الخميس، 1 مايو 2014

هل صدق بلير في خوفه من الإسلام


هل صدق بلير في خوفه من الإسلام
صراع الحضارات مرةً أخرى


ارتبط مفهوم صراع الحضارات بالأمريكي هنتجتون، لكنه لم يكن أول من ابتدعه، فقد سبقه إلى ذلك بازيل مثيو في كتاب نشره عام ١٩٢٦ (1) ، وبرنارد لويس عام ١٩٩٠ (2) في مقالةٍ تحمل عنوان جذور الغضب الإسلامي، نشرتها مجلة المحيط الأطلسي الشهرية، والمهدي المنجرة الذي ذكره في لقاء أجرته معه مجلة المرآة الألمانية عام ١٩٩١. 


ولعل استخدام كلمة "الحضارة"، لا يعطي توصيفاً صحيحاً للصراع، ولا حتى مصطلح "الثقافة" لعدم مناسبته مناسبة كاملة لهذا التوصيف، وربما كان الأفضل استخدام "صراع الأمم"، ذات المرجعيات القيمية.

أعاد هذه الفكرة للأضواء وبعث النقاش حولها من جديد محاضرة توني بلير في قاعة بلومبيرج قبل أيام ، والتي نشرت نصها كاملا صحيفة نيوستيتمان.


تحدث بلير عما يجب أن يكون عليه موقف الغرب من "الإسلام السياسي" ، المتصاعد رغم كل ما يبذله الغرب لهزيمته. وقرر بلير أن المشكلة ليست في الإرهابيين فقط بل في كل من يطرح الإسلام كمشروع سياسي(3). وفي سياق كلامه أكد بلير دعم الغرب لانقلاب مصر والأنظمة المستبدة الفاسدة في العالم الإسلامي، وقال إن هذا الدعم ضرورة لأن البديل أخطر بكثير. وأكد بلير أننا حتى لو انتقدنا انتهاك حقوق الإنسان، فهذا يجب أن لا يؤدي إلى أي خلخلة للأنظمة المتحالفة مع الغرب ضد الإسلام السياسي. ولو كان هذا الانتهاك الحكم بإعدام 500 شخص دفعة واحدة.


تعرض هنتجتون قديماً لموجة هائلة من النقد، بصفته محرضا على الصدام، مع أن مقالته كانت وصفية لم تحمل أي تحريض، بل نص هو شخصيا على ذلك في آخر المقال(4). المفارقة هنا أن كلام توني بلير -وإن اختلف قليلا بسبب المكانة السياسية- فهو لسان المقال لما عليه لسان الحال من واقع الصدام بين الإسلام السياسي حاليا والغرب. بمعنى أن كلام بلير -وإن كان ظاهره تحريضيا- فهو ترجمة وصفية لسياسة الغرب التي يخجل من التصريح بها أوباما وكاميرون وهولاند وميركل، ممن ليست لديهم أريحية بلير بعد أن ترك المنصب. وما يثبت هذا الكلام أن معظم النقد العنيف الذي تعرض له بلير كان عن الأسلوب وليس عن الفكرة، حتى من المتعاطفين الغربيين مع القضايا العربية. 


"المشكلة في الإسلام نفسه"، عبارة قالها بلير سابقا في مقال نشره في الديلي ميل قبل سنة تقريبا (5)، ليست صادمة أو مفاجئة، أو حتى مصنفة كنظرة عدائية، يجب الاعتذار منها، بل هي إنباء حقيقي وواضح لما يجري. المسألة ليست مؤامرة تُنفى أو تُثبت أو يُصنف الناس حولها، ويوصفون بأوصاف الدوغمائي والمؤدلج والتغريبي، لأن ما يجري هو مواجهة حقيقية وصدام بكل المقاييس. الطرف الأول العلمانية الغربية، ومن خلفها أمريكا ودول أوروبا الغربية، والطرف الثاني الإسلام السني -تحديدا- دون غيره من المذاهب الإسلامية الأخرى. 


لماذا الإسلام السني؟ لأن الإسلام السني يشتمل على مجموعة من الميزات والعوامل تجعله، أولا: خصما قادرا على مواجهة العلمانية بمشروعها الحالي بكفاءة، وثانيا: تجعل صدامه الشامل معها حتميا لامفر منه.


"هنتجتون" أشار إلى بعض هذه العوامل، لكنه لم يتحدث عنها بتلك الدقة الكافية، ربما لعدم توفر الفرصة الكاملة لأن يتعرف على طبيعة الإسلام. ولعلنا نستعرض بعض هذه الميزات والعوامل. (كل إشارة أدناه للإسلام تعني الإسلام السني) 


العامل الأول أن الإسلام يتبنى العالمية والهيمنة تماما مثلما تتبناها العلمانية. وهذا يجعل الطرفين في صراع طبيعي حول الاستعلاء على الآخر، فلا الإسلام (السني) يرضى بأن يكون تحت مظلة أي شرعة أو منهج، ولا العلمانية ترضى بأن تأتي تحت مظلة الأديان، فضلاً عن الدين الذي ينافسها في المجالات كلها. صحيح أن هنتنجتون تحدث أكثر عن صدام بين الإسلام والمسيحية، لكن فرضيات هنتجتون نفسها تنطبق على صدام الإسلام مع العلمانية أكثر من صدامه مع المسيحية. هذا لا يعني عدم حصول صدام إسلامي مسيحي في المستقبل البعيد، بعد أن يتخلى الغرب تماما عن العلمانية ويعود لنصرانيته.


العامل الثاني قوة الهوية والانتماء في الإسلام، حين يقدم هويةً متكاملةً تعطي الإنسان قوةً في الانتماء تصل إلى الحدية، بلا مناطق رمادية ولا صعوبة في الوصف. فالإنسان إما مسلم أو كافر، هكذا فقط، ودخوله وخروجه من هذه الدائرة حديٌ وواضح المعالم أيضاً. ومهما تحلى به المرء من مميزات وأخلاق مقاربة، فالهوية الإسلامية لا تضفى عليه إلا بشرطها الحاد الواضح، ولنا في أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم خير دليل وأوضحه.


العامل الثالث الشمول الذي يتحلى به الإسلام ( وهو مايسمى عند الفلاسفة الجرمان برؤية العالم ) فهو مشروع تربوي إيماني اجتماعي اقتصادي سياسي، يحدد علاقة الإنسان بنفسه وبربه وبالآخرين وبالأرض وبالكون كله. باختصار يطرح الإسلام برنامجا متكاملا يشرح الوضع من البداية حتى النهاية، في دائرة متجانسة ومتوافقة مع نفسها، وغير متعارضة، تستطيع الوصول إلى أبعد نقطة دون الحاجة لمساعدة خارجية، مع الثقة الكاملة والتامة بهذا الشمول، فلا تردد ولاعجز عن الحضور. هذه الثقة بالمحتوى إذا اختلطت مع الثقة بالهوية والانتماء ترفع مستوى الثقة بالنفس ودرجة التحدي لمستوى الصدام بكفاءة.


العامل الرابع الروحانية والإيمان والفضيلة وهي عوامل متوفرة في الكثير من المذاهب الإسلامية الأخرى والديانات السماوية والوثنية، لكنها في الإسلام السني تختلف في كونها منسابة مع طبيعة النفس الإنسانية ومنطق العقل. وهذا لا شك يعطي الإسلام تفوقاً وميزةً على العلمانية، كما يعطي الإنسان والمجتمع (تحت مظلة الإسلام) استقراراً وتناغماً، وهو ما لايتوفر في العلمانية القائمة على مبدئي اللذة والمنفعة. ومن الملاحظات المعروفة على العلمانية أنها لا تملك إلا أن تسن قائمة من الممنوعات في القوانين لكنها منزوعة القدرة على الدعوة للفضيلة. 


العامل الخامس الإلزام في الإسلام، وهذا عائد للحدية المذكورة سابقاً في الإنتماء، الذي يجعل الإيمان به اعتقاداً وقولاً وعملاً، ملزما للتابع إلزاماً تاماً بالتطبيق وحمل الرسالة وفرضها بالهيمنة والاستعلاء والعالمية.


هذه العوامل التي يتمظهر فيها الإسلام السني لم تكن لتجتمع فيه، لولا أنها حُملت بكفاءة في ذلك الوعاء المحفوظ، وهو النص المقدس عند المسلمين السنة، بشقيه الكتاب والسنة على فهم الصحابة. وهذا ما يحب البعض تسميته بالمرجعية، فمرجعية الإسلام السني ليست في كيان بشري مثل الفاتيكان أو الحوزة أو شيخ الصوفية، بل هي في ذات النص، وبفهم الصحابة فقط دون غيرهم.


وهي ( العوامل ) تجعل التفاهم والحوار مع الغرب العلماني، بمفهوم تفادي الصراع هراء ومضيعة للوقت. والمتابع للأحداث يعلم حقيقة هذا التفاهم، فمن حربٍ على جماعات الإسلام العنيف، بعد ١١ سبتمبر، إلى حربٍ على جماعات الإسلام المتطرف الحدي، إلى الحرب الأخيرة على جماعات الإسلام السياسي كما صرح بذلك بلير. 


ولو كان الجهد الحواري أو الحرص على تفادي الصدام ينفع، لنفعت تنازلات حركة الإخوان التي قدمت كل ما يمكن أن يسمى تنازل، وقامت باتباع نفس الوسائل التي تراها العلمانية وسيلةً وحيدةً للوصول للحكم، ولم يشفع لها ذلك في أن تكون صديقاً للعلمانية، بل باركت قوى العلمانية جميعها بلا استثناء ما يقوم به الإنقلابيون في مصر.


-------------------------------------------------------------------------------------------------


(1)
Young Islam on Trek: A Study in the Clash of Civilizations: 1926

(2)
The Roots of Muslim Rage: The Atlantic: 1Sep1990
(3)
أهم عبارة في خطاب بلير
The threat of this radical Islam is not abating. It is growing. It is spreading across the world. It is de-stabilising communities and even nations. It is undermining the possibility of peaceful co-existence in an era of globalisation. And in the face of this threat we seem curiously reluctant to acknowledge it and powerless to counter it effectively
خطورة هذا الإسلام المتطرف لا تنحسر، بل تنمو وتنتشر في كل العالم، وتؤدي إلى خلخلة استقرار مجتمعات وأمم، وتقوض فرصة التعايش السلمي في زمن العولمة. وأمام هذا التحدي نبدو مترددين على الإعتراف بذلك عاجزين عن مواجهته بكفاءة. 


(4)
قال هنتجتون في آخر المقال في صحيفة فورين أفيزرز (الشؤون الخارجية)
This is not to advocate the desirability of conflicts between civilizations. It is to set forth descriptive hypothesis as to what the future may be like
هذا ليس تبنيا للرغبة بصدام بين الحضارات، بل لتقديم وصف افتراضي لما يمكن أن يكون عليه شكل المستقبل
ForeignAffairs: 1990

(5)
'There is a problem within Islam'
Mail Online: 1June2013
للإطلاع على المقالة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق