تأثير شركة أرامكو على الشأن الداخلي يتجاوز العمل في مجال إستخراج النفط ، ودعم الإقتصاد بالمصدر الأساسي للناتج القومي للمملكة ، في هذه المقالة سأحاول التلميح لبعض التغييرات التي جاءت بها الشركة للبلد .
على نطاق العمل السياسي قام موظفوا الشركة بإضرابات وإحتجاجات في عام ١٩٥٣م و ١٩٥٦م و ١٩٧٠م و١٩٧٩م ، تعتبر الأقوى على طول تاريخ الدولة الحديثة والتي جوبهت بفصل طبقي ، لموظفي الشركة عبر ، تحسين الوضع الإقتصادي للموظفين ، وتمييز الموظفين بمميزات لا توجد عند غيرهم ، كونهم يمثلون الطبقة المثقفة في البلد في تلك الفترة ، ولحملهم شعارات لا يحبذ أي سياسي في بلد متخلف سياسياً أن ترفع في وجهه .
وفي الحديث عن ثقافة موظفي أرامكو ومدى خوف السياسي من هذا القطاع المهم جداً ، ليس لطبيعة موظفيه ، بل لطبيعة تأثيره ( مصدر الدخل الأساسي ) الجميع يتذكر قبل عقد من الزمن تقديباً ، عندما إنتشر إستخدام البالتوك بين أوساط السعوديين كوسيلة تواصل ، كيف كانت مشاركات موظفي الشركة في غرف المعارضة السياسية ، كغرفة الإصلاح وغرفة التجديد ، مميزة عن الكثير من المشاركات ، وتدل على وعي حقيقي عند موظفي الشركة الذين يفترض السياسي أن أفواههم خرست للأبد ، فقامت ( الشركة ) بتصرفٍ الجميع يتذكره ، بمنع البالتوك في شبكتها ( الشركة تقدم خدمة الإنترنت لموظفيها مجاناً ) ولا أبالغ أن البالتوك خبى نوره بعد هذا المنع ، فلم يعد برنامجاً يستحق المتابعة للمهتمين بالشأن الداخلي عموماً ، وأصبح مجرد وسيلة تواصل للمواضيع المألوفة ( كالنقاش البيزنطي بين السنة والشيعة ) .
على صعيد العلاقات الإجتماعية ونوعيتها ، قدمت الشركة عبر موظفيها الأجانب وسيلتين للترفيه ، ما لبثت أن إنتشرت بين المواطنين في عموم البلاد ، الأولى لعبة البلوت الشهيرة والتي يندر أن تجد مجلساً في السبعينات أو الثمانينات أو التسعينات لا تلعب فيه ، مكونةً نموذجاً للجلسات الشبابية أو الديوانيات يتكرر في كل بلدة أو مدينة ، مرسخةً إمتزاجاً في الترفيه بين الجميع .
الوسيلة الأخرى وقد تستغرب كثيراً ، هي ما يسمى بالعرق ( الخمر الوطني ) فبعد حادثة مقتل القنصل البريطاني تم حظر إستيراد الخمور وبيعها لغير المسلمين عام ١٩٥٢م ، مما حدا موظفي الشركة الأجانب إلى إبتكار هذه الطريقة ، ولا يوجد مصدر حقيقي يؤكد هذه المعلومة ، بل إن أول إشارة لهذا المشروب وردت في رواية الأستاذ تركي الحمد ( أطياف الأزقة المظلمة ) والذي أظهرت أنه كان معروفاً في الستينات الميلادية ، وبالنظر لطريقة تحضيره المتشابهة ، والمعتمدة على أسلوب واحد يتمثل في تقطير الفواكه ، يوحي بأن مصدر طريقة التصنيع واحد ، كما أن إنتشاره في جميع مناطق المملكة يضع علامة إستفهام حقيقية على أرامكو كونها المكان الوحيد في تلك الفترة الذي يجتمع فيه جميع أبناء الوطن ، فتجد الجنوبي والشمالي والنجدي والحجازي ومن كل مكان تقريباً .
هل تستمر أرامكوا ذات تأثير سياسي وإجتماعي على الداخل أم أن التاريخ تجاوزها فأصبحت إحدى مراحله المهمه والمؤثرة ، الأيام كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق