إن كانت العلمانية في إحدى تعريفاتها الكثيرة تعني فصل الدين عن السياسة ، أي عدم تسيس الدين ، أو بمعنى أوضح نزع القداسة التي تعطى للدين من الممارسات السياسية عموماً ، و جعل السياسة حقلاً خالياً من التقديس ، إذ يصح فيه ما لا يصح في تأدية الشعائر الدينية ، أو التعاطي مع النصوص بشكل أو بآخر من التقديس المصاحب عادةً ، فإن ما يمكن أن يسمى مفهوم مخالفة كما عند الأصوليين أو العلمانية المضادة كما أسميتها هنا ، أن نجعل للممارسات السياسية قداسة الدين ، أو لنقل تديين السياسة .
من ذلك مثلاً ما يتم تداوله كثيراً من أن التغلب الذي يمارس في أكثر من مكان في العالم العربي و الإسلامي شرعي ، و من صلب الممارسات الشرعية المحثوث عليها ، و فيها هذا تعدٍ واضح و سافر على شخص المشرع صلى الله عليه وسلم ، فمن المتواتر عند أهل السنة والجماعة بعموم مذاهبهم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ولم يوصي بأحد أن يحكم من بعده ، ولم يخالف في ذلك إلا الشيعة الإمامية في قصة غدير خم .
وما يقال أو يشاع أن الشورى التي يفهمها الكثير من الفقهاء من كتب الفقه ، وهي ما يناط بأهل الحل والعقد فقط ، وأنها هي الشورى الشرعية ، فهذا تعدٍ واضح وجلي أيضاً على طريقة عبدالرحمن بن عوف في قصة تولية عثمان بن عفان فقد استشار حتى النساء في خدورهن .
وجميع ما يمارس على أنه سياسة من قبل الشرعيين أو ينقد ، هو في الحقيقة مجرد وسائل لها حكم الغايات ، فالشريعة الإسلامية لم تأتي بآليات معينة في السياسة ، وإنما جاءت بمعاني ومقاصد مطلوبة ، وحثت عليها من قبيل العدل والمساواة وحفظ المال العام والشورى ، وغير ذلك ، بلا ترتيب معين وآلية معينة ، كالعبادات مثلاً ، التي كان النص فيها على طريقة التأدية لا يقبل الخروج عن النص .
ينبغي أن نتواطئ على استخلاص المعاني من الشريعة ، وعدم التعارض معها ، وأن نستخدم الآليات المتاحة ، والتأكيد على أن مزاج الأمة عامل مهم في نجاح الأفكار ، بعيداً عن الإجحاف في حقوق المسلمين بدعاوى تديين الممارسة السياسة ، وجعلها مقدسة كقدسية الكتاب والسنة ، مع إغفال أنها وسيلة لم يأتِ فيها نص صريح ، بل الغالب أنها اجتهادات فقهية لزمان غير زماننا ، ناسبتهم ولم تعد تناسبنا .
مبدع يا صديقي،،والامر فيه نقاش كبير اتمني يكون هناك فرصة لذلك
ردحذف