السبت، 15 فبراير 2014

الفارق والمشترك في الهوية



يتداول الكثير من المثقفين عوامل كثيرة في تحديد الهوية ، كالدين والعرق واللغة والجغرافيا والانتماء الاجتماعي وغير ذلك كثير ، والجميع يحاول ربط تحديد الهوية بوجود مشترك واحد على الأقل بين أفراد المجتمع المعني في طرح آراءه .

والحق يقال أن الطرح بهذه الطريقة يوهم المتلقي بأن هذه العوامل تأتي كوحدات مستقلة يتساوى داخلها من ينتمي لها ، في عرض صورة نمطية ( ديكوباج ) توحي بصدق الاعتبارات والعوامل نظراً للقدرة عند البعض على حبك النظرية باستخدام أساليب أخرى خارجة عن النظرية ذاتها كالبلاغة مثلاً أو الاسترسالات في الوسائل وإعطاءها حكم النتائج بطريقة أو أخرى .

ومما سبق يتضح لي غياب مفهوم الأعمدة والصفوف في فهم العوامل الثقافية المؤثرة في الهوية حالياً .

فالعوامل تنقسم إلى أعمدة كالدين واللغة والعرق والجغرافيا وتأتي بشكل يجعل من فيها يحمل جميع صفات هذا العامود للوهلة الأولى ، مع أن العامود الواحد يختلف المنتمون إليه في طبقية الصفوف .

فمثلاً الدين يأتي كعامود يضم أصحاب ديانة معينة فيه ، لكن لا يجعلهم على مستوى واحد ، فمرتبة رجال الدين تختلف عن مرتبة الأتباع إلى آخر السلسلة .

والجغرافيا تأتي كعامود أيضاً ، فالمنتمون لمنطقة معينة ليسوا في نفس المستوى داخل العامود ، بل هم طبقيات واضحة ومعروفة لا تحتاج لإيضاح ويكفي الإشارة إلى أن أمراء القرى مثلاً ليسوا في نفس الوضعية مع باقي المنتمين للقرى .

وغير ذلك كثير مما لا يحتاج لغير التأمل لمعرفة أن الهوية ليست شيئاً مستقلاً بذاته ، وليست عاملاً وحيداً يجمع الجميع ، بل قد تكون عوامل مشتركة بوجودها جميعاً يترابط المجتمع ، وباختلال بعضها أو غيابه يغيب فئة من المجتمع وهي داخله .

فالدين الإسلامي مثلاً مشترك يجمع فئة المسلمين ، ويتقاطع مع عامل العروبة في تكوين فئة العرب المسلمين ، فالعاملين يجب اجتماعهما حتى يجمعان فئات المجتمع الضام لغير المسلم والمسلم والعربي وغير العربي .

فلو سألت أي عربي مسلم في المغرب العربي عن اضطهاد مسلمي الروهينجا في ماينمار ، لتألم وتوجد وحس بانقباض في قلبه لما حل بهم ، ولوجدته يشاركك وجداناً في مشاعره المنزعجة عما يحصل لإخوانه ، وسيقول إخواننا بالحروف كما كتبتها هنا ، هذا مع أنه ربما يسمع الروهينجا لأول مره في حياته ، وهي مشاعر أذكرها جيداً في أحداث البوسنة والهرسك ، ويذكرها كل من عاصر تلك الأحداث .

مما سبق يتضح أن الهوية كقيمة إنسانية لا يمكن اختزالها في قاسم مشترك واحد ، خصوصاً في بيئتنا التي يتقاطع فيها أكبر قاسمين مشتركين بين مليار من البشر ، ولا يمكن عزل الأول عن الثاني ، ولنا في التاريخ المعاصر أقرب دليل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق