتحديات أخرى لم ترد في هذا المقال. 

(٤) لم أطّلع حتى الآن على نقاش جاد، أو مناظرة علمية رصينة، بين رموز التيار الجهادي المعتبرين وبين مخالفيهم، ومع الأسف يحفل الميدان بنقاشات ومناظرات، بين غير المؤهلين من الطرفين.

(٥) كانت ظاهرة تصدي المفكرين للقيادة موجودة في نشأة التيارات السلمية، مثل "حسن البنا" مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، و "تقي الدين النبهاني" مؤسس حزب التحرير، ولكن لم يستمر الوضع هكذا.

(٦) الشبكة العنكبوتية مليئة بكلام مبعثر لشخصيات محسوبة على التيار الجهادي، بعضها حقيقي، وبعضها وهمي، وفيها من الفكر الفوضوي ما لا يحتاج للرد عليه أصلا، لكن بعض المثقفين يجدون متعة في اعتبارها تمثل المشروع الجهادي، حتى تسهل مهمتهم.

(٧) كنمودج لذلك، تدفق آلاف الجهاديين لسوريا من عدة دول عربية، بعد أن غلب على الظن أنهم قد أفل نجمهم.

(٨) راجع مقالنا "ما الذي يستهوي الشباب في تنظيم دولة العراق والشام".إضغط هنا.

(٩) يلاحظ ذلك بشكل بارز في طريقة حديث الشباب في التسجيلات المنتشرة باليوتيوب.

(١٠) كنموذج في فهم الأحداث، في حوار مع الفيلسوف الألماني "هبرماس"، رفض مقارنة أحداث سبتمبر بضرب اليابانيين لبيرل هاربر، بل أصر على أنه مواز لانطلاق الحرب العالمية الأولى (الحوار باللغة الانجليزية) .

(١١) مفهوم العمل بطريقة التيار الحركي بدلا من حزب مغلق، لجأت إليه كثير من المؤسسات السياسية الأوربية حديثا، بعد أن تبين أنه أنجع في كسب الأصوات والوصول للجماهير. 

(١٢) يعرّف الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر المثقف بأنه "الذي يساهم في التغيير".

الأحد، 12 أكتوبر 2014

نقولات عن علماء الشيعة التي يؤكدون فيها إيمان سابقيهم من كبار علماء الشيعة بالتحريف




الفاني الأصفهاني يتهم كل من القمي والكليني والجزائري بالتحريف

أراء حول القرآن للفاني الأصفهاني صفحة88

السؤال الخامس : من هم القائلون بالتحريف وما هي أدلتهم ؟

والجواب أن جماعة من المحدثين وحفظة الأخبار استظهروا التحريف بالنقيصة من الأخبار، ولهذا ذهبوا إلى التحريف بالنقصان.

وألوهم فيما أعلم علي بن إبراهيم في تفسيره، فقد ورد فيه قال أبو الحسن بن علي بن إبراهيم الهاشمي القمي : فالقران منه ناسخ ومنه منسوخ .. ومنه منقطع ومنه معطوف ومنه حرف مكان حرف، ومنه محرف ومنه على خلاف ما أنزل الله عز وجل - إلى أن قال - : وأما ما هو محرف منه فهو قوله : (لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ) في علي، كذلك أنزلت : (أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ)، وقوله (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) في علي (إِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) وقوله : (إن الذين ظلموا) أل محمد حقهم (لم يكن الله ليغفر لهم) (وسيعلم الذين ظلموا) آل محمد حقهم (أي منقلب ينقلبون)، وقوله (لو ترى) الذين ظلموا آل محمد حقهم (في غمرات الموت)، ومثله كثير نذكره في مواضعه، إنتهى المقصود من كلامه، ويظهر ذلك من الكليني حيث روى الأحاديث الظاهرة في ذلك، ولم يعلق شيئا عليها، وذهب السيد الجزائري إلى التحريف في شرحيه على التهذيبين وأطال البحث في ذلك في رسالة سماها منبع الحياة.







الفيض الكاشاني يتهم الكليني و القمي و الطبرسي بالتحريف

التفسير الصافي للفيض الكاشاني (1091 هـ) ج1 ص52 الطبعة الثانية 1416 المطبعة: مؤسسة الهادى - قم المقدسة الناشر: مكتبة الصدر – بطهران

www.yasoob.com/books/htm1/m016/20/no2039.html

و أما اعتقاد مشايخنا ( ره ) في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه وكذلك أستاذه علي بن إبراهيم القمي فان تفسيره مملو منه وله غلو فيه وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي فإنه أيضا نسج على منوالهما في كتاب الاحتجاج . وأما الشيخ أبو علي الطبرسي فإنه قال في مجمع البيان: أما الزيادة فيه فمجمع على بطلانه وأما النقصان فيه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييرا ونقصانا والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات


ملاحظة /
1- أحمد بن على الطبرسي : توفي سنة 620 هـ / صاحب كتاب الاحتجاج
2- حسيـن نـوري الطبرسي : توفي سنة 1320 هـ / صاحب كتاب فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب.




الروحاني يعترف أن هناك من يقول بالتحريف
www.istefta.com/ans.php?stfid=7353&subid=1

السؤال: هل يوجد علماء من الطرفين السنة والشيعة من يقول بالتحريف بمعنى الزيادة و النقصان في القرآن الكريم و هل يستدعي تكفير من يقول ذلك؟

الجواب: باسمه جلت أسمائه

یوجد علماء قائلون بالتحریف و لکن لا یستدعی تکفیرهم.





طيب الموسوي يتهم علمائهم بالتحريف


تفسير القمي (329 هـ) الجزء1 صفحة23 مقدمة المصحح حجة الإسلام السيد طيب الموسوي الجزائري



أما الخاصة فقد تسالموا على عدم الزيادة في القرآن بل ادعى الإجماع عليه أما النقيصة فان ذهب جماعة من العلماء الامامية إلى عدمها أيضا وأنكروها غاية الإنكار كالصدوق والسيد مرتضى وأبي علي الطبرسي في " مجمع البيان " والشيخ الطوسي في " التبيان " ولكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء والمحدثين المتقدمين منهم والمتأخرين القول بالنقيصة كالكليني والبرقي والعياشي والنعماني وفرات بن إبراهيم وأحمد بن أبي طالب الطبرسي صاحب الاحتجاج والمجلسي والسيد الجزائري والحر العاملي والعلامة الفتوني والسيد البحراني وقد تمسكوا في إثبات مذهبهم بالآيات والروايات التي لا يمكن الإغماض عنها . والذي يهون الخطب أن التحريف اللازم على قولهم يسير جدا مخصوص بآيات الولاية فهو غير مغير للأحكام ولا للمفهوم الجامع الذي هو روح القرآن فهو ليس بتحريف في الحقيقة فلا ينال لغير الشيعة أن يشنع عليهم من هذه الجهة


المطبعة دار الكتاب للطباعة والنشر قم - إيران تلفن 24568

تحقيق السيد طيب الموسوي الجزائري

الطبعة الثالثة 1404






الطبرسي يعترف أنه يقول بتحريف النقصان

الذريعة لآقا بزرگ الطهراني (1389 هـ) الجزء16 صفحة231


(912 : الفصل الخطاب في تحريف الكتاب) لشيخنا الحاج ميرزا حسين النوري الطبرستاني ابن المولى محمد تقي بن الميرزا على محمد النوري المولود في يالو من قرى نور طبرستان في 1254 المتوفى في العشرين بعد الألف والثلاثماية ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الأخرى ودفن في يومه بالايوان الثالث عن يمين الداخل من باب القبلة إلى الصحن المرتضوي . أثبت فيه عدم التحريف بالزيادة والتغيير والتبديل وغيرها مما تحقق ووقع في غير القرآن ولو بكلمة واحدة لا نعلم مكانها واختار في خصوص ما عدى آيات الأحكام وقوع تنقيص عن الجامعين بحيث لا نعلم عين المنقوص المذخور عند أهله بل يعلم إجمالا من الأخبار التي ذكرها في الكتاب مفصلا ثبوت النقص فقط .

ورد عليه الشيخ محمود الطهراني الشهير بالمعرب برسالة سماها (كشف الارتياب عن تحريف الكتاب) فلما بلغ ذلك الشيخ النوري كتب رسالة فارسية مفردة في الجواب عن شبهات (كشف الارتياب) كما مر في 10 : 220 وكان ذلك بعد طبع (فصل الخطاب) ونشره فكان شيخنا يقول : لا أرضى عمن يطالع (فصل الخطاب) ويترك النظر إلى تلك الرسالة . ذكر في أول الرسالة الجوابية ما معناه : أن الاعتراض مبنى على المغالطة في لفظ التحريف فإنه ليس مرادي من التحريف التغيير والبديل بل خصوص الإسقاط لبعض المنزل المحفوظ عند أهله وليس مرادي من الكتاب القرآن الموجود بين الدفتين فإنه باق على الحالة التي وضع بين الدفتين في عصر عثمان لم يلحقه زيادة ولا نقصان بل المراد الكتاب الإلهي المنزل.

وسمعت عنه شفاها يقول : أنى أثبت في هذا الكتاب أن هذا الموجود المجموع بين الدفتين كذلك باق على ما كان عليه في أول جمعه كذلك في عصر عثمان ولم يطرء عليه تغيير وتبديل كما وقع على سائر الكتب السماوية فكان حريا بان يسمى (فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب) فتسميته بهذا الاسم الذي يحمله الناس على خلاف مرادي خطأ في التسمية لكني لم أرد ما يحملوه عليه بل مرادي إسقاط بعض الوحي المنزل الإلهي وان شئت قلت اسمه (القول الفاصل في إسقاط بعض الوحي النازل) وطبع (فصل الخطاب) بطهران .

وقد فرغ منه في النجف لليلتين بقيتا من جمادى الأخرى في 1292 أوله : [ الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب . . ] ومرت الرسالة الجوابية في حرف الراء بعنوان (الرد على كشف الارتياب) . وأيده الحاج مولى باقر الواعظ الكجوري الطهراني بكتابه (هداية المرتاب في تحريف الكتاب) ويأتي (كشف الحجاب والنقاب عن وجه تحريف الكتاب) للشيخ محمد بن سليمان بن زوير السليماني الخطى البحراني تلميذ المولى أبى الحسن الشريف العاملي وأورد الطهراني محصل ما في (فصل الخطاب) هذا في كتابه (محجة العلماء) المطبوع في 1318 وان اضرب عليه أخيرا دفعا لما يوهمه ظواهر الكلمات والعنوانات . واستظهر العلم الإجمالي بالنقص كذلك شيخنا الخراساني في بحث ظواهر الكتاب من (الكفاية) وحققت البحث في المسألة فيما كتبته باسم (النقد اللطيف في نفى التحريف) ومر ترجمة في 4 : 143 ويأتي (فهرست كتب خزانة شيخنا النوري) و (الفيض القدسي في ترجمة المجلسي)


الذريعة لآقا بزرگ الطهراني (1389 هـ) الجزء18 صفحة9


(421 : كشف الارتياب في عدم تحريف الكتاب) للفقيه الشيخ محمود ابن أبي القاسم الشهير بالمعرب الطهراني المتوفى أوائل العشر الثاني بعد الثلاثمائة كتبه ردا على " فصل الخطاب " لشيخنا النوري فلما عرض على الشيخ النوري كتب رسالة مفردة في الجواب عن شبهاته وكان يوصى كل من كان عنده نسخة من " فصل الخطاب " بضم هذه الرسالة إليها حيث أنها بمنزلة المتممات له. أول كشف الارتياب : [ الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب . . ] . وفرغ منه في السابع عشر من جمادى الآخرة في 1302 يقرب من أربعة آلاف بيت مرتبا على مقدمة وثلاث مقالات وخاتمة وأول إشكالاته انه إذا ثبت تحريف " القرآن " يقول اليهود فلا فرق بين كتابنا وكتابكم في عدم الاعتبار فأجاب في الرسالة بان هذا مغالطة لفظية حيث إن المراد من التحريف الواقع في الكتاب غير ما حملت ظاهرا للفظ من التغيير والتنقيص المحقق جميعها في كتب اليهود وغيرهم بل المراد من تحريف الكتاب هو خصوص التنقيص عنه فقط وفي غير الأحكام فقط وأما الزيادة فالإجماع المحصل من جميع فرق المسلمين والاتفاق العام على أنه : ما زيد في " القرآن " ولو بمقدار أقصر آية وعدم زيادة كلمة واحدة في " القرآن " لا نعلم مكانها .


الذريعة لآقا بزرگ الطهراني (1389 هـ) الجزء10 صفحة220


(641 : الرد على " كشف الارتياب ") الذي ألفه الشيخ محمود المعرب الطهراني وأورد فيه شبهاته على " فصل الخطاب " تأليف شيخنا النوري الميرزا حسين بن المولى محمد تقي الطبري المتوفى ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة عشرين وثلاثماية وألف وهو مؤلف الرد أيضا. وكان يوصى كل من عنده " فصل الخطاب " أن يضم إليه هذه الرسالة التي هي في دفع الشبهات التي أوردها الشيخ محمود عليه وهو فارسية لم تطبع بعد . رأيت نسخة منه بخط المولى على محمد النجف آبادي ألحقها بنسخة " فصل الخطاب " المطبوع التي كانت عنده والموجودة في مكتبة (التسترية) اليوم . أوله [الحمد لله رب . .] وألفه في المحرم (1303) واستنسخه المولى المذكور (1304). أول شبهات "كشف الارتياب" هو انه إذا ثبت تحريف القرآن فلليهود أن يقولوا إذا لا فرق بين كتابنا وكتابكم في عدم الاعتبار فأجابه شيخنا النوري بأن هذا الكلام مغالطة لفظية حيث أن المراد بالتحريف الواقع في الكتاب غير ما حملت عليه ظاهرا للفظ أعني التغيير والتبديل والزيادة والتنقيص وغيرها المحقق والثابت جميعها في كتب اليهود وغيرهم بل المراد من التحريف خصوص التنقيص فقط إجمالا في غير آيات الأحكام جزما وأما الزيادة فالإجماع المحقق الثابت من جميع فرق المسلمين والاتفاق العام من كل منتحل للإسلام على عدم زيادة كلام واحد في القرآن المجموع فيما بين هاتين الدفتين ولو بمقدار أقصر آية يصدق عليه كلام فصيح بل الإجماع والاتفاق من جميع أهل القبلة على عدم زيادة كلمة واحدة في جميع القرآن بحيث لا نعرف مكانها . فأين التنقيص الإجمالي المراد لنا عما حملت عليه ظاهر اللفظ وهل هذا إلا مغالطة لفظية انتهى ملخص الجواب عن الشبهة الأولى (أقول) وان أبى أحد إلا حمل التحريف على مجموع هذه الأمور فليسم الكتاب " فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب " لأنه يثبت فيه من أوله إلى آخره عدم وقوع التحريف بهذا المعنى فيه أبدا.


الذريعة لآقا بزرگ الطهراني (1389 هـ) الجزء20 ترجمة المؤلف صفحة11


6 - النقد الطيف في نفى التحريف عن القرآن الشريف : في هذا الكتاب دافع المؤلف عن أستاذه الشيخ النوري وعن كتابه - فصل الخطاب في تحريف الكتاب - فبرأه مما أضيف إليه من تهمة التحريف والتغيير والتبديل. لكنه تقبل الحذف من القرآن . إنه يقول إنما أخطأ الميرزا حسين النوري في عنوان الكتاب وقدم قام الأستاذ على المنزوي بنقل هذا الكتاب إلى الفارسية وهو مذكور في المجلد الرابع من الذريعة


الذريعة لآقا بزرگ الطهراني (1389 هـ) الجزء24 صفحة278


(1433 : النقد اللطيف في نفى التحريف عن القرآن الشريف) لمؤلف الذريعة الفاني آقا بزرگ الطهراني كتبناه دفاعا عن شيخنا النوري في كتابه " فصل الخطاب في تحريف الكتاب " -> 16 : 231 - 232 وتوضيحا للرد الذي كتبه النوري -> 10 : 220 على " كشف الارتياب في عدم تحريف الكتاب " -> 18 : 9 - 10 فرغت من تبييضه 1353 واستكتب منه السيد مهدي بن السيد أحمد الدماوندي وهو أخو زوجتي مريم وترجمه بالفارسية ابني -> 4 : 143 لكنا صرفنا النظر عن نشره. وراجع " نور الأنوار ومصباح الأسرار"


الذريعة لآقا بزرگ الطهراني (1389 هـ) الجزء24 صفحة105


(553 : نزاهة المصحف الشريف عن النسخ والنقص والتحريف ) لهبة الدين الشهرستاني جاري فيه معارضي شيخنا النوري في كتابه " فصل الخطاب " ( ذ 16 : 231 ) والآخوند الخراساني في " الكفاية " وسيأتي " النقد اللطيف في نفى التحريف " لهذا المؤلف كما ذكرناه في ( ذ 3 : 311 - 314 ) .


تلخيص :

- ألف نوري الطبرسي كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) وذهب للقول بالتحريف.

- رد عليه محمود ابن أبي القاسم الشهير بالمعرب الطهراني بكتاب (كشف الارتياب في عدم تحريف الكتاب)

- رد النوري الطبرسي في كتابه (الرد على كشف الارتياب) وقال أنه بالتحريف لا يعني التبديل والزيادة والتغيير بل يقصد التحريف بالنقصان فقط.

- رد آقا بزرگ الطهراني بكتابه (النقد اللطيف في نفي التحريف عن القران الشريف) دفاعا عن شيخه النوري فبرأه مما أضيف إليه من تهمة التحريف والتغيير والتبديل. لكنه تقبل الحذف من القرآن.

- رد هبة الدين الشهرستاني على كتاب (فصل الخطاب) بكتاب (نزاهة المصحف الشريف عن النسخ والنقص والزيادة).





التبريزي يقول أن هناك روايات واردة في التحريف


صراط النجاة للميرزا جواد التبريزي الجزء3 صفحة432

www.yasoob.com/books/htm1/m001/06/no0647.html

س 1246 : ما رأيكم فيمن يعتقد بتحريف القرآن الكريم ويعتمد على روايات وردت في (البحار) وغيره من الكتب ؟

التحريف له معان : منها ما يطلق على الحمل على غير حقيقته ومنها التحريف بعنوان الزيادة أو النقصان فالقسم الثاني باطل كما ذكرنا في البحث والرواية الواردة في التحريف إما راجعة إلى التحريف بالمعنى الذي ذكرناه أو أنها ضعيفة سندا لا يمكن الاعتماد عليها ولا يسع المجال للتوضيح بأزيد من ذلك والله العالم .



كمال الحيدري يعترف أن بعض علماء الشيعة الإثنى عشرية قالوا بتحريف

الـتـاريــخ : 2010.01.03
الـــوقـــت : 9:30 بتوقيت مكة
الموضوع : الأطروحة المهدوية
الـحـلـــقـة : الثاني عشر
الـــقـــنــاة : الكوثر
الـضــيــف : آية الله السيد كمال الحيدري


قال كمال الحيدري في الدقيقة 35 :

لذا أنتم تجدون أن علماءنا عندما جاءوا إلى كتبنا الأساسية ككتاب الكافي أصول الكافي أو غير ذلك صرحوا بأنه لا نقول بأن كل ما ورد فيها صحيح وإنما هناك موازين دقيقة، نعم بعض علمائنا قالوا بصحتها ولكن الرأي التحقيقي عند علمائنا أن الأمر ليس كذلك وإنما هناك موازين على أساسها. مثلاً الروايات التي تحدثت عن تحريف القرآن أبداً لم يقبلها لا الكافي ولا 99% من علمائنا الكبار، ومن ينقل عنهم من العلماء هؤلاء لا يعدون من الطبقة الأولى من علمائنا ولا يعتد بكلامهم في المدرسة، ولذا نحن نجد أن كتاباتهم غير منتشرة وغير واضحة في كتبنا. أساساً لم يطبع، ولذا أنتم تجدون أساساً لا توجد إلا النسخ الحجرية لها ولا طباعة حديثة لها. نعم إذا وجدت لها طباعة حديثة فلعله يطبعها من يتصيد ويضعون عليها أنها طبعت في قم وطبعت في النجف وطبعت في المناطق الشيعية حتى يقولون ذلك.
المستفاد من كلام كمال الحيدري هو الأتي :
أولا : أنا هناك من علمائهم الكبار من قال بالتحريف، عندما قال 99% فما هو حكم 1% من علمائهم الكبار القائلين بتحريف القران.
ثانيا : أن كمال الحيدري كذب عندما قال أن 99% من علمائهم الكبار لم يقولوا بالتحريف وإليك قائمة بعلمائهم الكبار القائلين بالتحريف (محمد بن يعقوب الكليني، على بن إبراهيم القمي، على الطبرسي، الميزرا حسين نوري الطبرسي، الفيض الكاشاني، نعمة الله الجزائري، محمد باقر المجلسي، عدنان البحراني، وغيرهم الكثير) فلعل كمال الحيدري جاهل بأقوال علمائه.
ثالثا : في قوله : " إذا وجدت لها طباعة حديثة فلعله يطبعها من يتصيد " من باب الإنصاف هذا إن كان منصف كيف يستدل بكتاب الكنجي وكتاب الجويني على أساس أنها كتب سنية والمعلوم أنها أثنى عشرية وطبعة في إيران.




الميلاني يقر أن الجزائري يقول بالتحريف


http://www.al-milani.com/qa/qa.php?cat=10051&itemid=236

مولانا المرجع الديني أعزك الله فما كان رأي علماء الشيعة المفسرين المتقدمين وهما العياشي والقمي بنقص القران هل كانوا يعتقدون بها أم لا وكذلك اعتقاد السيد نعمة الله الجزائري والمجلسي وذلك لكثر الشنيع علينا من قبل النواصب بدعوى أن العلماء المذكورين ذكروا النقص ولم يذكروا حجج إبطال النقص وكذلك وكما توجد عندي بعض الأسئلة حول رواية لم تذكروها في كتابكم يستدل بها النواصب على التحريف هل تأذنون بالقاها عليكم والجواب عنها

بسمه تعالى
السلام عليكم
قد ذكرنا في كتاب (التحقيق في نفي التحريف) أن نسبة القول بنقصان القرآن إلى الكليني والقمّي والعياشي غير مقبولة، وكذا المجلسي، لكن الجزائري قائل بذلك.


المصدر