الأربعاء، 31 يوليو 2013

العلاقة بين جماعة الإخوان والمملكة العربية السعودية


يذكر عن الإمام حسن البنا رحمه الله ، أنه كان يفاضل بين السعودية واليمن في إنشاء الجماعة ، و يذكر في مذكرات الدعوة والداعية ، أنه اتصل بحافظ وهبة مستشار الملك عبدالعزيز آنذاك ، والذي تدخل بدوره لنقل البنا للتدريس في الحجاز وذلك عام ١٩٢٨م ، وهو العام الذي أسس فيه البنا الجماعة في الإسماعيلية .
كما فشلت محاولات مماثلة في توقيت مقارب ، مع أمير الديوان الملكي في اليمن السيد محمد زبارة الحسن ، لاستقدام البنا للعمل في اليمن ، كما ذكره محمود عبدالحليم في كتاب الإخوان المسلمون .
إلا أن النجاح الذي حققه البنا في نقل الجماعة إلى القاهرة أغراه بالتراجع عن هذه الفكرة ، خصوصاً بعد انغماسه في العمل الدعوي والسياسي في تلك الفترة ، إلا أنه لم يترك موسم الحج للتعارف وتلاقح الأفكار والدعوة لمشروعه ، وهو ما وافق هوى في نفس الملك عبدالعزيز لتأكيد قيام هذه الدولة على الإسلام ، ورعايتها لشؤون المسلمين والجماعات الإسلامية عموماً ، والعلاقة والتعاطف الكبير الذي كان يتمتع بها البنا من قبل الملك عبدالعزيز والتي تجلت بعد قلاقل عام ١٩٤٨م بدعوته للعيش في السعودية ، لم يرقى إلى أبعد من ذلك ، ويقال أن الملك عبدالعزيز رد عليه حين عرض على الملك فكرة قيام الجماعة في المملكة بأننا كلنا إخوان مسلمون .
وهو موقف مفهوم من دولة قامت على تفاهم مع حركة دينية غير منظمة ، ومن الخطأ بمكان السماح لجماعة مثل الإخوان تمتلك مشروعاً متكاملاً بأن تعمل في هكذا بلد ، إلا أن الجماعة ظلت وفيةً للمملكة ، ويتجلى ذلك من مشاركتها في استقبال الملك عبدالعزيز حين زيارته لمصر وتوديعه ، وهو مالم يحصل عليه أي رئيس دولة في تاريخ الجماعة .
سمح للجماعة بعد مقتل البنا رحمه الله بالتواجد في مواسم الحج فترة إرشاد الهضيبي ، وتم التلاقي مع الكثير من العلماء مثل الندوي الذي عرضت عليه الجماعة تولي إرشادها ولكنه رفض .
بعد تولي عبدالناصر للحكم ، وأحداث عام ١٩٥٤م أصبحت المملكة ملاذاً للهاربين من قيادات الجماعة ، وممن وفد منهم الشيخ مناع القطان رحمه الله الذي أصبح الأب الروحي للجماعة في السعودية وغيره من القيادات ، إلا أن العلاقة في تلك السنوات لا يمكن أن تغفل عن طبيعة العلاقة بين السعودية وعبدالناصر والحالة المتشنجة بينهما ، والجماعة بدورها لم تكن أكثر من ورقة سياسية أو وسيلة ضغط بين الأطراف ، وبعد أحداث عام ١٩٦٦م وإعدام سيد قطب ، زادت حدة التشنج والتوتر بين البلدين ، واستقطب الإخوان للعمل والهجرة ، ومنح منهم الكثير الجنسية السعودية ، وسمح لهم بالعمل والنشاط الدعوي والنشر في السعودية .
بل وصل الأمر إلى تغلغل الجماعة في مفاصل التعليم الجامعي ، الذي تأسس أكثره في تلك الفترة ، وحفظت الجماعة الود للبلد المضيف إذ تحاشت نقاش مبدأ البيعة في تلك الفترة .
حدث أول شرخ حقيقي في العلاقة بين الجماعة والسعودية ، بعد تسرع الجماعة بالاتصال بنظام الثورة الإيرانية ، وهو العدو الأول كمذهب للفكرة الوهابية التي تقوم عليها السعودية ، إلا أن الحرب الإيرانية العراقية أعادت الجماعة للخط والمسار المرتضى من قبل الحكومة السعودية ولو لحظياً .
بعد الغزو العراقي ، تعثرت العلاقة مرة أخرى نتيجة رفض الجماعة للتدخل الأمريكي في الحرب وتحرير الكويت وهو ما قطع العلاقة للأبد حيث لا رجعة ، فخرجت الكثير من المنابر الإعلامية في تلك الفترة تسب الجماعة ليل نهار ، وأصبحنا نسمع شتم سيد قطب علناً ، وهو ما يستحيل أن يحدث بدون موافقة من الحكومة أو أطرافٍ منها .
أحداث ١١سبتمبر غيرت موازين المعادلة ، فخرج التصريح الشهير للأمير نايف وزير الداخلية آنذاك بالهجوم على الجماعة علناً .
الربيع العربي لم يغير من نظرة الحكومة للجماعة ، خصوصاً المصرية منها وهو ما يلمس في الأحداث الأخيرة ، موقف الجماعة سياسياً في تعاملها مع السعودية ، يعتريه الكثير من التسرع وعدم الخبرة ، وهو ما جعلها تفقد حليفاً استراتيجياً من عدة نواحي ، لعل أهمها الناحية الاقتصادية .

الأحد، 28 يوليو 2013

أزمة الأمة عندما تكون في مثقفيها


تتقبل أي مستوى من الإختلاف فيما يسوغ ، من أي شخص ، إن كان هناك أرضية موحدة تنطلقون منها للتوافق ، وهي ما يسميها الأصوليون تحرير محل النزاع .
وتتقبل شتى الأساليب اللغوية والأدبية في صياغة الأفكار وتركيبها ، فمن معقد في طرحه لفكرته إلى مبسط لها حتى تفهمها العجائز ، ومن مطولٍ ومطنب حد الإفراط ، ومن مختزلٍ وموجز حد التفريط ، ومعتدلٍ صاغ الفكرة في قالبٍ لا يسع غيرها ولا تخرج منه .
وتتقبل وجود فريق تسلقوا سلم الفكر والثقافة وهم ليسوا بأهله ، لأمور لا تعلمها عنهم وإن كنت علمت فيهم خبث السريرة وسوء العمل ، وسلاطة اللسان وقلة الأدب ، وهؤلاء ليسوا من الأمة في شيء ، بل هم عبيد العصا ومع من غلب ، كل يومٍ لهم سيد .
وتتقبل وجود فريق يرفض الثقافة جملةً وتفصيلاً ومعها الفكر ، لإنغلاق عقله عن رؤية مالا يراه مولاه أو شيخه ، فتراه يدندن بكلامٍ لا يفهمه ولا يعيه حق المعرفة ، بل هو أشبه بصوت الجعجعة بلا طحين ، أو هو الطبل ، صوت عظيم وبطن أجوف .
لكن مالا تتقبله أبداً ، أن يخرج من أصحاب العقول المتوافق عليها ، في جانب محبي الفكر وأتباعه ، من الشرعيين والعقليين ، من يقلب لك الموازين لحاجات لا يسعك أن تقول إلا رحمة الله بأمةٍ هذا من مفكريها ومثقفيها .
هل أصاب الأمة ورجالها الجنون والخرف ، أم هو جيلٌ من الشيوخ لم يعد يعرف حال الشباب ورغباته ، مازال منغلقاً بفكرة الستينات والسبعينات وما قبل الربيع العربي ، وثورات إسقاط المستبدين لا أعادهم الله .
من كان يعتقد أن له عصمة بإتباع فهو ساقط عقلاً وشرعاً ، والناس في الإتباع يتقلبون وتتقلب بهم الأهواء فيما يحبون ، فكيف في أساسيات عيشهم الكريم .
تتساقط الأقنعة ، أم تهرم الشيوخ وتظهر أجيالٌ من الشباب تقود الفكر لميناء الرحمة ، بعد أن تخبطت بالسفينة أراء الأولين من اليمين إلى اليسار ، إلى حيث لا وجهه .
الفكر شيخنا الوقور وأستاذنا الفاضل ، مجموعة من العلوم البسيطة في مجملها ، العميقة في مبادئها ، فلا تحسب أنك علمت مالم يعلم سليمان ، وأنك جئت من سبأ بنبأ عظيم .
علم الإجتماع مع التاريخ الإقليمي والأممي ، مع بعض الأصول الشرعية والفقهية والفلسفية ، مع تشبع بالحرية والكرامة قولاً وفعلاً ، تخرج لنا ألف مفكرٍ لا يبيعون الكرامة بثمنٍ بخس .
همسة :
لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم /  ولا سراة إذا جهالهم سادوا

الخميس، 25 يوليو 2013

المقاطعة الإحتجاج الصامت


المقاطعة الاحتجاج الصامت :
ظهر هذه الأيام هاشتاق نشط في تويتر يدعو لمقاطعة مغرد ، لم يتوافق في تغريداته مع أنشط هاشتاق يمس شريحة كبيرة من الناس ، شارك فيه كبار الكتاب والمغردين من شتى التوجهات والآراء .
النظرة جميلة جداً حين نعلم أن من الأسلحة المتميزة والقوية وذات التأثير العالي ، سلاح المقاطعة ، والذي يحق أن يسمى في بعض مراحله الاحتجاج الصامت أو السلبي .
يتوافق مع المقاطعة أعمال سلبية كثيرة في سبيل التغيير ، لا تتوقف عند حد معين ، فغاندي مثلاً مارس المعارضة السلبية للاستعمار الإنجليزي على بلاده ، ونتج عن ذلك تأثير عميق على الهند ذات العدد الرهيب من السكان والمساحة الشاسعة والتنوع الملاحظ .
في الإرث الإسلامي بعض اللمحات عن المقاطعة ، فمثلاً قاطع النبي صلي الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا ، وثمامة بن آثال قاطع التجارة مع قريش حتى يأذن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين شكى له الناس غلاء اللحم قال لهم أرخصوه أنتم .
وعند النظر للمقاطعات الشعبية السابقة التي لم تتحرك بدوافع سياسية أو ترتيبات حزبية ، نجد أن مقاطعة الدنمارك بعد الصور المسيئة من أروع الأمثلة في المقاطعة الاقتصادية ، كون البديل متوفر وبكثرة .
هذا ما أريد الحديث عنه حين الإعلان عن استخدام هذا الفن في العمل السلمي الجماعي ، سواءً اقتصادياً أو لأي سبب كان ، يجب توفر البديل ، فالناس في النهاية تخضع لحاجاتها ، والمراهنة على العاطفة في كل عمل أمر غير صحيح .
ثم يجب أن يُعلم أن المقاطعة لا تتم على كل شيء ، فهناك أشياء يستحيل أن تقاطع ، مثلاً يأتيك من ينتقد وزارة التعليم ويقول نقاطعها ، هذا الأمر مرفوض جملةً وتفصيلاً كون الأمر المراد مقاطعته غير داخلٍ في مجال المقاطعة أصلاً ، بل يجب استخدام وسائل أخرى .
يتحدث الدكتور النفيسي في إحدى مقابلاته عن تطور العمل المجتمعي السلمي في الغرب ، أن طفلة صغيرة طرقت عليه الباب وهو في بريطانيا ، وقالت له سيدي نحن سكان الحي ، نشتكي من صاحب البقالة وتلاعبه بالأسعار ، فهل تنضم لنا في مقاطعته حتى يعيد الأسعار كما كانت .
وافق الدكتور في الانضمام ، ونقل التجربة لنا بإعجاب ، فحتى أهل الحي الصغير لا تستطيع استغلالهم وأنت من يقدم لهم الحاجات الضرورية اليومية .
وهناك أمثلة كثيرة على المستوى الشخصي قد لا تتسع المساحة لذكرها ، ويمكن طرحها في وقت أخر ، في الختام أريد التأكيد على أن من يرد المقاطعة يجب أن يوفر مع البديل وقتاً تنتهي به هذه المقاطعة ، أو تتوقف عند زوال داعيها .

الثلاثاء، 23 يوليو 2013

عندما تتساقط الأقنعة


العدالة لا تتنافى مع الحرية :
تتساقط الأقنعة الورقية هشة التركيب والبنية في وجوهٍ تتشدق بمبادىء لا تعيها حقيقةً ، صنفان من الناس سقطا حديثاً مع الأسف ، وأقول مع الأسف لأنهم من النخب إن جاز التقسيم للنخبة و العامة ـ رغم التحفظ ـ ، صنف طالما تشدق بالدين والتدين وحماية مقاصد الشريعة ، وصنفٌ طالما تقعر وتنطع بالحقوق والحريات ، وعند أصغر موقف تسقط هذه المبادىء مع الأسف .
إن لم يكن ما تقتنعه مبدأً لديك، أو أنك لم تتشرب الفكرة كاملةً فلا ضير ، لأن الفهم كالأرزاق يهبه الله لمن يشاء ، لكن الأخلاق والشهامة والمروءة ، لا تتعذر بها ، فبمجرد أن تشمت بسجن الدكتورين سبب كبير للقدح في أخلاق الشهامة ، وخارم للمروءة على رأي الفقهاء ، ولا يوجد لذلك تبرير إلا الحقد والفجور في الخصومة إن وجدت ، مع أن الكثيرين ممن هللوا وكبروا لا يعرفهما الدكتوران فيما أعلم .
تتفق مع العريفي والعواجي أو تختلف فهذا شأن ، يجوز فيه الكثير ، أما أن تبارك وتهلل السجن من أول لحظة فهذا شأن آخر لا علاقة له بالاختلاف .
لست من متابعيهم ولا أعلم عن أخبارهم شيئاً ، ولي تحفظات معينة ، ولكن يبقى عرفاني لهما أنهم ممن تحدث في المعتقلين في سجون المباحث وسعى فيهم ، سعي المجتهد المعذور ، أعجبني السعي أم لم يعجبني يبقى جهداً مشكوراً لهما ، نعرف حجمه عندما كنا في السجن ، ولم نجد من يتحدث عنا في المجالس فضلاً عن الأماكن العامة موصلاً صوتنا للخارج .
قالوا أنهم سعوا لأمر في أنفسهم ، وهل نحن آلهة ننظر في النوايا ، يكفينا الفعل والقول ، أما أعمال القلوب فهي من اختصاص الله سبحانه وتعالى .
و كان العريفي قد سعى مع الشيخ ناصر العمر أطال الله عمره على الطاعة ، في ملف السجناء السياسين أو موقوفي سجن المباحث ، أذكرها وأعرفها عندما كنت هناك ، كان له صدىً جميلاً عند المساجين وإحساساً رائعاً لا يعرفه إلا من جربه .
قالوا أنهم تمنوا السجن لحمزة وغيره من المخالفين ، فإن كان صحيحاً فليس بحق أن تخالف ما تقتنع به لأجل أن غيرك لا يراه ، فهو في الأخير رأيك وقناعتك وما تؤمن به .
المبدأ الذي يجب أن لا يحيد عنه المواطن ، أن لا سجن إلا بمحاكمة ، ولا عدالة إلا بحرية فهما لا يتنافيان ، والسجن وإن كان عقوبةً رادعة ، فهذا لا يعني أن تتمناه لمن خالفك ، فتعامل بشهامة إن فقدت المبدأ ، ولا يكن عرضك كالزجاج وترمي الناس بحجر .
أرجوا من الله أن لا يبقى سجين رأي ، أو سجينٌ بلا محاكمة ، أو سجين كيد ، أو سجين تجاوز مدته .
اللهم ارحم ضعفهم وهوانهم على منهم عنده ياحي ياقيوم .

السبت، 20 يوليو 2013

الشيطان الفصيح


الشيطان الفصيح :
أن نقع في الأخطاء فهذا مسلم به ، و أن ننقد أخطاء الآخرين فهذا أمر مقبول عند الجميع ، والنقد لا يعني بالضرورة الإساءة للمنقود بقدر ما يعني تصحيح المسار مرةً أخرى ، والخطأ جبلة في الإنسان ، خُلق وهي معه لا تنفك عنه و لا ينفك عنها ، و إلا فقد إنسانيته و أصبح ملاكاً خالداً .
و لو نظرنا بتأمل لفريضة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لرأينا أنها من هذا الباب ، و حديث نافق حنظلة فيه الدليل الواضح أن الله يحب الخطأ لأجل التوبة و الاستغفار .
و قد تتوافق مع الشريعة الإسلامية نظريات العقلاء من الوضعيين ، حيث يعتبرون النقد و التعلم من الخطأ منهجاً في حياتهم ، يرتقي ذلك لأعلى المستويات ، فتجد عندهم المعارضة السياسية و هي من هذا الباب لا تخرج عنه ، و تجد عندهم غيرها في نواحي الحياة .
الإشكالية الكبرى في النقد هي عدم وجوده ، و عدم تقبله ، و رفضه أو عقاب من يمارسه بحجج كثيرة ، على النطاق الشخصي أو على النطاق المجتمعي .
و الأدهى و الأمر من ذلك كله ، تسويغ الخطأ بمبررات كثيرة ، و إصدار الأحكام الجزافية لتبريره ، سواءً كان الخطأ شخصياً أو مجتمعياً ، إما خوفاً من مكانة ، أو رغبةً فيها ، أو بدواعي كثيرة تختلف من شخص إلى أخر .
و حين يتعلق الأمر بالجانب العدلي و الحقوق المدنية ، فإن هذا التبرير أو إصدار الأحكام العشوائية خارج منصة الحكم القضائي ، يعتبر جريمة بحق الشخص أو المؤسسة ، لا أحنث بحول الله إن حلفت أنها من البهت ، فهو هنا لا يعلم شيئاً وأصدر حكماً على شخص ما .
أما إن كان الخطأ العدلي معلومًا ، و تم تبريره ، أو قبوله بأي دعوى كانت ، فهذا الظلم بعينه ، والشر المستطير الذي لن يرتفع عن الناس و فيهم من يقبله ولا ينكر عليه ، و لا يشنع به ، و يُخالط و كأن شيئاً لم يكن .
الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس ، والساكت عن الظلم مثله أو أشنع منه ، أما مبرر الأخطاء العدلية وهو يعلمها فهذا يصدق عليه أنه شيطان فصيح ، يستوي في ذلك جميع العارفين ، ويتفاوتون بالدرجات ، فمن عمل بالسلك العدلي أحق أن يكون إبليس الرجيم في هذه المنظومة التي تحوي خنزب والولهان وغيرهم من الشياطين المردة .
إذا أنت لم تستطع قول الحقيقة أو جزءاً منها ، فلا تزيفها أو تتستر عليها ، فأنت هنا تخرج من كونك شيطاناً أخرساً ، إلى أن تكون شيطاناً فصيحاً .
خلص الله هذه الأمة و هذا البلد من شياطينها الفصحاء الذين فاقوا الفرزدق فصاحةً ، و الجاحظ بلاغةً .

الجمعة، 19 يوليو 2013

الحرية المصطنعة سارة الدريس مثلاً




تكلمت عن نفسها بعبارات بسيطة في تركيبتها اللغوية ، عميقه في معانيها الإنسانية ، تلامس القلب قبل الفكر و العقل و العين ، بل تلامس الذوق و الحس ، و كل ما نبض في قلب الإنسان من عاطفة كتبت تقول :

“ أنا سارة الدريس ٫ كوني امرأة قد تكون تكلفة السجن علي أكثر من أي شخص ، لكن أقسم بالله لن يرهبني السجن “ .

جربتُ السجن السياسي و عرفتهُ عن قرب ، هذه العبارات لا تخرج إلا من قلبٍ حي ، مليء بالحياة ، يرفض الموت و هو ينبض بالكرامة ، هي الآن لا تُعرّف بأنها " سارة الدريس " فقط ، هي امرأة صامدة في زمنٍ قلّ فيه الرجال ، و كثر فيه المتشدقون بلا معنى .

لا ألوم من لم يستوعب هذه المعاني الليبرالية في كلامه و لم يدافع عنها ، ولا ألوم من يتشدق بالتشريع والشريعة والمقاصد بلا وعي و إدراك ، و لكني ألوم من يُحسب من المدركين من أتباع كلا التيارين .

بائعوا الحرية المزيفة ، أشباه البغايا حين يبعن الشرف المفقود مع أول ممارسة بأرخص الأثمان و أبخسها ، معتقدين بأن المبدأ يتجزأ أو يتعامل معه بنسبية فيزيائية .

هل من الحرية الليبرالية أن تصمت تلك الأفواه المتشدقة بالحرية و الساعية لمطالبها ، خارج المكان حين تصل الكرامة الإنسانية للانتهاك بالدواعي ذاتها كل مرة ، و هل من مقاصد التشريع عند من آذى أسماعنا بحرقته على الشريعة و أهلها ، خارج الحدود أن يبتلع لسانه لفوات المقصد القريب من عينيه ، بل هو أقرب إليه من نفسه ، و سيكون شعاره يومًا كما قال سيدنا علي رضي الله عنه في مقتل عثمان الخليفة المظلوم :

أكلت يوم أكل الثور الأبيض .

ثم ما الداعي للحديث بالعقلانية الساسانية عن بعض الأشخاص هنا أو هناك ، و جعلهم أنصاف آلهة ، وهم في قرارة أنفسهم يرفضون ذلك للقريب والبعيد سراً وجهراً ، هل ستأتي بتقدير حقيقي  مطلوب و مرغوب ، أم تقدير مزيف يعتريه الوهن من الوهلة الأولى .

ما يحدث الآن في دولنا نذير شؤم ، و بون شاسع ، يتسع مع الوقت بين الحاكم و المحكوم ، بصورة لا ترقى إلى أن يُنسب الخلل للبطانة وحدها ، بل أصبحت كالسلوك الجمعي ، و التفكير الجماعي من الكل بلا استثناء ، تاركين كل المعاني البسيطة للعلاقة ، المبنية على العقد الاجتماعي المبسط جداً ، حين صاغه رجالٌ في بدايات دولنا ، متجهين نحو ساسانية مقيتة في العلاقة ، و حرية مصطنعة عند المثقفين لا يحق عليها إلا صلاة الميت فقد حان دفنها .

الخميس، 18 يوليو 2013

القرآن الكريم الأسلوب والخطاب


القرآن الكريم الأسلوب والخطاب :

يخطىء كثيراً من يضع فهمه للعربية وأساليبها معياراً للقرآن الكريم ، مهما وصل من علم في العربية وبلاغتها وأساليبها المتبعة عند العرب ، فسيظل محصوراً بالقياس على كلام العرب ، وهو ما لا يتناسب مع قوة السليقة والفطرة اللغوية الأصلية .

خاطب القرآن الكريم العرب بلغتهم وبلاغتهم وأساليبهم وطريقتهم في الكلام ، لم يأتِ بشيء لم يألفوه من الأساليب والاستخدامات ، وإلا لفقد الإعجاز المعني في تنزيله بهذه الصورة ، وكون القرآن نزل على ذلك الجيل العربي ، الذي اتفق أهل اللغة والعارفين بها بأنهم الأفصح من بين العرب قاطبةً ، وأن كلامهم حجة على غيرهم ، حتى على مقاييس أهل اللغة أنفسهم ، وقصة الفرزدق مشهورة حين كان ينظم الشعر مخالفاً لما قعده اللغويون .

روي أنه في أحد مجالس خلفاء بني العباس ، تكلم أحد الشعوبيين إن لم تخني الذاكرة ، بأن القرآن يحمل مغالطات ، فقيل له أين ، قال أنه ورد تشبيه رؤوس الشياطين لثمرة الزقوم ، وفي هذا تشبيه بالمجهول وهو متعذر ، فانبرى له أحد العلماء وأظنه الفراء أو غيره ، بأن هذا استخدام لغوي شائع عندهم ، وتجده في قصيدة امرؤ القيس :

أيقتلني والمشرفي مضاجعي /
ومسنونة زرق كأنياب أغوال 



فشبه زج الرمح بناب الغول ، وهي غير معروفة ولم يروها ، ولكن للوصول بالتشبيه أبعد مراحله ، حيث الغول قمة التوهمات المخيفة ، فكذلك القرآن الكريم خاطبهم بما يعرفون من أسلوب وبلاغة ، لم يأتِ بما يخالف استخدامهم حتى يقع الإعجاز .

وهم على بلاغتهم لم يشككوا في بلاغته ، بل شككوا في صدق نسبته إلى الله ، تعالياً وعتواً وكفراً محضاً وهم مستيقنون بذلك ، ولكن هو الإيمان  و الكفر.

على أن ذلك يقودنا مروراً لنقطة أخرى ، وهي أن القرآن لا يستقيم به لسان ، لفرط إعجازه ، و استحالة محاكاته ، فهو ليس بكلام بشر يحاكى ، ولا كلام بشر يجارى ، بلغ التحدي فيه آية .

ذكر ذلك بن خلدون في المقدمة ، وهو مشاهد في مسابقات القرآن ، تجد حفاظ كتاب الله من غير الناطقين باللغة العربية ، يقرأون القرآن بلسان عربيٍ مبين ، ولا يستطيع نطق جملة بالعربية خارج المصحف ، وهو مشاهد ولا يحتاج لزيادة بيان ، فاللغة يدعمها وينميها الكلام المحاكى المجارى كالشعر الفصيح والحكم والأمثال وغيرها من كلام العرب الحجة عند أهل اللغة .

صرخة :

لا تتهم كتاب الله في بلاغة أو خطاب أو أسلوب ، بل اتهم بصيرتك في ضعفها و قلة حيلتها في الارتقاء لهذا المستوى الرباني ، ولا تجعل من القرآن والتهكم عليه شماعة ليطلق عليك أحد ألقاب الثقافة والفكر والتحرر، فهي مجرد أوهام وزور بيّن .

الأربعاء، 17 يوليو 2013

اليمين واليسار غير صالحين في الثقافة


اليمين واليسار غير صالحين في الثقافة :



المتابع للمشهد الثقافي والفكري عموماً ، يلمس فريقين متواجدين بصخب وقوة حضور ، الأول المحافظين أو اليمين إن جازت التسمية مجازاً ، والثاني المنفتحين أو اليسار إن جازت التسمية أيضاً .

ما يدعو له اليمين مخالف حد التناقض لما يدعو له اليسار ، من حيث المبدأ والتطبيق ، فهم يدعون - أي اليمين - لاستلهام التجربة الحضارية الإسلامية ، واستجلابها بالكامل كما هي ، بلا قوالب أو تعديلات ، و أما اليسار فيدعو إلى نبذ التجربة الحضارية الإسلامية بالكامل ، وإستجلاب الحضارة من الخارج بقوالبها كما هي ، وبين الفريقين وقوة الصخب والإستقطاب الرهيب ، ضاعت أصوات وسطية معتدلة مزجت التيارين في تيار واحد .

والأدهي والأمرّ هو ضياع المتابعين لكلا الفريقين ، فمن تارك  لمظاهر التقدم الحقوقي ، بحجة عدم الحاجة لها والإكتفاء بما عندنا حتى الوسائل ، وإعطاءها حكم الغايات جملةً وتفصيلاً ، والحكم على جميع مظاهر المدنية الغربية بالتجريم في المتابعة ، ومن متعلقٍ بها لا يرى غيرها حتى في العلوم القديمة التي تميز بها العرب والمسلمون قديماً ، تجده يعرف ما قاله فولتير وديدو وباسكال وهو لم يقرأ المقدمة يوماً ما ، فما بالك بغيرها من الكتب المتعمقة والمتخصصة .

نحتاج من المثقفين أو المفكرين أو الدعاة التناغم الحضاري والربط بين القديم والحديث ، وعدم إعطاء الوسائل حكم الغايات ، بل عزلها تماماً ، كما نحتاج من نفس المثقفين والمفكرين والدعاة أيضاً ، التعمق بالموروث الثقافي والحضاري لأمتنا ، وعدم ترك ذلك الموروث بحجج واهية متداعية في أحيانٍ كثيرة .

النقاشات البيزنطية في هوية الدولة ونظام الحكم والعلاقة بين الحاكم والمحكوم ، ليس بذات أهمية إن اتفقت الوسائل الموصلة لمعرفة الشكل والهوية والنظام ، ما يهمنا هو مكان يرتاح فيه الناس ، ويعيشون حياتهم بسلام ، لا نحتاج أبداً لمصطلحات معينة قد لا تعني الكثير إن لم تطبق حقيقةً .

نحتاج لتبسيط الخطاب المعرفي والحقوقي للناس ، المتمازج والمتناغم مع الإرث التاريخي للأمة ،  والمستفيد من الحضارة المغايرة ما لا يفقده خصوصيته الدينية واللغوية والجغرافية .

همسة :

قبل القراءة في كتب الآخرين ، اقرأ ما كتب أسلافك ، وقبل نفي ما عند الأخرين ، اذكر حركات التأثر والتأثير التي قام بها أسلافك ، و اعلم أنه ليس كل صاحب منبرٍ خطيب ، وليس كل باكٍ صادق في بكاءه .

الاثنين، 15 يوليو 2013

الإسلاميون والصندوق كاستراتيجية :



بعد الإنقلاب المشؤوم في مصر على الرئيس المنتخب فخامة محمد مرسي ، علت الكثير من الأصوات داخل الصف الإسلامي تنادي بخيار العنف ، ونبذ الديموقراطية كوسيلة فاعلة للوصول إلى سدة الحكم وتمرير المشروع الإسلامي بقوة الصندوق .
مرد مثل هذه الأصوات إلى فئتين :
الأولى جماعات العنف كالقاعدة ومن يدور في فلكها وليست مرادةً هنا .
الثانية المحبطون من أنصار الجماعات السلمية كالإخوان والجماعة الإسلامية وغيرها من جماعات ، لا يلامون في الوقت الراهن لمثل هذه الدعوات ، فهي نوع من البكاء على المشروع الذي سلب ، ومحاولة ربطه بغيره من مشاريع كجبهة الإنقاذ في الجزائر وغيرها من المشاريع التي قتلت في مهدها .
ولكن بتأمل وموضوعية ، نرى أن المسار الديموقراطي هو الأسلم والأفضل ، فجماعات مثل الإخوان كسبت زخماً حتى من كارهيها ، بسبب تقبلها للطريقة الديموقراطية في تداول السلطة ، أضف إلى ذلك الحاضنة الشعبية التي زادت من شتى الأطياف والأحزاب خلف جماعات الإخوان في إعتصاماتها الأخيرة ، والرأي العام العالمي تعاطف مع الجماعة وهو ما يلمس من تخوف الساسة الغربيين من الإعتراف بالإنقلاب وإن كانوا معه قلباً وقالباً ، نظراً لأن شعوبهم لا تتقبل مثل هذه المواقف .
إستخدام العنف لن يجدي نفعاً ، بل سيطلق يد الجيش والعسكر في القتل والتنكيل وتكريس الإستبداد من جديد ، وكبت الحريات ، بدعاوى لن يعجز عن إيرادها ،  وبوادرها بدت ، ينتظر الفرصة المواتية التي تبرر له الإستبداد من جديد .
بإستحضار تجارب سابقة كثيرة للجماعات الإسلامية ، كجماعة الطليعة ، والجماعة الإسلامية ، والجماعة الليبية المقاتلة ، نجد أنها لم تستفد شيئاً مما قامت به ، بل خسائرها هي نفسها كانت كبيرة وفادحة ، أما خسائر المجتمعات فقد كانت بحيث لا يمكن وصفها .
أضف لذلك خسارتها للحاضنة الشعبية التي تستطيع الإنطلاق منها ، في مشروعك ، فأي مشروع حضاري لقيام دولة أو تعديل وضع سياسي مرفوض ، يحتاج لحاضنة شعبية تضخ فيه الدماء .
دعوى العنف يجب أن تنسى من القاموس لدى جماعات العمل السياسي الإسلامي ، فالصندوق رغم أنه سلب ، إلا أنه أوصل ، بعكس كل المحاولات المسلحة التي لم توصل إلا إلى السجون والمعتقلات . 

الأحد، 14 يوليو 2013

الدولة العميقة كعقبة


الدولة العميقة كعقبة :
الثائر على عهد قديم ، متغلغل حتى النخاع في مفاصل المؤسسات الحكومية ، 
بشتى سلطاتها ، سيتفاجأ بما تم التعارف عليه مؤخراً بالدولة العميقة ، وهي عبارة عن موظفي دولة كانت موجودة تمت الثورة عليها ، لن يرضوا بالحياة على الهامش وهم من عاش سني حياته على الفساد والمحسوبية ، تواجد مثل هذه الدول سيربك الثوار بداية لقدرة هذه الأجهزة على خلق جو من الفوضى غير معروفة المصدر ، والتضييق على حياة الناس عبر تكبيل مفاصل الحياة اليومية بالقيود التي يجيد استخدامها بيروقراطيي الدول الشمولية .
ستتفاجأ بأن أبسط نواحي الحياة تعطلت ، وأن أكبر قضايا الناس ، أكثرها تفاهةً في العهد المقبور ، كل هذا وغيره لا يمكن إرجاعه للمؤامرة من العهد السابق لعمل ثورة مضادة ، فنظرية المؤامرة ليست حلاً لمشاكل الناس ، والتنظير بوجود مؤامرة لن يوفر ما اعتاده الناس من وسائل حياة مقبولة ، نحن أمام خيارين لا ثالث لهما :
الأول ما تم معرفته في العراق بقانون اجتثاث البعث ، ويعني بالضرورة كل من كان في الحكومة القديمة خارج العمل والسلطة ، وهو وإن اختاره الكواكبي إلا أنه خطر وحساس وقد يأتي بفوضى أعم وأشمل .
الثاني طريقة ( بطيء ومؤثر )، على النمط التركي ، وتفصيل المؤسسات وتحييد السلطات عن بعضها ، ومحاولة التعامل ببراغماتية ومصلحية ، والبحث عن الإقتصاد وترك القانون والدستور لقادم الأيام ، وخلع عباءة الأيدلوجيا والحزبية والتعلق بالرابطة الأكبر ( الوطنية ) ، الإهتمام بالشرطة والمخابرات والداخلية عموماً على طريقة اذهبوا فأنتم الطلقاء .
يرى سلمان العودة أن أهم الشعارات التي يجب تطبيقها هي :
الثورة تجب ما قبلها ، اذهبوا فأنتم الطلقاء ، رفض الثأر تحت أي تبرير ، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه .
وقبل كل ذلك المصالحة الوطنية وإشراك الجميع في القرار الوطني .
وما قاله العودة رأينا حاجتنا له في بلاد الثورات كسوريا مثلاً حيث تم استقطاب الكفاءة ، الذين منحوا الثوار صفة المشروعية عالمياً .
ورأينا حاجتنا له في مصر حين تعطلت مناحي الحياة ، برفض الإخوان التعاون مع العهد القديم ، أو رفض العهد القديم التعاون مع الإخوان ، الأمر سيان فالمراد حاجات الناس الأساسية لا من يقدمها .

السبت، 13 يوليو 2013

عقدة الثوار


عقدة الثوار :
لكل ثورة تقوم بوجه الاستبداد والظلم عقدة لمسناها في ليبيا واليمن وسوريا ومصر ، وبعض مظاهرها اتضحت في تونس ، هي باختصار ما يريد الثوار والثائرون في المستقبل ، وكيف يكون شكل الدولة ، وما إلى ذلك من المطالب السامية في الوقت غير الصحيح .
رأينا الثائر يعرف ما لايريد بالتفصيل الدقيق ، لكننا لم نلمس ثورة عرفت ما تريد وهذا ليس مكان مشكلة ، إن كان تلمُس الطريق والبحث عن السبل في وقتٍ تكون فيه الثورة قطفت رؤس المستبدين وقطعت جذورهم وإمكانية عودتهم .
ماحصل في مصر على مدار عام كامل ، أن الثوار ثاروا على أنفسهم مرة أخرى ، متناسين أن هناك أطرافاً تحاول إجهاض الثورة وإعادة النظام القديم ، متناغمين فيما بينهم منهم ، من لبس ثياب الثوار وهو ليس منهم ، ومنهم من أعلن العدائية للثورة علناً ، واستعانتهم بالجيش ليست وليدة لحظتها ، بل أمر دبر بليل ، والثوار في نومهم لاهين ، ساعدهم في ذلك الموقف الإخواني المسترخي والمطمئن للمسار كأن الأمور استقرت .
كل من كتب عن الثورات ، وكيفية صناعتها ، وأسس قيامها ، حذر من هذه النقطة فنظام عاش لخمسين سنة ، لا يموت بقطع رأسه ، وإنما بتقطيع جميع أوصاله وفصلها عن بعضها البعض حتى لا تعود .
الثورات لم تقم بسبب ايدلوجيات معينة ، فقد رأينا أصحاب الأيدلوجيات أول من خانها ، ولم تقم ترفاً ورغبة في الحكم ، كما يُحاول تمريره هذه الأيام ، وإن كانت مطالب نبيلة ، لكن السبب الحقيقي لقيام الثورات هو مفاهيم العدالة والحرية والكرامة .
يقول النفيسي :
إن الحركة التي لا تريد أن تراجع أو تدرك أخطاء ماضيها ، من الممكن أن يتحول حاضرها إلى كومة من الأخطاء ومستقبلها إلى كارثة ، الحل يكمن في نقد الماضي ومراجعته وتحديد أخطائه من أجل تلافيها في الحاضر ، وتوظيف ذلك معرفياً وموضوعياً في المستقبل . أ.هـ
مظاهر النواح لن تجدي نفعاً ، فهي اشبه بالموسيقى الحزينة في أذن المستبد ، حينما يشاهد فيلماً يحكي عن مأساة الهنود الحمر في الغرب الأمريكي .
الترتيب والتنسيق ومعرفة ما تريده المرحلة ، وتناسي الأيدلوجيات ، والإنتماءات غير انتماء الثورة ، هو من سيعيد مجدنا المسلوب في مصر المحروسة ، واليمن السعيد ، وسيجلبه بلا مواربة في سوريا الحبيبة عاجلاً غير آجل .

الثلاثاء، 9 يوليو 2013

نفسية الجيوش العربية


المتابع لحال الجيوش العربية بعد التحرر من الإستعمار يلاحظ أنها وبال على الشعوب وإهدار للمال العام وعامل مساعد في تكريس الإستعمار الداخلي عبر حماية المستعبد المستبد ، قوية على شعوبها حد الوحشية من تنكيل وقتل وتعذيب ، ضعيفة حد الخور في تعاملها مع العدو الصهيوني كتجربة وحيدة لعدو مشترك للشعب العربي بلا استثناء ، تشاركت هذه الجيوش مع الجيش الصهيوني في عدة حروب كلها خسرتها إلا واحدة يشك في أنها لم تكن نزيهة .
تابعت حال الجيش العربي من إنقلاب الجزائر على حكومة الإنقاذ وما فعله من عجائب ترتقي حد جرائم ضد الإنسانية مع أفراد شعبه كل ذلك نصرة للمستبد ، حالهم مع الثورات الأخيرة واحد إلا إذا استثنينا الجيش التونسي الذي لم يقم بعدوان على الشعب ولعل هذا نابع من ضعف الجيش ذو التعداد القليل بالنسبة لباقي الشعب على عكس باقي الجيوش الأخرى كالجيش الليبي والسوري واليمني والعراقي وأخيراً وليس أخراً الجيش العربي المصري قلعة فخر الشعب العربي ومنصة الإعجاب الوحيدة أيام الإعلام المسيس .
كل هذه المقدمة يعلمها الجميع ولم آتي بجديد ولكن ما أريد قوله هنا أنه آن الآوان للنظر بجدية لتركيبة الجيوش العربية من قبل الثوار والثورات والنظر بجدية لوضع الجندية القائم على نفذ ثم اعترض في احسن الأحوال وإلا فالغالب نفذ وإلا تقتل بدعوى الخيانة العظمى .
يرى الكواكبي في الطبائع أن المستبد لا يستقوي إلا بوسيلتين جهالة الأمة والجنود المنظمة وهي من أكبر مصائب الأمم عنده ، حتى أن الأمم قد تتخلص من جهالتها كما هو ملاحظ في الثورات العربية على دخن بيّن للعيان بسبب طول عهد الاستبداد وقصر عمر الحرية واتساع نطاقها مما أفقد الأمة القدرة على ضبط مشيها نحو الحرية بالشكل الصحيح ومعرفة ما تريد ، فلا يلبث هذا الجيش شيئاً يسيراً إلا أعاد الكره وضرب بالقسوة المعهودة والتي تلقاها في مراكز التدريب ، أعود للكواكبي حيث يقول رحمه الله « الجندية فتفسد أخلاق الأمة  حيث تعلمها الشراسة والطاعة العمياء والاتكال ، وتميت النشاط وفكرة الاستقلال ، وتكلف الأمة الإنفاق الذي لا يطاق ، وكل ذلك منصرف لتأييد الإستبداد المشؤوم ، استبداد الحكومات القائدة لتلك القوة من جهة واستبداد الأمم بعضها على بعض من جهة أخرى » .
نظام الجندية والجيوش العربية يحتاج لإعادة نظر لجميع المثقفين والمفكرين وقيادات الثوار وأنصار التخلص من الاستبداد المشؤوم ، جيوش مستهلكه ومتهالكه ونمطية قائمة على سلاح المشاة في عصر الأسلحة الفتاكة كأنها إنما وجدت من  أساسها لتكريس القمع وترهيب الجموع ، سيأتي من يقول انها إنتصرت على الإستعمار وطردت المحتل وسأقول أنها في ذلك الوقت لم تكن جيوشاً نظامية حقيقية بل أشبه بالمليشيات في أحسن أحوالها وإلا فالصحيح أنها مجموعة مجاهدين متطوعين يبحثون عن تحرير بلادهم .