:
حق التعبير من الحقوق التي يقاس عليها تقدم الدول على بعضها ، و تعتبر من المعايير العالية جداً عالمياً ، والتي قد لا تتوفر في أي دولة مهما كانت حقوقية من النواحي الثانية ، وقد يسمى " الحق في النقاش " أو " حق إبداء الرأي " ، وهو باختصار : حق المواطن في الدول الحرة ، أن يقول ، أو يكتب ، أو ينشر ، أو يطبع ما يود التعبير عنه ، مع العلم ، بأن هذا الحق لا يخلي مسؤوليته عند الإضرار بالآخرين ، في مسائل القذف الصريح ، أو تشويه السمعة بلا مستند حقيقي .
وهذا الحق يعادل في المقاييس الأخرى الكمال الحقوقي ، فليس بعده من حقوق تذكر عند المجتمعات الطبيعية ، وكل ما عداه قد يتعارض بشكل من الأشكال مع بعض الحقوق الأولية ، كحق تغيير الجنس مثلاً أو حق الإجهاض .
بعد الثورات العربية ولقلة التجربة ، برز هذا الحق كمطلب أولي ، ولعدم معرفة الناس لحقيقة أن يكونوا أحراراً ، رأينا العجب في طرق استخدام هذا الحق في بعض الدول حديثة عهد بالاستبداد ، فكان التهجم والتأليب الصريح ، فضلاً عن القذف العلني والتخوين ، حتى حدث ما حدث في مصر المحروسة مثلاً ، ويحاول البعض تمريره إلى تونس بأساليب قد تختلف .
المجتمع المصري حين تعلق بهذا الحق ، كان كمن لا يملك أي لياقة بدنية تذكر ، ثم أدخل في سباق المئة متر ، فجاء متخلفاً في ركضه ، بل لم يستطع الانتهاء من السباق أصلاً ، ورجع إلى بداية النقطة الأولى ، يمارس الإحماء على المضمار ، ويأخذ حصص لياقة .
إن هناك مستويات من الحقوق كما يقسمها الفقيه القانوني الإنجليزي "بلاكستون" حقوق مطلقة وحقوق نسبية ، ثم زاد فقهاء القوانين ، حقوقاً ثانوية لا يصار إليها إلا بعد الانتهاء من الحقوق المطلقة والنسبية .
وهذا ما فات الناس والمثقفين في بلادنا العربية ، فمن أول أيام الثورة ، قفزوا إلى حق التعبير ، وحرية الكلام ، وجاءت كما هي طبيعة الفوضى التي تركها الاستبداد ، مجردة من أي قيمة أو مسئولية ، بل جاءت كما يريد أساطين الدولة العميقة ، أو ما اصطلح على تسميتهم بالفلول .
لست هنا في مقام الناقد ، بل في مقام المتابع ، فالمربع الأول حين ترجع إليه في ثورة عظيمة كثورة مصر ، مؤلم للجميع ، حتى للمتابعين ممن لا يمسهم الوضع الداخلي المصري بشكل مباشر ، ولكن يقيناً أن مصر قبلة العرب ، وحين تعبر القنطرة سيعبرها الجميع معها .
حق التجمع والتظاهر كافي كخطوة أولى يجب رفض التنازل عنها مهما حصل ، فهي إن سلبت لن تعود ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق