الجمعة، 7 فبراير 2014

وهم المستبد العادل


مفهوم الاستبداد :

كلمة المستبد مشتقة من الكلمة اليونانية ديسبوتيس التي تعني رب الأسرة ، أو سيد المنزل ، أو السيد على عبيده ، ثم خرجت إلى عالم السياسة لتطلق على نمط من أنماط الحكم المطلق الذي تكون فيه سلطة الحاكم على رعاياه مثل سلطة الأب على أبنائه أو السيد على عبيده .

والاستبداد يعني انفراد فرد أو مجموعة من الأفراد ، بالحكم أو السلطة المطلقة دون الخضوع لقانون أو قاعدة ودون النظر إلى رأي المحكومين .

وعرفه الكواكبي رحمه الله بقوله :

هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة .

ويميز بعض فقهاء القانون الدستوري بين الدولة القانونية والدولة البوليسية في تعاطيهم لمصطلح الاستبداد ، على أساس أن الحاكم في الدولة البوليسية يكون مقيداً من حيث الهدف ، فحريته في اتخاذ القرارات مشروطة بأن يحقق مصلحة الجماعة وليس مصلحته الشخصية ، ويرى الدكتور محمد عاطف البنا أن هذه التفرقة بين الدولة الاستبدادية والدولة البوليسية ، لا تؤثر في موضوعنا المطروح كونهما دولتان غير قانونيتان .

ومفهوم الاستبداد في المرجعية العربية القديمة ، ليس له ذلك المضمون السلبي الذي له اليوم. لقد كان "الاستبداد" يعني الحزم وعدم التردد في اتخاذ القرار وتنفيذه ، ومن هنا تلك العبارة الشهيرة : "إنما العاجز من لا يستبد". هذا هو معنى الاستبداد في المرجعية العربية خصوصا عندما يقرن بـ "العدل" ، ويقترح الجابري اسماً آخر لمفهوم الاستبداد الغربي يناسب السياق التداولي العربي وهو ( الطغيان ).

حقيقة وجود المستبد العادل :

يأتي هذا الوصف عادةً مرتبطاً بسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، لتوضيح سيرته في الحكم والإدارة ، ولو تتبعنا سيرته الراشدة لعلمنا أن مفهوم المستبد بالمنظور الغربي أي المنفرد برأيه والحاكم المطلق لرأينا أن هذا المصطلح لا يتفق حقيقةً مع ما وصف به عمر ، من إعمال للشورى وبحث عن الرأي الصواب ولو عند الأمم الكافرة فمن ذلك :

حدثنا حدثنا ابن مخلد , حدثنا عباس الدوري , حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس , حدثنا ابن شهاب , عن ابن حصين , قال : " إن أحدهم ليفتي في المسألة لو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر " (حديث موقوف) .

فعمر يجمع أهل بدر لفتوى ، ولو يستبد برأيه في مسألة بسيطة ، فكيف في الأمور المهمة والعامة للأمة كلها .
وقصص عمر في المشاورة كثيرة جداً ، من ذلك ما ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه كقصة مشاورته في حد الخمر وقصة مشاورته في إملاص المرآة وهي مذكورة في كتاب الجهاد ، وغير ذلك كثير .
وما قيل إن الخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه تنطبق على فترة خلافته فكرة "المستبد العادل" كما أشار البعض، فإن الآثار عن مواقفه وسياساته التي اختطها هذا الخليفة -الملقب بالعادل- تخالف وتناقض هذه الفكرة وإن صح أنها قيلت عن خلافته، فهذا الخليفة رضي الله عنه عرف عنه الحزم والإقدام والعدل والشورى والديمقراطية بمقاييس عصرنا، لكنه لم يعرف عنه التعسف والاستبداد والظلم وفق المضامين المعاصرة .
وكل مواقفه في الشورى توضح أنها لم تكن مواقف شاذة عن القاعدة بل كانت هي القاعدة الأساس ، وهي سلوكه المعتاد ومنهجه الدائم في ذلك .

اللبس الحاصل في مصطلح المستبد العادل :

يبدو لي أن اللبس وقع في إرث الإمامين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وما تكلما فيه بخصوص هذا المصطلح ، فقد قال محمد عبده رحمه الله ما نصه :

" إنما ينهض بالشرق مستبد عادل"، مستبد "يتمكن به العدل أن يصنع في 15 سنة ما لا يصنع العقل وحده في 15 قرنا".

والكثير من أنصار التيار العلماني ومنهم لويس عوض ، هم من رسخ هذه الفكرة عن الإماميين العظيمين ، وقد رد عليهم الكثير ومنهم الدكتور محمد عمارة في كتابه جمال الدين الأفغاني المفترى عليه .

بل لقد نبه الكثير من السياسيين العرب أن مصطلح الاستبداد بهذا الفهم ، مصطلح غربي بحت لا يمت للبيئة العربية بصلة ، ويدلل على هذا القول طبيعة الحكم الكنسي الثيوقراطي الأوربي سابقاً ، وهذا لا يوجد له مثيل في العالم الإسلامي .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :

 ١) كتاب الطاغية.. دراسة فلسفية لصور الاستبداد السياسي - د. إمام عبد الفتاح إمام- كتاب عالم المعرفة -المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت (183) ط1 1994 ص52.
 ٢) موسوعة السياسة - الجزء الأول (1) تحرير مجموعة من الباحثين الناشر المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط3 1990 ص 166. 
 ٣) طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد لعبدالرحمن الكواكبي تحقيق وتقديم الدكتور محمد عمارة دار الشروق ط٣ ص٢٣ .
 ٤) الوسيط في النظم السياسية د. محمود عاطف البنا دار الفكر العربي -القاهرة- ط1 1988 ص96.
 ٥) المستبد العادل في التراث السياسي العربي الإسلامي لعبدالله علي العليان موقع الجزيرة المعرفة ، مقاله منشورة عام ٢٠٠٤ .
 ٦) المستبد العادل بديلا للديمقراطية محمد عابد الجابري مقاله منشورة في موقعه على الإنترنت .
 ٧) إبطال الحيل لابن بطة إن أحدهم ليفتي في المسألة لو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر ، موقع موسوعة الحديث .
 ٨) مركز دراسات الوحدة العربية -بيروت- ط1، 1996 ص130

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق