الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

نسبية المفاهيم والمرجعية


المفهوم هو تصور ذهني عام ومجرد عن الأشياء الواقعية ، وقد يكون تصوراً ذهنياً محضاً بلا وجود حقيقي في الواقع ، ولارتباطه القوي بإشكاليات المعنى والدلالة والإحالة ، تختلف التفاسير في المفهوم الواحد ، مما يصنع انطباعاً حقيقياً بنسبية المفهوم أصلاً .
وهذا ما يلاحظ حالياً ، بعد الربيع العربي ، فهناك الكثير من المفاهيم المتفق عليها كألفاظ ، من قبيل  ( حقوق الإنسان ، وحرية التعبير ، وحرية التجمع ) وما إلى ذلك من المفاهيم الطارئة حديثاً كتطبيقات ، وإن كانت موجودة في الأساس كألفاظ تعريفية لا أكثر ولا أقل ، وذلك راجع لحالة الدول العربية الاستبدادية الرافضة لأي فكرة ، أو مفهوم يأتي من خارج المؤسسة الحاكمة ، فيصل الحد إلى التجريم الحقيقي لصاحب الفكرة أو المفهوم ، عبر وسائل الدولة الاستبدادية المعروفة من قضاء وإعلام وغيره .
بعد الحالة الجديدة برزت هذه المفاهيم بقوة على السطح ، ولكون المجتمع لم يتعود عليها ، تم استخدامها كشعارات تأخذ أحكام النتائج والغايات ، متجاوزين بها حكمها الحقيقي ، أنها مجرد وسائل يفترض وجودها العيش الكريم لأفراد المجتمع ، فالمفاهيم المذكوره أعلاه وغيرها ، ليست غايات لذاتها ، بل وسائل لحفظ كرامة الإنسان وضمان الحياة الكريمة له .
كل هذه الفوضى في تحديد المفهوم بشكل مقبول يقودنا إلى المربع الأول غير المشاهد ، وهو المرجعية ، وهو ما يسميه حجة الإسلام الغزالي رحمه الله بالميزان أو القانون المتفق عليه في معرض حديثه عن استخراج الجزئيات من الكليات ، يقول رحمه الله :
" وليكن للبرهان قانون متفق عليه يعترف به كلهم ، فإنهم إذا لم يتفقوا في الميزان لم يمكن رفع الخلاف بالوزن " .
 ولاختلاف الناس أساساً في المرجعية لمن تكون ، فمن قائل بوجوب الرجوع للفقه الإسلامي في تحديد الأحكام ، إلى قائل بالرجوع للمقاصد الكلية من الشريعة ، إلى رافضٍ أصلاً فكرة التراث الإسلامي العربي محيلاً على الموروث الغربي في القضايا الجزئية ، والناس في ذلك مشارب وأهواء ، لا يمكن حصرها في مجال معين أو مرجعية معينة ، حتى الفريق المتفق على مرجعية بعينها ، كالشريعة أو الفقه أو الموروث الغربي ، تجدهم يختلفون في ما الفقه المقصود هل هو المالكي أم الشافعي أم الحنبلي أم ، أم ، وكذلك غيرهم .
المحصلة النهائية لهذا الموضوع أن الاتفاق يجب أن يكون في البداية على مرجعية متفق عليها ، قبل الخوض في التفاصيل التي لن تنتهِ ، ما دام الإنسان في علاقة مع غيره ، المرحلة الماضية كانت مرة جداً على الوطن العربي ، ولكنها كانت مليئة بالدروس المستفادة ، وأظن أن فوات التفكير في المرجعية من الأساس صنع هذه الفوضى في أكثر من بلد عربي .

نشر في جريدة الشرق القطرية يوم ٢٧
نوفمبر ٢٠١٣ 

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

السعودية وإسرائيل تقاطع مصالح دائم !!!

‏التصريحات التي خرجت قبل أيام عن أن المصالح السعودية الإسرائيلية لأول مره تتقاطع !! هي تهيئة لعلاقات معلنة حقيقية ورسمية  ، لأن المتابع لمسلسل المصالح المزعوم يرى أنها تتقاطع دائماً ، فمثلاً أحداث ١١ سبتمبر تقاطعت في اجتثاث الإرهاب ، وإسقاط حكومة طالبان الوليده ( الأمل السني في إنشاء دولة لا تخضع لمقاييس خارج دائرة رؤية علماء الشريعة ) وفي غزو العراق تقاطعت ذات المصالح في إسقاط حكومة صدام حسين ، وهي نفس المصالح والتقاطعات في ثورات الربيع العربي المجيدة ، ولا أدل على ذلك من الإنقلاب الإجرامي في مصر المحروسة والموقف المخزي من الثوار السوريين ..

ولا يوجد موقف واحد تعارضت فيه هذه المصالح ، إذا استثنينا الداخل الفلسطيني والذي ترك لطغمة فاسدة وضعيفة أن تفاوض فيه ، في تملص حقيقي من المسؤولية الشرعية والأدبية والقومية من قضية الأمة الأولى ، وهو موقف تتشارك فيه كل الطغمة الحاكمة في البلاد العربية بلا استثناء ، لا أحد يفضل أحداً فيه إلا بزيادة الوقاحة والصفاقة .

وبعد الاتفاق الأخير بين الدول العظمى الغربية وبين إيران ، ظهرت نبرة تقاطع المصالح بوضوح ، وقيلت علناً في كلا الفريقين ، وهي مرادة لغيرها ، فالتطبيع المعلن والصريح سيكون واضحاً للعيان وباتفاقات حقيقية هذه المرة ..

ولو عدنا بالذاكرة للوراء لتذكرنا الحديث الصحفي للملك عبدالله قبل توليه العرش في السعودية ، مع توماس فريدمان الرئيس السابق لقسم الشرق الأوسط في الواشنطن بوست ، والذي ذكر فيه مبادرة المملكة للإعتراف بإسرائيل ، وتبادل العلاقات الدبلوماسية وتطبيع العلاقات معها بشرط انسحابها إلى حدود عام ٦٧ ، وهي المبادرة التي تم إقرارها في قمة بيروت عام ٢٠٠٢م ، وللفائدة فهذا اللقاء هندس له سفير السعودية في واشنطن الحالي عادل الجبير !!! .

هذا الملف يرى البعض أنه المسمار الأخير في نعش العقد الداخلي الذي سبق أن أشرت إليه في تدوينا سابقة ( الثالثوث المقدس ) ، فالمملكة هنا ستكون عاريةً من كل ساتر حقيقي في مواجهة المؤسسة الدينية ، صاحبة الإمتياز التشريعي المعلن في البلد .
مع أن الظن يغلب أنه سيظهر من يرى هذا الإتفاق إن وقع نصر للإسلام والمسلمين كما في كل مرة ، وأن الخطر الحقيقي على الإسلام هم الشيعة ممثلين في إيران ، وهذا أمر غير مستبعد بل هو الراجح والمتيقن ..
السؤال الحقيقي من كل ما سبق هل يعي الساسة الجدد من فئة الأمراء الشباب ما يقومون بفعله في البلد داخلياً وخارجياً ؟ أم أن الأمر تعدى مرحلة الوعي ودخل في مرحلة الانعتاق من كل قيمة شرعية مؤسسة لهذا الكيان ؟
الأيام كفيلة بالجواب عن هذا السؤال وعن غيره .

دمتم بودٍ وتقدير ..

الخميس، 14 نوفمبر 2013

مع عبدالرحمن




ترأيت له وأنا القادم من الماضي كإسطورة من متحف الحضارة سمح للزوار برؤيته .
لم يستطع التعبير بالكلمات لعدم قدرته على تجاوز المفردات الثلاث التي استقبلتني بها عيناه قبل أن يبوح بها لسانه .
أنت تركي ؟
متى طلعت من السجن ؟
أنا أحبك !
أختزل كل تساؤلاته وإنطباعاته بهذه الأسئلة والإفادات ، لم يشأ أن يفارقني لحظة وهو الصغير المنهك من أول النهار ، لعب مع الكبار لعبة السهر فخسرها بينهم ، وربحها معي ، نام بجانبي وهو يدعي القدرة على مقاومة احتياجه للنوم ، لم يميز أحداً غيري فلم يعر الرجل الذي أعطاه ظهره وهو في عمر أحفاده أي إهتمام ، ولم يعلم أن ذاك الكهل لم يلاحظ وجوده أصلاً ، فقد تعود على تجاوز مخالفات الصغار للعادات والتقاليد تحبيباً لهم بمجالس الكبار .
أردت ترك إنطباعٍ في نفسيته عني ، وأن يوافق ما سمعه ما رآه ، فالصغار قد صنعوا في خياله شيئاً عظيماً إسمه تركي .
صادقته في يوم وليلة وأصبحت الصديق الدائم والوحيد ، أتجاذب معه أطراف الحديث القصير ، وأعطيه من الأسئلة ما يستطيع إجابته بنعم ولا ، كي لا تتزاحم الكلمات القليلة في قاموسه مع عدم الادراك ، وليكون الصديق الفاهم الناضج :
هل تريد أن نذهب إلى مشار يا عبدالرحمن ؟
هل تريد أن نرى السد يا عبدالرحمن ؟
وعندما رأى طريقاً صعباً يوصل السائرين خلفه إلى حيث لا يرى .
قال بلغة الصديق الواثق :
رح مناك !
خنقتني العبرة من فرحتي  بطلبه وسأقول أمره ، فقد رأيتها في عينيه ساعة إطلاقه شخصية الصديق المخلص الوفي .
يالله جاء إلى الحياة ولم أره ، وقابلته وهو طفل يدرس في المدرسة ، ولم يعرفني إلا من حكايات والدته والصغار أقرانه ، ممن يذكرني أو زارني .
قصة لقائي بعبدالرحمن سأنساها يوماً ما ، أو ربما نسيتها الآن وأنا أكتبها ، لكن ذاكرة الأطفال ستحتفظ ببعض التفاصيل ، وسيحفظ عبدالرحمن شيئا من لقاءه بي ، كما حفظت أنا شكل الجبل المطل على مشار واستجلبته من الذاكرة بعد ثلاثين سنة من رؤيتي له ..
حايل _ قرية القاعد .
الثلاثاء ٨ من شهر الله المحرم ١٤٣٥ من هجرة المصطفى .
١٢ نوفمبر ٢٠١٣ م .

الصغير هو عبدالرحمن بن عبدالله المجحدي إبن خالتي ..