الخميس، 12 فبراير 2015

المفارقة اليمنية .. فوضى اليمن سبيل قوته


يصعب الحديث عن الشأن اليمني لإختلاف الوضع الاجتماعي والثقافي والسياسي عن كثير من الدول بشكل جذري، وحتى لو نجح المتحدث عن الشأن اليمني في ايضاح الصورة، فإن القارئ سيجد صعوبةً في فهمها لأن الطريقة التي تجري فيها الأمور في اليمن مختلفة جداً عن باقي الدول.



المؤسسات الوسيطة أقوى من الدولة
والسبب ليس التخلف التقني والتنموي والخدماتي كما يبدو للبعض، بل لأن اليمن لا يزال محكوما بالمؤسسات الوسيطة أكثر من أن يُحكم بالدولة المركزية كما هو الحال في كل دول العالم. والمؤسسات الوسيطة المقصودة هي القبائل والعلماء والأعيان والتيارات الاجتماعية و الفكرية والمذهبية، التي تفرض نفسها على الدولة أكثر مما تفرض الدولة نفسها عليها.

وإذا وضع هذا الاعتبار في الحسبان، يمكن فهم معظم أحداث اليمن منذ حكم الإمام يحيى وحتى الآن. وكذلك التطورات الأخيرة التي دخل فيها عامل الحوثيين وأنصار الشريعة لا يمكن فهمها إلا باستحضار طبيعة اليمن ودور المؤسسات الوسيطة.

ضعفها الآن قوة للمستقبل كيف؟
هذا الاختلاف عن الدولة الحديثة، جعل دور اليمن إقليميا وعالميا محدودا جدا في الماضي، لكن هو ذاته سيجعل دورها كبيرا في المستقبل. السبب هو أن ضعف الدولة المركزية بقدر ما يتسبب في الضعف والفوضى في ظروف ما، فهو أيضا يفتح المجال للقوى العقائدية والموجهة أن تستثمر الوضع وتكتسح بقوة تتفوق على سلطة الدولة المركزية.

ويخبرنا التاريخ أن مثل هذه القوى، تجعل شعبا فقيرا معدوم المقدرات، قوة هائلة تصنع التاريخ وتفتح الفتوحات. ومن هنا تحولت قبائل متفرقة فوضوية ليس عندها أي مقومات للدولة في جزيرة العرب بعد البعثة النبوية إلى أمة فاتحة عظيمة، والأمثلة على ذلك كثيرةٌ جداً يصعب حصرها، بل تكاد تكون سنة اجتماعية تتكرر كلما تهيأت الفرصة لانطلاقة منظمة بإطار عقدي.

وما يجري في اليمن متمثلا في القصف الأمريكي بمؤامرة دولية، وما صاحبه من غزو ايراني على يد الحوثيين يدفع للاستشراف بتطور في هذا الاتجاه. وبقدر ما تظن القوى الإقليمية والعالمية أنها بإبقاء اليمن ضعيفا مفككا تحتوي المشكلة، فهي  في الحقيقة تجعل البيئة أكثر مناسبة لتحول القوى القبلية المفككة إلى قوة ضاربة إقليميا وعالميا.

استشراف سابق: المعركة بين الحوثيين وأنصار الشريعة فقط
كنت قد استشرفت في سلسلة تغريدات قبل عدة أشهر بعد دخول الحوثيين صنعاء في المرة الأولى، أن تنحسر كل القوى وتصفو المواجهة بين قوتين فقط الحوثيين وأنصار الشريعة. وتدل الأخبار القادمة من اليمن على أن ذلك هو ما يحصل، وأن كثيرا من القوى إما انضمت لأنصار الشريعة أو للحوثيين أو تحالفت مع أحدهما.

الحوثيون ورطوا أنفسهم بهذا الانتشار السريع، ولن يستطيعوا استيعاب ما استولوا عليه، لأنهم حَملوا فوق قدرتهم وتحملهم، وسيرتد عليهم توسعهم ارتدادا خطيرا ربما يؤدي لزوالهم. ويرجع ذلك لكونهم قوة دخيلة على اليمن اجتماعيا وعقديا وثقافيا، والدور الإيراني فيها مكشوف ولذلك لن تستطيع ابتلاع اللقمة التي وضعتها في فمها.

وبما أن القوة الوحيدة التي تواجه الحوثيين هي أنصار الشريعة، فمن الطبيعي أن تكون هي الكاسبة من انحسارهم أو زوالهم، وبذلك تتحقق المفارقة التي أشرنا إليها في تلك التغريدات أن سيطرة الحوثيين هي المفتاح لسيطرة أنصار الشريعة.

أنصار الشريعة وتكرار تجربة الدولة الإسلامية
توسع أنصار الشريعة في اليمن لن يكون مختلفا كثيرا عن  توسع "الدولة الإسلامية"، ذلك لأن مشروع أنصار الشريعة لا يحترم الحدود القطرية ولا يعترف بالقوانين الدولية. ويتفوق أنصار الشريعة على "الدولة الإسلامية" بتحاشي كثير من الممارسات التي استفاد منها خصوم الدولة في الحشد ضدها.

هذا الحذر والتروي عند أنصار الشريعة، يعطيهم مجالا أكبر للتوسع بدون المضاعفات التي صاحبت "الدولة" بسبب ترحيب الحاضنة الاجتماعية ودعمها، وبسبب انسجامهم مع معظم مكونات المجتمع اليمني. من جهة أخرى فإن هذا الحذر والتروي يقفل الطريق أمام خصومهم في افتعال الأعذار لتجييش الآخرين ضدهم دولاً وجماعات.
التغريدات السابقة
لإكمال فكرة المقال اسوق هنا التغريدات السابقة لان فيها استعراض للخريطة الاجتماعية والسياسية وتوضيح للوضع الذي آل إليه اليمن بعد دخول الحوثيين صنعاء:

  • المكونات الاجتماعية والحركية والسياسية التي تحدد مستقبل اليمن (سوى الحكومة) ثلاث أنواع، الجماعات المسلحة، الأحزاب، القبائل.
  • الحكومة في اليمن مؤسسة ضعيفة، وسلطتها محدودة، وأجهزتها فاسدة، ولولا الدعم الإقليمي والدولي لم تتمكن الحكومة من البقاء سواء في عهد علي صالح أو بعده.
  • ولا توجد قناعة لدى الشعب بالحكومة، لأنها لم تحقق مهمات السلطة، مثل الأمن، أو القضاء، أو الخدمات، بل معظم مؤسساتها خادمة لمصالح إقليمية ودولية.
  • وبعد إقالة علي صالح انتهى دور الحكومة، ولم يبق إلا الجيش الذي حرصت أمريكا على بقائه حتى يحارب القاعدة، لكن لأنه مخترق، انكشف أمام الحوثيين.
  • القبائل موزعة على كل اليمن، ورجالها مسلحون، لكنها مثل القبائل في أي مكان، تفتقر للتنظيم والتدريب والبرامج، وولائها المضمون لنفسها، وأما لغيرها فمتقلب.
  • ورغم أنها تفتقر للتنظيم والتدريب، إلا أنها أقوى مكوّن اجتماعي، ولا يمكن تطويع أي منطقة لأي جهة بما في ذلك الحكومة إلا بتفاهم مع شيوخ القبائل.
  • بعض شيوخ القبائل منضبط بالمبادئ والقيم، ويتحمل مسؤولية قبيلته، وبعضهم يسهل شرائه بالمال أو بالمناصب، أو بتسهيلات لعائلته وجماعته.
  • الجهات الإقليمية صاحبة التأثير في اليمن، تتسابق على شراء ولاء زعماء القبائل، وإذا لم تنجح مع شيخ الشمل، تنجح مع المرتبة الأدنى من الزعامات.
  • لسنا هنا بصدد قائمة بمن يشترى، لكن الاجتياح الحوثي لم يكن ليحدث لولا شراء ولاءات من هذا القبيل من قبل إيران، وكذلك من جهات خليجية.
  • الجماعات المسلحة القوية جماعتان فقط، هما أنصار الشريعة التي تعتبر فرع القاعدة في اليمن، والحوثيون الذين تمكنوا من اجتياح صنعاء قبل أيام.
  • أنصار الشريعة توسعت على أساس عقدي، مستفيدين من صعود نجم القاعدة، واستثمار مظالم الناس، والفطرة الدينية القوية للمواطن اليمني في الجملة.
  • لكن هذه الجماعة في حالة حصار، فهي مستهدفة من الحكومة اليمنية، ومن الأمريكان بطيارات الدرونز، ومن دول إقليمية، ومن الحوثيين ومن غيرهم.
  • ومع ذلك، فلا يزال لهم قوة وحضور في أكثر من منطقة، وعلاقة قوية ببعض القبائل، وقد استفادوا من فوضى الجيش بعد الثورة، وحققوا توسعا ملحوظا.
  • ويلاحظ على قاعدة اليمن، أنهم أكثر مراعاة للحاضنة الاجتماعية في أدبياتهم و تصرفاتهم، وأكثر تحاشيا للعمليات التي تعطي ذخيرة لمن يصفهم بالتطرف.
  • الحوثيون تأسسوا في منطقة صعدة، وبقي نفوذهم وشأنهم محدودا جدا في تلك المنطقة، وذلك بسبب عدم تقبل الشعب اليمني لعقائدهم، حتى مع الدعم الإيراني.
  • لكن بعد تداعيات الثورة في ٢٠١١، وإبعاد علي عبد الله صالح مع بقاء نفوذه على قيادات عسكرية، ومع وجود مصالح إقليمية، احتاجت للحوثيين تغيرت المعادلة.
  • وكانت أفضل طريقة للسماح لهم بالتمدد، هو تكليف قيادات الجيش الموالية لعلي صالح بالتراجع أمامهم، وهذا كان سبب وصولهم لمنطقة عمران ثم دخول صنعاء.
  • الأحزاب كثيرة لكن أهمها ثلاثة: حزب المؤتمر، وحزب الإصلاح، والحزب الاشتراكي، وهذه الأحزاب لديها سلاح، لكن ليست بمستوى الجماعات المسلحة.
  • حزب المؤتمر ليس إلا مظلة لقيادة علي صالح، وليس فيه من المبادئ والبرامج إلا الترقيع، ولم يكن ليبقى الأقوى سياسيا لولا الدعم الاقليمي ماديا وإعلاميا.
  • حزب التجمع اليمني للإصلاح “حركة الإخوان” حزب ديني يتبنى الطرح الإسلامي، وهو أكثر الأحزاب تنظيما، ويتمتع بولاء قوي من كوادره، وفيه جناحان :
  • الجناح الأول : مبالغ في السلمية ومراعاة الظروف الإقليمية، ومتحمس للتعاون مع أي حكومة قائمة، ويرضى بالأمر الواقع، والتفاهم مع القوى الإقليمية.
  • الجناح الثاني : له ميول عسكرية، ويرى أن ضعف الحكومة المركزية في اليمن سبب للاستعداد الدائم للقتال، والدفاع عن المكاسب، وله كوادر مدربة ومسلحة.
  • الجناح الأول كان له دور في تسلم صنعاء للحوثيين، وبعض رموزه متهمة بأنها اشتُريت إقليميا لتهميش الحزب، كما كان لهم دور في تمييع الثورة.
  • الجناح الثاني كان غير راض عن المبادرة الخليجية، ويعتقد أن كوادره تتجمع الآن في مدن أخرى من اليمن لمواجهة الحوثيين، وربما يتحالف مع القاعدة.
  • الحزب الاشتراكي كان له شأنه لأنه وريث دولة، لكن بعد أن انتهى استبداد الشيوعيين في الجنوب، تلاشى ثقله بسبب فطرة الناس الرافضة للشيوعية.
  • حل محل الحزب ما يسمى بالحراك الجنوبي، وهو كيان له حضور في عدن وحضرموت، لكنه يعاني من عدة مشاكل منعته من أن يكون له التأثير المتوقع.
  • أول المشاكل أنه لا يزال غير قادر على تبرئة نفسه من التطرف الاشتراكي، بسبب ثقل الشخصيات اليسارية فيه، وثانيها عدم قدرته على كسب القبائل في المنطقة.
  • الحراك الجنوبي بدأ سلميا، لكن ثقافة السلاح وتطورات الثورة، دفعته لتأسيس جناح عسكري، لكن لا يزال نشاطه القتالي أصغر بكثير من القاعدة والحوثيين.
  • نحن إذا أمام المشهد التالي: حكومة غير موجودة، جيش فاشل، الحوثيون، والقاعدة، هذه أقوى الجهات، القبائل غير مضمونة الولاء ومسلحي الإصلاح والحراك يتربصون.
  • بفهم هذه الخريطة، فإن المواجهة المحتملة لن تكون إلا بين القاعدة والحوثيين، لأن أيا من القوى الأخرى غير قادرة على المواجهة لوحدها بما في ذلك الجيش.
  • وربما تصبح هاتان الجهتان قطبين يتكتل حولها القوى المختلفة من الأجنحة المسلحة في الأحزاب والقبائل وقطاعات الجيش المتفلتة.
  • على الأرجح سيصطف مسلحوا الإصلاح مع القاعدة وكثير من القبائل، وتتفرق فلول الجيش بين الجهتين، أما الحراك الجنوبي فربما يبقى مستقلا.
  • يبقى عامل القوى الإقليمية والعالمية التي قطعا ستعمل لصالح الحوثيين حتى لو كانوا تابعين لإيران لأن القاعدة أخطر بكثير.

هناك تعليقان (2):

  1. دائما تحلل الحدث بعد وقوعه وتخطئ دوما باستشراف المستقبل؛ ولذلك تجاهلت الدولة الاسلامية( ولاية اليمن )، ويسيطر عليك التحليل ( الرغبوي ) بسبب تعاطفك مع تنظيم القاعدة و

    ردحذف
  2. لا يبالغ كثيرا في شرح الوضع في اليمن القاعد حاضنتها في اليمن الجنوبي لاعتبارات سياسيه ومذهبيه وعصبيه كما ان حاضنت الحوثيين في اليمن الشمالى

    ردحذف