السبت، 20 يوليو 2013

الشيطان الفصيح


الشيطان الفصيح :
أن نقع في الأخطاء فهذا مسلم به ، و أن ننقد أخطاء الآخرين فهذا أمر مقبول عند الجميع ، والنقد لا يعني بالضرورة الإساءة للمنقود بقدر ما يعني تصحيح المسار مرةً أخرى ، والخطأ جبلة في الإنسان ، خُلق وهي معه لا تنفك عنه و لا ينفك عنها ، و إلا فقد إنسانيته و أصبح ملاكاً خالداً .
و لو نظرنا بتأمل لفريضة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لرأينا أنها من هذا الباب ، و حديث نافق حنظلة فيه الدليل الواضح أن الله يحب الخطأ لأجل التوبة و الاستغفار .
و قد تتوافق مع الشريعة الإسلامية نظريات العقلاء من الوضعيين ، حيث يعتبرون النقد و التعلم من الخطأ منهجاً في حياتهم ، يرتقي ذلك لأعلى المستويات ، فتجد عندهم المعارضة السياسية و هي من هذا الباب لا تخرج عنه ، و تجد عندهم غيرها في نواحي الحياة .
الإشكالية الكبرى في النقد هي عدم وجوده ، و عدم تقبله ، و رفضه أو عقاب من يمارسه بحجج كثيرة ، على النطاق الشخصي أو على النطاق المجتمعي .
و الأدهى و الأمر من ذلك كله ، تسويغ الخطأ بمبررات كثيرة ، و إصدار الأحكام الجزافية لتبريره ، سواءً كان الخطأ شخصياً أو مجتمعياً ، إما خوفاً من مكانة ، أو رغبةً فيها ، أو بدواعي كثيرة تختلف من شخص إلى أخر .
و حين يتعلق الأمر بالجانب العدلي و الحقوق المدنية ، فإن هذا التبرير أو إصدار الأحكام العشوائية خارج منصة الحكم القضائي ، يعتبر جريمة بحق الشخص أو المؤسسة ، لا أحنث بحول الله إن حلفت أنها من البهت ، فهو هنا لا يعلم شيئاً وأصدر حكماً على شخص ما .
أما إن كان الخطأ العدلي معلومًا ، و تم تبريره ، أو قبوله بأي دعوى كانت ، فهذا الظلم بعينه ، والشر المستطير الذي لن يرتفع عن الناس و فيهم من يقبله ولا ينكر عليه ، و لا يشنع به ، و يُخالط و كأن شيئاً لم يكن .
الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس ، والساكت عن الظلم مثله أو أشنع منه ، أما مبرر الأخطاء العدلية وهو يعلمها فهذا يصدق عليه أنه شيطان فصيح ، يستوي في ذلك جميع العارفين ، ويتفاوتون بالدرجات ، فمن عمل بالسلك العدلي أحق أن يكون إبليس الرجيم في هذه المنظومة التي تحوي خنزب والولهان وغيرهم من الشياطين المردة .
إذا أنت لم تستطع قول الحقيقة أو جزءاً منها ، فلا تزيفها أو تتستر عليها ، فأنت هنا تخرج من كونك شيطاناً أخرساً ، إلى أن تكون شيطاناً فصيحاً .
خلص الله هذه الأمة و هذا البلد من شياطينها الفصحاء الذين فاقوا الفرزدق فصاحةً ، و الجاحظ بلاغةً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق