الأحد، 21 سبتمبر 2014

داعش والحلف الدولي من سينتصر؟



كثر الحديث عن الحلف الدولي ضد داعش، والنتائج المحتملة لهذه المواجهة، لكن معظم ما يدور، يناقش الجانب العسكري والقتالي فقط، ولا يتناول الحدث بطريقة شاملة تستوعب مجمل الصورة. ويصعب استشراف شكل المواجهة أو نتيجتها، دون التعامل مع كل المعطيات والعوامل المساهمة في تحديد طبيعة هذه المواجهة. و هنا محاولة لرسم خريطة شاملة للمشهد مكانيا وزمانيا، وأخذ الجوانب الحركية والاجتماعية والدينية والنفسية في الاعتبار.

المواجهة حتمية  

الصدام بين داعش والنظام الدولي بقيادة أمريكا، أمر محتوم لا يمكن تفاديه، وليس مرتبطا بقتل مجموعة من الرهائن أو التأثير على مصالح غربية. وحرص الحكومات المحلية على مواجهة داعش، هو كذلك ليس مرتبطا بعمالة للقوى الكبرى، بل حرص ذاتي مبرره نفس مبرر مصادمة النظام العالمي كله.

سبب الصدام هو نفس ما أشرنا إليه في مقال سابق، أن النظام العالمي معتمد كليا على واقع الدول القطرية المستقرة على حدود آمنة متفق عليها، بضمان السيطرة الغربية والهيمنة الأمريكية. إرباك هذا الواقع القطري هو اعتداء مباشر على العالم كله، واستفزاز خاص للغرب وأمريكا. ولهذا السبب كانت استراتيجية القاعدة الأولى في تفادي التعامل مع كل قطر على حدة، والتركيز على شلل أمريكا. فضّل البغدادي أن لا ينتظر نتيجة هذه الاستراتيجية، وقرر تأسيس دولة حقيقية، وتدمير الحدود بين سوريا والعراق وليكن ما يكون.

داعش والنظرة البعيدة

كان واضحا أن توسع داعش ليس نزوة شباب متحمس استمتع برمزية تدمير علامات الحدود، بل هو تمدد لا يتوقف هدفه إلغاء كل الحدود التي يصل إليها. وتبين أن الطريقة التي يعمل بها أصحاب هذا المشروع، ليست قرارات لحظية وعمليات متفرقة، بل خطة متكاملة باستعداد عسكري وسياسي وإعلامي ومالي وتربوي. ومن حسن حظهم أن تشكّلهم وُجد في قطرين متجاورين فيهما اضطراب داخلي (العراق وسوريا)، فتوفرت أرضية كاملة لتنفيذ الفكرة باقتدار، ثم استثمار أقصى للظروف والأوضاع. وهذا ما جعل الصدام مع النظام العالمي آتيا لا محالة، ليس على شكل حرب غامضة على الإرهاب، بل معارك عسكرية مباشرة. (1)

داعش والمراهنات

حين انطلق مشروع داعش في بداياته، راهن الكثير أنه لا يملك مقومات الاستمرار، وسوف يُستهلك إما بالخلاف مع الفصائل الأخرى، أو بنفرة الناس منه بسبب ما نسب إليه من تطرف وقسوة. ولكن التنظيم خالف التوقعات، فاجتاح مساحات واسعة في العراق والشام، وتمكن من المحافظة عليها بكفاءة، وضَبَط الوضع العسكري والأمني والمدني فيها. ثم استمر يتمدد ويضيف المزيد من المكاسب، ويستولي على قواعد عسكرية ومطارات ومراكز استراتيجية خطيرة. والأخطر من ذلك، أنه ضاعف عدد المقاتلين عدة أضعاف، كما ضاعف قدراته المالية والعسكرية عشرات الأضعاف. 

 نحن إذا لسنا أمام عصابة متحمسة، بل أمام تنظيم جمع بين الإرادة والقدرة على تدمير الحدود ، ثم التمدد بلا توقف لتحقيق حلم الخلافة الذي يبشر به. هذا الخطر على كل دول المنطقة أولا، وعلى الهيمنة الغربية ثانيا، هو السبب الحقيقي في الصدام، والذي لو لم يحصل اليوم سيحصل غدا. وهو كذلك نفس السبب في الحماس التلقائي من دول المنطقة، للمشاركة في حلف دولي ضد التنظيم الذي تعتقد أنها إن لم تفعل ذلك، سيجتاحها قريبا.  

مكاسب التنظيم وتمدده التي حصلت حتى الآن، تمت قبل سعي أمريكا لإقامة الحلف، فهل سيتغير الوضع، وينجح الحلف العالمي بقيادة أمريكا في القضاء على الدولة أو احتواء هذا التمدد؟ الجواب يعتمد على معرفة جيدة بقدرات الطرفين، وقدرة كل منهما على المواجهة والتعامل مع الطرف الثاني. كما يعتمد على الظروف المحلية والعالمية، ومدى ملاءمتها لأي من الطرفين بنجاح خطته. (2) 

معطيات لصالح داعش

دعاية مجانية لداعش: سيكون التحالف مبررا قويا للمزيد من التجنيد لداعش، لأن إعلان أمريكا الحرب على داعش سينظر له من قِبل الكثير كتزكية لها، ومن ثم يقطع الطريق على كل من يحاول التشكيك في نشأتها وأهدافها. ومبالغة الأمريكان في الحديث عن الموضوع، وعقد المؤتمرات، ورفع الصوت من أجله، هو بمثابة برنامج علاقات عامة لداعش في هذه المرحلة. وكما ذكرنا سالفا، فإن من يشفي غليل الشباب في أمريكا، هو البطل وهو المشبع للتطلعات. 

إحراج الفصائل السورية: سيكون التحالف محرجا لكل الفصائل التي يفترض أنها جادة في مواجهة النظام السوري، ومجبرا لها بالوقوف معنويا وربما عسكريا مع داعش، إذا جد الجد في أي ضربة عسكرية. بل لن نستغرب أن يلتحق المزيد من كوادر الفصائل الأخرى بداعش، لو تصاعدت الحملة الدولية ضدها، وقد يصل الحال إلى انضمام فصائل بكاملها لداعش.

محدودية ضرر القصف الجوي: ثبت أن أمريكا ستكتفي بالقصف الجوي ولن تتدخل بريا، وقد تبين أن داعش ليست منظمة حمقاء تكشف قدراتها للقصف الجوي، وأن لديها من الدهاء العسكري ما أعطاها تفوقا ملحوظا. ونظرا لسعة المساحة التي استولت عليها داعش، فسوف تجد أمريكا صعوبة بالغة في الاستفادة من الضربات الجوية، وهذا ما اعترف به الكثير من المحللين. (3)

الحليف الحقيقي في العراق: في العراق لن يساهم في الحرب البرية إلا الجيش العراقي الطائفي وإيران (مشاركة الأكراد محدودة جدا لأسباب جغرافية وديموغرافية لا تخفى على العارفين). وكون هؤلاء هم الحليف الحقيقي لأمريكا على الأرض، فذلك قد يعطي داعش مصداقية أقوى، بل سيزيد قناعة السنة في العراق، أن داعش هي الأمان لهم، ويدفعهم للمزيد من الثبات في مواجهة الخطر الشيعي الذي عانوا منه الويلات قبل اجتياح داعش. (4)

الحليف الحقيقي في الشام: في الشام لن يقاتل مع أمريكا إلا النظام السوري، والفصائل المستعدة لما سيتعبره الجمهور العربي ارتزاق، وهذا بدوره سيعطي داعش مصداقية أقوى، ويدفع القوى الثورية في سوريا للوقوف مع داعش. صحيح أن النظام السوري حاول أن ينأى بنفسه عن الحلف العالمي، وصحيح أنه تظاهر بعدم السماح باختراق سيادة أجوائه، لكن في النهاية أقر بأن العلاقة مبنية على أساس عدو عدوي صديقي. (5)

داعش تهيأت: انطلق الحلف بعد أن توسع نفوذ داعش، وجمعت ما يكفي من المال والسلاح والأرض وبقيت مدة في المنطقة التي استولت عليها تكفي للاستعداد للهجمات المتوقعة. وإذا استحضرنا الخبرة العسكرية التي ثبت أن داعش تتمتع بها، فمن المتوقع أن يتم استثمار هذه المعطيات للمدى الأقصى. وإذا صح ما قيل عن وجود عقليات عسكرية ذات خبرة في داعش، فمن المؤكد أنها استفادت من هذا الوقت لتتهيأ للتعامل مع خطر القصف الجوي.

حرج المؤسسات الدينية: ما دام التحالف تقوده أمريكا، وما دامت حكومة العراق الطائفية أهم مكوناته، لن يكون سهلا على  المؤسسات الدينية التابعة للحكومات أن تستمر في مهاجمة داعش دينيا. وإذا ما بدأت الحملة العسكرية على داعش فعلا، فإن أي جهة دينية تهاجم داعش، سوف تكون هي الخاسرة، لأن الشعوب ستنظر لها وكأنها وقفت مع غزو صليبي شيعي. 

مفاجآت داعش: تبين من متابعة داعش، أنها تنظيم يجيد تنفيذ المفاجآت، التي يعتقد أنها ستربك خطة التحالف، ولديها الأدوات التي تستطيع بها أن تفعل ذلك. والوضع القلق في المنطقة، وبقاء سخونة الربيع العربي، تجعل الوضع مهيئا لمثل هذه المفاجآت التي يصعب الاستعداد لها من قبل الحكومات.
محاربة الربيع العربي: الموقف الغربي (الأمريكي) من الثورات السلمية متمثلا في تأييد الانقلاب في مصر، والسكوت عن مذابح رابعة والنهضة وغيرها، دفع الكثير لقناعتين، الأولى: أن الحلول السلمية لا تنفع، والثانية: أن الغرب لن يسمح بنجاح هذه الحلول السلمية. هاتان القناعتان إضافة إلى كونها سبب تجنيد إضافي، فقد صنعت خلفية نفسية داعمة لدى الشعوب لمثل توجه داعش.

أمريكا مع إسرائيل في تدمير غزة: لم تسكت المدافع في حرب غزة إلا قبل أيام، وقد طال أمد الحرب بما يكفي لشحن المزيد من التجييش ضد أمريكا التي وقفت مع إسرائيل في تدميرها لغزة، وقتلها النساء والأطفال، في الوقت الذي تدعي غضبها من قسوة داعش. وكثير ممن تابع ما جرى في غزة، لاحظ تنامي موجة الغضب العربي ضد الغرب عموما، وأمريكا خصوصا، وساهم ذلك في مزيد من الدعم النفسي لاستخدام القوة، بدلا من الحلول السلمية. 

معطيات لصالح التحالف 

الاختراق: تمكنت داعش من أن تحمي نفسها من الاختراق النوعي، ويعتقد أن كل ما حصل من اختراق لداعش في الماضي هو في حدود ما يسمى بالخسائر المحسوبة calculated loss. والسؤال هو: هل بيد أمريكا وحلفائها فرصة لاختراقات نوعية مفاجئة؟ إن كان هذا واردا، فسيكون أخطر على داعش من أي ضربة عسكرية. 

الصحوات: كان للصحوات السنية في العراق سنة 2007، دور أكبر بكثير من دور الجيش الشيعي في القضاء على المقاومة، فهل تستطيع أمريكا إحياء الصحوات هذه المرة؟ يقول العارفون بأوضاع العراق أن هذا الأمر صعب جدا، بل إن المحاولات بدأت فعلا منذ أن اجتاحت داعش الموصل، وباءت بفشل ذريع. والسبب هو أن أهل السنة في العراق تعلموا أن هذه الصحوات كانت سببا في انكشافهم أمام السلطة الشيعية الطائفية، وتعرضهم للتنكيل تحت عين أمريكا ونظرها. لكن أمريكا لم تيأس، والجهد المبذول في هذا الاتجاه لا يزال حثيثا، ولا تزال بقايا صحوات الرمادي تقاتل داعش بكفاءة.

الإغراء السياسي: تحاول أمريكا حاليا إقناع بعض القوى السنية بالمشاركة في العملية السياسية في العراق، والضغط على الشيعة للتنازل عن جزء كبير من نصيبهم من السلطة لطمأنة السنة، فهل ستنفع هذه الحيلة؟ عوامل كثيرة تجعل مثل هذا الخيار شبه مستحيل، أهمها النفوذ الإيراني، وكثرة القوى الشيعية المشاركة في السلطة، ورفض معظم القوى السنية ذات المصداقية، في المشاركة في العملية السياسية. ولا يمكن أن ينجح هذا الخيار، إلا بتسليم كل الجيش والداخلية العراقية للسنة، وهو غير وارد مطلقا.

استهداف القيادات: قد تنجح بعض العمليات الجوية في استهداف قيادات هامة للتنظيم، لكن يبدو أن داعش تعلمت من أخطاء الآخرين، وتدربت على كيفية إخفاء القيادات وسرعة تعويضهم. لكن لو تمكنت أمريكا من الوصول للبغدادي، أو العدناني، أو من في مستواهم، ربما تسبب خلخلة كبيرة في داعش. (6)

أسلحة نوعية: ربما يظن البعض أن تزويد الجيش العراقي والبشمركة بأسلحة نوعية، سيقلب المعركة لصالح أمريكا، لكن هذه الفرضية فيها نظر. بالنسبة للجيش العراقي، لم تقصّر أمريكا في تزويده بسلاح متطور، وفي النهاية صار غنيمة لداعش. أما البشمركة، فأولاً: عددهم قليل، ثانيا: أن قناعتهم في قتال داعش ضعيفة، وثالثا: لن تسمح تركيا بتسلحيهم، لأنها تخشى من تسرب السلاح لحزب العمال الكردستاني. وعلى كل حال قد تستطيع أمريكا إجبار تركيا على الموافقة على تسليح البشمركة، لكن تبقى مشكلة عددهم المحدود وضعف القناعة في قتال داعش.

دور الظروف في المنطقة والعالم

الاضطراب في العراق وسوريا ليس استثناء، فالوضع مضطرب في اليمن وقلقٌ في مصر وليبيا وحساس في فلسطين. أضف إلى ذلك أن أمريكا لديها مشكلة كبيرة مع روسيا في أوكرانيا، ويبدو أنها تتجه للمزيد من التصعيد. لكن كيف سيؤثر هذا الاضطراب وهذه الإشكالات على سير الحملة ضد داعش؟ وهل ستكون تداعياتها لصالح داعش أو لصالح الحلف؟. 

لعل من نافلة القول، أن خطة كبيرة مثل خطة هذا التحالف لن تنجح إلا بأقل درجة من المشاكل، والعكس صحيح، فمثلما تؤثر المشاكل في نجاح الحملة فإن تنفيذ الحملة يؤدي إلى مضاعفة المشاكل. أمريكا مثلا، سيكون وضعها ضعيفا جدا في أوكرانيا لو انشغلت في قتال داعش، والحملة على داعش، ستعطي وقودا نفسيا ومعنويا هائلا لأنصار الشريعة، في اليمن وليبيا وهكذا. 

من الذي يكسب عامل الزمن

تتحدث أمريكا أن الحملة ستكون متواصلة لسنوات، فهل سيكون طول المدة لصالح أمريكا وحلفائها؟ أو لصالح داعش؟ واضح جدا أن الحملة لو طالت، ستكون لصالح داعش للأسباب التالية : 

أولا: الجماعات التي تقاتل عقديا لديها نَفَس غير محدود، بل تعتبر طول أمد الجهاد ميزة، بخلاف أمريكا وحلفائها التي يهمها إنهاء الحروب، لأن الاستقرار من ضرورات الحياة فيها. 

ثانيا: الجماعات التي تقاتل عقديا، ليس لديها مشكلة في التضحية والخسائر المادية والبشرية، بخلاف أمريكا وحلفائها. فأمريكا هُزمت في فيتنام، مع أن قتلى الأمريكان كانوا 1\80 من قتلى الفيتناميين، والسبب هو استعداد الفيتناميين للخسارة بخلاف الامريكان. (7) 

ثالثا: كل يوم زائدٌ في الحرب، هو مضاعفة في الدعاية لداعش، وتجنيد المزيد من الأفراد والجماعات مع داعش. وكمثال على ذلك، طول أمد الحرب على غزة، وكم خسرت إسرائيل بسبب طول المدة. 

رابعا: زيادة الوقت هو مزيد من تعقيد الوضع في كل المنطقة التي تغلي ضد النفوذ الأمريكي وضد الطغيان السياسي، وسيكون طول أمد المواجهة وقوداً لإعادة جذوة الربيع العربي، بزخم أقوى بكثير مما سبق.

السيناريوهات

نظراً لتعدد العوامل التي تساهم في الأحداث، فإن استشراف التفاصيل صعب جدا، وطيف الاحتمالات واسع لا يمكن استقصائه. أما الاحتمالات المجملة فتمتد لطيفٍ واسع، يبدأ من هزيمة سريعة لداعش، إلى حالة لا غالب ولا مغلوب إلى انقلاب شامل في المنطقة ضد أمريكا ، وتوسع لنفوذ داعش، يجعلها قوة إقليمية لا يمكن إيقاف تمددها. هل تسير الأحداث بهذا الاتجاه أو ذاك؟ أو ستأتي مفاجآت أخرى تخلط الأوراق كلها؟(8) الله أعلم.

---------------

(1) راجع مقالنا السابق: الاستراتيجية الجهادية بين الظواهري والبغدادي إضغط هنا.

(2) اقرأ كذلك مقالنا السابق: ما الذي يستهوي الشباب في دولة العراق والشام إضغط هنا

(3) هنا ترجمة مقال صحيفة النيويوركر للكاتب ستيف كول حول فشل الضربات الجوية إضغط هنا.

(4) راجع مقالنا السابق من أجبر أمريكا على محالفة إيران إضغط هنا.

(5) وهذا هو معنى تصريح نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد (عدو عدوي صديقي) إضغط هنا.

(6) طبقا لهوبارد -الصحفي المسؤول عن تغطية أخبار "داعش" في "نيويورك تايمز"- فإن " أبو بكر البغدادي" لديه 24 نائبا أغلبهم من العراقيين متوسطي العمر إضغط هنا.

(7) يقول هوشي منه القائد الفيتنامي العظيم مخاطبا الأمريكان: ربما تقتلون عشرة منا لكل واحد منكم لكن الإرهاق لن يصيب سواكم. المصدر هنا.


(8) اغتيال قيادات أحرار الشام نموذج من الأحداث غير المتوقعة، التي تخلط الأوراق، فمثلاً  قد ينظم جزء كبير من كوادرها لداعش.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق