المركزية الأوربية تعني الإحتكام الدائم في شؤون الثقافة والقيم للثقافة الأوربية الغربية ومعها أمريكا ، أو هي بمعنى آخر جعل قيم أوربا هي المحك على كل ممارسة ثقافية معينة ، سواءً بوعي أو بدون وعي ، فالغرب يمارس المركزية الأوربية بوعي وإدراك في جميع علاقاته مع الأخرين خارج منظومة الدول الغربية ، فأول من صعد إلى قمة إفريست مثلاً غربي ، ونهر النيل ينبع من بحيرة ذات إسم غربي ، والمناطق تسمى بالنسبة لموقعها من أوروبا الغربية ، والتاريخ يُقسم بناءاً على رؤية أوروبا له ، فمسمى القرون الوسطى يعادل عندنا عصور النور والسيطرة العالمية .
والغرب عموماً لا يمكن أن يتخلى عن هذه الفكرة ، مهما إدعى من التسامح وتقبل الآخر ، فالسياسات الغربية يضعها الساسة وأصحاب النفوذ المالي ، لا الحكماء والمتسامحين من الفلاسفة ، وما صراع الحضارات ونهاية التاريخ وتمرير القوانين في المحاكم الفرنسية الممجدة للإستعمار إلا صور بسيطة وأمثلة واضحة عن تغلغل هذه الفكرة في الوعي الغربي حد المسلمات .
هذا موقف أوروبا وطريقة تعاملها مع الأمر عموماً ، ومستوى ترسخ هذه المركزية في الوعي الإنساني العالمي عن طريق الإعلام والتأثير على التعليم ومحاكاة الأقوى ، تجعل من التعديل الكلي أمراً صعباً يصل إلى حد الإستحالة عند البعض ، لكن ذلك لا يعفي المثقف والمهتم من تبعات هذا التعديل خصوصاً في النقاشات الفكرية بين العرب أنفسهم أو بين العرب والأخرين .
فخطورة مثل هذه المركزية على المتلقي عندما تمرر دائماً بأقلام رصينة ومتزنة أخطر من تمريرها عليه بأقلام قد يشك في صدقها معه ، فمثلاً في باب الثقافة يطرح سن الزواج للنساء وفق المركزية الأوربية التي تحدد سن الطفل بثمانية عشر عام ، وفي باب القيم تطرح علاقة الرجل بالمرأة وفق هذه المركزية ، وكأن الثقافة العربية الإسلامية بحاجة أصلاً لمنظومة من الأخلاق أو السلوك ، بل إنها من الخطر بمكان أنها تجعل الموقف العربي والشرقي عموماً في مكان الدفاع دائماً لتبرير قيمه وثقافته وأنها متسقه مع القيم والثقافة الأوروبية !!
ومن التسويق غير الواعي للمركزية الأوروبية عند فئة من المثقفين قد لا تكون كبيرة ، ولكنها مؤثره ، استسقاء الأفكار من فلاسفة الغرب فقط وتنزيههم عن الخطأ ، وعند طرح إسم شرقي إسلامي يتم التهكم بالطارح ، من قبيل أن الشرق لم ينجب من يستحق أن يؤخذ بكلامه في الفكر والثقافة عموماً ، ولو رجع هذا المثقف لنفسه قليلاً ، وقرأ في أي علم تقريباً لوجد من العلماء الشرقيين من يصادم بأفكاره جهابذة الفكر الأوروبي ، ولا يعذر صاحب قلمٍ إن عذرنا القارئ .
إن أردنا حواراً حقيقاً مع الغرب فيجب أن نتفق على مجالات الحوار وأسسه ، لا أن ننساق وراء الرؤية الغربية والقيم الأوروبية ونجعلها المتحكم والثابت وغيرها هو المتحول سواءً في نقاشاتنا البينية أو نقاشاتنا مع الآخرين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق