الاثنين، 13 أكتوبر 2014

تاريخ التشيع الاثناعشري

لا يمكن معرفة التاريخ الحقيقي للتشيع الإثناعشري، إلا بتأكيد الحقائق التالية: 

أولا: لا يوجد في التاريخ السني ولا الشيعي ما يدل على أن هناك مادة نصية محفوظة، يتداولها الجيل الأول، أو الثاني، أو الثالث، أو حتى الرابع، بعد الرسول صلى الله عليه وسلم تشتمل على تصور متكامل مثل الذي بين أيدينا من تصورات الشيعة، لقضايا الفقه والعقيدة والمنهج.

ثانيا: رغم أهمية بعض الشخصيات مثل: عبدالله بن سبأ، والمختار بن أبي عبيد الثقفي، وأهمية آخرين، فإنه يجب أن يوضعوا في السياق الصحيح. 
تطور التشيع على المذهب الإثنى عشري بمفهومه الثقافي العقدي الفكري، حصل بشكل تدريجي خارج سياق هاتين الشخصيتين، بل إن التشيع الذي انطلق منه مفهوم الإثنا عشرية -وهو تشيع الرفض- بدأ بعد هاتين الشخصيتين بأكثر من خمسين عاما. لكن يمكن اعتبار ابن سبأ والمختار بن أبي عبيد، أحداث تمثل نتوءات في الفكر الشيعي، تركت بعض الأثر، لكن لا تمثل حلقات متصلة في سلسلة تطور المذهب.

ثالثا: مر الفكر الإثني عشري بمراحل هامة من أجل أن يتشكل بصورة مذهب مستقل. لكن سبق مرحلة الانحراف العقدي تحيزات سياسية، ساهمت في التوطئة له. كان أهم تلك التحيزات أحداث الفتنة الأولى، ثم قتل الحسين رضي الله عنه، ثم تصاعد الشعارات للمطالبة بدم الحسين والسعي لذلك، ثم ثورات زيد بن علي وذو النفس الزكية. ولكن كل هذه المراحل كان فيها تشيع سياسي، دون اختلاف عقدي مع التيار العام، بمعنى أن كثيرا ممن تشيع لعلي، وتحمس للمطالبة بدم الحسين بعد ذلك، كان سني المنهج سليم العقيدة، وكان وقوفه مع علي ومع الحسين رضي الله عنهما بسبب قناعات تشكلت في إطار سياسي فقط، وليس في إطار تكفير الصحابة، أو تخوينهم، أو الغلو في آل البيت.

رابعا: كان من أهم مراحل الانحراف العقدي، الخلاف مع زيد بن علي حول الموقف من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. نعم كان هناك جرأة على أبي بكر وعمر قبل ذلك، لكن لم تتشكل على شكل جماعة، إلا بعد أن تميزت فرقة "الرافضة" في لحظة الخلاف مع زيد بن علي بن الحسين، حين امتحنوه في موقفه من أبي بكر وعمر، فأثنى عليهما فرفضوه، فسماهم الرافضة.
 هذه المرحلة كانت هامة جدا،- لأنها صنعت أول تجمع يتبنى القدح في أبي بكر وعمر، إذ أن القدح في عثمان وغيره من الصحابة كان قديما. ومنذ تلك اللحظة، أصبح التشيع ذا طابع عقدي متميز، وبمدارس مستقلة. لكن من الضروري هنا أن نبرئ آل البيت من أمثال محمد الباقر، وجعفر الصادق، من كونهم هم الذين ألّبوا الرافضة على الصحابة، وعلى أبي بكر وعمر، حيث ثبت في كتب السنة أن الباقر والصادق من أهل السنة الملتزمين بالعقيدة، والمنهج السني على طريقة الصحابة.

خامسا: التوجهات العقدية الشيعية في البداية لم يخدمها التداول النصي، إلى أن جاءت بعد ذلك مرحلة الرواية، أو تكوين مدرسة مذهبية "شفوية" مستقلة، والتي كانت الأساس في تشكل المذهب الشيعي الذي استقر بعد ذلك في الفكر الإثنا عشري. تمثلت هذه المرحلة في ظهور مجموعة كبيرة من الرواة الذين يزعمون أنهم من أصحاب الباقر والصادق، من أمثال زرارة بن أعين، وجابر الجعفي، وأبو بصير، ممن صنعوا فكرة اعتماد الأئمة كمصدر مباشر للتلقي، بدلا من الرسول عليه الصلاة والسلام. وتمكنت هذه المجموعة من صناعة أساس لمنظومة الفكر الشيعي المتكامل، عن طريق سرد آلاف الروايات المنسوبة للباقر والصادق.

سادسا: و تبعا لتلك المهمة، كانت هناك خطوة أعطتها عامل البقاء، وهي مرحلة تدوين ما رواه هؤلاء الرواة وأمثالهم، والتي تمثلت في كتاب "بصائر الدرجات" والكتب الأخرى التي ألفها نفس المؤلف في نهاية المئة الثالثة، ثم تتابع التأليف بعد ذلك في المئة الرابعة، وظهرت الكتب الأساسية في المذهب الشيعي، والتي كان أهمها "كتاب الكافي". 
ورغم أن التشيع في تلك الفترة لم يكن يعتمد اعتمادا كبيرا على هذه المؤلفات، بل كان عبارة عن طوائف مغلقة يسودها الجهل تُردد كلاما كثيرا غير مفهوم، إلا أن هذه الكتب بقيت المادة التي اعتمد عليها متأخرون ممن أحيوا المذهب في مراحل متأخرة. وصادف في تلك الفترة حادثة الاختفاء المزعوم للإمام الثاني عشر و"الغيبة الصغرى"، فكانت الحادثة بمثابة إقرار للإثني عشرية كما يزعمون.

سابعا: بقي المذهب الشيعي في الجملة ضامرا، وتُتداول نصوصه بشكل سري، إلى أن حصلت تغييرات سياسية في بعض بلاد المسلمين ساهمت في ظهوره، حيث تبنت أنظمة سياسية معينة خدمة المذهب، وحصل ذلك في الدولة الفاطمية والوزراء البويهيين في العهد العباسي الثالث، والدول الشيعية في فارس التي وفرت الفرصة لكتب: مثل "منهاج الكرامة" لابن المطهر الحلي. لكن المذهب الشيعي عاد فانتكس بعد ذلك، ولم تظهر كتب ذو بال، ولم تظهر أي خدمة للمذهب، إلا في المرحلة التالية.

ثامنا: بعد ظهور الدولة الصفوية في إيران، وتنامي قوتها، وتبنيها للفكر الشيعي وعلمائه، وقمعها بقوة للفكر السني، وإجبار الملايين من أهل السنة على الخيار بين التشيع أو الموت، انتشر التشيع وانتعش التأليف فيه، فخرجت أخطر الكتب في تاريخ التشيع، وهي البحار والوسائل والمستدرك على البحار. وبسبب الدعم السياسي اللامحدود لهذه التأليفات، تسابق المؤلفون في تضخيم هذه الكتب وحشوها بما يستطيعون، متبارين في الغلو في آل البيت، وتضخيم الخيال في توصيفهم لآل البيت وظلمهم من قبل الصحابة، وحشد الروايات المختلقة في تقوية كل أركان عقيدتهم، زاعمين أنها مروية بالإسناد المتصل بالأئمة!!!

تاسعا: المرحلة الأخيرة وهي الثورة التي أحدثها الخميني في الفكر الشيعي، من خلال تبنيه لنظرية ولاية الفقيه، والتي لم تكن موجودة حتى أيام الصفويين، حيث كانت العلاقة بين الملك وعلماء الشيعة مثل العلاقة بين الكنيسة والفاتيكان. وحين سيطر الخميني على الحكم، لم يجد في التراث الشيعي طرحا سياسيا، فاضطر للاستعارة من الفقه السني والفكر العلماني الغربي، وخرج بالدستور الإيراني المعروف.


وإضافة لهذه المراحل، يرصد من يتابع تاريخ التشيع الملاحظات التالية:

  • أن التشيع الحالي ليس بالضرورة رواية صحيحة للتشيع القديم، بل في كل مرحلة من مراحل التشيع وخاصة مراحل التدوين والنسخ والكتابة، كان هناك مزيد من الاختلاق والنسبة للأولين.
  • لم يكن هناك نشاط شيعي نصي روائي قبل أن تخرج المجموعة التي عاصرت الباقر والصادق، والتي بدأت بتنظيم عملية الرواية بطريقة شاملة ومنهجية. وهذا يدل على أن التشيع كله بمفهومه العقدي لا السياسي، مشروع متأخر ولا علاقة له بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بعلي رضي الله عنه.
  • لم يكن هناك تدوين قبل نهاية المئة الثالثة للفكر الشيعي، وكان النقل شفويا. والشك لا يقف عند نسبة هذه الروايات للأئمة، بل حتى نسبتها للرواة الذين يروون عن الأئمة فيها نظر. فإذا كان الكليني يزعم أنه قابل المهدي في غيبته الصغرى، ويحشو أكثر من 300 رواية عن تحريف القرآن، فمن البديهي أن يكون هو نفسه المختلق. أما الكتب المتأخرة، فمن باب أولى أن تكون مليئة بالكذب، سواء بدلالة الغلو فيها، أو بدلالة زعم الإسناد إلى الأئمة، والذي يمتد الى المئة الثالثة عشر والرابعة عشر.
  • مشكلة خاصة تتناول مدونات الشيعة لا توجد في مدونات غيرهم، هي التزوير والاختلاق ليس في المرويات الشفوية فقط، بل حتى في الكتب المنسوخة، فهناك من الدلائل الثابتة على أن النسخ الحالية للكتب القديمة، قد زيد فيها وحذف منها الكثير من الأحاديث والروايات.
  • لعب عامل التقية في طمس مراحل هامة من التاريخ الشيعي، وهي المراحل الأطول، حيث لم يظهر لهم نشاط أكاديمي أو علمي في فترات طويلة من التاريخ الإسلامي، مما أعطى فرصة لعلمائهم أن يزوروا الروايات والكتب ويتلاعبوا بالمذهب.
  • من العناصر التي أعطت المذهب تميزا وعمرا، وساهمت في تشكيل الشيعة تشكيلا اجتماعيا مستقلا، غير موجود عند فرق أخرى مثل المعتزلة، هو وجود منظومة فقهية مستقلة في الفروع، معها مؤسسة دينية منتفعة ومستفيدة من المنهج على شكل شبكة مجتهدين، تجمع الخمس من الناس. هذه التركيبة ساعدت في بقاء المذهب بسبب البعد الاجتماعي، ولولاها لربما انطمس المذهب، وبقي مذهب صفوة مثل المعتزلة.

هناك تعليق واحد:

  1. السبئية هم أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي. قيل: إنه من الحيرة (1) بالعراق، وقيل: –وهو الراجح- إنه من أهل اليمن من صنعاء (2)، وقيل أصله رومي (3). أظهر الإسلام في زمن عثمان خديعة ومكراً، وكان من أشد المحرضين على الخليفة عثمان رضي الله عنه حتى وقعت الفتنة.
    وهو أول من أسس التشيع على الغلو في أهل البيت، ونشط في التنقل من بلد إلى بلد؛ الحجاز والبصرة والكوفة، ثم إلى الشام، ثم إلى مصر وبها استقر، ووجد آذاناً صاغية لبثّ سمومه ضد الخليفة عثمان والغلو في علي، وهذا النشاط منه في نشر أفكاره مما يدعو إلى الجزم بأن اليهود يموِّلونه، إذ كلما طرد من بلد انتقل إلى آخر بكل نشاط، ولاشك أنه يحتاج في تنقله هو وأتباعه إلى من يموِّلهم وينشر آراءهم، ومن يتولى ذلك غير اليهود الذين آزروه في إتمام خطته ليجنوا ثمارها بعد ذلك الفرقة وتجهيل المسلمين والتلاعب بأفكارهم.
    وقد بدأ ينشر آراءه متظاهراً بالغيرة على الإسلام، ومطالباً بإسقاط الخليفة إثر إسلامه المزعوم. ثم دعا إلى التشيع لأهل البيت وإلى إثبات الوصاية لعلي إذ إنه –كما زعم- ما من نبي إلا وله وصي، ثم زعم بعد ذلك أن علياً هو خير الأوصياء بحكم أنه وصي خير الأنبياء. ثم دعا إلى القول بالرجعة (4) ثم إلى القول بألوهية علي، وأنه لم يقتل بل صعد إلى السماء، وأن المقتول إنما هو شيطان تصور في صورة علي، وأن الرعد صوت عليّ، والبرق سوطه أو تبسمه، إلى غير ذلك من أباطيله الكثيرة. وفيما أرى أنه قد بيّت النية لمثل هذه الدعاوى، ولهذا لم يفاجئه موت علي بل قال وبكل اطمئنان وثبات لمن نعاه إليه: (والله لو جئتمونا بدماغه في صرة لم نصدق بموته، ولا يموت حتى ينزل من السماء ويملك الأرض بحذافيرها) (5).
    وهذه الرجعة التي زعمها لعلي كان قد زعمها لمحمد صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: (إنه ليعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمداً يرجع). واستدل بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ [القصص:85].
    وقد كذب عدو الله وأخطأ فهم الآية أو تعمد ذلك في أن المعاد هنا هو رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا قبل يوم القيامة، فلم يقل بهذا أحد من المفسرين، وإنما فسروا المعاد بأنه: الموت.
    أو الجنة.
    أو أنه رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه يوم القيامة. أو رجوعه إلى مكة (6).
    وهي أقوال لكل واحد منها حظ من النظر بخلاف قول ابن سبأ، فإنه قول يهودي حاقد كاذب على الله دون مبالاة. وقد تبرأ جميع أهل البيت من هذا اليهودي، ويذكر أن بعض الشيعة قد تبرأ منه أيضاً (7).

    ردحذف