الخميس، 5 سبتمبر 2013

تسطيح النقد


يحتل النقد كفن من الفنون المكانة العالية عند المهتمين و المختصين ، و هو حين يتناول الأدب أو الفن أو المسرح ، أو أحد المجالات ذات الإبداع الفني ، يجد له مكانة محترمة و مقدرة عند أصحاب الفن نفسه ، أو من قبل متابعيه و محبيه ، إلا أنه حين يتناول الجوانب الإجتماعية ، و السياسية ، و الإقتصادية الكلية ، تجد فيه تسطيحًا غريبًا ، و محاولات غير مفهومة لتحليل الإشكاليات ، و حصر الخلل في نقطة واحدة ، مغفلاً باقي النقاط التي قد لا تقل أهمية عنها .
فمثلاً موضوع تخلف العرب حالياً تجد ثلاثة أصناف من نقاد التسطيح ، و هم كالتالي :
الصنف الأول : من يرجعون التخلف إلى العقل العربي نفسه ، و يكتب و يطيل الحديث عن مراحل تكوينه ، عناصر تركيبه ، وا المفاصل المؤثرة ، و هكذا دواليك ، ثم يصل إلى نتيجة يدعمها بكلام بن خلدون في المقدمة ، من أن العرب ليسوا أهل حضارة ، و أي بلدٍ ملكوه أسرع له الخراب !.
الصنف الثاني : متطرفوا الليبرالية المسخ ، الذين يُرجعون كل التخلف للدين الإسلامي وحده ، وكل ما عداه متعلق فيه .
الصنف الثالث : متطرفوا الوعظ ، و هم من يرجعون التخلف كله إلى فسق الناس و معاصيهم ، و ما إلى ذلك من الخطاب الطوبائي ( المثالي ) الوعظي المعروف .
والحق يقال أن الأصناف الثلاثة لا يستخدمون سوى الاستنباط عند البحث عن الحلول ، على طريقة الإغريق ، و منهج أرسطو ، وإن ادعوا غير ذلك .
الشأن الإجتماعي ليس مجالاً محدداً بحقل واحد فقط لا يمكن تجاوزه ، بل هو مجموعة من المؤثرات تتظافر بعضها مع بعض ، ثم تحدث التغيير الاجتماعي الملحوظ للناقد ، و بالرجوع للمثال ؛ نقول أن التخلف العربي ليس وليد العقل العربي لوحده كما قال أهل الصنف الأول ، ذلك ( العقل ) الذي كانت عاصمته دمشق وحدود دولته جبال البرانس والصين في أعظم إمبراطورية في تلك الأيام ، وحملهم لكلام بن خلدون في جانب الذم ، مع إغفال جانب المدح ، حمل تعسفي لا يليق ، فابن خلدون لم يكن سوى راصد بالإستقراء فقط ، فلم يضع نفسه ناقداً للعرب في مقدمته ، بل كان باحثاً عن كيفية حياة المجتمعات البشرية بالملاحظة والإستقراء .
والصنف الثاني ، إن أردنا أن نبرر لهم الخطأ بحمله على محمل حسن النية ، نقول أن المبادئ ليست بتطبيقات أفرادها تنقد ، فالخطأ الذي يقع فيه المسلمون من فهمهم للدين ليس هو ذات الدين ، على أن حسن النية معهم ، قد يحمل عند البعض على الغفلة والجهالة .
والصنف الثالث ، من جعلوا سبب التخلف هو ترك الأعمال الصالحة ، فيقال لهم قد حجرتم واسعاً ، فجانب الأعمال الصالحة ليس في السلوكيات فقط والعبادات المحضة ، فقد دخل رجل الجنة بسبب كلبٍ سقاه الماء ، والحصر بهذه الطريقة هو جانب مأخوذ من التصوف الذي تدعمه الملوك وتحبه ، إن لم يكن هو الإرجاء المعروف .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق