الأحد، 30 مارس 2014

خدعة المصطلحات


يلاحظ المتابع للشأن الثقافي العربي ، ضبابية في فهم المصطلحات ، والأسباب في ذلك كثيرة جداً ، لا يمكن حصرها في مقالة صغيرة .
ولعل من أهم الأسباب ، هو ما يمكن تسميته بخدعة المصطلحات ، والتي تعرف عند المتابعين ، بإقحام مصطلح معين ، تم الحديث عنه في حقبة زمنية معينة في جدل حديث ، بمعنى : الاستدلال بقولٍ قديم لأحد المعتبرين عند المهتمين بالشأن الثقافي .
فعلى سبيل المثال ، قد يستدل المعارضون بأقوال أفلاطون عند الحديث عن الديموقراطية ، و التي في الحقيقة قد تعارض الديموقراطية ، لأنها ضد التفاوت الطبيعي للأفراد داخل المجتمعات ، في حين أنهم يستخدمون معارضة الفيلسوف للمصطلح لتمرير معارضة المفهوم من الديموقراطية كفكرة .
وأدل من ذلك الحديث عن الدولة الليبرالية ، والاستناد في فكرة الحد الأدنى من التدخل في شؤون الفرد ، هي نفس الفكرة التي تقوم عليها الدولة الليبرالية ، قياساً على دولة النبوة ، والخلافة الراشدة ، خصوصاً عهد أبي بكرٍ وعمر ، حيث كانت وظائف دولة النبوة هي تطبيق القانون ( الشرع ) ، وحفظ الحدود الخارجية ، والاستئثار بالعلاقات الخارجية ، وحق إعلان الحرب ، وهي التي تسمى في علم السياسة " دولة الحد الأدنى " وتتوافق مع الفكرة الليبرالية للدولة التي نادى لها روسو ولوك في نظرية العقد الاجتماعي ، فتمرر فكرة الليبرالية بحذافيرها وفق هذا الإستدلال الذي لم يراعِ مفهوم الدولة وتطوره بالأساس .
ومن أبرز الأمثلة على إشكالية المصطلح ، في حال تعامل الناس معه دون معرفة حقيقية لقصة حياته وتطوره ، ما يناقش دائماً عند الحديث عن التطور الغربي الملاحظ ، وأن هذا التطور إنما جاء بعد التخلص من أعباء الماضي ، المتمثلة في الدين المسيحي بكامل متعلقاته ، وما يدور في فلكه كالعادات والتقاليد المسيحية ، وأن الأمة العربية والإسلامية عندما تريد التخلص من تخلفها ، يجب أن تتخلص منها كما تخلصت أوروبا ، بدايةً بالدين وأغلاله ، وانتهاءً بالعادات والتقاليد التي انبثقت عنه ، وصاحب هذا الاستدلال لم ينتبه إلى حقيقتين مهمتين : 
الأولى ؛ أن الدين المسيحي دين قاصر في الجوانب التنظيمية للحياة ، فلا يصح قياس الدين الإسلامي عليه .
الثانية ؛ أن الدين الإسلامي له تراتبية معينة لا توجد في غيره من الأديان ، فهو قائم على التفريق بين العقائد والعبادات والتشريعات ، والحديث عنه سيطول ويأخذنا إلى منحنى آخر ليس هذا مجاله .
في المحصلة مما سبق ، يجب على المهتم في الشأن الثقافي ، أن ينتبه لحقيقة المصطلح ، وأن لا يعامله كتعريف متفق عليه ، بل يجب أن يحدد مفهوم كل فئة تتعامل معه وفق طبيعة فهمها له ، فليس كل مصطلح متفق عليه ، فللمصطلحات قصة حياةٍ يجب معرفتها قبل استخدامها حتى لا نقع في الخطأ ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق