المفهوم هو تصور ذهني عام ومجرد عن الأشياء الواقعية ، وقد يكون تصوراً ذهنياً محضاً بلا وجود حقيقي في الواقع ، ولارتباطه القوي بإشكاليات المعنى والدلالة والإحالة ، تختلف التفاسير في المفهوم الواحد ، مما يصنع انطباعاً حقيقياً بنسبية المفهوم أصلاً .
وهذا ما يلاحظ حالياً ، بعد الربيع العربي ، فهناك الكثير من المفاهيم المتفق عليها كألفاظ ، من قبيل ( حقوق الإنسان ، وحرية التعبير ، وحرية التجمع ) وما إلى ذلك من المفاهيم الطارئة حديثاً كتطبيقات ، وإن كانت موجودة في الأساس كألفاظ تعريفية لا أكثر ولا أقل ، وذلك راجع لحالة الدول العربية الاستبدادية الرافضة لأي فكرة ، أو مفهوم يأتي من خارج المؤسسة الحاكمة ، فيصل الحد إلى التجريم الحقيقي لصاحب الفكرة أو المفهوم ، عبر وسائل الدولة الاستبدادية المعروفة من قضاء وإعلام وغيره .
بعد الحالة الجديدة برزت هذه المفاهيم بقوة على السطح ، ولكون المجتمع لم يتعود عليها ، تم استخدامها كشعارات تأخذ أحكام النتائج والغايات ، متجاوزين بها حكمها الحقيقي ، أنها مجرد وسائل يفترض وجودها العيش الكريم لأفراد المجتمع ، فالمفاهيم المذكوره أعلاه وغيرها ، ليست غايات لذاتها ، بل وسائل لحفظ كرامة الإنسان وضمان الحياة الكريمة له .
كل هذه الفوضى في تحديد المفهوم بشكل مقبول يقودنا إلى المربع الأول غير المشاهد ، وهو المرجعية ، وهو ما يسميه حجة الإسلام الغزالي رحمه الله بالميزان أو القانون المتفق عليه في معرض حديثه عن استخراج الجزئيات من الكليات ، يقول رحمه الله :
" وليكن للبرهان قانون متفق عليه يعترف به كلهم ، فإنهم إذا لم يتفقوا في الميزان لم يمكن رفع الخلاف بالوزن " .
ولاختلاف الناس أساساً في المرجعية لمن تكون ، فمن قائل بوجوب الرجوع للفقه الإسلامي في تحديد الأحكام ، إلى قائل بالرجوع للمقاصد الكلية من الشريعة ، إلى رافضٍ أصلاً فكرة التراث الإسلامي العربي محيلاً على الموروث الغربي في القضايا الجزئية ، والناس في ذلك مشارب وأهواء ، لا يمكن حصرها في مجال معين أو مرجعية معينة ، حتى الفريق المتفق على مرجعية بعينها ، كالشريعة أو الفقه أو الموروث الغربي ، تجدهم يختلفون في ما الفقه المقصود هل هو المالكي أم الشافعي أم الحنبلي أم ، أم ، وكذلك غيرهم .
المحصلة النهائية لهذا الموضوع أن الاتفاق يجب أن يكون في البداية على مرجعية متفق عليها ، قبل الخوض في التفاصيل التي لن تنتهِ ، ما دام الإنسان في علاقة مع غيره ، المرحلة الماضية كانت مرة جداً على الوطن العربي ، ولكنها كانت مليئة بالدروس المستفادة ، وأظن أن فوات التفكير في المرجعية من الأساس صنع هذه الفوضى في أكثر من بلد عربي .
نشر في جريدة الشرق القطرية يوم ٢٧
نوفمبر ٢٠١٣
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق