عند الحديث عن تعليم المرأة في المجتمع السعودي ، لا يمكن إغفال محطات مهمة جداً ، قبل أن نصل إلى هذه المرحلة المبهجة من تميز التعليم كماً وكيفاً لكلا الجنسين ، ومن هذه المحطات ما يسمى بالكتاتيب ، وهي عبارة عن مؤسسة تربوية تقوم عليها أحد الفاضلات المشهورات في بلدانهن بالتدين والحزم بالإضافة إلى العلم .
ولا يقصد بالعلم في جانب المرأة في تلك الأيام ماكان مقصوداً بالعلم عند الرجل ، فيكفي المرأة بحكم الظروف الإقتصادية والإجتماعية أن تجيد القراءة ، والكتابة ، والحساب ، وحافظةً لأجزاء من القرآن ، حتى يمكن أن يطلق عليها "متعلمة أو مطوعة" كما تسمى عند أهل نجد عموماً .
وبالنظر للمسمى الوظيفي لمن تقوم بهذه المهمة النبيلة ، نجد تبايناً في المصطلح المتداول من منطقة إلى أخرى ، فأهل نجد مثلاً يسمونها "المطوعة" كما يسمون طالب العلم "المطوع" ، وأهل مكة يسمونها "الفقيهة" ، وأهل المدينة يسمونها "الخوجة" وهي كلمة تركية تعني المعلم أو مربي الخيول الحاذق ( المعلومة تحتاج لتأكيد ) .
والكتاتيب ، كانت عبارة عن جزء مخصص في بيت المعلمة ( المطوعة ) تقوم بتدريس البنات فيه ، وفق آليات بسيطة جداً تشابه ما يتم تدريسه للأولاد من التلقين والتهجئة على الطريقة البغدادية ، والتي تعلم القراءة والكتابة ، تستخدم حبراً مصنوعاً من قشور الرمان مع السخم (المادة السوداء في أسفل القدر) مع استخدام عود صلب أو قصب مدبب للكتابة ، كما لا تتقاضى المعلمة راتباً معيناً ، والغالب أنهن محسنات إلا ما يكون من أخذ بعضهن من ريع بعض الوقفيات ، أو هبات أولياء الأمور ميسوري الحال .
والدراسة تختلف من بلدة إلى بلدة ، ومن معلمة إلى أخرى ، فليس هناك جدول رسمي ، وتتميز المعلمة باستخدامها للعصا في تأديب البنات ، وقد حكت جدتي موضي "رحمها الله" أن المطوعة البازعية كانت شديدةً جداً ، وتعاقب بحزم كل فتاة مخالفة للأعراف الإجتماعية ، من ذلك أنها طردت أمي وهي صغيرة لأنها كانت تلبس ثوب كرته !!!.
وأقدم إشارة للكتاتيب النسائية ، ما ذكره الأستاذ محمد السلمان في كتابه عنيزة ، منقولاً من دليل الخليج للويمر ، أن الكتاتيب النسائية كانت موجودة في عنيزة عام ١٨٨٠م ، ومن الصعب بمكان كتابة كل قائمة المعلمات التي تتوفر أسماءهن لدي ، إلا أني سأختار بعضهن لوجود ما يميزهن عن غيرهن من ذلك :
١) المطوعة "مضاوي بنت عبدالعزيز الدامغ" والتي علمت البنات في عنيزة ثم انتقلت إلى مكة فأكملت مسيرتها التعليمية هناك في منطقة بئر الحمام بشعب عامر .
٢) الخوجة "فاطمة هانم" التي أسست كتاباً في المدينة المنورة يمتاز عن غيره بمادة التربية المنزلية ، أو ما يسمى التدبير المنزلي حالياً بالنسبة لطالبات التعليم العام ، وقد قامت بتأسيس الكتاب عام ١٣٤١هـ ثم أتبعته بعد تسع سنوات بتأسيس مدرسة فاطمة هانم في منطقة الساحة عام ١٣٥٠هـ .
٣) الفاضلة "شهرة بنت عبدالله عبدالرزاق" التي أقامت كتَّاباً في مدينة النماص وبتشجيع من الأهالي ودعم من أمير المنطقة عبدالله بن محمد التويجري عام ١٣٦٨هـ تقريباً ، تلقت تعليمها على يد مغرم بن فائز من قرية آل زينب ، وسبب تعلمها أن أخاها الصغير رفض دخول الكتَّاب إلا بمرافقتها !!.
كل هذه المحاولات الجادة في تعليم المرأة ، تحولت لممارسات نظامية تشرف عليها الدولة وتتبناها ، وذلك بعد القرار الشهير بإنشاء مدارس لتعليم البنات في المملكة وذلك في ٢١ ربيع الثاني عام ١٣٧٩هـ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق