الخميس، 9 أكتوبر 2014

علم الأسانيد ودرجات الآحاديث وطبقات الرواة

الإخباريون والأصوليون


تطور علم الحديث عند الشيعة، له علاقة بتفرق الشيعة الإثناعشرية إلى إخباريين وأصوليين. الأخباريون يرون أن كل الأحاديث التي لديهم صحيحة، ولا تحتاج لتمحيص، بل يعتقدون فيها التواتر. أما الأصوليون والذين نشأوا في عهد متأخر، فيرون ضرورة النظر في السند للحكم على الرواية. ونعرض الآن لمنهج الأصوليين، ثم نعود للاخباريين، ثم نتحدث عن حقيقة هذا العلم، وإن كان نفعَ فعلا في فرز الضعيف من الصحيح.

ومن المهم ان نشير إلى أننا لا نريد هنا أن نبسط مصطلح الحديث نفسه بل نستعرض المنهجية التي استخدمها الشيعة في تطبيق هذا العلم.

نشأ الأصوليون على الأرجح بعد أن انحرج الشيعة من مواجهة أهل السنة لهم بعلم الحديث الممحص المدروس الناضج المتماسك. ولكن حتى هذه الحركة من قبل الشعية لم تزد في البداية على محاولة التعليق على الرجال ولم يكن هناك تأليف في مصطلح وعلوم الحديث عند الشيعة حتى ظهر زين الدين العاملي الملقب عندهم بالشهيد الثاني (قتل سنة965هـ)،انظر القمي/ الكنى والألقاب: 2/344. 

وهذا ما تعترف به كتب الشيعة نفسها، قال الحائري "ومن المعلومات التي لا يشك فيها أحد أنه لم يصنف في دراية الحديث من علمائنا قبل الشهيد الثاني وأنما هو من علوم العامه" مقتبس الأثر 3 / 73. وقال الحر العاملي في ترجمة شيخهم المذكور وهو أول من صنف من الإمامية في دراية الحديث "لكنه نقل الاصطلاحات من كتب العامة كما ذكره ولده وغيره" أمل الآمل 1/ 86. ويرى صاحب التحفة أن سبب تأليفهم في ذلك هو ما لاحظوه في رواياتهم من تناقض وتهافت، وأنهم "قد أستعانوا في وضع هذه الاصول بما كتبه اهل السنة" التحفة الاثنا عشرية ص 105. وبهذا تكون الكتابة المستقلة في المصطلح وعلم الحديث قد تأخرت إلى قبيل مرور ألف سنة على الهجرة ومرور سبعمائة سنة على آخر إمام لهم. 

و الشيعة لم ينشئوا العلم من ذاتهم، بل حاولوا تقليد أهل السنة في معرفة الضعيف والصحيح، قبل التفرد في المصطلح، وحتى هذا كان متأخرا، وربما يكون أول من بدأه المطهر الحلي في نهاية المئة السابعة وبداية الثامنة. وجاء اهتمام الحلي بالمصطلح على الأرجح، كرد فعل على حملة شيخ الإسلام ابن تيمية عليهم في منهاج السنة، حينما شنع على الشيعة قصورهم في معرفة علم الرجال، وقلة خبرتهم في ذلك، كما انبرى يكشف استدلالات الشيعة من كتب السنة، ويبين جهلهم وكذبهم في هذا الباب حيث يستدلون بالضعيف والموضوع، وينقلون من المصادر غير المعتمدة. فلربما تنبه الشيعة إلى ضعف هذا الجانب عندهم، فاتجهوا إلى تمحيص أحاديثهم، او إنهم رأوا أن تقليدهم لأهل السنة في هذا الباب، فيه مجال للتخلص من إلزامات أهل السنة، ونقدهم لما جاء في كتب الشيعة من كفر وضلال، فما أن يقول لهم السني لقد جاء في كتابكم الكافي مثلا كذا وكذا من الكفر، حتى يجد الشيعي الجواب حاضراً وميسوراً، حينما يحكم على الحديث بالوضع وفي التقية متسع...؟

الباعث على الاهتمام بالاسناد في الروايات الشيعية

ويؤكد هذا الكلام الحر العاملي من ان الاصطلاح الجديد -وهو تقسيم الحديث عندهم إلى صحيح وغيره- والذي وضعه ابن المطهر هو محاولة لتقليد أهل السنة حيث قال " والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد العامة واصطلاحهم، بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع" وسائل الشيعة: 20/ 100. وهذا يفيد تأخير الشيعة في الاهتمام بهذه القضية، وإن الدافع لذلك ليس هو الوصول على صحة الحديث بقدر ما هو توقي نقد المذهب من قبل الخصوم والدفاع عنه. 

و التوافق الزمني بين رد شيخ الإسلام ووضعهم لهذا الاصطلاح، قد يخبر عن تأثرهم بنقد شيخ الإسلام لهم، حيث اعترفوا بـ "أن هذا الاصطلاح وهو تقسيم الحديث عندهم إلى صحيح وموثق وضعيف " مستحدث في زمن العلامة" وسائل الشيعة: 20/ 102، وأنظر: الكاشاني/ الوافي / المقدمة الثانية. والعلامة اذا اطلق في كتب الشيعة، يقصد به ابن المطهر الحلي، الذي رد عليه شيخ الإسلام. بل هناك ما يؤكد الموضوع اكثر، وهو ان ابن المطهر الحلي هذا هو- كما يقول صاحب الوافي: "أنه اول من اصطلح على ذلك وسلك هذا المسلك" الوافي- المقدمه الثانية: من 1/11.

وقد اعترف الحر العاملي، بان سبب وضع الشيعة لهذا الاصطلاح، واتجاههم للعناية بالسند، هو النقد الموجه لهم من اهل السنة، فقال: "والفائده في ذكره -اي السند-... دفع تعيير العامه الشيعة بأن احاديثهم غير معنعنة، بل منقولة من اصول قدمائهم" وسائل الشيعة: من 20/ 100. وكأن هذا النص الخطير يفيد- أيضا- ان الاسناد عندهم غير موجود، وان روايتهم كانت بلا زمام ولا خطام، حتى شنع الناس عليهم بذلك، فاتجهوا حينئذ لذكر الاسناد. 

فهل يعني هذا، أن الاسانيد التي نراها في روايتهم، صنعت صناعة فيما بعد، وركبت على نصوص أخذت من اصل قدمائهم، ووضعت هذه الاسانيد لتوقي نقد أهل السنة؟ هذا ما سنعلق عليه في المداخلة القادمة. وهي قصة لم يتم الانتباه لها الا من خلال ربط بعض الأمور.

قضية المصطلح ودراسة الإسناد، أوجدت مشاكل كثيرة عند الشيعة، وكشفت فضائح لا يعلم عنها كثير من الناس، إلا من تابع ودرس هذه القضية. ولإدراك هذه الفضائح، نعطي فكرة بسيطة عن قاعدتهم في تصحيح الروايات كما يزعمون ثم نرى مدى تطبيقها على الواقع:

الصحيح : ما اتصل سنده إلى المعصوم، بنقل الإمامي العدل، عن مثله في جميع الطبقات.

والحسن : ما اتصل سنده كذلك بإمامي ممدوح، من غير نص على عدالته، مع تحقيق ذلك في جميع مراتبه، او في بعضها، مع كون الباقي من رجال الصحيح.

والموثق : ما دخل في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته.

والضعيف: ما لا يجتمع فيه شروط احد الثلاثة المتقدمة بأن يشتمل طريقه على مجروح أو مجهول الحال أو ما دون ذلك. 

والمرسل : مارواه عن المعصوم من لم يدركه.

( زين الدين العاملي/ الدراية: ص 19، 21، 23، 24، 47) وانظر: الممقاني مقياس الهداية ص : 33- 35) بهاء الدين العاملي/ الوجيزة: ص 5.

ويلحظ أن المعصوم، ليس هو الرسول صلى الله عليه وسلم فحسب، بل أئمتهم لهم هذه الصفة التي يختص بها الرسل. 

كما أنهم يشترطون امامية الراوي في الحكم، بصحة الحديث او حسنه وما سوى الإمامي فلا يقبل خبره : "لاتقبل رواية الكافر وإن علم من دينه التحرز عن الكذب" وكذلك المخالف لا تقبل روايته ايضا لا ندراجه تحت اسم الفاسق. (ابن المطهر/ تهذيب الموصول: ص 77- 78). وهم يجرون حكم الكفر أو الفسق على سائر المسلمين من غير طائفتهم، قال الممقاني: "والأخبار في فسقهم بل كفرهم -يعني المخالفين- لا تحصى كثرة" (تنقيح المقال: 3/ 207).

لكن تطبيق هذه الشروط كارثة عظمى عليهم، لانه كان لا بد لهم من التناقض، وهذا ما حدا بالاخباريين أن يرفضوها جملة وتفصيلا، لأنها تؤدي بالضرورة إلى التناقض، وانظر إلى هذا النص الدقيق في وصف هذا الإشكال، لأحد الإخباريين يوسف البحراني المتوفي 1186هـ حيث قال : "والواجب إما الأخذ بهذه الأخبار، كما هو عليه متقدمو علمائنا الأبرار، أو تحصيل دين غير هذا الدين، وشريعة أخرى غير هذه الشريعة، لنقصانها وعدم تمامها، لعدم الدليل على جملة من أحكامها، ولا أراهم يلتزمون شيئأ من الأمرين، مع أنه لا ثالث لهما في البين، وهذا بحمد الله ظاهر لكل ناظر، غير متعسف ولا مكابر" لؤلؤ البحرين: ص 47. 

فهذا نص مهم، يكشف حقيقة أخبارهم في ضوء علم الجرح والتعديل الخاص بهم، وأنهم لو استخدموه بدقة لسقطت معظم رواياتهم.. وليس لهم إلا الأخذ برواياتهم بدون تفتيش، كما فعل قدماؤهم، وقبولها بأكاذيبها وأساطيرها، او البحث عن مذهب سوى مذهب الشيعة، لان مذهبهم ناقص لا يفي بمتطلبات الحياة. والحقيقة أن هذا النص من قبل البحراني صحيح، فلو طبق منهج الجرح والتعديل، بطريقة أمينة، وليس بالطريقة التي سنناقشها بعد قليل، لانتهى المذهب بالكامل.


طبقات الرواية وعلم الرجال 

أولاً : طبقة الصحابة 

الصحابة كلهم مستثنون من الرواية عند الشيعة إلا عدد قليل جدا، يقول محمد حسين آل كاشف الغطا بخصوص ذلك"إن الشيعة لا يعتبرون من السنة -أعني الأحاديث النبوية- إلا ما صح لهم من طرق اهل البيت.. أما مايرويه مثل ابو هريرة، وسمرة بن جندب، وعمرو بن العاص ونظائرهم فليس لهم عند الإمامية مقدار بعوضة" اصل الشيعة وأصولها ص 79. فهو هنا يقرر أن مذهب الشيعة هو قبول "ما صح لهم من طرق أهل البيت" دون ما سواه من روايات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا عرفنا أن الاثني عشرية تعنى بأهل البيت الأئمة الاثنى عشر. هذا في الرواية أما في تزكية الصحابة عموما فسنشير لذلك بعد قليل. 

وإذا عرفنا أن الذي ادرك الرسول صلى الله عليه وسلم، من الأئمة وهو مميز، هو أمير المؤمنين علي فقط، وقدر يسير جدا من حياة الحسن والحسين، وعليه فهل يتمكن علي رضي الله عنه من نقل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها للأجيال؟ مع أنه لا يكون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في كل الاحيان، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسافر ويستخلفه في بعض الاحيان كما في غزوة تبوك، كما كان علي يسافر ورسول الله في المدينة فقد بعثه رسول الله الى اليمن، وكذلك ألحقه بأبي بكر حين أرسله لأهل مكة. وكيف يطلع علي رضي الله عنه على حال الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، والتي يختص بنقلها زوجاته أمهات المؤمنين وهذا من اسرار وحكم تعددهن؟ 

بل الحقيقة "أن بلاد الإسلام بلغهم العلم عن رسول الله من غير طريق علي رضي الله عنه، وعامة من بلغ عنه صلى الله عليه وسلم من غير اهل بيته فضلا أن يكون هو علي وحده، فقد بعث رسول الله صلى عليه وسلم أسعد بن زرارة إلى المدينة يدعو الناس إلى الإسلام ويعلم الأنصار القرآن ويفقههم في الدين، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في مثل ذلك، وبعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن، وبعث عتاب بن أسيد على مكة فاين قول من زعم انه لا يبلغ عنه إلا رجل من اهل بيته؟" منهاج السنة 4/ 139، وقال أهل العلم إنه ( لم يرو عن علي إلا خمسمائة وستة وثمانون حديثاً مسندة يصح منها نحو خمسين حديثاً) ،* ابن حزم/ الفصل/ : 4/213، منهاج السنة:4/ 139، فهل سنة الرسول هى هذه فقط؟ 

ومن الطرائف أن هذه المعلومة اعترف بها الشيعة بطريقة غير مباشرة، حين أقروا بأنهم لم يبلغهم علم الحلال والحرام ومناسك الحج، إلا عن طريق ابي جعفر (الباقر). وهذا يعني أنه لم يبلغهم عن شيء في هذا قبل ذلك، وأن أسلافهم كانوا يتعبدون فيما جاء عن صحابة رسول صلى الله عليه وسلم، " كانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون الى الناس..". أصول الكافي: 2/20، تفسير العياشي: 1/ 252- 253، البرهان 1/ 386، رجال الكشي: ص 425.

لكن لماذا نبذ الشيعة روايات الصحابة، وقد زكاهم القرآن في مواضع كثيرة، وأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يشفع للصحابة عند الشيعة صحبتهم لرسول الله، وجهادهم في سبيل الله، وتضحياتهم، وسابقتهم، وبذلهم الأرواح، والمهج، ومفارقتهم للأهل والوطن، ونشرهم للإسلام في أصقاع الأرض؟ 

السبب بسيط جدا، وهو أن تزكية الصحابة تعني أنهم لم يكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني بالضرورة سقوط نظرية الإمامة، وولاية علي، لأنه لو كان الصحابة صادقين، لما كتموا خبر ولاية علي، ولما ترددوا في بيعة علي فورا، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولذلك اضطر الشيعة اضطرارا لتجريح جماعي، بحيث أن الصحابة في الجملة متآمرون على تعطيل أحكام الدين، وعلى رأس المؤامرة أعظم الصحابة وأفضلهم، وأزكاهم، الخلفاء الثلاثة والعشرة المبشرون بالجنة، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، فضلا عن باقي الصحابة ممن زكاهم القرآن، ممن بايع تحت الشجرة، ومن ذهب لغزوة تبوك، هذا سوى التزكية العامة للصحابة في آخر سورة الفتح. 

مقابل هذه التزكية من القرآن، يعتقد الشيعة أن من انكر إمامة واحد من الأئمة -ولو كان الغائب المزعوم- فهو كإبليس، كما نص على ذلك ابن بابوية القمي إكمال الدين ص 13. وليس المقام هنا سرد موقف الشيعة من الصحابة، فهذا فيه نصوص كثيرة عندهم، تكفر الصحابة، وتتهمهم بالردة والنفاق، وتسمي أبابكر وعمر صنمي قريش، وتلعنهما لعنا عظيما، وتعتبر لعنهما من أعظم القربات. بل يذهب الشيعة إلى درجة جنونية في بغض الصحابة، والحنق عليهم أشد من الحنق على أعداء الإسلام، إلى زعم أن أبا بكر وعمر يرجعان إلى الحياة مع المهدي، من أجل أن يصلبهما ويحرقهما انتقاما لعلي رضي الله عنه، كونهما سلبا منه الخلافة ويقولون أن هذا من باب رجعة أشد الناس جرما وظلما وكفرا وزندقة. 

وفي مقابل تجريم وتخوين وتكفير من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاهد معه، وعاش معه، فإنهم في المقابل، يزكون من يزعم أنه رأى الغائب المزعوم في غيبته، ويضعونه في أعلى مرتبة، من مراتب التزكية، التي تعلو على العدالة وتكاد تقترب من العصمة. 

يقول الممقاني "تشرف الرجل برؤية الحجة- عجل الله فرجه وجعلنا من كل مكروه فداه- بعد غيبته فنستشهد بذلك على كونه في مرتبة اعلى من مرتبة العدالة ضرورة" تنقيح المقال 1/ 211. سبحان الله، أليس رسول الله اعظم من منتظر موهوم مشكوك في وجوده حتى عند الشيعة الذين كانوا في زمانه، فانظر وتعجب كيف يُزكى رجل يدعي رؤية معدوم، مع أن زعمه المجرد يجب أن يعتبر دليل كذبه، ويُطعن في صحابة رسول الله الذين ثبتت رؤيتهم للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وعاشوا معه، وجاهدوا معه، وثبت ذلك عنهم بالتواتر، الذي لا يشكك فيه الشيعة!! أفلا كانت رؤيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم بحد ذاتها تزكية جريا على نفس القاعدة؟ 

ومن التناقضات كذلك، أن الشيعة يرفضون رواية الصحابة فقط، لأنهم لم يبلغوا عن ولاية علي، مع عجزهم عن تجريمهم في شؤون أخرى، ومع ذلك يقبلون رواية آخرين من غير الصحابة ممن أنكر إمامة بعض أئمتهم. وقد اكد الحر العاملي على ان الطائفه الامامية عملت بأخبار الفطحية، مثل عبدالله بن بكير، وأخبار الواقفيه مثل سماعه بن مهران. وكثيرا ما تقرأ في تراجم رجالهم بان فلانا فطحي، وذاك واقفي، وهذا من الناووسية، وكل هذه الطوائف الثلاث، تنكر بعض ائمة الاثنى عشرية، ومع ذلك يعدون جملةً من رجالها ثقات. 

جاء في رجال الكشي بخصوص محمد بن وليد الخزاز، ومعاوية بن حكيم، ومصدق بن صدقه، ومحمد بن سالم بن عبد الحميد "وهؤلاء كلهم فطحيه وهم من أجلة العلماء والفقهاء والعدول، وبعضهم ادرك الرضا- رضي الله عنه- وكلهم كوفيون" رجال الكشي ص 563. وزكى الكشي الحسن بن علي بن فضال وعلي بن حديد بن حكيم وعمرو بن سعيد المدايني و كلهم من الفطحيه. وكان ابو خالد السجستاني وعلي بن جعفر المروزي وعثمان بن عيسى وحمزة بن بزيغ كلهم من الواقفه، ومع ذلك وثقوهم وعملوا بمروياتهم معرضين عن قول امامهم ( الزيديه والواقفه والنصاب بمنزلة واحدة من حيث إنكار بعض أئمة الشيعة اختلافهم معهم في قضية العصمة) بل إن الكشي نفسه قال عن الواقفه " والواقف عائد عن الحق ومقيم على سيئة ان مات بها كانت جهنم مئواه وبئس المصير" رجال الكشي ص 456، وقال "يعيشون حيارى ويموتون زنادقه...فأنهم كفار مشركون زنادقه" رجال الكشي ص 456. ومع هذا تقبل رواية هؤلاء وترد روايات الصحابه- رضوان الله عليهم- اليس هذا هو التناقض بعينه؟! 

فاذا أدركنا انهم ردوا رويات الصحابة، لردهم النص المزعوم على علي، وأن هؤلاء من الواقفه والفطحيه، ينكرون مجموعة من الأئمة، ويجحدون النصوص الواردة فيهم عن الأئمة قبلهم، تبين أن الجميع يشتركون في نفس العله المزعومه التي من اجلها رفضوا مرويات الصحابه وهو انكار احد الائمه.. اذا ادركنا ذلك، ادركنا إن السبب الحقيقي هو التخلص من ورطة سقوط العنصر الأساسي في التشيع، وهو القول بإمامة علي، وبذلك يصبح تجريم الصحابة عملا براجماتيا مصلحيا وليس منهجيا. 

وأخيرا فمن العجائب عند الشيعة أن نجد اعترافا بأن الصحابة رغم "جريمتهم الكبرى في إخفاء خبر الإمامة " صادقون، ولا ندري كيف فلت هذا الخبر من بين كتبهم. جاء في الكافي وبحار الأنوار "عن ابن حازم قال : قلت لابى عبد الله ..فاخبرنى عن اصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -صدقوا على محمد -صلى الله عليه وسلم ام كذبوا؟ قال.. بل صدقوا" اصول الكافي : 1/65، بحار الأنوار ، 2/ 228،

الطبقة التالية -- التابعون وأتباع التابعين
 
بعد الصحابة لا يوجد في روايات الشيعة من الرجال من طبقة التابعين أحد تقريبا. حتى المنتسبون للتشيع السياسي مع علي رضي الله عنه ومع الحسن والحسين، لا يعدون ثقات عند الشيعة لأنهم لم يؤمنو بالولاية والإمامة على طريقتهم. ولذلك فإن الروايات عن علي والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين قليلة جدا، وما وجد منها فإما إنه بدون إسناد، أو منسوب لمجاهيل،كما هو حال سليم بن قيس الهلالي. 

أما أتباع التابعين، فربما ابتدأت الرواية في نهاية فترتهم، حين تكاثر التلاميذ المزعومون حول الباقر والصادق. أما علي بن الحسين رضي الله عنه فلم يرد عنه روايات مسندة إلا عدد قليل جدا، ما عدا ذلك فهو نفس حالة الروايات التي قبله إما قليلة جدا أو منسوبة لمجاهيل. 

ولو عملت دراسة مسح سريعة، لوفيات الرجال المعروفين في روايات الشيعة، لتبين أن من وجد منهم في هذه الطبقات الثلاث قليل جدا، بينما تكاثر الرواة بعد ذلك، أي بعد ظهور الباقر والصادق.

وبسبب ندرة الرواة الذين يعتمد عليهم الشيعة، في تلك الفترة اضطر الشيعة في مناظراتهم ونقاشهم للاعتماد على كتب السنة. ويلجأ الشيعة بالذات لكتب السنة التي لم يلتزم فيها مصنفوها الصحة، ويجدون بغيتهم في أبواب الفضائل، أو كتب التاريخ، التي عادة ما يتساهل فيها الرواة أكثر من تساهلهم في قضايا الأحكام والعقائد، لكنهم مع ذلك يسندونها تبرئةً لذمتهم بذلك، ويتركون الحكم عليها لغيرهم.

حال الأئمة الاثني عشر أنفسهم أولا: 

اشرنا بشكل مبدئي وأساسي أن الدين عند الشيعة يؤخذ من الأئمة الاثني عشر بصفتهم مصدر التشريع، والحديث يروى عنهم، ويحمل حجة كاملة مثل الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك فلعل من الحكمة أن نتعرف على الأئمة الاثني عشر، قبل أن نتعرف على حال الرواة الذين رووا عنهم. وفي هذا المدخل نحن بحاجة لنقول من علماء أهل السنة أكثر من الشيعة، لأننا نحتاج تقويم لهؤلاء الأئمة، لأن الشيعة يجمعون على عصمتهم.

كما أن دراسة حال أئمة الإثنى عشرية، لا تعني التعليق على حال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولا الحسن والحسين رضي الله عنهم لما لهم من صحبة. إنما التعليق على بقية الائمة بدءا بعلي بن الحسين، وانتهاء بالحسن العسكري.

وقد أشرنا إلى أن معظم الحديث عندهم مروي عن جعفر الصادق، وقليل أيضا عن محمد الباقر، وقليل منه بل نادر ولا يكد يوجد إلا بكلفة، مروي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم، وأكد شيخهم الحر العاملي أن هذا الأمر مقصود، لأنهم يتجنبون رواية ما يرفع الى النبي، خشية ان يكون من روايات أهل السنة. وسائل الشيعة 20/ 391.

قال شيخ الاسلام بن تيمية "هذه الطائفة لا تعتني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة صحيحه من سقيمه والبحث عن معانية، ولا تعتني بآثار الصحابة والتابعين حتى تعرف مآخذهم ومسالكهم وترد ما تنازعوا فيه الى الله والرسول." منهاج السنة: 3/ 40. والحقيقة أن ما يزعم الشيعة من صحة الرواية عن أهل البيت لا تعني كل أهل البيت، فقد رد الطوسي روايات زيد بن علي الحسين. أنظرالاستبصار 1/66. وكفرو جملة من أهل البيت لأنهم لم يصدقوا بدعوى إمامة الاثنى عشر. أصول الكافي: 1/ 372، بحار الأنوار 25/ 112-114. 

وقال بن تيمية كذلك "وياليتهم اخذوا بما يقوله امير المؤمنين علي، أو قنعوا بمراسيل التابعين، كعلي بن الحسين، بل يأتون إلى من تأخر زمانه كالعسكريين، فيقولون كل ما قاله واحد من أولئك فالنبي قد قاله. وكل من له عقل يعلم أن العسكريين بمنزلة أمثالهما، ممن كان في زمانهما من الهاشميين، ليس عندهم من العلم ما يمتازون به عن غيرهم، ويحتاج إليهم في أهل العلم، ولا كان أهل العلم يأخذون عنهم، كما يأخذون عن علماء زمانهم، وكما كان أهل العلم في زمان علي بن الحسين، وابنه أبي جعفر، وابن ابنه جعفر بن محمد، فان هؤلاء الثلاثة- رضي الله عنهم- قد أخذ أهل العلم المعروفون بالعلم عنهم شيئاً. فيريدون أن يجعلوا ما قاله الواحد من هؤلاء، هو قول الرسول الذي بعثه الله الى جمع العالمين، بمنزلة القرآن والمتواتر من السنن، وهذا مما لا يبنى عليه دينه إلا من كان أبعد الناس من طريقة اهل العلم والإايمان" منهاج السنة 3/ 40-41. 

وتحدث ابن حزم عن هذه الدعوى مشيرا إلى من بعد جعفر وقال "وأما من بعد جعفر بن محمد، فما عرفنا لهم علماً أصلاً، لا من رواية ولا من فتيا، على قرب عهدهم منا، ولو كان عندهم من ذلك شيء لعرف، كما عرف عن محمد بن علي وابنه جعفر، وعن غيره منهم ممن حدث الناس عنه." الفصل 4/ 175. 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية " منهم من كان خليفة راشدا تجب طاعته كطاعة الخلفاء قبله، وهو علي، ومنهم أئمة في العلم والدين يجب لهم ما يجب لنظرائهم من أئمة العلم والدين كعلي بن الحسين، وأبي جعفر الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، ومنهم دون ذلك" مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 19/ 69. 

ثم فصل القول في من هم دون ذلك في موضع آخر فذكر بأن "موسى بن جعفر ليس له كثير رواية، وقد روى عن ابيه، وروى عنه أخوه علي، وروى له الترمذي، وابن ماجه، وأما من بعد موسى فلم يؤخذ عنهم من العلم، وليس لهم رواية في الكتب الأمهات من الحديث، ولا فتاوى في الكتب المعروفة، ولكن لهم من الفضائل والمحاسن ما هم له أهل- رضي الله عنهم" منهاج السنة 2/155. فكأن شيخ الإسلام رحمه الله يستدرك على ابن حزم فيزيد موسى ابن جعفر، ويبن أنه كان له رواية في كتب الستة فقال "له عند الترمذي وابن ماجه حديثان " سير أعلام النبلاء 6/ 270. 

ولعلي بن موسى الرضا رواية في سنن ابن ماجه، كما أشار إلى ذلك الذهبي وابن حجر، الكاشف 2/ 296، ابن حجر/ تقريب التهذيب2/ 44-45. وقد ذكر الحافظ المزي بأنها رواية واحدة فقط المزي/ تهذيب الكمال 2/ 993 . وبالرجوع الى سنن ابن ماجه، تبين أن تلك الرواية جاءت من طريق أبي الصلت الهروي وهو ممن لا يحتج له، حتى قال فيه الدارقطني "رافضي خبيث متهم بوضع حديث الإيمان في القلب" ميزان الاعتدال 2/ 616. وهو الحديث الذي جاء في سنن ابن ابن ماجه من طريق أبي الصلت عن علي بن موسى، ولذلك قال ابن السمعاني "إن الخلل في روايات علي الرضا من رواته، فإنه ما روى عنه إلا متروك" الأنساب 6/ 134، وانظر تهذيب التهذيب7/ 389. قال ابن حجر "إنه صدوق والخلل ممن روى عنه،" تقريب التهذيب: 2/ 45. 

ولعل هذا ما اشار اليه شيخ الإسلام حينما قال عن علي الرضا " لم يأخذ عنه أحد من أهل العلم بالحديث شيئا، ولا روى له حديثا في كتب السنة، وإنما يروي له أبو الصلت الهروي وأمثاله نسخاً عن آبائه فيها من الأكاذيب ما نزه الله عنه الصادقين،" منهاج السنة 2/ 156. وفي التهذيب ذكر أمثله لهذه المنكرات والأكاذيب التي يرويها أبو الصلت الهروي عن علي الرضا، تهذيب التهذيب 7/ 388-389) كحديثهم الذي يقول "السبت لنا، والأحد لشيعتنا، والاثنين لبني أمية.. إلخ." التهذيب 7/ 388. وتروي كتب الاثنى عشرية هذا الحديث في مصادرها المعتمدة عندهم. عيون الأخبار 207، وسائل الشيعة8/ 258.

وأما من بعد علي الرضا فلم يؤثر عنهم في كتب السنة من العلم شيء، وحينما ادعى ابن المطهر الحلي أن الحسن العسكرى إمامهم الحادي عشر قد روت عنه العامة -يعني أهل السنة- كثيراً نفى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وقال " بأن ذلك من الدعاوى المجردة، والأكاذيب المثبتة، فإن العلماء المعروفين بالرواية الذين كانوا في زمن هذا الحسن بن علي العسكري، ليست لهم عنه رواية مشهورة في كتب أهل العلم...... وشيوخ أهل كتب السنة، البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي وابن ماجه، كانوا موجودين في ذلك الزمان وقريبا منه مثله وبعده، وقد جمع الحافظ أبو القاسم ابن عساكر أسماء شيوخ الكل- يعني شيوخ علماء الحديث- فليس في هؤلاء الأئمة من روى عن الحسن بن علي العسكري، مع روايتهم عن ألوف مؤلفة من أهل الحديث، فكيف يقال روت عنه العامة كثيرا، وأين هذه الروايات؟" منهاج السنة: 2/ 163- 164. وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة الحسن بن علي العسكري أن ابن الجوزي ضعفه في الموضوعات لسان الميزان 2/24. 

وقد أثار ابن حزم على الشيعة ما ثبت تاريخياً من ان بعض أئمتهم المذكورين مات أبوه وهو ابن ثلاث سنين، ثم قال "فنسألهم من أين علم هذا الصغير جميع علوم الشريعة؟ وقد تعذر تعليم أبيه له لصغره؟ فلم يبق إلا ان يدعوا له الوحي فهذه نبوة، وكفر صريح وهم لا يبلغون إلى أن يدعوا له النبوة، وأن يدعوا له معجزة تصحيح قوله. فهذه دعوى باطلة، ما ظهر منها قط شيء،أو يدعوا له الإلهام فما يعجز أحد عن هذه الدعوى" الفصل 4/ 172. 

وكأن ابن حزم يتنبا بما ستضيفه الشيعة، او هو يكشف شيئا يتسترون عليه، فقد قالوا بالإلهام والوحي للإمام- كما سلف- وجاء في روايتهم ما يؤكد القول بإمامة الاطفال، ففي أصول الكافي"عن ابن بزيع قال: سألته يعني أبا جعفر- رضي الله عنه- عن شيء من أمر الإمام، فقلت: يكون ابن أقل من سبع سنين؟ فقال: نعم، وأقل من خمس سنين" أصول الكافي 1/ 383- 384، بحار الأنوار: 25/ 103.وقالوا بأن الجواد كان إماماً وهو ابن خمس سنوات، بحار الأنوار 25/ 103. وقد احتجوا في كتبهم بروايات منسوبة لمنتظرهم وهو ابن ليلة واحدة.

ولذلك اعترفت كتب الفرق عند الشيعة، بأن طوائف من الشيعة أنكروا إمامة الجواد لا ستصغارهم لسنه، وقالوا لا يجوز الإمام إلا بالغاً، "ولو جاز أن يأمر الله عز وجل بطاعة غير بالغ لجاز أن يكلف الله غير بالغ فكما لا يعقل أن يحتمل التكليف غير بالغ فكذلك لا يفهم القضاء بين الناس ودقيقه وجليله وغامض الأحكام وشرائع الدين وجميع ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم وما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة من أمر دينها ودنياها طفل غير بالغ" النوبختي/ فرق الشيعة: ص 78- 88، القمى / المقالات والفرق ص 95. 

وقد ادى بهم القول بإمامة طفل في حكم الحضانة الى قبول رواية الكذابين الذين نسبوا لبعض الأئمة اقوالا لم تصدر منهم، لأنهم لم يدركوهم إلا في مرحلة الطفولة . قال الممقاني في ترجمة المعلي بن خنيس "إن المعلي قتل لأربع وثلاثين ومائة، والكاظم طفل لأنه ولد سنة 28 أو 29 ومائة، فعمره عند قتل المعلي ست أو سبع سنين" تنقيح المقال للممقاني. ولكنه يروي عن الكاظم والشيعة تقبل روايته ويقول الممقاني في تبرير ذلك "وفيه أن صغرهم لا يمنع من علمهم بالأحكام، الا ترى إمامة الجواد وهو صغير فيمكن أن يكون المعلى سأل الكاظم وهو صغير فروى عنه" تنقيح المقال للممقاني.

رجال الشيعة 
قلنا سابقا إن طبقة الصحابة والطبقتين التي تليهما ليس فيهما من الرواة عدد يستحق الاهتمام عند الشيعة. ولذلك فالمعوّل في رواية الشيعة للأحاديث التي في كتبهم على الرواة بعد ذلك والذين روى معظمهم عن الباقر والصادق. هذا للأحاديث المسندة أو للتي سندها متصل أما للأحاديث التي دون إسناد أو بإسناد منقطع فهي لا تحتاج لدراسة الصحة والضعف ويسقط الحديث فيها تلقائيا. وللحكم على إسناد هذه الأحاديث عند الشيعة نود أن نؤكد بعض الحقائق:

أولا: مصنفو تلك الكتب لم يلاقوا الأئمة الاثني عشر (إلا ما زعم من ملاقاة الكليني للغائب) ولذلك فإن افترضت عدالة هؤلاء المؤلفين فأحاديثهم تحتاج لدراسة الأسانيد. ويبين الكليني بنفسه مشكلة الرواية وأنها كانت في ظروف التقية بقوله "ان مشايخنا رووا عن جعفر وأبي جعفر وأبي عبد الله-عليهما السلام- وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا." أصول الكافي، باب رواية الكتب والحديث 1/ 53. و في بعض رواياتهم تجد الأمر بكتمان النص وعدم إذاعته عند غير أهله، أصول الكافي 1/ 527- 528، الكاشاني / الوافي، المجلد الأول 2 /72، الطبرسي/ الاحتجاج 1/ 84 –87 ، ابن بابوية / إكمال الدين 301 – 304، وغيرها.

ثانيا: نفس مؤلفي هذه الكتب في عدالتهم نظر، ولا يعرف عنهم الكثير سواءً تزكية أو ذما، سوى أنهم ألفوا تلك الكتب. كما لا يعرف الكثير عن طريقة تأليف الكتب، والاحتياطات التي اتخذت لمنع الوضع والتأليف والخطأ فيها. هذا فضلا عن أن هذه الكتب لم تنقل حفظا عنهم، ولم يضمن نسخها في وقتها بطريقة آمنة، وهناك كلام كثير عن دقة نسبة الكتب الحالية، التي بنفس العناوين لأؤلئك المؤلفين. 



وأهم تلك الكتب الكافي لأن الكتب الأخرى كتب فقهية في قضايا فيها سعة. وما دام الكليني صاحب الكافي يصرح بأنه يعتقد بالتحريف ويروي أكثر من ثلاثمائة رواية في زعم التحريف ويقول في مقدمة كتابه إنه لا يروي إلا الصحيح فهو قطعا يؤمن بتحريف القرآن. والذي يزعم أن كتاب الله الذي تكفل الله بحفظه قد تعرض للتحريف ولم يتمكن سبحانه من تحقيق وعده بحفظه، فهذا لا يصلح منطقا أن يعتبر ما يجمعه من حديث رواية مقبولة. لأن الذي يعتقد أن كلام الله نفسه لم يسلم من التحريف، لا بد أن يجزم بأن كلام المخلوقين أكثر عرضة للتحريف. ومن الأمور القليلة الأخرى التي تعرف عن الكليني، أنه يزعم مقابلة الغائب وهذه من الأدلة الكبرى، على أن الرجل نصاب كذاب، أو يعاني من تهيؤات نفسية أوتخبطات الجن والشياطين.

ثالثا: إن كان مؤلفو الكتب الأولى قريبين نسبيا من عهد الأئمة، ولهم قدرة على إخراج إسناد ما -بغض النظر عن قوته وضعفه وحال رجاله- فإن مؤلفي الكتب الاربعة التالية، لا يمكن أن ينظر لحال إسناد أحاديثهم التي استقلوا بها عن الكتب الأربعة، سواء كانت مسندة أو غير مسندة. لأنها إن كانت غير مسندة فلا قيمة لها أصلا، وإن كانت مسندة فسندها غير معقول كونه بسلسلة تمتد تسعة أو عشرة قرون. وبذلك تسقط كل هذه الأحاديث التي استقلوا بها عن الكتب الأربعة، ويبقى النقاش فقط على الأحاديث المنسوبة للكتب الاربعة.

رابعا: في حين بدأ علم الرجال والإسناد عند أهل السنة، في عهد التابعين، بعبارة بن سيرين المشهورة "سموا لنا رجالكم"، فإن علم الرجال لم يعرف عند الشيعة إلا في المئة الرابعة، وبطريقة مهلهلة جدا، لم تكتمل أبدا لحد الآن، كما اكتملت بتفاصيلها الهائلة وضوابطها الدقيقة عند أهل السنة. ولذلك تصبح دراسة الرجال عند الشيعة مسألة صعبة جدا، بسبب ضعف أو غياب المعلومات عن كثير من رجالهم، وجهالة العدد الأكبر منهم، وتضارب الرواية عن الآخرين، وتناقض الحكم على روايتهم. والجهالة تعني أن الشخص غير موجود، وليس له سجل تاريخي، يؤكد شخصيته، وهذه الظاهرة، وهي الإحالة إلى أسماء مجهولة شائعة جدا في الرواية الشيعية. بل إن من أقدس الكتب التي يعتمدون عليها وهو الكتاب المنسوب لسليم بن قيس الهلالي، منسوب لشخص مجهول ليس هناك أي سجل عن حقيقة وجوده في التاريخ.

خامسا: تجمع مصادر السنة أن الكذب شائع جدا في الفرق الشيعية، بل إنه أمر يكاد يكون مقبولا ومحمودا. ويكفي عند أهل السنة أن يُعرّف شخص بالرفض حتى تنهار عدالته، لأن الروافض عند علماء الجرح والتعديل، يستسهلون الكذب ويستجيزون وضع الحديث. ومستوى التشيع والرفض له دخل بمدى قبول الشخص، فإن كان من المتشيعين سياسيا، مثل شيعة علي والحسن والحسين رضي الله عنهم، فهذا لا يقدح بعدالة الراوي، أما الروافض الذين يسبون الصحابة، ويعتقدون بالإمامة، فهؤلاء لا عدالة لهم عند علماء الحديث، ويتفق الجميع على أن الروايات التي يرد إسمهم فيها ساقطة. أنظر كلاما كثير من ذلك في : المنتقى 21-23 ، ميزان الاعتدال 1/ 27- 28.

سادسا: لا تخالف مصادر الشيعة، أن الكذب شائع في الرواية الشيعية، وأن كثيرا من الرجال الذين تعتمد عليهم الرواية عند الشيعة، مقدوحين في دينهم أو أمانتهم أو صدقهم. يقول الطوسي "إن كثيرا من مصنفي أصحابنا ينتحلون المذاهب الفاسدة" الفهرست 24-25. ويقول الممقاني "ان القدماء كانوا يعدون ما نعده اليوم من ضروريات مذهب الشيعه، غلوا وكانوا يرمون بذلك أوثق الرجال كما لا يخفى على من احاط خبرا بكلماتهم" تنقيح المقال 3/ 23 . 

ولهذا قرر جملة من علماء الرجال عندهم، كابن الغضائري، وابن المطهر الحلي، بأن القدح في دين الرجل لا يؤثر في صحة حديثه، رجال الحلى ص 137. سبحان الله ما هو أساس عدالة الإنسان، إن كان الدين نفسه لا يقدح فيها؟ ولا نستغرب بعد ذلك ممن يزعم أنه لا يرى القول بالتحريف قادحا في عدالة الكليني. ومما نقل عن جعفر الصادق عندهم قوله "ان لكل رجل منا، رجل يكذب عليه ...وأن المغيرة بن سعيد دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا ". وقد اعترف المغيرة بن سعيد بذلك حسب كتبهم حيث قال "دسست في اخباركم أخبارا كثيرة تقرب من مائة الف حديث". 

وفي قول آخر منقول عن الصادق "إنا أهل البيت صادقون لا نخلوا من كذاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه" وعن يونس أنه قال "وافيت العراق فوجدت قطعة من اصحاب ابي جعفر وأبي عبدالله – عليهما السلام- متوافرين فسمعت منهم وأخذت كتبهم وعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا فأنكر منها أحاديث كثيرة .. وقال : ان أبا الخطاب، كذب على أبي عبدالله، لعن الله أبا الخطاب، وكذلك اصحاب ابي الخطاب يدسون من هذه الاحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبدالله – عليه السلام –فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن" كل هذه النصوص في تنقيح المقال للمامقاني 1/ 174 – 175.

سابعا: ثبت عند الشيعة بأسانيد صحيحة، حسب مقاييسهم، أن عددا كبيرا من أهم الرجال الذين تقوم عليهم الرواية، كذابون ملعونون على لسان الأئمة، مثل زرارة بن أعين، وجابر الجعفي، وأبو بصير، وهشام الجواليقي. وقد تواترت الروايات بكذبهم، إلى درجة أن المتأمل لها يجزم بأن المذهب كله يكاد يكون من تأليفهم. تصور مثلا إن الأئمة الباقر والصادق يقولون إنهم لم يروا جابر إلا مرة واحدة، وعرضا، بينما هو يروي عشرات الآلاف من الروايات المباشرة وجلسات وكلام مباشر مع الباقر والصادق. 

والشيعة لا ينكرون ذلك، لكنهم وكعادتهم لهم مخرج لكل شي، ومخرجهم هنا هو التقية. يقول محمد رضا المظفر عن هشام بن سالم "وجاء فيه مطاعن ، كما جاءت في غيره من أجلة أنصار اهل البيت، وأصحابهم الثقات، والجواب عنها عامة مفهوم-يعني التقية- ........ وكيف يصح في امثال هؤلاء الأعاظم قدح؟ وهل قام دين الحق وظهر امر أهل البيت ألا بصوارم حججهم؟" محمد الحسين المظفر- الإمام الصادق178. يعني أنه يعترف أن حجج أهل البيت المزعومة قائمة على أمثال هؤلاء المقدوحين. 

وقد تتبع بعض علماء أهل السنة، من المهتمين بالشأن الشيعي، مثل صاحب التحفة الاثنا عشرية، أحوال رجال الشيعة من كتبهم، فوجدها في الغالب ما بين كافر لا يؤمن بالله، ولا بالأنبياء، ولا بالبعث والمعاد، ومنهم من كان من النصارى، ويعلن ذلك جهاراً ويتزيا بزيهم، ولم يدع صحبتهم، ومنهم من أعلن جعفر الصادق كذبهم ونص على ذلك باعتراف كتب الشيعة وقال "يروون عنا الأكاذيب ويفترون علينا أهل البيت" التحفة الاثناعشرية97

ثامنا: لمعرفة ضخامة الكذب في الرواية الشيعة نتأمل نموذجا واحد وهو كمية ما رواه جابر الجعفي كما قال الحر العاملي "روى سبعين الف حديث عن الباقر – عليه السلام – ورى مائة وأربعين الف حديث، والظاهر أنه ما روي بطريق المشافهة عن الأئمة عليهم السلام أكثر مما روى جابر" وسائل الشيعة 20/ 151. اذاً فجابر يأخذ المرتبة الأول في الرواية من ناحية العدد، وإذا لحظنا أن مجموع أحاديث كتبهم الأربعة لم يبلغ سوى (44244) أعياد الشيعة1/ 280، أدركنا ضخامة مارواه جابر الجعفي، وأن رواياته تاخذ النصيب الاكبر في المدونات الشيعة، فهو أحد أركان دينهم. 

ولكن جاء في رجال الكشي- أصل كتب الرجال عندهم- عن زرارة بن أعين قال : (سألت ابا عبدالله-عليه السلام- عن أحاديث جابر؟ فقال ما رأيته عند أبي قط مرة وأحدة، وما دخل علي قط) رجال الكشي 191. فالإمام الصادق هنا، يُكذب ما يزعمه جابر من روايته عن،ه وعن أبيه، فكيف إذا يروي هذا العدد الضخم من الأحاديث عمن لم يلتق به، أو لم يلتق به إلا مرة واحدة، مع انه يصرح بالسماع والتحديث. ولم يجد الخوئي مخرجا من هذه الرواية التي تكذب جابراً، إلا أن يفزع إلى التقية فيقول بأنه "لا بد من حمله على نحو من التورية" معجم رجال الحديث 5/ 25.

هل يوجد في كتب الشيعة إسناد أصلا؟ 

بتتبع المذهب الشيعي بعناية، وتحليله منهجيا، يتبين حقيقتين في حكاية الإسناد:

الأول أن هناك ما يشير إلى ان الكتب الأولى لم يكن فيها إسناد أصلا وأضيفت اليها الأسانيد لصقا. 

الثاني أن هناك تناقض فاحش في قضية التعامل مع الإسناد والصحة والضعف من ناحية العمل بالرواية.
أول هذه الأدلة على غياب الإسناد، زعم وجود شخص اسمه سليم الهلالي، مع أنه شخصية وهمية، لم تذكر في التاريخ والسير، وقد ناقشنا هذه القضية في المراجع الحديثية المعتمدة عندهم، ويهمنا هنا أن الشيعة يعترفون بأن الكتاب موضوع ويعتبرون الوضع عملا مشروعا: "والحق أن الكتاب موضوع لغرض صحيح نظير كتاب الحسنية، وطرائف بن طاووس، والرحلة المدرسية" أبوالحسن الشعراني/ تعليقات علمية(على شرح الكافي للمازندراني): 2/ 373-374. 

ويؤيد هذا الكلام، صاحب الحور العين، حين يقدم شهادة مهمة لأحد علماء الشيعة الزيدية في هذا الشأن، حيث نقل عن السيد ابو طالب قوله في كتابه الدعامة "إن كثيراً من أسانيد الاثنى عشرية مبنية على أسام لا مسمى لها من الرجال، قال : وقد عرفت من رواتهم المكثرين، من كان يستحل وضع الأسانيد للأخبار المنقطعة إذا وقعت إليه. وحكى عن بعضهم: أنه كان يجمع روايات بزرجمهر، وينسبها للأئمة بأسانيد يضعها، فقيل له في ذلك، فقال: أُلحق الحكمة بأهلها" الحور العين: ص 153. أبو طالب يحي بن الحسين بن هارون الحسني توفي سنة424هـ . أنظر: معجم المؤلفين: 13/192-193. 

وقد ذكروا أن من رجالهم حيدر بن محمد نعيم السمرقندي (شخص مجهول) قالوا بأنه: "روى جميع مصنفات الشيعة واصولهم وروى ألف كتاب من كتب الشيعة" وسائل الشيعة: 20/ 185. ولو كان هذا واقعاً لانتشر ذكره في كتب الرجال والتاريخ ولكن لا يوجد له أي ذكر أو إشارة..

ومما يؤيد أنه لا سند لهم في الحقيقة، النص التالي الذي جاء في الكافي: "ان مشايخنا رووا عن ابي جعفر وأبي عبدالله- عليها السلام- وكانت التقية شديدة، فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا. ولما سألوا إمامهم عن ذلك قال: حدثوا بها فإنها حق" أصول الكافي، كتاب فضل العلم، باب رواية الكتب والحديث: 1/ 53. فهذا اعتراف خطير بانقطاع أسانيدهم. 

ولذلك جاء علم الجرح والتعديل عندهم مليئاً بالتناقضات والاختلافات حتى قال شيخهم الفيض الكاشاني: "في الجرح والتعديل وشرايطهما اختلافات وتناقضات واشتباهات لا تكاد ترتفع بما تطمئن إليه النفوس كما لا يخفى على الخبير بها" الوافي، المقدمة الثانية: 1/11- 12. 

وهذه الاعترافات الخطيرة من الكاشاني، والحر العاملي لم تظهر إلا في ظل الخلاف الذي دار ويدور بين الإخباريين والأصوليين.. والذي- كما نلاحظ ارتفعت فيه التقية لاسيما وأن في الشيعة كما قال الكافي خصلتان: "النزق وقلة الكتمان". النزق نزقا من باب تعب خف وطاش.المصباح المنير: ص 734.، أصول الكافي : 2/ 221- 222. 

وإذا أخذنا هذا الاعتراف، ووضعناه مع إقرارهم الذي جاء في أخبارهم بأنهم "كانوا لا يعرفون مناسك الحج والحلال حتي جاء أبو جعفر" أصول الكافي : 2/ 20. وأنه في عهد أبي جعفر وابنه كثر الكذابون على الأئمة، تكاملت الصورة في أن معظم رواياتهم مكذوبة، ولو طبق علم الجرح والتعديل، لا نكشف امرها بذلك، وظلوا كما كانوا قبل أبي جعفر، لا يعرفون الكثير من أمور دينهم، إلا عن طريق كتب المسلمين.

حقيقة منهج دراسة الإسناد 

يزعم الشيعة في التعريفات أعلاه، أنهم يشترطون في الحكم بالصحة اتصال السند، فأين اتصال السند هنا، ومن قديم كان شيوخهم لا يعلمون بمقياس الصحة والضعف التي وضعوها بانفسهم؟

قال الحر العاملي عن شيخهم الطوسي إنه (يقول : هذا ضعيف، لأن رواية فلان ضعيف، ثم نراه يعمل براوية ذلك الراوى بعينه، بل برواية من هو أضعف منه في مواضع لا تحصى. وكثيراً ما يضعف الحديث بأنه مرسل ثم يستدل بالحديث المرسل، بل كثيرا ما يعمل بالمراسيل وبرواية الضعفاء، ويرد المسند ورواية الثقات" وسائل الشيعة: 20/ 111. 

ويؤلف محمد بن علي الأردبيلي الغروي الحائري. والمتوفى سنة (1101هـ) كتابه جامع الرواة ويدعي دعوى في غاية الغرابة، حيث زعم- وهو في القرن الحادي عشر- أنه بتأليفة لكتابه المذكور تتغير أحكامه في اثني عشر ألف حديث عن الأئمة في العصور الأولى، تتغير من القول بضعفها او إرسالها او جهالتها الى القول بصحتها حيث قال: "بسبب نسختي هذه يمكن أن يصير قريب من اثني عشر الف حديث او اكثر من الأخبار التي كانت بحسب المشهور بين علمائنا- رضوان الله عليهم- مجهولة او ضعيفة او مرسلة معلومة الحال وصحيحة لعناية الله تعالى، وتوجه- كذا – سيدنا محمد وآله الطاهرين" الأردبيلي/ مقدمة جامع الرواة. 

ويستدل بهذا القول صاحب فصل الخطاب، على انه لا مانع من أن تصبح احاديث التحريف ضعيفة عند قدمائهم، لعدم علمهم بطريق صحتها فتتحول عندهم الى صحيحة! فصل الخطاب: ص 35. 

ونجد المجلسي في كتابة مرآة العقول يضعف جملة من أحاديث الكافي مع انه يقول: "فإننا لا نحتاج الى سند لهذه الأصول الاربعة، واذا اوردنا سنداً فليس إلا للتيمن والتبرك والاقتداء بسنة السلف" رسالة لزوم نقد رجال من لا يحضره الفقيه، عن ابي زهرة/ الإمام الصادق: ص470- 471. 

وزعم الذين راجعوا الكافي أن عدد الضعيف من روايات الكافي (9485) حديثا، والصحيح (5072)، والحسن( 144 )، والموثق (178)، القوى (302). انظر :الذريعة: 17/ 245-246،النوري/ مستدرك الوسائل: الفائده الرابعة. ومع ذلك يقول هاشم معروف من المعاصرين "ان اتصاف هذا المقدار من مرويات الكافي بالضعف لا يعني عدم جواز الاعتماد عليها في أمور الدين، ذلك لأن وصف الرواية بالضعف من حيث سندها، لا يمنع من قوتها من ناحية ثانية كوجودها في احد الأصول الأربعمائة، او بعض الكتب المعتبرة.. او لكونها معمولاً بها والاعتماد عليها تصبح كغيرها من الروايات الصحيحة، وربما تترجع عليها في مقام التعارض" هاشم معروف / دراسات في الحديث والمحدثين: 137.

ولهذا قال شيخهم الشعراني بأن "اسانيد الكافي وإن كان أكثرها ضعيفا فإن مضامينها صحيحة" الشعراني/ تعاليق علمية( على شرح الكافي للمازندراني): 2/123. 

فما فائدة دراسة الإسناد إن كانت المضامين صحيحة؟

نموذج من منهجهم في زعم احترام الإسناد، كتاب "نهج البلاغة" لأن اتفاق الشيعة على القطع بصحته أصوليين وأخباريين، نموذج صارخ على أن قضية الإسناد عندهم قضية علاقات عامة.

لا يكاد الشيعة يختلفون في أن كتاب نهج البلاغة مقطوع بصحته وأن إنكاره من إنكار الدين. 

قال كاشف الغطا " إن الشيعة على كثرة فرقهم واختلافها متفقون متسالون على رواية الشريف ودرايته ووثاقته.. حتى كاد أن يكون إنكار نسبته إليه رضي الله عنه عندهم من إنكار الضروريات وجحد البديهيات اللهم إلا شاذاً منهم. وأن جميع ما فيه من الخطب والكتب والوصايا والحكم والآداب حاله كحال مايروى عن النبي- صلى الله عليه وسلم" الهادي كاشف الغطا/ مدرك نهج البلاغة ص 190- 191. 

مع أن كتاب النهج مطعون في سنده ومتنه، فقد جمع بعد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بثلاثة قرون ونصف بلا سند، وقد نسبت الشيعة تأليف نهج البلاغة إلى الشريف الرضي محمد بن الحسين بن موسى الرضى أبو الحسن الذي قال عنه الذهبي رافضي جلد (ميزان الاعتدال: 3/523). بمعنى أنه حتى لو أسند، فهو غير مقبول عند المحدثين، فكيف إذا لم يسند كما فعل في النهج. 

لكن المتهم الحقيقي في عملية الوضع عند المحدثين هو اخوه علي بن الحسين العلوى الشريف المرتضى المتكلم الرافضي المعتزلي المتوفى سنة 436هـ . ميزان الاعتدال 3/ 123. قال شيخ الإسلام ابن تيمية "وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على علي، ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب متقدم ولا لها إسناد معروف" ابن تيمية / منهاج السنة 4/ 24، 

فالقضية هنا ليست نقاش سند النهج، هل هو صحيح أو غير صحيح، لأنه لا يوجد سند للكتاب حتى عند الشيعة، ولا يزعم الشيعة أن النهج مسند أصلا حتى يناقش السند. 

ومع ذلك فالشيعة عندهم كامل الاستعداد أن يعتبروا كتابا غير مسند كتابا متواترا مقطوعا بمحتواه وأن إنكاره من إنكار ضروريات الدين. 


هناك تعليق واحد: