الأربعاء، 28 مايو 2014

التصويت الإجباري ( تصويت الحمار )


المسخرة الديموقراطية القائمة على قدم وساق في مصر، والتي صاحبتها العقوبة المفروضة على من يتخلف عن الانتخابات بغرامة قدرها ٥٠٠ جنيه، فالوضع برمته ممقوت، والعرس الديموقراطي الذي روج له، أصبح مجال التندر على كل لسان.
ما يهمنا هنا فقط هو الغرامة المالية عن الممتنع عن المشاركة، وهل هذا الإجراء بحد ذاته مقبول ديموقراطياً أم مرفوض، أو بمعنى آخر، هل هناك ديموقراطيات حقيقية تمارس نفس هذا الإجراء، أم أن هذه بدعة جديدة تضاف لمخزون البدع الديموقراطية التي أضافها مستبدو العرب.
هناك إجراء يسمى التصويت الإجباري وهو نظام يتم فيه إلزام الناخبين المؤهلين بالتصويت في الانتخابات أو الحضور لمكان الاقتراع في يوم التصويت، وفي حالة عدم الحضور يتعرض الناخب الممتنع لعقوبات تأديبية مثل الغرامات أو خدمة المجتمع أو ربما الحبس، أو الحرمان من التصويت مرةً أخرى، أو غير ذلك من  العقوبات المتنوعة التي تفرضها الأنظمة (الديموقراطية) على ناخبيها.
تاريخياً هذه الممارسة تجد لها ذكراً في ملهاة الأخارنيون للمؤلف المسرحي الكوميدي الإغريقي أرسطوفانيس (٤٤٦-٣٨٣ ق.م)، حين صور مجموعةً من العبيد المملوكين للحكومة، يقومون بقيادة مجموعة من المواطنين من الساحة العامة، إلى داخل مكان تجمع المجلس، باستخدام حبل ملطخ بالأحمر، ويتم تغريم كل من تلطخت ملابسه بهذا اللون.
في العصر الحديث، ورد نص في دستور جورجيا قبل الدستور الحالي للولايات المتحدة الأمريكية "يُغرم كل شخص يتغيب عن التصويت في أي انتخابات، و يهمل تسليم ورقة اقتراعه في هذه الانتخابات بغرامة لا تتجاوز خمس جنيهات، يترك قرار و طريقة تحصيلها وصرفها للمشرّع، شريطة أن يتم تقديم عذر مقبول".
كما نجد أن بعض الدول طبقت هذا النظام فعلى سبيل المثال هولندا سنت هذا النظام عام ١٩١٧ وألغي عام ١٩٧٠. وفي الوقت الحالي هناك ٢٣ دولة تمتلك قوانين للتصويت الإجباري، من بينها عشر دول فقط (ومقاطعة سويسرية واحدة) تقوم بتفعيل هذه القوانين.
الدول التي تطبق قانون التصويت الإجباري هي الأرجنتين وأستراليا والبرازيل والإكوادور ولوكسمبورغ والبيرو وسنغافورة والأرجواي والمقاطعة السويسرية شافهاوزن، والدول التي تمتلك القانون ولكن بدون تفعيل هي بلجيكا وبوليفيا وكوستاريكا وجمهورية الدومينيك ومصر ولبنان وليبيا والمكسيك وباناما والباراغواي وتايلند وتركيا.
طبعاً مصر وليبيا ما قبل الربيع العربي، حالياً لا أعلم بالضبط، والخبر الأخير عن مصر يدل على أن القانون لم يلغى حتى الآن.
الغرامات أو العقوبات التي تفرضها الدول على ناخبيها الممتنعين عن التصويت عادةً ما تكون صغيرة أو رمزية، وبعض الدول قد تكون العقوبة قوية نوعاً ما، مثل بوليفيا التي تحرم من يتخلف عن التصويت من سحب مرتبه من البنك لمدة ثلاثة أشهر.
أهمية هذا القانون في أنه يعطي المرشح السياسي الفائز قدراً من الشرعية السياسية القائمة على تصويت الأغلبية، كما يُعتقد أن هذا القانون يحمي المجتمعات من تغلغل الجماعات المتطرفة في حال تم وقف العمل بهذا القانون، فالتأثير على جماعة صغيرة من المصوتين أسهل من التأثير على المجتمع كاملاً.
المنظّر السياسي أريند ليبهارتز يذكر أن التصويت الإجباري بالإضافة لزيادة أعداد الناخبين، فإنه يزيد معدل المشاركة والاهتمام بالنشاطات السياسية الأخرى المصاحبة للعملية الديموقراطية، كما أنه يقلل من دور المال في الحملات الانتخابية، ويزيد من توعية الشعب بالعمل السياسي عبر اطلاعهم على البرامج الانتخابية، كما أن معدلات المشاركة المرتفعة تساهم في الاستقرار السياسي الذي تسببه الأزمات أو يسببه القادة الخطرين أصحاب الكاريزما.
هناك حجج كثيرة ضد التصويت الإجباري منها مثلاً، أن التصويت الإجباري في جوهره نوع من التعبير الإجباري، وهو ما يتعارض مع حقوق الإنسان في حرية التعبير، لأن حرية الإنسان في التحدث تتضمن بالضرورة حريته في أن يختار الصمت وعدم التعبير.
وأيضاً ربما قد يؤثر سلباً في العملية الانتخابية عبر ما يسمى اصطلاحاً بـ "تصويت الحمار"، وهو التصويت العشوائي من أجل الإيفاء بمتطلبات القانون فقط، والذي لم يتخذ بشكل سليم من قبل الناخب.
بعض المنتقدين للتصويت الإجباري ينطلقون من منطلقات أخرى، فالبعض منهم يؤمن بأن العملية السياسية فاسدة وعنيفة، ويفضلون التقليل من مشاركتهم الشخصية في الأمر، فحسب تعريف روثبرد للدولة بأنها "عصابة من اللصوص لكن على مستوى كبير"، يصبح التصويت الإجباري شكلاً من أشكال التجنيد الإلزامي لهذه العصابة التي تحمل الأسلحة الأقوى.
أخر جدل ظهر على السطح بخصوص هذا النظام ( غير الجدل الواقع حالياً في مصر بسبب المسخرة الديموقراطية ) هو ما وقع في استراليا في يناير ٢٠١٣ حين سعت حكومة كوينزلاند لإلغاء التصويت الإجباري.
وأخيراً لعل تحفيز الناخب عبر إعطاء بعض المميزات أفضل من عقوبته.



هناك تعليق واحد: